المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌8 - باب أفضل الصدقة - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٢

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌4 - كِتابُ الصَّلَاةِ

- ‌2 - باب المَواقيْتِ

- ‌3 - باب تَعْجيل الصَّلاةِ

- ‌فصل

- ‌4 - باب الأَذان

- ‌5 - باب فَضْل الأَذان وإجابة المؤذَّن

- ‌فصل

- ‌6 - باب المَساجِد ومَواضع الصَّلاةِ

- ‌7 - باب السَّتر

- ‌8 - باب السُّترة

- ‌9 - باب صِفة الصَّلاةِ

- ‌10 - باب ما يَقْرأُ بعد التَّكبيرِ

- ‌11 - باب القِراءةِ في الصَّلاة

- ‌12 - باب الرُّكُوع

- ‌13 - باب السُّجود وَفضْله

- ‌14 - باب التَّشهُّدِ

- ‌15 - باب الصَّلاةِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وفَضْلِها

- ‌16 - باب الدُّعاء في التَّشهُّدِ

- ‌17 - باب الذِّكر بعد الصَّلاة

- ‌18 - باب ما لا يَجُوزُ من العمَل في الصَّلاة وما يُباحُ منه

- ‌19 - باب سُجُود السَّهْوِ

- ‌20 - باب سُجود القُرآن

- ‌21 - باب أَوقات النَّهْي عن الصَّلاة

- ‌22 - باب الجَماعة وفَضْلِها

- ‌23 - باب تَسْوية الصَّفِّ

- ‌24 - باب المَوْقِفِ

- ‌25 - باب الإِمامةِ

- ‌26 - باب ما علَى الإِمامِ

- ‌27 - باب ما على المَأْموم مِنَ المُتابعة وحُكْم المَسْبُوق

- ‌28 - باب مَنْ صلَّى صلاةً مرَّتَينِ

- ‌29 - باب السُّنَن وفَضْلها

- ‌30 - باب صلاة الليل

- ‌31 - باب ما يقول إذا قام من الليل

- ‌32 - باب التَحريض على قيام الليل

- ‌33 - باب القَصْد في العمَل

- ‌34 - باب الوِتر

- ‌35 - باب القُنوت

- ‌36 - باب قِيَام شَهْر رمَضان

- ‌37 - باب صلاة الضُّحى

- ‌38 - باب التطوع

- ‌(صلاة الاستخارة)

- ‌39 - باب صلاة التَّسْبيح

- ‌40 - باب صلاة السَّفَر

- ‌41 - باب الجُمُعة

- ‌42 - باب وجوبها

- ‌43 - باب التَّنظيف والتَّبكير

- ‌44 - باب الخُطبة والصَّلاة

- ‌45 - باب صلاة الخَوف

- ‌46 - باب صَلاةِ العِيْد

- ‌فصل في الأُضْحِيَة

- ‌47 - باب العَتِيْرةِ

- ‌48 - باب صلاة الخُسُوف

- ‌فصل في سُجُود الشُّكر

- ‌49 - باب الاستِسقاء

- ‌فصل في صفة المَطَر والرِّيح

- ‌5 - كِتابُ الجَنَائِزِ

- ‌1 - باب عِيَادة المَريض وثواب المَرَض

- ‌2 - باب تمنِّي المَوت وذِكْره

- ‌3 - باب ما يقال لمَنْ حَضَرَهُ الموتُ

- ‌4 - باب غُسْلِ المَيت وتكفينه

- ‌5 - باب المَشْي بالجَنازة والصَّلاة علَيها

- ‌6 - باب دَفْن الميت

- ‌7 - باب البُكاء على المَيت

- ‌8 - باب زِيارة القُبور

- ‌6 - كِتابُ الزَّكَاةِ

- ‌2 - باب ما تجب فيه الزَّكاةُ

- ‌3 - باب صدَقة الفِطْر

- ‌4 - باب من لا تحلُّ له الصَّدَقة

- ‌5 - باب مَنْ لا تَحِلُّ له المَسْألة ومَنْ تَحِلُّ له

- ‌6 - باب الإنفاق وكراهية الإمساك

- ‌7 - باب فضل الصدقة

- ‌8 - باب أَفْضَل الصَّدَقة

- ‌9 - باب صدَقة المَرأَة من مال زوجها

- ‌10 - باب مَنْ لا يَعْود في الصَّدقَة

الفصل: ‌8 - باب أفضل الصدقة

"فقال بها عليها"، الباء في (بها) تحتمل أن تكون بمعنى اللام، وحينَئذٍ مفعوله محذوف، وتقديره: أمر الله تعالى الملائكة بوضع الجبال على الأرض.

قوله: "الحديد"، وشدةُ الحديد من أجل أنه يَكسِر الحَجَرَ، فتكون أشدَّ من الجبال، وشدةُ النار من أجل أنها تُذيبُ الحديدَ، وشدةُ الماء من أجل أنه يُطفِئ النارَ، وشدةُ الريح من أجل أنها تَقطَع الماءَ وتشقُّه وتفرِّقه.

وكونُ تصدَّق بني آدم سرًّا أشدُّ من الريح؛ إما لعظم ثوابه، فإن ثوابَ التصدُّق في حال السرَّ أعظمُ من هذه الأشياء، وإما لأنه مخالفةُ النفس وقهرُ الشيطان، وهذان الوصفانِ أعظمُ أيضًا من هذه الأشياء، وإما لأنه تحصيلُ رضا الله تعالى وتبعيدُه من الرياء، ولا شك أن تحصيلَ رضا الله تعالى والإخلاصَ أعظمُ من هذه الأشياء.

* * *

‌8 - باب أَفْضَل الصَّدَقة

(باب أفضل الصدقة)

مِنَ الصِّحَاحِ:

1368 -

قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "خيرُ الصَّدقةِ ما كانَ عن ظَهْرِ غِنًى، وابدأْ بمَنْ تَعُولُ".

قوله: "خيرُ الصدقة ما كان عن ظَهرِ غِنىً"، (الظَّهر): زائدة في المعنى؛ أي: عن غِنًى، وإما كان: خيرُ الصدقة ما كان عن ظَهر غِنًى؛ لأن معنى (غنى) هنا: أن يترك قُوتَ نفسه وعياله، ويتصدَّق بالفضل، فيكون التصدُّقُ بما فضل عن قُوتِه وقُوتِ عياله أفضلَ من أن يتصدَّقَ بجميع ماله، ويتركَ نفسَه وعيالَه في الجوع والشدة.

ص: 546

رواه أبو هريرة.

* * *

1369 -

وقال: "إذا أَنفقَ المُسلِمُ على أهلِهِ نفقةً وهو يَحتَسِبُها كانتْ له صدقةً".

قوله: "وهو يحتسبها"، (الاحتساب): طلب الثواب من الله تعالى؛ يعني: إذا أَنفقَ على عياله ويطلب من الله الثوابَ يحصل له الثواب، وإن أنفقَ لا لله، بل لأجل عشقٍ وشهوةٍ له مع زوجته أو ولده، أو ينفق عليهم لا لله ولطلب الثواب، بل يؤذيهم ويمنُّ عليهم، ويظن الإنفاقَ عليهم ظلمًا؛ فلا يحصل له ثوابٌ من الله بهذا الإنفاق.

روى هذا الحديثَ أبو مسعود الأنصاري.

* * *

1370 -

وقال: "دِينْارٌ أنفقتَهُ في سَبيلِ الله، ودِينارٌ أنفقتَهُ في رقبةٍ، ودِينْارٌ تصدَّقتَ بِه على مِسْكينٍ، ودينارٌ أنفقتَهُ على أَهْلِكَ، أَعظَمُها أَجْرًا الذي أنفقتَهُ على أَهلِكَ".

قوله: "دينارٌ أنفقتَه في سبيل الله"؛ أي: في الغزو.

"دينارٌ أنفقتَه في رقبة"؛ أي: في إعتاقِ رقبةٍ.

"أعظمُها أجرًا الذي أنفقتَه على أهلك"، وإنما كان الإنفاقُ على الأهل أفضلَ؛ لأنه صدقةٌ وصلةُ الرحم.

روى هذا الحديثَ أبو هريرة.

* * *

ص: 547

1371 -

وقال: "أَفْضَلُ دينارٍ ينفقُهُ الرجلُ: دينارٌ يُنفقُهُ على عيالِهِ، ودينارٌ يُنفِقُهُ على دابَّتهِ في سبيلِ الله، ودينارٌ يُنفقُهُ على أصحابهِ في سبيلِ الله".

قوله: "أفضلُ دينارٍ يُنفقُه الرجلُ

" إلى آخره؛ يعني: الإنفاقُ على هؤلاء الثلاثة أفضلُ من الإنفاق على غيرهم.

روى هذا الحديثَ ثوبان مولى رسول الله عليه السلام.

* * *

1373 -

وعن زَيْنَبَ امرأةِ عبدِ الله بن مَسْعودٍ قالتْ: انطلقتُ إلى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فوجدتُ امرأةً من الأَنْصارِ على البابِ حاجتُها مثْلُ حاجتي، وكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد أُلقِيَت علَيه المَهابةُ، قالت: فخرجَ علينا بلالٌ، فقلنَا له: ائتِ رسولَ الله، فأخبره أنَّ امرأَتينِ بالبابِ تسأَلانِكَ: أَتُجزِئُ الصَّدَقةُ عنهما على أَزواجِهما، وعلى أَيتامٍ في حُجورِهما، ولا تُخْبرْهُ مَن نحنُ، فدخلَ، فسأَلَهُ، فقال:"مَن هما؟ "، قال: زينبُ، قال: قال: "أَىُّ الزَّيانِب؟ "، قال: امرأةُ عبدِ الله بن مَسْعود، قال:"نعَمْ، لَهُما أَجرانِ: أجرُ القَرابةِ، وأجرُ الصَّدَقةِ".

قولها: "أُلقيت عليه المَهَابةُ"، (المهابة): العَظَمة والخوف؛ يعني: أَعطَى الله تعالى رسولَه مهابةً يخاف منه الناسُ.

قولها: "وعلى أيتامٍ في حجورهما"، (الحُجُور) جمع: الحِجْر، وهو من الثوب ما تحت الصدر إلى الذيل؛ يعني: على أولاد لهما، ليس لأولئك الأولاد أبٌ.

فإن قيل: قد قالت زينبُ لبلالٍ: "لا تُخبرْه مَن نحن"، ثم أَخبرَ بلالٌ رسولَ الله عليه السلام مَن هنَّ؟

قلنا: لم يكن على بلالٍ طاعةُ زينبَ فرضًا حتى يأثمَ بمخالفتها، وكانت إجابةُ

ص: 548

رسولِ الله عليه السلام بما سأله فرضًا، وكذلك لو قال أحدٌ لأحدٍ: قُلْ هذا، أو افعَلْ هذا، أو: لا تقل، أو لا تفعل؛ لا يجب عليه طاعتُه إلا أن يُقسِمَ عليه بأن يقول: بالله عليك، أو أقسمتُ عليك أن تفعلَ كذا، فحينَئذٍ له أن يُطيعَه.

* * *

1374 -

وقالت مَيْمونة بنت الحارِث: يا رسولَ الله!، إني أَعتقتُ وَلِيدَتِي، قال:"أَمَا إنَّك لو أَعطيتِها أَخْوَالَكِ كانَ أَعظمَ لأَجْرِك".

قولها: "وليدتي"؛ أي: جاريتي.

"أما"؛ أي: اعلَمْ، يستوي فيه خطاب المذكر والمؤنث.

قوله: "كان أعظمَ لأجرك"، وإنما كان إعطاؤها أخوالَها أعظمَ لأجرها؛ لأن أخوالَها كانوا محتاجين إلى خادم، فلو أَعطَتْها أخوالَها كان صدقةً وصلةَ رَحِمٍ، والإعتاقُ شيءٌ واحدٌ، وهو الصدقة، ولا شك أن خيرَينِ أفضلُ من خيرٍ واحدٍ.

* * *

1376 -

وعن أبي ذَرًّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا طَبخْتَ مرَقةً فأَكْثِرْ ماءَها، وتَعَاهدْ جيرانَكَ".

قوله: "وتَعَاهَدْ جيرانَك"، (الجيران) جمع: جار؛ يعني: أَعطِ جيرانَك من ذلك الطبخ نصيبًا؛ يعني: لا تجعلْ ماءَ قِدْرِك قليلًا؛ ليكونَ مرقُها كثيرَ اللذة؛ فإنك حينَئذٍ لا تَقدِر على تعاهُدِ جيرانك، بل اجعَلْ ماءَ قِدْرِك كثيرًا؛ ليبلغَ نصيبٌ منه إلى جيرانك، وإن لم يكن لذيذًا.

* * *

مِنَ الحِسَان:

1377 -

عن أبي هريرة أنه قال: يا رسولَ الله، أيُّ الصدقةُ أَفْضَلُ؟،

ص: 549

قال: "جُهْدُ المُقِلِّ، وابدَأْ بمَنْ تَعولُ".

قوله: "جُهْدُ المُقِلِّ"؛ (الجهد) بضم الجيم: الطاقة والاستطاعة، و (المُقِلُّ): الفقير؛ يعني: أفضلُ الصدقة ما قَدرَ عليه الفقيرُ أن يعطيَه المسكينَ، والمراد بـ (المُقِل): الغني القلب.

والتوفيق بين هذا الحديث وبين قوله عليه السلام: "أفضل الصدقة ما كان عن ظَهر غِنًى": أنه يريد بهذا (المُقِل): الذي يصبر على الجوع، وإعطاء قُوته إلى الفقراء، وأراد بـ (الغني): الذي لا يصبر على الجوع والشدة، فمَن صبرَ على الجوع، وإعطاء قُوته، أو إعطاء ما فضل عن قُوت يومه إلى الفقراء فالإعطاءُ في حقِّه واختيارُ الجوعِ أفضلُ، كما مدحَ الله تعالى الأنصار رضي الله عنهم بقوله تعالى:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9]؛ أي: جوعٌ وفقرٌ.

وقد جاء في تفسير هذه الآية: أن ضيفًا نزل برسول الله عليه السلام، ولم يكن في حُجراته شيءٌ من الطعام، فقال عليه السلام:"مَن يعطي هذا الضيفَ طعامًا؛ فإنه ليس عند آل محمد طعام؟ " فقال رجل: أنا يا رسولَ الله، فذهب إلى بيته ولم يكن في بيته من الطعام إلا قَدْرُ كَفَافِ واحدٍ، وكان له امرأةٌ وأولادٌ، فقال لامرأته: اجعلي أولادك مشغولين من الطعام بأن تحدِّثيهم حتى يناموا، ففعلَتْ، فنام أولادها، ثم قال لامرأته: أَسْرِجي عند الضيف سراجًا، وأَحضرِي الطعامَ عنده، فإذا وضعتِ الطعامَ عنده فقُومِي إلى السراج بحيث يظن الضيفُ أنك تُصلِحينَ السراجَ، ثم أَطفِئي السراجَ بحيث لا يدري الضيفُ، ثم نقعد أنا وأنت عند الضيف في الظلمة، ونُحول ونُدير ألسنتَنا في أفواهنا حتى يظنَّ أنَّا نأكلُ معه، ولا نأكلُ حتى يشبعَ الضيفُ، ففعلَتْ كما أمرَها زوجُها، فأكل الضيفُ حتى شبعَ، ونام المُضيفُ وزوجتُه وأولادُه على الجوع، فلما أصبحَ المُضيفُ ذهبَ إلى رسول الله عليه السلام، فضحكَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم في

ص: 550

وجهه، وتعجَّب بما فعل، فقرأ عليه السلام هذه الآية، وقال:"نزلت فيك هذه الآية".

وأما مَن لا يصبر على الجوع فالأفضلُ في حقِّه: أن يتركَ قُوتَه ثم يتصدق بما فَضَلَ.

وفي الجملة: يَحرُم على الفقير والغني أن يصرفَ قُوتَ عياله على الفقراء، ويتركَهم على الجوع؛ إلا إذا رَضُوا وأَذِنُوا له بأن يصرفَ قُوتَهم على الفقراء لأجل الثواب.

* * *

1378 -

وقال: "الصَّدقةُ على المِسْكِين صدَقةٌ واحدةٌ، وهي علَى ذِي الرَّحِم ثنتانِ: صدَقةٌ وصِلَةٌ".

قوله: "الصدقةُ على المسكين صدقةٌ، وهي على ذي الرَّحِم ثِنْتَانِ؛ صدقةٌ وصِلَةٌ"؛ يعني: الصدقةُ على الأقارب أفضلُ؛ لأنها صدقةٌ وصلةُ الرحم.

روى هذا الحديثَ سلمان بن عامر رضي الله عنه.

* * *

1380 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:"أَلَا أُخبرُكم بخيرِ الناس؟، رجلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فرَسِهِ في سبيلِ الله، ألا أَخبُركم بالذي يتلُوهُ؟، رجلٌ معتزِلٌ في غُنَيْمَةٍ له يؤدَّي حقَّ الله - تعالى - فيها، ألا أُخبرُكم بِشرِّ الناسِ؟، رجلٌ يُسألُ بالله، ولا يُعطي بِه".

قوله: "بالذي يَتْلُوه"؛ أي: يتبعُه ويكون بعده في الدرجة.

"مُعتزِل"؛ أي: متباعِد ومنفرد عن الناس إلى موضعٍ خالٍ من الصحارى والبوادي.

ص: 551

"الغُنيَمة" تصغير: غَنَم.

يعني: الذي له جماعةٌ من الغنم أو البقر وغيرهما من الدواب يذهب بها إلى ناحية البادية ويرعاها، ويؤِّدي زكاتَها، ويصلِّي الصلواتِ، ولا يصل منه شرٌّ إلى أحدٍ له درجةٌ وثوابٌ قريبٌ من درجة الغازي.

* * *

1381 -

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رُدُّوا السائلَ ولو بِظِلْفٍ مُحْرَقٍ"

قوله: "ردوا السائل ولو بظلف مُحرَقٍ"؛ يعني: لا تجعلوا السائلَ محرومًا، بل أعطوه شيئًا ولو كان ظِلْفًا مُحترقًا، (الظِّلف) للغنم والبقر: بمنزلة الحافر للفَرَس.

روى هذا الحديث: ابن بُجَيد الأنصاري، عن جدَّتِه، عن رسول الله عليه السلام.

* * *

1382 -

وقال: "مَنِ استعاذَكم بِالله فَأَعِيذُوه، ومَن سأَلَ بالله فأَعطُوهُ، ومَنْ دَعَاكم فأَجيبُوهُ، ومَن صنَعَ إليكم مَعرُوفًا فكافِئُوه، فإنْ لم تَجِدُوا ما تُكافِئُونَهُ فادْعُوا له، حتى تَرَوْا أنْ قد كَافَأتُمُوه".

قوله: "مَن استعاذكم بالله فأَعِيذُوه"، و (استعاذ): إذا طلبَ أحدٌ أن يدفعَ عنه شرًّا، و (أعاذ): إذا دفعَ عنه الشرَّ الذي يُطلَب منه دفعُه؛ يعني: إذا طلبَ أحدٌ منكم أن تدفعوا عنه شرَّكم أو شر غيرِكم بالله، مثل أن يقول: يا فلان! بالله عليك أن تدفعَ عني شر فلانٍ وإيذاءَه، أو احفَظْني من شرِّ فلانٍ، فأجِيبُوه واحفظُوه؛ لتعظيم اسم الله.

قوله: "ومَن صنعَ إليكم معروفًا"؛ أي: مَن أحسنَ إليكم إحسانًا

ص: 552

"فكافِئُوه"؛ أي: فأَحسِنُوا إليه مثلَ ما أَحسنَ إليكم، (المُكافَأة) مهموز باللام: مثل المُجازَأة.

قوله: "فإن لم تجدوا ما تكافِئُوه"؛ يعني: فإن لم تجدوا من المال ما تكافِئُوه فكافِئُوه بالدعاء.

قوله: "حتى تَرَوا أن قد كافأتُمُوه"؛ يعني: كرِّروا الدعاءَ له حتى تعلموا أن قد أدَّيتُم حقَّه.

وقد جاء في حديث آخر: "مَن صُنِعَ إليه معروفٌ، فقال: جزاك الله خيرًا، فقد أبلغَ في الثناء".

فبدليل هذا الحديث مَن قال لأحدٍ: جزاك الله خيرًا مرةً واحدةً فقد أدَّى حقَّه، وإن كان حقُّه كثيرًا.

وكانت عادةُ أمِّ المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها إذا دعَا لها السائلُ أن تُجيبَه بمِثْل ما يدعو لها السائل، ثم تُعطيه من المال ما تُعطيه، فقيل لها: أتُعطينَ السائلَ المالَ وتَدْعينَ له بمِثْل ما يدعو لك؟ فقالت: لو لم أَدْعُ له لَكانَ حقُّه بالدعاء لي أكثرَ من حقِّي بالصدقة، فأدعو له بمِثْل ما يدعو، حتى أُكافِئَ دعاءَه بدعائي؛ لِتَخلُصَ لي صدقتي.

روى هذا الحديثَ - أعني حديث: "من استعاذكم بالله" -: عبدُ الله بن عمر.

* * *

1383 -

وقال: "لا تَسْأَلُوا بوجْهِ الله إلا الجنَّةَ".

قوله: "لا تسألوا بوجه الله إلا الجنةَ"، هذا يحتمل أمرَين:

أحدهما: أن يكون معناه: لا تسألوا من الناس شيئًا بوجه الله، مثل أن

ص: 553