الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجماعةِ، فكلُّ إمامٍ يفعلُ ذلك فكأنه منعَ الناسَ عن صلاة الجماعة.
(ما) في (أيُّكم ما صلَّى): زائدة.
* * *
812 -
وقال: "يُصَلُّونَ لكم، فإن أَصابوا فلكم ولهم، وَإن أخطؤوا فلكم وعليهم".
قوله: "يُصَلُّون لكم"؛ يعني: أئمتُكم يُصَلُّون لكم وأنتم تُتَابعُونَهم، فإن أَصَابُوا فَلَكُم؛ أي: إن كانت صلاتُهم صحيحةً مُشتمِلَةً على الشرائط والأركانِ فلكم ولهم الأجرُ، فذكرَ (لكم) وترك (لهم) لعلمِ المخاطَبِ به؛ لأنه معلومٌ أنَّ صلاةَ الإمام إذا كانت صحيحةً يحصلُ له الأجرُ كما يحصُلُ للمأمومين بل أكثر.
قوله: "وإن أخطؤُوا فلكُم وعليهِم"؛ يعني: إذا كان في صلاة الإمامِ خَلَلٌ بأن كان جُنُبًا، أو مُحْدِثًا، أو نَجِسًا، ولم يعلم المأمومُ حالَه فللمأموم الأجرُ، وصلاتُه صحيحةٌ، وعلى الإمام الوزرُ إن كان عالمًا بكونِ نفِسه جُنُبًا أو مُحْدِثًا أو غير ذلك، وإن لم يعلَمْ حالَ نفسِه لم يكنْ عليه وِزْرٌ، ثم إذا علم لَزِمَه إعادةُ الصلاة.
* * *
27 - باب ما على المَأْموم مِنَ المُتابعة وحُكْم المَسْبُوق
(باب ما على المأموم من المتابعة وحكم المسبوق)
مِنَ الصِّحَاحِ:
813 -
قال البَرَاءُ بن عازِبٍ رضي الله عنه: كُنَّا نصلي خلفَ النبي صلى الله عليه وسلم فإذا قال:
"سمِعَ الله لمنْ حمده"، لم يَحْنِ منا أحدٌ ظهْرَهُ حتى يضعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم جبهتَه على الأرضِ.
قوله: "لم يَحْنِ أحدٌ منا ظَهْرَه"، حنا يحنو، وحنى يحني: إذا عَوَّجَ شيئًا.
هذا الحديث يدلُّ على أن السنةَ في حقِّ المأمومِ أن يكونَ خلفَ الإمامِ في أفعال الصلاةِ متأخِّرًا، لا معه، فلو كان معه جازتْ صلاتُه إلا تكبيرةَ الإحرامِ؛ فإنه لا بد للمأموم أن يصبرَ حتى يفرُغَ الإمامُ منها ثم يكبر المأمومُ.
* * *
814 -
وقال أنس رضي الله عنه: صلى بنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يومٍ، فلما قَضَى أَقْبَلَ علينا بوجهِهِ فقال:"أيُّها النَّاس، إني إِمامُكم، فلا تَسبقوني بالركوعِ ولا بالسجودِ ولا بالقيامِ ولا بالانصرافِ، فإني أَراكم أَمامي ومِنْ خلْفي".
قوله: "فلمَّا قَضَى"، أي: فلما قضى صلاتَه.
"فلا تَسْبقُوني"، أي: فلا تفعلُوا أفعالَ الصلاةِ قبلي، بل اصبروا حتى أدخلَ في ركنٍ، ثم اتْبَعُوني في ذلك الرُّكْنِ.
قوله: "ولا بالانصراف"، يحتملُ أن يريدَ به التسليمَ من الصلاة، ويحتملُ أن يريدَ به الخروجَ من المسجدِ، وذكر بحث هذا في الحديثِ الآخرِ من الدعاءِ في التشهُّد.
* * *
815 -
عن أبي هريرة قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُعلِّمنا يقولُ: "لا تُبادِرُوا الإِمامَ، إذا كَبَّر فكبرُوا، وإذا قال: ولا الضَّالين، فقولوا: آمين، وإذا ركعَ فاركعوا، وإذا قال: سَمِعَ الله لمن حَمِدَهُ، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمدُ".
قوله: "لا تبادروا الإمام"؛ أي: لا تَسْبقُوه، معنى هذا الحديث كالحديث المتقدِّم.
* * *
816 -
وقال "إنما جُعِلَ الإِمام لِيُؤتَمَّ بهِ، فلا تختلِفوا عليه، فإذا ركعَ فاركعوا، وإذا قال: سَمِعَ الله لمن حَمِده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمدُ، وإذا سجدَ فاسجدُوا، وإذا صلَّى جالسًا فصلُّوا جلوسًا أجمعون".
قال الشيخ الإمام رحمه الله: وقوله: "فصلُّوا جلوسًا" منسوخٌ بما روي.
قوله: "ليؤتم"؛ أي: ليقتدى، (أجمعون) تأكيد للضمير المرفوع في (صلوا).
قال الشيخ الإمام رحمة الله عليه: قوله: "فصلوا جلوسًا" منسوخٌ، لِمَا رُوِيَ عن عائشة قالت:"لما ثَقُلَ رسولُ الله جاءَ بلالٌ يُؤْذِنُه بالصلاة".
قول الشيخ: (فصلُّوا جلوسًا منسوخٌ) هذا عند أكثرِ الأئمةِ إلا أحمدَ وإسحاقَ بن راَهويه، فإنهما يقولان: لو شرعَ الإمامُ في الصلاةِ في حال المرضِ وهو قاعدٌ فليقْعُدِ المأمومون للحديث المتقدِّم، وإن شرعَ في الصلاة وهو صحيحٌ ثم مَرِضَ وقعدَ لم يَقْعُدْ المأمومون.
* * *
817 -
عن عائشة رضي الله عنها قالت: لمَّا ثَقُلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جاءَ بلالٌ يُؤذِنُهُ بالصلاةِ، فقال:"مُرُوا أبا بكرٍ أن يصليَ بالناسِ"، فصلَّى أبو بكر تلك الأيامَ، ثم إنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وجدَ في نفسه خِفَّةً، فَقَامَ يُهَادَى بين رَجُلَيْنِ، ورجلاه تخُطَّان في الأرض حتى دخلَ المسجدَ، فلمَّا سمعَ أبو بكرٍ حِسَّهُ ذَهَبَ يتأَخَّرُ، فَأَوْمَأَ إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ لا يتأخرَ، فجاءَ حتى جلسَ عن يسارِ أبي بكرٍ رضي الله عنه،
فكانَ أبو بكرٍ يصلي قائمًا، وكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعدًا، يقتدي أبو بكرٍ بصلاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، والناسُ يقتدونَ بصلاةِ أبي بكرٍ، وفي روايةٍ: وأبو بكرٍ يُسمِعُ الناسَ التكبيرَ.
قولها: "لما ثَقُلَ رسولُ الله"؛ أي: اشتدَّ مرضُه، و"يُؤْذِنه" بسكون الهمزة وتخفيف الذال؛ أي: يُعْلِمُه ويخبرُه و (يُؤَذِّنُه) بفتح الهمزة وتشديد الذال؛ أي: يَدْعوه.
و (التأذينُ): رَفْعُ الصوتِ في دعاءِ أحدٍ أحدًا، أو في الأذان.
"وَجَدَ في نفسه خِفَّةً"؛ أي: قوةً وزوالَ بعضِ المَرَضِ.
"يُهَادَى بين الرَّجُلَين"؛ أي: يمشي بين رجلين إحدى يديه على عاتقِ أحدِهما، والأخرى على عاتقِ الآخر، والرجلان كانا عليَّ بن أبي طالب، وعباسَ بن عبد المطلب رضي الله عنهما.
"ورجلاه تَخُطَانِ"، أي: تَنْجَرَّان على الأرض، ولا يقدِرُ أن يرفعَهما عن الأرض مِنْ غاية الضَّعْف.
"حِسُّه"؛ أي: حركتُه، أو صوتُه.
"ذهبَ يَتَأَخَّرُ"؛ أي: طَفِقَ وقَصَدَ أن يتأخَّر عن موضعِه ليقومَ رسولُ الله مَقامَه.
"فأومأ"؛ أي: فأشارَ.
قوله: "يقتدي أبو بكرٍ بصلاةِ رسولِ الله"، اختلفَ العلماءُ في هذا، فروى ابن عباسٍ وجماعةٌ كثيرةٌ عن عائشة: أنَّ رسولَ الله كان إمامًا، وأبو بكر يقتدي به.
قوله: "والناسُ يَقْتَدُون بصلاةِ أبي بكر"، معناه: والناسُ يَصْنَعُون مثلَ ما
يصنعُ أبو بكر، وليس معناه أن أبا بكرٍ كان إمامَ القومِ ورسولُ الله كان إمامَ أبي بكر؛ لأن إمامة المأمومِ غيرُ جائزةٍ، بل كلُّهم اقتدَوا برسول الله.
وروى مسروقٌ عن عائشةَ: "أن رسولَ الله جلسَ في الصفِّ خلفَ أبي بكرٍ واقتدى بأبي بكر"، والروايةُ الأولى أَصحُّ.
قوله: "وأبو بكرٍ يُسْمِعُ الناسَ التكبيرَ"؛ يعني: قالتْ عائشةُ بعد قولها: وكان رسولُ الله يصلِّي قاعدًا، وأبو بكرٍ يُسْمِعُ الناسَ التكبيرَ، يعني: كان أبو بكرٍ مكبرًا لا إمامًا.
وهذا الحديث يدلُّ على أنَّ المأمومَ إذا صلَّى خلفَ إمامٍ بعضَ الصلاةِ، ثم تركَ الإمامُ الإمامةَ أو بَطَلَتْ صَلاتُه، وجاءَ إمامٌ آخرُ= للمأمومِ أن يصلِّيَ باقيَ صَلاتِه خلفَ الإمامِ الثاني من غير استئنافِ التكبيرِ والنيةِ، ويدلُّ أيضًا على جَوازِ كونِ صلاةِ المأموم أقلَّ من صلاةِ الإمامِ؛ لأنَّ القومَ هنا قد صلُّوا بعضَ الصلاةِ قَبْلَ رسولِ الله.
وقال الشافعيُّ في قولٍ: لو صلَّى رجلٌ منفرِدًا بعضَ الصلاة، ثم اقتدى في باقيها جازَ بدليل هذا الحديث، وهذا بعيد لأنه ههنا صلَّى القومُ جميعَ الصلاةِ مع الإمامِ إلا أنهم صلُّوا بعضَ الصلاة خلفَ إمامٍ وبعضَها خلفَ إمامٍ آخرَ.
* * *
818 -
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَمَا يخشى الذي يرفعُ رأْسَهُ قبلَ الإمام أنْ يُحوِّلَ الله رأسَه رأسَ حِمارٍ".
وقال: "لا تُبادروا الإمامَ، إذا كبَّر فكبروا، وإذا قال: ولا الضالين
فقولوا: آمين، واذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد".
قوله: "أن يُحَوِّلَ الله"؛ أي: أن يَقْلِبَ الله، ويُبَدِّلَ الله.
* * *
مِنَ الحِسَان:
819 -
عن عليٍّ ومُعاذ بن جبَل رضي الله عنهما قالا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أتى أحدُكم الصلاةَ والإمامُ على حالٍ، فليصْنَعْ كما يصنعُ الإمامُ"، غريب.
قوله: "إذا أتى أحدُكم الصلاة
…
" إلى آخره؛ يعني: إذا نوى المأمومُ وكَبَّر تكبيرةَ الإحرامِ فلْيُوافقِ الإمامَ فيما هو فيه من القيام، أو الركوع، أو غير ذلك، ثم إنْ أدركَ الركوعَ احْتُسِبَ له تلك الرَّكعة، وإن أدركَه بعد الركوع فليوافقْه ولم يُحتَسَبْ له تلك الرَّكْعَة.
* * *
820 -
وقال: "إذا جئتم إلى الصلاةِ ونحنُ سُجودٌ فاسجُدوا، ولا تَعُدُّوه شيئًا، ومَنْ أَدرك الركعةَ فقد أَدرَكَ الصَّلاةَ".
قوله: "ونحن سجود"، السُّجُودُ هنا جمع سَاجِد.
"فاسجدوا ولا تَعُدُّوه شيئًا"؛ أي: ولا تَجْعَلُوا السجودَ رَكْعةً؛ يعني: فوافِقُوني فيما أنا فيه من الأركان، ولكنْ لا يحصُلُ لكم رَكعةٌ بذلك إن لم تركعوا معي الرُّكُوع.
قوله: "ومنْ أدركَ الرَّكعةَ فقد أدركَ الصَّلَاة"، قيل: معنى الرَّكْعةِ هنا
الركوعُ، ومعنى الصلاة: الركعةُ؛ يعني: منْ أدركَ الركوعَ مع الإمام فقد أدركَ تلكَ الرَّكعةَ.
وقيل: بل معناه من أدركَ رَكعةً فقد أدركَ الصلاةَ مع الإمام؛ يعني: يحصُلُ له ثوابُ الجماعةِ، وإن أدركَ مع الإمام أقلَّ من رَكعةٍ لا يحصُلُ له ثوابُ الجماعةِ عند بعض أصحابِ الشافعي.
والأظهرُ أنه يحصُلُ له ثوابُ الجماعةِ إذا أدركَ الإمامَ قبل السلام، وأما صلاة الجمعة لا تحصُلُ له بإدراك أقلَّ من رَكعةٍ بلا خلاف.
* * *
821 -
عن أنسٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صلَّى للهِ أربعين يومًا في جماعةٍ يُدركُ التكبيرةَ الأُولى؛ كُتِبَتْ له براءتانِ: براءةٌ من النارِ وبراءةٌ من النِّفاقِ".
وقال: "من صَلَّى لله أربعينَ يومًا كُتِبَ له بَرَاءَتان: براءةٌ من النار وبراءةٌ من النَّفَاق". رواه أنس.
"براءة من النار"؛ أي: نجاةٌ من النار.
"وبراءة من النفاق"؛ أي: طهارةٌ وخَلَاصٌ من النفاق عند الله وعند الناس؛ لأنَ مَنْ سَعَى في الصلواتِ الخمسِ حتى يدركَ التكبيرةَ الأولى مع الإمام فهذا الحرصُ منه على الصلاة دليلٌ على كَمَالِ إيمانِه؛ لأن المنافقَ قلَّما يصلِّي بالجماعة، ولو صلَّى بالجماعةِ يؤخِّرُ الصلاةَ حتى تفوتَه بعضُ الرَّكَعات لعدم إيمانِه بنيلِ الثَّواب.
* * *