الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
36 - باب قِيَام شَهْر رمَضان
(باب قيام شهر رمضان)
مِنَ الصِّحِاحِ:
918 -
قال زَيد بن ثابت رضي الله عنه: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم اتَّخذَ حُجْرةً في المسجدِ من حَصيرٍ، فصلَّى فيها لياليَ حتى اجتمعَ إليه ناسٌ، ثم فَقَدوا صوتَه ليلةً، وظنُّوا أنه قد نامَ، فجعلَ بعضُهم يَتَنَحْنَحُ لِيَخْرُجَ إليهم، فقال:"ما زالَ بكم الذي رأَيتُ من صَنيعِكم حتى خشيتُ أن يُكتَبَ عليكم، ولو كُتِبَ عليكم ما قُمْتُمْ بهِ، فَصَلُّوا أيُّها الناسُ في بيوتكم، فإنَّ أفضلَ صلاةَ المَرْءِ في بيتِه إلا الصلاةَ المكتوبةَ".
قوله: "فصَلَّى فيها لياليَ"؛ يعني: فصلَّى في تلك الحُجْرةِ، ويخرجُ من تلك الحُجْرَة، ويُصلِّي للناسِ بالجَماعة، واقتدَى الناسُ به في صلاةِ التراويح كما يقتدُون به في صلاةِ الفريضةِ حتى كَثُرَ الناس.
قوله: "ثم فَقَدُوا صوتَه ليلةً"؛ أي: فلم يجِدُوا صوتَه؛ يعني: خرجَ ليلةً وصلَّى بهم صلاةَ الفريضةِ، ودخل تلك الحُجْرةَ ليخرجَ إليهم لصلاةِ التراويحِ بعد ساعةٍ كما هو عادتُه في الليالي الماضيةِ، فلم يخرجْ إليهم.
قوله: "مما زالَ بكم"؛ يعني: رأيتُ شِدَّةَ حِرْصِكم في إقامة صلاة التروايح بالجماعة حتى خَشِيتُ أني لو واظبتُ على إقامتها لفرضت عليكم، ولو فرضت عليكم لم تُطِيقوها.
وهذا الحديثُ يَدُلُّ على أن الجماعةَ بصلاةِ التراويحِ سُنةٌ لمَّا فعلها رسول الله عليه السلام لياليَ، ويدلُّ أيضًا على كونِها سُنَّةً بالانفراد.
واختُلِفَ في أن صلاةَ التراويحِ بالجماعة أَولى أو بالانفراد، والأصحُّ أن الجماعة فيها في عصرنا أفضلُ؛ لأن الكسلَ غالبٌ على الناس، فلو لم يصلُّوها بالجماعةِ لم يصلُّوها بالانفراد.
* * *
919 -
قال أبو هريرة رضي الله عنه: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُرَغِّبُ في قيامِ رمضانَ من غيرِ أن يأمُرَهم فيه بعَزيمةٍ، فيقول:"مَنْ قامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ من ذنبهِ"، فتُوفيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم والأمرُ على ذلك، ثم كانَ الأمرُ على ذلكَ في خلافةِ أبي بكرٍ رضي الله عنه، وصدرًا من خلافةِ عُمر رضي الله عنه.
قوله: "يُرَغِّبُ في قيامِ رمضان"، (يُرَغِّبُ) بتشديد الغين؛ أي: يُظْهِرُ رغبتَهم فيه بقوله عليه السلام: "من قام رمضان إيمانًا"؛ أي: عن صِدْقِ نيةٍ لا عن النفاق، "واحتسابًا": أي: لطلبِ الثوابِ من الله لا عن الرِّيَاء.
قوله: "والأمرُ على ذلك"؛ أي: لم يكنِ الناسُ يقومون رمضانَ بالجماعةِ غيرَ الفَريضة.
قوله: "وصَدْرًا"؛ أي: وفي أولِ خلافةِ عمرَ كذلك، وصدرُ الشيء: أولُه.
ثم خرج عمرُ رضي الله عنه في خلافته ليلةً في رمضان، فرأى الناسَ يصلُّون في المسجد منفردِين صلاةً غيرَ صلاةِ الفريضة، فأمرَ أُبيَّ بن كَعْبٍ وتميمًا الدَّارِيَّ ليصلِّيا بالناسِ بالإمامة صلاةَ التراويح، والمرادُ بقيام رمضان أداءُ صلاةِ التراويحِ عندَ أكثرِ أهلِ العلم، وعندَ أهلِ المدينة: أداءُ إحدى وأربعين رَكعةً من الوتر والتراويح.
* * *
920 -
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قضَى أَحدُكم الصَّلاةَ في مَسجده فليجعَل لبيته نَصيبًا من صلاته، فإنَّ الله جاعلٌ في بيته من صلاته خَيْرًا".
قوله "فليجعل لبيته نصيبًا من صلاته"؛ يعني: لا تتركوا بيوتَكم خاليةً عن الصلاة، بل صلُّوا فيها صلاةَ النَّوافلِ والسُّنَنِ، فإنَّ الله يجعلُ البركةَ والرحمةَ في بيتٍ تُصَلَّى فيه صلاةٌ.
* * *
مِنَ الحِسَان:
921 -
قال أبو ذَرٍّ رضي الله عنه: صُمْنا مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فلم يَقُمْ بنا شيئًا من الشهرِ حتى بقيَ سبعٌ، فقامَ بنا حتى ذهبَ ثلثُ الليلِ، فلمَّا كانت السادسةُ لم يَقُمْ بنا، فلمَّا كانت الخامسةُ قام بنا حتى ذهبَ شَطْرُ الليلِ، فقلتُ: يا رسولَ الله لو نَفَّلْتَنا قيامَ هذهِ الليلةِ، فقال:"إن الرجلَ إذا صلى معَ الإمام حتى ينصرفَ؛ حُسِبَ له قيامُ ليلةٍ"، فلمَّا كانت الرابعةُ لم يَقُمْ حتى بقيَ ثلاثٌ، فلمَّا كانت الثالثةُ جمعَ أهلَهُ ونساءَهُ والناسَ، فقامَ بنا حتى خَشِينا أن يفوتَنا الفلاحُ - يعني السُّحور - ثم لم يقمْ بنا بقيةَ الشهرِ.
قوله: "فلم يَقُمْ بنا شيئًا من الشَّهر"؛ يعني؛ لم يصلِّ بنا غيرَ صلاةِ الفريضة، فإذا صلَّى الفريضة دخلَ حُجْرتَه، "حتى بقيَ لسبعٍ"؛ أي: سبع ليالٍ من شهر رمضانَ.
"فقام بنا"؛ يعني: كان معنا "حتى ذهب ثلث الليل"، فيصلِّي ويذكر الله ويقرأُ القرآن "شَطْرَ الليل"؛ أي: نصفَه.
"لو نَفَّلْتَنا"؛ أي: لو زدتَ في قيامِ الليلِ على نِصْفِه لكانَ خيرًا لنا.
قوله: "صلَّى مع الإمام حتى ينصرفَ"؛ يعني: مَن صلَّى صلاةَ الفريضةِ
مع الإمامِ ويصبرُ معه حتى ينصرفَ الإمامُ من المسجد إلى بيته = يَحْصُل له ثوابُ قيامِ ليلةٍ تامَّةٍ.
قوله: "فلمَّا كانتِ الرابعةُ لم يَقُمْ بنا حتى بقيَ ثلثُ الليل"، اعلم أن قولَه:(حتى بقي ثلث الليل) ليس في "معالم السنن"، ولا في "شرح السنة"، بل كان في الكتابين المذكورين:(فلمَّا كانت الرابعة لم يَقُمْ) فلعلَّ قوله: (حتى بقي ثلث الليل) جاء في بعض الرواياتِ.
"الفلاح": البقاءُ، وسُمِّيَ ما يؤكَلُ في السَّحَر فلاحًا لأنه سببُ بقاءِ قوةِ الصائم، ومعينٌ له على الصَّوْم.
* * *
922 -
وعن عائشة رضي الله عنها، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ الله تعالى ينزلُ ليلةَ النصفِ من شعبانَ إلى السماءِ الدُّنيا، فيغفرُ لأكثرِ من عددِ شعْرِ غَنَمِ كَلْبٍ"، ضعيف.
قولها: "غَنَم كَلْب"؛ أي: غَنَم بن كَلْب، وهي قبيلةٌ كثيرةٌ، ولهم غَنَمٌ كثيرة.
* * *
923 -
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "صلاةُ المرءِ في بيتِهِ أفضلُ من صلاتِهِ في مسجدي هذا إلا المَكتوبة".
قوله: "صلاةُ المرءِ في بيته أَفْضَلُ"؛ يعني: صلاةُ النافلةِ أفضلُ في بيتِه من صلاتِه في مسجدِ المدينة، مع أنَّ صلاةً في مسجدِ المدينة أفضلُ من ألفِ صلاةٍ في سائر المساجدِ غيرَ المسجدِ الحرامِ، والله أعلم.
* * *