المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌4 - كِتابُ الصَّلَاةِ

- ‌2 - باب المَواقيْتِ

- ‌3 - باب تَعْجيل الصَّلاةِ

- ‌فصل

- ‌4 - باب الأَذان

- ‌5 - باب فَضْل الأَذان وإجابة المؤذَّن

- ‌فصل

- ‌6 - باب المَساجِد ومَواضع الصَّلاةِ

- ‌7 - باب السَّتر

- ‌8 - باب السُّترة

- ‌9 - باب صِفة الصَّلاةِ

- ‌10 - باب ما يَقْرأُ بعد التَّكبيرِ

- ‌11 - باب القِراءةِ في الصَّلاة

- ‌12 - باب الرُّكُوع

- ‌13 - باب السُّجود وَفضْله

- ‌14 - باب التَّشهُّدِ

- ‌15 - باب الصَّلاةِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وفَضْلِها

- ‌16 - باب الدُّعاء في التَّشهُّدِ

- ‌17 - باب الذِّكر بعد الصَّلاة

- ‌18 - باب ما لا يَجُوزُ من العمَل في الصَّلاة وما يُباحُ منه

- ‌19 - باب سُجُود السَّهْوِ

- ‌20 - باب سُجود القُرآن

- ‌21 - باب أَوقات النَّهْي عن الصَّلاة

- ‌22 - باب الجَماعة وفَضْلِها

- ‌23 - باب تَسْوية الصَّفِّ

- ‌24 - باب المَوْقِفِ

- ‌25 - باب الإِمامةِ

- ‌26 - باب ما علَى الإِمامِ

- ‌27 - باب ما على المَأْموم مِنَ المُتابعة وحُكْم المَسْبُوق

- ‌28 - باب مَنْ صلَّى صلاةً مرَّتَينِ

- ‌29 - باب السُّنَن وفَضْلها

- ‌30 - باب صلاة الليل

- ‌31 - باب ما يقول إذا قام من الليل

- ‌32 - باب التَحريض على قيام الليل

- ‌33 - باب القَصْد في العمَل

- ‌34 - باب الوِتر

- ‌35 - باب القُنوت

- ‌36 - باب قِيَام شَهْر رمَضان

- ‌37 - باب صلاة الضُّحى

- ‌38 - باب التطوع

- ‌(صلاة الاستخارة)

- ‌39 - باب صلاة التَّسْبيح

- ‌40 - باب صلاة السَّفَر

- ‌41 - باب الجُمُعة

- ‌42 - باب وجوبها

- ‌43 - باب التَّنظيف والتَّبكير

- ‌44 - باب الخُطبة والصَّلاة

- ‌45 - باب صلاة الخَوف

- ‌46 - باب صَلاةِ العِيْد

- ‌فصل في الأُضْحِيَة

- ‌47 - باب العَتِيْرةِ

- ‌48 - باب صلاة الخُسُوف

- ‌فصل في سُجُود الشُّكر

- ‌49 - باب الاستِسقاء

- ‌فصل في صفة المَطَر والرِّيح

- ‌5 - كِتابُ الجَنَائِزِ

- ‌1 - باب عِيَادة المَريض وثواب المَرَض

- ‌2 - باب تمنِّي المَوت وذِكْره

- ‌3 - باب ما يقال لمَنْ حَضَرَهُ الموتُ

- ‌4 - باب غُسْلِ المَيت وتكفينه

- ‌5 - باب المَشْي بالجَنازة والصَّلاة علَيها

- ‌6 - باب دَفْن الميت

- ‌7 - باب البُكاء على المَيت

- ‌8 - باب زِيارة القُبور

- ‌6 - كِتابُ الزَّكَاةِ

- ‌2 - باب ما تجب فيه الزَّكاةُ

- ‌3 - باب صدَقة الفِطْر

- ‌4 - باب من لا تحلُّ له الصَّدَقة

- ‌5 - باب مَنْ لا تَحِلُّ له المَسْألة ومَنْ تَحِلُّ له

- ‌6 - باب الإنفاق وكراهية الإمساك

- ‌7 - باب فضل الصدقة

- ‌8 - باب أَفْضَل الصَّدَقة

- ‌9 - باب صدَقة المَرأَة من مال زوجها

- ‌10 - باب مَنْ لا يَعْود في الصَّدقَة

الفصل: ‌6 - كتاب الزكاة

‌6 - كِتابُ الزَّكَاةِ

ص: 471

[6]

كِتابُ الزَّكَاةِ

(كتاب الزَّكَاةِ)

مِنَ الصِّحَاحِ:

(من الصحاح):

1243 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعثَ مُعاذًا إلى اليَمنِ فقال: "إنك تأْتي قومًا أهلَ كتابٍ، فادعُهم إلى شهادةِ أنْ لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسولُ الله، فإنْ هُمْ أطاعوا لذلك فأَعْلِمْهُم أنَّ الله قد فَرَضَ عليهم خمسَ صلواتٍ في اليومِ والليلةِ، فإنْ هم أَطاعوا لذلك فأعْلِمْهم أنَّ الله قد فرض عليهم صدقةً تُؤْخَذْ مِن أغنيائهم فَتُرَدُّ على فُقرائهم، فإنْ هم أَطاعوا لذلك فإيَّاكَ وكرائمَ أَموالِهِم، واتَّقِ دعوةَ المَظلومِ، فإنَّه ليسَ بينَها وبينَ الله حِجَابٌ".

"فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله": هذا يدل على أن الغزاة يجب عليهم عرضُ الإسلام على الكفار قبل أن يقاتلوهم، فإن أسلموا فهو المراد، وإن لم يُسْلِموا؛ فإن كانوا أهلَ التوراة والإنجيل، أو كانوا مجوسًا، فيعرضوا عليهم الجزية، فإن قبلوا الجزية فلم يقاتلوهم، وإن لم يقبلوا فحينئذ يقاتلونهم، وإن كانوا كفارًا غير هذه الأصناف الثلاثة لا تقبل منهم الجزية، بل يُقتلون إذا لم يُسْلموا.

ص: 473

قوله: "فإن هم أطاعوا لذلك"، (إنْ) بسكون النون كلمة الشرط، تقديره: إن أطاعوا لذلك - يعني: إن قبلوا الإسلام - فأخبرهم بوجوب أركان الشرع عليهم.

قوله: "قد فرض الله عليهم صدقة"؛ أي: زكاة.

قوله: "تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم": هذا يدلُّ على أن الزكاة تُصرف إلى فقراء بلد المال؛ لأنه أضاف إلى فقرائهم، ولو نَقَلَ الزكاة عن ذلك البلد إلى بلدٍ آخَرَ كُرِهَ، ولكن تسقط عنه عند أبي حنيفة والشافعي.

وللشافعي قول: أنه لا تسقط عنه، والفتوى على القول الأول.

قوله: "فإياك وكرائم أموالهم"، (الكرائم): جمع كريمة، وهي خيار المال، يعني: فإياك - أي: فاحذر - من أخذ خيار أموالهم، بل لا تأخذ الخيار إلا برضاهم، ولا تأخذ الرديء، بل خذ الوسط.

قوله: "واتق دعوة المظلوم"؛ يعني: لا تظلم أحدًا بأن تأخذ منهم ما ليس بواجبٍ عليهم، أو تؤذيهم بلسانك، فإنك لو ظلمت أحدًا ودعا المظلومُ عليك بسوءٍ يقبل الله تعالى دعاءه، فإن الله تعالى لا يردُّ دعاء المظلوم.

* * *

1244 -

عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما مِنْ صاحبِ ذَهبٍ ولا فِضَّةٍ لا يؤدِّي منها حقَّها إلا إذا كانَ يومُ القيامةِ صُفِّحَت له صَفائحَ مِن نارٍ، فأُحمِيَ عليها في نار جهنَّم، فيُكْوَى بها جَنْبُه وجَبينُهُ وظَهْرُهُ، كلَّما بَرَدَتْ أُعيدَتْ له في يومٍ كانَ مِقْدَارَه خمسينَ ألفَ سَنَةٍ حتى يُقْضَى بينَ العبادِ، فَيَرَى سبيلَهُ إمَّا إلى الجنَّةِ وإمَّا إلى النارِ، قال: ولا صاحبِ إبلٍ لا يُؤُدِّي منها حقَّها، ومِن حقِّها حَلْبُها يومَ وِرْدِها إلَاّ إذا كانَ يومُ القيامةِ بُطِحَ لها بقاعٍ قَرْقَرٍ أوفَرَ ما كانت، لا يفقِدُ منها فَصِيلًا واحدًا تَطؤه بأَخْفافها، وتَعَضُّه بأَفواهِهَا، كلَّما مَرَّ

ص: 474

عليهِ أُولاهَا رُدَّ عليهِ أُخراها في يومٍ كانَ مِقْدَارُه خمسينَ ألفَ سنةٍ حتى يُقْضَى بينَ العبادِ، فيَرَى سبيلَه إمَّا إلى الجنَّة وإمَّا إلى النارِ، ولا صاحبِ بقَرٍ ولا غنَمٍ لا يُؤَدِّي منْها حَقَّها إلا إذا كانَ يومُ القيامةِ بُطِحَ لها بقاعٍ قَرْقَرٍ لا يَفْقِدُ منها شيئًا ليسَ فيها عَقْصَاءُ ولا جَلْحَاءُ ولا عَضْبَاءُ تنطحُهُ بُقرونِها، وَتَطَؤُهُ بأَظلَافِهَا، كلَّما مَرَّ عليه أُولاها رُدَّ عليه أُخراها في يومٍ كانَ مِقدارَه خمسينَ ألفَ سنةٍ حتى يُقضَى بينَ العبادِ، فَيَرَى سبيلَهُ إمَّا إلى الجنَّةِ وإمَّا إلى النارِ".

قال: "والخيلُ ثلاثةٌ: لِرَجُلٍ أجرٌ، ولرجلٍ سِتْرٌ، وعلى رجلٍ وِزْرٌ، فأمَّا الذي له أجرٌ: فرجلٌ ربَطها في سبيلِ الله، فأَطالَ لها في مَرْجٍ أو رَوْضَةٍ، فما أصابَتْ في طِيَلِها ذلكَ من المَرْج أو الرَّوضةِ كانَ له حَسَنَاتٍ، ولو أنه انقطعَ طِيَلُها فاسَتَّنت شَرَفًا أو شَرَفَيْنِ كانتْ آثارُها وأرواثُها حسناتٍ له؛ ولو أنها مَرَّت بنهرٍ فَشَرِبَتْ منه ولم يُردْ أنْ يسقيَها كانَ ذلك حسناتٍ له، وأمَّا الذي هي له سِترٌ: فرجلٌ ربَطها تَغَنِّيًا وتَعَفُّفًا، ثم لم يَنْسَ حَقَّ الله تعالى في رِقابها ولا ظهورِها، فهي له سِتْرٌ، وأما الذي هي عليه وِزْرٌ: فرجلٌ ربطَها فخرًا ورياءً ونِواءً لأهلِ الإِسلام، فهي على ذلك وِزرٌ".

وسُئلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الحُمُرِ؟، فقال: كما أُنزِلَ عليَّ فيها شيءٌ إلا هذه الآيةُ الفاذَّةُ الجامعةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} " [الزلزلة: 7 - 8].

قوله: "لا يؤدي منها حقها" ذكر الذهب والفضة، قال:(لا يؤدِّي منها حقَّها)، فينبغي أن يقول: منهما حقَّهما، لكن أراد به: من كلِّ واحدة منهما حقَّها، فالفضةُ مؤنَّثٌ لوجود التاء فيها، والذهب يجوز تأنيثه أيضًا؛ لأنه بمعنى العين، والعين مؤنَّثٌ.

ص: 475

"التصفيح": جَعْلُ الشيء عريضًا، والصفائح: جمع صفيحة، وهي العريضة؛ يعني: جُعلت فضتُه أو ذهبه إذا لم يؤدِّ زكاتها يوم القيامة كأمثال الألواح ثم أحميت تلك الصفائح؛ أي: جُعلت حارةً في نار جهنم حتى صارت كألواحٍ من نار.

قوله: "صفائح من نار"؛ أي: جُعلت كأنها من نارٍ من غاية حرارتها، ولا يجوز أن يقال: تكون صفائحَ من نار؛ لأنه لو كانت تلك الصفائح من النار، فيكون قوله:"فأحمي عليها" بلا معنى، ولفظة:(عليها) ضمير من (الصفائح)، وتقديره: أُحميت تلك الصفائح.

قال المفسرون والمحدِّثون: إن علَّةَ أن يُكوى جنبُ مانع الزكاة وجبينُه - أي: جبهته - وظهره من بين سائر أعضائه أن صاحب المال إذا رأى الفقير الطالب الزكاة يقبض جبهته ويعبس وجهه، فيتأذى الفقير، فإذا سأله الزكاة يصرف إليه جنبه ويُعرض عنه، فإذا بالغ في السؤال يقوم ويصرف ظهره إلى الفقير، ويذهب ولا يعطيه شيئًا، فيعذب الله تعالى أعضاءَه التي آذى بها الفقير بأن يكوي بماله تلك الأعضاء.

قوله: "كلما ردَّت أعيدت"؛ يعني: كلما وصل كيُّ هذه الأعضاء من أولها إلى آخرها أُعيد الكيُّ إلى أولها حتى وصل إلى آخرها.

قوله: "ومن حقِّها حلبُها يوم وردها"، (الورد): الإتيان إلى الماء، ونوَبةُ إتيان الإبل إلى الماء في كلِّ ثلاثة أيامٍ يومًا، أو في كلِّ أربعة أيامٍ يومًا، وربما يأتي بعد ثمانية أيام.

يعني: الحقوقُ التي تصرف إلى الفقراء من الإبل: أحدها الزكاة، والثاني أن تحلب الإبل يوم وردها - أي: عند الماء - حتى يكون الفقراء حاضرين، ثم ليُصْرَفْ بعض لبنها إليهم، ولا يحلبها في موضعٍ بعيدٍ من الطريق والماء، وفي موضعٍ خالٍ

ص: 476

كيلا يراه الفقراء.

وقيل: معناه: ومن حقها أن يحلبها في اليوم الذي شربت فيه الماء، ولا يحلبها في يوم لم تَسْتقِ فيه الماء، ويكون عطشُها فيه؛ لأن العطش ضررٌ ومشقَّةٌ، وحلبها مشقةٌ أخرى، فيلحقها مشقَّتان.

قوله: "بُطح لها (1) بقاعٍ قرقرٍ"، (بطح) بضم الباء وكسر الطاء؛ أي: أُلقي على وجهه، (القاع والقرقر) كلاهما: الموضع المستوي، وذكر كِلَا اللفظين للتأكيد.

قوله: "أوفر"؛ أي: أَتمَّ ما كانت في الدنيا.

"لا يفقد"؛ أي: لا يَعْدَمُ ولا ينقص "منها فصيلًا"؛ أي: ولدًا، بل تحضر جميعها "تطؤه"؛ أي: تضربه الإبل "بأخفافها"؛ أي: بأرجلها، وأصل (تطأ): تَوْطَأ، فحُذفت الواو.

"وتَعَضُّه بأفواهها"؛ أي: وتأخذه بأسنانها، وتشقُّ جلده وتعذِّبه؛ لأنه لم يُخرج الزكاة منها.

قوله: "كلما مرَّ عليه أُولاها رُدَّ عليه أُخراها" هكذا في "المصابيح"، وفي "شرح السنة"، وفي بعض الروايات المذكورة في كتاب مسلم.

وفي رواية أخرى عن أبي هريرة أنه قال: "كلما مضى عليه أُخراها رُدَّت عليه أُولاها".

وفي رواية أبي ذر: "كلما جازت أُخراها ردَّت عليه أُولاها".

والروايتان الأخيرتان أقرب إلى المعنى؛ لأن الردَّ إنما يكون إذا انتهى مرور آخر قطار الإبل، فإذا مَرَّ الآخِرُ يعاد الأول.

(1) في جميع النسخ: "له"، والمثبت هو الصواب.

ص: 477

يعني: أبدًا تمرُّ عليه إبلُه وتضربه بأخفافها وتعضُّه بأسنانها مرةً بعد أخرى في عرصة القيامة حتى يفرغ من حساب العباد.

قوله: "ليس فيها عقصاء"، (العقصاء): الشاة أو البقرة مال قرنُها إلى خلف أذنها، "الجلحاء": التي لا قرن لها، "العضباء": المكسورة القرن، يعني: بقره وغنمُه يوم القيامة ليست بهذه الصفات؛ لأنَّ الشاة التي لها صفةٌ من هذه الصفات لا تقدر على النطح، ولا يكون نطحها شديدًا، بل يكون لها يومئذٍ قرنان مستويان؛ ليكون نطحها لصاحبها شديدًا.

"النطح": الضرب بالقرن أحدًا، و"الوطء": الضرب بالرجل، "الأظلاف": جمع ظِلْفٍ، والظِّلْفُ للبقر والغنم بمنزلة الحافر للفرس.

قوله: "والخيل ثلاثة"؛ يعني: رَبْطُ الرجلِ الخيلَ على ثلاثة أنواع.

قوله: "في سبيل الله"؛ أي: ليجاهد الكفار على ظهرها، "فأطال لها في مرج"، (المرج): المرعى؛ يعني (1): طوَّل حبلها لترعى في المرعى.

قوله: "فما أصابت في طيلها"؛ (الطيل) أصله: طِوْل - بالواو - فقُلبت الواو ياءً لأن الياء أخفُّ من الواو، و (الطيل): الحبلُ الذي يشدُّ أحد طرفيه إلى وتدٍ أو شجر، وطرفه الآخر إلى يد الفرس ليرعى في المرعى كي لا يفر، يعني: فما وجد من العلف في ذلك المرج يحصلُ لمالكها بذلك أجرٌ؛ لأن نيته في ذلك الجهاد، وهو طاعةٌ عظيمة.

قوله: "فاستنَّت"؛ أي: ركضت "شرفًا"؛ أي: طَلَقًا وشوطًا، وهو العَدْوُ من موضعٍ إلى موضع.

"آثارها"؛ أي: خطواتها.

(1) في جميع النسخ: "يعني قوله"، والمثبت هو الصواب.

ص: 478

"وأرواثها"؛ أي: ما يسقط من الروث، وهو السِّرْجين.

يعني: يحصل بجميع حركاتها وسكناتها لمالكها أجرٌ.

قوله: "ولم يُرِدْ أن يسقيها"؛ يعني: لو شربت الفرس بنفسها من غير أن يسقيها مالكها، يحصل له أيضًا ثواب.

قوله: "تغنيًا وتعفُّفًا"، (التغنِّي): إظهارُ الغنى، و (التعفُّف): إظهار العِفَّة، وهي حفظ النفس عن الفواحش والسؤال، يعني: رَبَطَ الفرس ليركبها إذا مشى في قضاء حوائجه كيلا يحتاج إلى أن يسأل مركوبًا أحدًا.

ويحتمل أن يريد به: ربطها للنتاج؛ ليحصل له بنتاجها استعناءٌ، وكلُّ ذلك مباح.

قوله: "ثم لم ينسَ حق الله تعالى" أراد به عند الشافعي: أنه لو طلبها أحد ليركبها إلى موضع، أو وَجَد مضطرًا عاجزًا في الطريق، لم يبخل بها، بل يُرْكِبه عليها.

وعند أبي حنيفة: المراد به الزكاة.

قوله: "فهي له ستر"، (الستر) هنا: ما يحفظه عن السؤال والاحتياج إلى مال أحد، بل يستغني بها وبنتاجها عن مال غيره.

قوله: "فخرًا ورياء"؛ يعني: يربط الخيل ليفخر بها على الفقراء، وليظهر عن نفسه التكبر والعظمة.

قوله: "ونواءً لأهل الإسلام"، النِّوَاء والمُناوَأة: المخاصمةُ المحارَبة، يعني: ليحارب المسلمين على ظهرها.

"فهي على ذلك وِزْرٌ"؛ يعني: تكون تلك الفرس على ذلك القصد والنية وزرًا لصاحبها.

ص: 479

قوله: "وسئل رسول الله عليه السلام عن الحمر"؛ يعني: هل يجب الزكاة فيها أم لا؟، (الحمر): جمع حمار.

قوله: "ما أنزل عليَّ فيها"؛ يعني: ما أنزل عليَّ وجوبُ الزكاة فيها، إلا أنه داخلٌ في حكم قوله تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8]؛ يعني: إنْ عاون بها أحدًا يجد ثواب ذلك، وذلك بأن يعطيها أحدًا عارية ليركبها، أو يحمل عليها حملاً.

قوله: "الفاذة"؛ أي: المنفردة؛ يعني: ليس في القرآن آيةٌ مثلُها في قلة الألفاظ، وجمع معاني الخير والشر فيها.

روى هذا الحديث - أعني: من قوله: "والخيل ثلاثة" إلى هنا - أبو هريرة.

* * *

1245 -

عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَن آتَاهُ الله مالًا فلَم يؤدِّ زَكاتَهُ مُثِّلَ له مالُه يومَ القيامةِ شُجاعًا أقرعَ له زَبيبتانِ، يُطَوِّقُه، ثم يأخذُ بِلِهْزِمَتَيهِ - يعني شِدْقيه - يقول: أنا مالُكَ أنا كنزُكَ"، ثم تلا هذه الآيةَ:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} الآية [آل عمران: 180].

قوله: "مثِّل له ماله يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان"، (مُثِّل): ماضٍ مجهولٌ من التمثيل، وهو جَعْلُ شيءٍ مثلَ شيءٍ آخَرَ، (الشجاع): الحية الذَّكَر، (الأقرع): الذي ذهب الشعر من رأسه من غاية سمِّه، (الزبيبتان): نكتتان سوداوان فوق عينيه، وكلُّ حيةٍ لها زبيبتان فهي أخبثُ الحيات، يعني: جُعل له مالُه حيةً تُطْبقُ على عنقه وتَلدَغُه؛ لأنه لم يُخرج الزكاة منها.

* * *

ص: 480

1247 -

وعن جَريرٍ أنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أَتاكُم المُصَدِّقُ فليَصْدُرْ عنكم وهو عنكم راضٍ".

قوله: "إذا أتاكم المصدق فليصدر عنكم وهو عنكم راض"، (المصدق): الساعي، وهو الذي يجمع الزكاة للمستحِقِّين، (فليَصْدُر)؛ أي: فليرجع؛ يعني: حصِّلوا رضاه.

روى هذا الحديث جرير بن عبد الله.

* * *

1248 -

وقال عبد الله بن أبي أَوْفَى: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أتَاه قومٌ بِصَدَقَتِهِمْ قال: "اللهم صَلِّ على آلِ فُلانٍ"، فأَتاهُ أَبِي بصدقتِه فقال:"اللهم صلِّ على آلِ أبي أَوْفَى".

وفي روايةٍ: إذا أتى الرجلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بصدقته فقال: "اللهم صَلِّ عليه".

قوله: "إذا أتاه قوم بصدقتهم"؛ يعني: إذا أعطى أحدٌ الزكاة "قال" رسول الله عليه السلام: "اللهم صل على آل فلان" أو: "على قوم فلان".

هذا يدلُّ على أن المستحبَّ للساعي أن يدعو لمعطي الزكاة، بأن يقول: آجَرَكَ الله فيما أعطيت، وبارك فيما أبقيتَ، وجعله لك طهورًا، ولا يقول: اللهمَّ صل على فلان؛ لأن الصلاة على النبي، وله أن يقول لغيره [أما نحن] فلا يجوز لنا أن نصلِّي إلا على نبينا وغيره من الأنبياء، وكذلك يجوز على الملائكة.

* * *

1249 -

عن أبي هريرة أنَّه قال: بعثَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عُمرَ على الصَّدقةِ، فقيل: منعَ ابن جَميلٍ وخالدُ بن الوَليد والعبَّاسُ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما ينقِمُ ابن جَميل إلا أنه كان فقيرًا فأغناه الله ورسولُه؟، وأما خالدٌ فإنكم تَظلِمُونَ

ص: 481

خالدًا، قد احتبسَ أَدراعَهُ وأَعتُدَه في سبيلِ الله، وأما العبَّاسُ فهي عليَّ ومثلُها معها"، ثم قال: "يا عمرُ، أَمَا شَعرتَ أنَّ عمَّ الرجلِ صِنْوُ أبيه".

قوله: "بعث رسول الله عليه السلام عمر على الصدقة"؛ يعني: بعثه ليأخذ الزكاة من أرباب الأموال.

قوله: "فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس" جاء أحدٌ إلى رسول الله عليه السلام وشكا من هؤلاء الثلاثة، وقال: لا يؤدُّون الزكاة، فعاب رسول الله عليه السلام ابن جميل في منع الزكاة.

وقيل: لا عذر له في منع الزكاة، لكنه كفر نعمة الله تعالى عليه، فإنه كان فقيرًا فأعطاه الله تعالى المال، فجزاء هذه النعمة الرغبة في أداء الزكاة لا منعُ الزكاة.

قوله: "ما ينقم ابن جميل"، نقم الرجل أمرًا: إذا عدَّه قبيحًا، و (نقم): إذا غضب وكره شيئًا؛ يعني: ما يَغْضبُ ابن جميل على طالب الزكاة، وما يكره أداء الزكاة، إلا لكفران نعمة الله تعالى.

قوله: "أغناه الله ورسوله" إنما عطف عليه السلام نفسَه على لفظة (الله)؛ لأنه عليه السلام كان سببًا وهاديًا له إلى الإسلام ووجدانِ الغنيمة.

قوله: "فإنكم تظلمون خالدًا"؛ يعني: تطلبون منه من غيرِ أن تكون الزكاةُ عليه واجبةً، وهذا ظلم.

قوله: "قد احتبس أدراعه وأَعتُدَه في سبيل الله تعالى"، (احتبس)؛ أي: وقف، (الأدراع): جمع درع، و (الأعتد) بفتح الهمزة وبالتاء المنقوطة من فوقها بنقطتين وبضمها: جمع عتاد، وهو ما يعدُّ للحرب من السلاح، وما يعدُّ لأمرٍ آخر أيضًا.

وقصته (1): أن الساعي وجد عند خالد شيئًا من آلات الحرب وأفراسًا،

(1) في "ت" و"ش": "قصة هذا".

ص: 482

وقد سمع أو ظنَّ أن خالدًا جعل هذه الأشياء للتجارة، وطلب منه زكاة التجارة ولم يُعطه خالد، فشكى إلى رسول الله عليه السلام مَنْعَ خالدٍ الزكاةَ، فقال رسول الله عليه السلام: ليست هذه الأشياءُ مالَ التجارة، بل جعلها خالدٌ وقفًا في سبيل الله تعالى، ولا زكاة في الوقف.

وقد قيل في تأويله غير هذا، ولكن المختار هذا.

قوله: "فهي عليَّ ومثلُها معها": قال أبو عبيدة: تأويله: أن رسول الله عليه السلام أخَّر زكاةَ تلك السنة لعباس والسنةَ الثانية؛ لأنْ يؤدِّيَها في السنة الثالثة زكاة السنتين الماضيتين، لمَّا رأى احتياج عباس وضيقَ يده، قوله:"عليَّ"؛ أي: أنا ضامنٌ بوصول هذه الزكاة من عباس إلى المستحِقِّين.

وقيل: تأويله أنه عليه السلام أخذ زكاة سنتين من العباس قبل وجوبها، فلما طلب الساعي الزكاة من العباس، قال رسول الله عليه السلام: قد وصلت إليَّ زكاتُه.

قوله: "ومثلها معها"؛ أي: زكاة هذه السنة ومثلُها؛ أي: زكاة السنة الثانية، وتعجيلُ زكاة سنةٍ جائزٌ، وفي السنة الثانية خلافٌ.

قوله: "أما شعرت"؛ أي: أما علمتَ، الهمزة للاستفهام، وما للنفي.

قوله: "صنو أبيه"، (الصنو): النخلة التي تَنبتُ بجنب نخلةٍ أخرى بحيث يكون أصلهما واحدًا، يعني عليه السلام: الرجل وأبوه كلاهما من أصلٍ واحد؛ يعني: إذا علمت أنه وأبي من أصلٍ واحد فلا تقلْ له ما يتأذَّى منه محافظةً لجانبي.

روى هذا الحديث أبو هريرة، وأبو الزناد.

* * *

ص: 483

1250 -

وعن أبي حُمَيْد السَّاعِدي قال: استعمل النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلًا من الأَزْد يقال له: ابن اللُّتْبيَّةِ على الصدقةِ، فلمَّا قَدِمَ قال: هذا لكم وهذا أُهديَ لي، فخطبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فحمِدَ الله وأثنى عليه، ثم قال:"أمَّا بعدُ، فإنِّي أَستعملُ رجالًا منكم على أُمورٍ ممَّا ولَاّني الله، فيأْتي أحدُهم فيقولُ: هذا لكم، وهذه هديةٌ أُهديتْ لي، فهلَاّ جلسَ في بيتِ أبيهِ أو بيتِ أمِّه فينظرَ أَيُهدى له أم لا؟، والذي نفسي بيده لا يأْخذُ أَحدٌ منه شيئًا إلا جاءَ به يومَ القيامةِ يحملُهُ على رقبَتِهِ، إنْ كان بَعيرًا له رُغاءٌ، أو بقَرةً لها خُوارٌ، أو شاةً تَيْعَرُ"، ثم رفَعَ يديه حتى رأَينا عُفْرَةَ إبطَيهِ فقال:"اللهم هل بَلَّغتُ؟، ثلاثًا".

قوله: "استعمل رسول الله عليه السلام رجلًا"؛ أي: جعله عاملًا في جمع الزكاة، "الأزد": قبيلة.

قوله: "ابن اللتبية" اسم هذا الرجل: عبد الله، و (اللُّتَب) بضم اللام وفتحِ التاء المنقوطة من فوقها بنقطتين وبعدها باءٌ منقوطةٌ من تحتها بنقطةٍ: اسم قبيلة.

و (اللتبية): اسم أمِّ هذا الرجل، وهي منسوبةٌ إلى قبيلة اللتب، وهذا الرجل مشهورٌ بإضافته إلى أمه.

قوله: "هذا لكم وهذا أهدي إلي"؛ يعني: قال لبعض ما معه من المال: هذا مال الزكاة، وقال لبعضه الآخر: هذا ما أعطانيه القوم بالهدية.

قوله: "ولاني الله"؛ أي: جعلني الله فيه حاكمًا.

قوله: "فهلا جلس"؛ أي: لمَ لمْ يجلس في بيته، فينظر هل أعطاه أحدٌ شيئًا أم لا؟ يعني: لا يجوز للعامل أن يقبل هديةً؛ لأنه لا يعطيه أحدٌ شيئًا إلا أن يطمع في أن يترك بعض زكاته، وهذا غيرُ جائزٍ منه؛ أي: من مال الزكاة.

قوله: "إن كان بعيرًا له رغاء"، (الرغاء): صياح البعير وصوته، (الخوار): صوتُ البقر، يَعَرَ المعز يَيْعَر: إذا صاح، يعني: مَن سرق شيئًا في الدنيا من مال

ص: 484

الزكاة وغيرها، يجيءُ يومَ القيامة وهو حاملٌ لِمَا سرق إن كان حيوانًا له صوت رفيع؛ ليعلم أهل العرصات حاله؛ لتكون فضيحته أشهر.

ويأتي تمام هذا الحديث في (قَسم الغنائم).

قوله: "عفرة إبطيه"؛ أي: ما نبت فيه الشعر من تحت إبطيه.

قوله: "اللهم هل بلغت" ذكر هذا تقريرًا وعِظةً على الناس؛ ليكون أكثر وقعًا وتعظيمًا وحفظًا في خواطرهم، يعني: الله تعالى شاهدي على تبليغ حال السرقة حتى لا ينكروا تبليغي يوم القيامة.

* * *

1251 -

وقال: "مَن استعْمَلْنَاهُ منكم على عمَلٍ، فَكَتَمَنا مَخِيطًا فما فوقَه؛ كانَ غُلُولًا يأْتي به يومَ القيامةِ".

قوله: "فكتمنا مخيطًا"، (المخيط) بكسر الميم وسكون الخاء وفتح الياء: الإبرة، يعني: مَن أخفى منه شيئًا، وسرق منا شيئًا من ذلك المال حتى إبرةً فما فوقها، أو أقلَّ منها؛ يكون ذلك غلولًا؛ أي: خيانة، ويكون ذلك على رقبته إذا جاء يوم القيامة.

* * *

من الحِسَان:

1252 -

عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لمَّا نزلتْ هذه الآية: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34] كَبُرَ ذلكَ على المسلمين فقالوا: يا نبيَّ الله، إنه كَبُرَ على أصحابكَ هذه الآية، فقال:"إنَّه ما فرضَ الزكاةَ إلا ليُطَيبَ ما بقيَ من أموالِكم"، فكبَّر عمرُ، ثم قال:"أَلا أُخبرُكم بخيرِ ما يَكْنِزُ المرءُ؟ المرأةُ الصالحةُ، إذا نظرَ إليها تَسُرُّه، وإذا أمرَها أطاعَتْهُ، وإذا غابَ عنها حَفِظَتْهُ".

قوله: "كبر ذلك على المسلمين"؛ يعني: خافوا من هذه الآية وقالوا:

ص: 485

لا بد لنا من ذخيرةٍ ندَّخرها ليومٍ نحتاج إليها، والذخيرةُ من جملة الكنز، وقد قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34] فما لنا في الادخار؟

فقال رسول الله عليه السلام: "ما فرض الزكاة إلا ليطيب ما بقي من أموالكم" ومعنى (ليطيب): ليُحِلَّ؛ يعني: مَن أدى الزكاة لم يكن في الكنز عليه إثم، ولم يكن من الذين قال الله تعالى لرسوله عليه السلام:{فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}

قوله: "فكبر عمر"؛ يعني: ففرح عمر بذلك، وكبَّر حمدًا لله على أنْ دفع الله تعالى الإثم عن عباده بإعطاء الزكاة.

قوله: "ثم قال: ألا أخبرك"؛ أي: ثم قال رسول الله عليه السلام لعمر: ألا أخبرك؟ إنما يكنز الرجلُ المال لينتفع به، وكلُّ ما فيه النفعُ أكثر فهو خير وأولى للادِّخار، فالمرأة الصالحة خيرُ ما يدَّخِرُ الرجل؛ لأن النفع فيها أكثر؛ لأنه إذا نظر إليها تسرُّه، يعني: يحصل له منها تلذُّذٌ، فتُكسر الشهوة، ويُدفع الزنا، وهذه منفعةٌ كثيرة.

ثم إذا أمرها بأمرٍ أطاعته وخدمت، فهذا أيضًا منفعةٌ، وإذا غاب الرجل عنها حفظته؛ أي: حفظت حقَّه وإنعامه عليها، فلم تَخُنْه بأنْ تُسْلِم نفسَها إلى أجنبي، بل تدوم على عفَّتها وصلاحها، وحفظِ بيت زوجها ومالِه وأولاده، فهذه أيضًا منفعةٌ كثيرة.

وفي هذا الحديث إشارةٌ إلى ترك الكنز وجمع المال، والاختصارِ إلى اتخاذ منكوحةٍ صالحة.

* * *

1253 -

وقال: "سَيأْتيكُم رَكْبٌ مُبَغَّضونَ، فإذا جاؤوكم فرحِّبوا بهم،

ص: 486

فَخلُّوا بينَهم وبينَ ما يَبتغُون! فإنْ عَدَلُوا فلأِنفُسِهِمْ، وإنْ ظَلَمُوا فعليها، فأَرْضُوهم، فإنَّ تَمامَ زكاتِكم رِضاهُم، ولْيَدْعوا لكُم".

وفي روايةٍ: "أَرْضُوا مُصَدِّقيكم"، قالوا: وإنْ ظلَمُونا يا رسولَ الله؟، قال:"أرضوا مصَدِّقيكم وإنْ ظُلِمْتُمْ".

"ركبٌ مبغَّضون" أراد بهم: الذين يجمعون الزكاة، يعني: قد يكون بعض العاملين سيئَ الخُلُق متكبرًا، فاصبروا على سوء خلقهم.

(المبغَّض) بفتح الغين وتشديدها: الذي جُعل بغيضًا في قلوب الناس، والبغيض: مَن كرهه الناس، وهو ضدُّ الحبيب، يعني: العاملين الذين لهم خلقٌ سيئٌ يكرههم الناس لسوء خلقهم.

ويجوز: (مُبْغَضون) بسكون الباء، وهو مفعولٌ، من أَبغض الرجل أحدًا: إذا كرهه.

وكِلَا الوجهين - أعني: تشديد الغين وتخفيفها - ممكنٌ هنا.

قوله: "فرحِّبوا بهم"؛ أي: قولوا لهم: مرحبًا وأهلًا؛ أي: احفظوا عزَّتهم وتعظيمهم.

قوله: "وخلُّوا بينهم وبين ما يبتغون"؛ أي: يطلبون، يعني: كيفما يأخذون الزكاة لا تمنعوهم، وإن ظلموكم؛ لأن مخالفتهم مخالفةُ السلطان؛ لأنهم مأمورون من جهته، ومخالفةُ السلطان غيرُ جائزٍ.

قوله: "فإن عدلوا فلأنفسهم"؛ يعني: إن عَدَلوا في أخذ الزكاة أكثرَ ممَّا وجب وتركوا الظلم، فلهم الثواب.

قوله: "وإن ظلموا فعليها"؛ أي: وإن أخذوا الزكاة أكثرَ ممَّا وجب عليكم فعليها؛ أي: فعلى أنفسهم إثمُ ذلك الظلم، وليس عليكم إثمٌ بظلمهم، بل يكون لكم الثواب بتحمُّل ظلمهم.

ص: 487

قوله: "فإن تمام زكاتكم رضاهم"؛ يعني: أعطوهم وإن طلبوا أكثر مما يجب عليكم، فإنكم لو لم تُعطوهم ما طلبوا لعصيتم أولي الأمر.

وتمام الزكاة بشيئين: بأداء الزكاة، وطاعةِ أولي الأمر؛ فمَن ترك واحدًا منهما لم تكن زكاته تامةً.

روى هذا الحديث جابر بن عَتِيكٍ الأنصاريُّ.

* * *

1254 -

وقال بشيرُ بن الخَصَاصِيَّة: قُلنا: إنَّ أهلَ الصدقةِ يعتدونَ علينا، أَفَنَكْتُم مِن أموالِنا بقدرِ ما يعتَدون علينا؟، فقال:"لا".

قوله: "يعتدون علينا"، (الاعتداء): مجاوزةُ الحد؛ يعني: يأخذون منا أكثر مما يجب علينا.

قوله: "أفنكتم من أموالنا بقَدْرِ ما يعتدون علينا"؛ يعني: إذا علمنا أنهم يأخذون عن خمسٍ من الإبل شاتين، مع أن واجبها شاةٌ واحدة، فإن كان لنا عَشْرٌ من الإبل فهل يجوز أن نكتم خمسًا، ونقولَ لهم: ليس لنا إلا خمس، حتى إذا أخذوا شاتين عن خمسٍ لا يكون علينا ظلم؟

قوله عليه السلام في جوابهم: "لا"، وإنما لم يرخِّص في كتمان شيء من المال؛ لأنه لو رخَّص لهم في كتمان شيء لكان بعض الناس كتموا بعض أموالهم مع أن العاملين لا يظلمون عليهم، ولأن كتمان بعض المال خيانةٌ، والخيانةُ كذبٌ ومكر.

روى هذا الحديث بشير بن الخَصَاصِيَة السدوسي.

* * *

ص: 488

1255 -

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العاملُ على الصدقةِ بالحقِّ، كالغازي في سبيلِ الله حتى يرجعَ إلى بيتِهِ".

قوله: "العامل على الصدقة بالحق"؛ يعني: عامل الزكاة إذا لم يظلم أرباب الأموال، ولم يأخذ منهم أكثر مما يجب عليهم، ولم يأخذ أقلَّ مما يجب عليهم، فهو كالغازي في الثواب.

روى هذا الحديث رافع بن خديج.

* * *

1256 -

وقال: "لا جَلَبَ، ولا جَنَب، ولا تُؤخَذ صدقاتُهم إلا في دُورِهم".

قوله: "لا جلب"، (الجلب): الجذبُ والجمع؛ يعني: لا يجوز للعامل أن ينزل إلى موضع بعيدٍ من موضع أرباب الأموال ويأمرَ أربابَ الأموال أن يجتمعوا ويجمعوا أموالهم عنده ليأخذ زكاتهم؛ لأن في إتيانهم وسَوْقِ مواشيهم من مواضعهم إلى الموضع الذي نزل فيه العامل مشقةٌ عليهم، بل يأتي العامل إلى مواضع أرباب الأموال ويأخذ زكاتهم في موضعهم، وهذا معنى قوله:"لا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم".

قوله: "ولا جنب"، (الجنوب): التباعُدُ؛ يعني: لا يجوز لأرباب الأموال أن يَبْعُدوا من مواضعهم المعهودة إلى مواضع بعيدةٍ بحيث يكون على العامل مشقةٌ في إتيانهم.

روى هذا الحديث عبد الله بن عمر.

* * *

1257 -

وعن ابن عمر: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَن استفادَ مالًا فلا زكاةَ فيهِ

ص: 489

حتى يَحولَ عليهِ الحَولُ"، والوقْف على ابن عمرَ أَصحُّ.

قوله: "من استفاد مالًا"؛ أي: مَن وجد مالًا وعنده نصابٌ من ذلك الجنس، مِثْلَ أن يكون للرجل ثمانون شاةً، ومضى عليها ستةُ أشهر، ثم اشترى أحدًا وأربعين شاة، فإذا مضى ستة أشهر يجب عليه شاةٌ للثمانين؛ لأنه تمَّ حولُها، ولا يجب عليه للأحد والأربعين التي اشتراها شيءٌ حتى يتم عليها حولٌ من وقت الشراء، فإذا تم عليها حولٌ من وقت الشراء يجب عليه شاةٌ لها؛ لأن المستفاد لا يكون تبعًا للمال الموجود في ملكه قبل المستفاد، هذا قولُ الشافعي وأحمد.

وقال أبو حنيفة ومالك: يكون المستفاد تبعًا للمال الموجود في ملكه، فإذا تم حول الثمانين يجب عليه شاتان للثمانين وللأحد والأربعين، كما أن النتاج تبعٌ للأمهات.

قوله: "والوقف على ابن عمر أصح"؛ يعني: بعض الرواة يروي هذا الحديث عن ابن عمر عن رسول الله عليه السلام، وبعضهم يرويه: عن ابن عمر، ولا يقول ابن عمر: قال رسول الله عليه السلام، وهذا هو الأصح.

* * *

1259 -

عن عَمْرو بن شُعَيب، عن أبيه، عن جدِّه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ وَلِيَ يتيمًا له مالٌ فَلْيَتَّجِرْ فيهِ، ولا يَتْركْه حتى تأْكْلَه الصَّدَقَةُ"، ضعيف.

قوله: "ولا يتركه حتى تأكله الصدقة"؛ يعني: لو لم يتَّجر في ماله حتى يحصلَ الربح ويؤدِّيَ الزكاة من ماله، ينقص كلَّ سنةٍ من أصل ماله بقَدْرِ الزكاة، فيَفْنَى ماله، ووجوبُ الزكاة في مال الصبي مذهبُ الشافعي ومالك وأحمد.

وأما مذهب أبي حنيفة: فلا زكاة في مال الصبي، إلا في مالٍ يجب فيه العُشر؛ فإنه يقول بوجوب العشر كالباقين.

ص: 490