المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌5 - باب فضل الأذان وإجابة المؤذن - المفاتيح في شرح المصابيح - جـ ٢

[مظهر الدين الزيداني]

فهرس الكتاب

- ‌4 - كِتابُ الصَّلَاةِ

- ‌2 - باب المَواقيْتِ

- ‌3 - باب تَعْجيل الصَّلاةِ

- ‌فصل

- ‌4 - باب الأَذان

- ‌5 - باب فَضْل الأَذان وإجابة المؤذَّن

- ‌فصل

- ‌6 - باب المَساجِد ومَواضع الصَّلاةِ

- ‌7 - باب السَّتر

- ‌8 - باب السُّترة

- ‌9 - باب صِفة الصَّلاةِ

- ‌10 - باب ما يَقْرأُ بعد التَّكبيرِ

- ‌11 - باب القِراءةِ في الصَّلاة

- ‌12 - باب الرُّكُوع

- ‌13 - باب السُّجود وَفضْله

- ‌14 - باب التَّشهُّدِ

- ‌15 - باب الصَّلاةِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وفَضْلِها

- ‌16 - باب الدُّعاء في التَّشهُّدِ

- ‌17 - باب الذِّكر بعد الصَّلاة

- ‌18 - باب ما لا يَجُوزُ من العمَل في الصَّلاة وما يُباحُ منه

- ‌19 - باب سُجُود السَّهْوِ

- ‌20 - باب سُجود القُرآن

- ‌21 - باب أَوقات النَّهْي عن الصَّلاة

- ‌22 - باب الجَماعة وفَضْلِها

- ‌23 - باب تَسْوية الصَّفِّ

- ‌24 - باب المَوْقِفِ

- ‌25 - باب الإِمامةِ

- ‌26 - باب ما علَى الإِمامِ

- ‌27 - باب ما على المَأْموم مِنَ المُتابعة وحُكْم المَسْبُوق

- ‌28 - باب مَنْ صلَّى صلاةً مرَّتَينِ

- ‌29 - باب السُّنَن وفَضْلها

- ‌30 - باب صلاة الليل

- ‌31 - باب ما يقول إذا قام من الليل

- ‌32 - باب التَحريض على قيام الليل

- ‌33 - باب القَصْد في العمَل

- ‌34 - باب الوِتر

- ‌35 - باب القُنوت

- ‌36 - باب قِيَام شَهْر رمَضان

- ‌37 - باب صلاة الضُّحى

- ‌38 - باب التطوع

- ‌(صلاة الاستخارة)

- ‌39 - باب صلاة التَّسْبيح

- ‌40 - باب صلاة السَّفَر

- ‌41 - باب الجُمُعة

- ‌42 - باب وجوبها

- ‌43 - باب التَّنظيف والتَّبكير

- ‌44 - باب الخُطبة والصَّلاة

- ‌45 - باب صلاة الخَوف

- ‌46 - باب صَلاةِ العِيْد

- ‌فصل في الأُضْحِيَة

- ‌47 - باب العَتِيْرةِ

- ‌48 - باب صلاة الخُسُوف

- ‌فصل في سُجُود الشُّكر

- ‌49 - باب الاستِسقاء

- ‌فصل في صفة المَطَر والرِّيح

- ‌5 - كِتابُ الجَنَائِزِ

- ‌1 - باب عِيَادة المَريض وثواب المَرَض

- ‌2 - باب تمنِّي المَوت وذِكْره

- ‌3 - باب ما يقال لمَنْ حَضَرَهُ الموتُ

- ‌4 - باب غُسْلِ المَيت وتكفينه

- ‌5 - باب المَشْي بالجَنازة والصَّلاة علَيها

- ‌6 - باب دَفْن الميت

- ‌7 - باب البُكاء على المَيت

- ‌8 - باب زِيارة القُبور

- ‌6 - كِتابُ الزَّكَاةِ

- ‌2 - باب ما تجب فيه الزَّكاةُ

- ‌3 - باب صدَقة الفِطْر

- ‌4 - باب من لا تحلُّ له الصَّدَقة

- ‌5 - باب مَنْ لا تَحِلُّ له المَسْألة ومَنْ تَحِلُّ له

- ‌6 - باب الإنفاق وكراهية الإمساك

- ‌7 - باب فضل الصدقة

- ‌8 - باب أَفْضَل الصَّدَقة

- ‌9 - باب صدَقة المَرأَة من مال زوجها

- ‌10 - باب مَنْ لا يَعْود في الصَّدقَة

الفصل: ‌5 - باب فضل الأذان وإجابة المؤذن

ولم نجد اسم جدَّ "زياد"، وهو منسوبٌ إلى صُداء، وهو حيٌّ من اليمن، وأذَّن بين يدي رسول الله عليه السلام.

* * *

‌5 - باب فَضْل الأَذان وإجابة المؤذَّن

(باب فضل الأذان وإجابة المؤذن)

مِنَ الصَّحَاحِ:

451 -

عن مُعاوية رضي الله عنه أنَّه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المؤذَّنُونَ أطولُ النَّاسِ أَعناقًا يومَ القِيامَةِ".

قوله: "أطول الناس أعناقًا" قال ابن الأعرابي: معناه: أكثر الناس أعمالًا، يقال: لفلان عنقٌ من الخير؛ أي: قطعةٌ من الخير.

وقال غيره: أكثرهم رجاء؛ لأن مَن رجا شيئًا طال إليه عنقه، والناس يكونون في الكرب، وهم في الروح يَمُدُّون أعناقهم، وينتظرون أن يُؤْذَنَ لهم في دخول الجنة.

وقيل: معناه: الدنو من الله عز وجل.

وقيل: أراد أن لا يبلغ العرق أعناقهم في يوم بلغ العرق أفواه الناس، وهو يومُ القيامة.

وكلُّ ذلك جزاء أن يمدُّوا أعناقهم عند رفع الصوت في الأذان؛ لأن مَن رفع صوته يمدُّ عنقه.

* * *

ص: 45

452 -

عن أبي هُريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا نُودِيَ للصَّلاةِ أَدبَرَ الشَّيطانُ لهُ ضُراطٌ حتَّى لا يَسمعَ التَأْذِينَ، فإذا قُضى النِّداءُ أقبلَ، حتَّى إذا ثُوُّبَ بالصَّلاةِ أدبرَ، حتَّى إذا قُضي التثويبُ أقبلَ حتَّى يَخطرَ بينَ المَرءِ ونفسِهِ، يقول: اذكُرْ كذا، واذكُرْ كذا لِمَا لمْ يكُنْ يَذْكُرُ حتَّى يظلَّ الرجلُ لا يَدري كَمْ صَلَّى".

قوله: "إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان"؛ يعني: الشيطانُ وأصحابه يدخلون المساجد ويوسوسون للمصلَّين ويُشَوَّشون عليهم قلوبهم، حتى لا يكونَ لهم حضورٌ في الصلاة، فإذا أذَّن المؤذَّن فرَّ الشيطان، ويبعد بحيث لا يسمع الأذان.

قوله: "له ضراط"، (الضراط): ريحٌ أسفل الإنسان وغيرِه إذا كان له صوت، والحمارُ إذا كان حملُه ثقيلًا (1) أو يعدو، يخرج منه الضراط من ثقل حمله، فكذلك الشيطان يخرج منه الضراط لثقل الأذان عليه.

ويحتمل أن يكون خروج الضراط منه مَثَلًا، وليس المراد منه الحقيقةَ؛ يعني: يَثْقُلُ عليه سماعُ الأذان كما يثقل الحملُ على الحمار حتى يخرج منه الضراط.

قوله: "فإذا قضى النداء أقبل"؛ يعني: فإذا فرغ المؤذَّن من الأذان أقبل الشيطان ودخل المسجد.

قوله: "حتى إذا ثوَّب بالصلاة أدبر"، (ثوب)؛ أي: أُقيم، و (التثويب): الإقامة، و (التثويب) أيضًا: الإعلام، سمَّيت الإقامة تثويبًا؛ لأنها إعلامٌ بوقت الشروع في الصلاة.

ويحتمل أن تسمَّى الإقامة تثويبًا لأن التثويب يجيءُ أيضًا بمعنى الدعاء مرةً بعد أخرى.

(1) في "ش": "له حمل ثقيل".

ص: 46

وها هنا معناه: أن المؤذن إذا دعا القوم إلى الصلاة مرةً بالأذان، ثم يدعوهم بالإقامة إلى الشروع في الصلاة؛ يعني: إذا سمع الشيطان الإقامة فرَّ، حتى [إذا] فرغ المؤذن من الاقامة أقبل ودخل المسجد، ويوسوس المصلين.

"حتى يخطر"، أي: حتى يجري.

"يقول: اذكر"؛ يعني: يقول الشيطان للمصلي: اذكر كذا من حساب المال والبيع والشراء، وغيرها من الأشغال الدنيوية.

"لما لم يكن يذكر"؛ يعني: لِمَا لم يكن قبل هذا في خاطره، فأجراه الشيطان في خاطره.

"حتى يظل"؛ أي: حتى يصير من الوسوسة بحيث لا يدري كم صلَّى.

* * *

453 -

وقال: "لا يَسمعُ مَدَى صوْتِ المؤذِّن جِنٌّ ولا إنسٌ ولا شيءٌ إلَاّ شَهِدَ لهُ يومَ القيامَةِ"، رواه أبو سعيد الخُدَرِيُّ رضي الله عنه.

قوله: "مدى صوت المؤذن": المدى: الغاية؛ يعني: من سمع صوت المؤذن من القريب والبعيد من الجنِّ والإنسِ وغيرهما من الحيوانات والجمادات، شهدوا له بسماعِ صوتِ أذانِهِ.

والغرض من إنطاقِ من سمع صوت المؤذن: أن يشهد له = تشريفُ المؤذن وتكريمه بين أهل العَرَصات.

* * *

454 -

وقال: "إذا سمعتُمُ المؤذِّنَ فقولُوا مِثْلَ ما يقولُ، ثمَ صَلُّوا عليَّ، فإنَّه مَنْ صَلَّى عليَّ صَلاةً صَلَّى الله عليه بها عَشْرًا، ثمَّ سَلُوا الله تعالى لي الوَسِيلَةَ، فإنَّها منزِلَةٌ في الجنةِ لا تَنْبَغِي إلا لعبدٍ مِنْ عِبادِ الله، وأَرجو أنْ أكُونَ

ص: 47

أنا هُوَ، فَمَنْ سألَ لي الوَسيلَةَ حلَّتْ عليه الشَّفاعَةُ"، رواه عبد الله بن عمرو.

قوله: "ثم صلوا عليَّ"؛ يعني: إذا فرغ المؤذن من الأذان فقولوا: اللهم صلِّ على محمد، ولو قال: وعلى آلِ محمد؛ لكان أكملَ.

"صلى الله عليه بها عشرًا": أي: أعطاه الله عشرًا؛ أي: عشر رَحَمَات.

"سلوا الله"؛ أي: اطلبوا من الله "لي الوسيلةَ"، وكيف يسأل أحدكم الوسيلة؟ يسأل كما قال عليه السلام في قوله:"اللهم ربَّ هذه الدعوة"، ويأتي شرحه في موضعه.

قوله: "لا تنبغي"؛ أي: لا تُستحَق.

"حلَّت عليه الشفاعة"؛ أي: نزلت عليه شفاعتي؛ أي: استحقَّ أن أشفع له جزاءَ دعائه.

* * *

455 -

وقال عمر رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قالَ المؤذِّنُ: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدُكُمْ: الله أكبر الله أكبر، ثمَّ قالَ: أشهدُ أنْ لا إله إلا الله، قالَ: أشهدُ أنْ لا إله إلا الله، ثمَّ قال: أشهدُ أنَّ مُحمدًا رسولُ الله، قال: أشهدُ أنَّ مُحمدًا رسولُ الله، ثمَّ قال: حَيَّ على الصَّلاة، قال: لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بالله، ثم قالَ: حَيَّ على الفلاحِ، قال: لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثمَّ قال: لا إلهَ إلَاّ الله، قال: لا إلهَ إلَاّ الله، خالصًا مِنْ قَلْبهِ دخلَ الجَنَّةَ".

قوله: "لا حول"؛ أي: لا حولَ ولا حيلةَ ولا خلاصَ عن المكروه، ولا قوةَ على الطاعة إلا بتوفيق الله.

* * *

ص: 48

456 -

وقال: "مَنْ قالَ حِينَ يَسمعُ النِّداءَ: اللهمَّ ربَّ هذهِ الدَّعوةِ التَّامَّةِ والصَّلاةِ القائمةِ، آتِ مُحمدًا الوَسيلةَ والفَضيلةَ، والدَّرجةَ الرَّفيعةَ، وابعثْة مَقامًا مَحمودًا الذي وعدْتَهُ يا أَرحم الراحمين، حلَّتْ لهُ شفاعَتِي يومَ القِيامَةِ"، رواه جابر.

قوله: "هذه الدعوة التامة"، سمِّي الأذانُ دعوة؛ لأنه يدعو الناس إلى الصلاةِ والذكرِ، ووصف هذه الدعوة بالتامة؛ لأنها ذكر الله، وما هو ذكر الله لا شكَّ أنه تامٌّ.

والتام في الحقيقة ذكر الله، وما كان فيه رِضاء الله، وما سوى ذلك فهو ناقصٌ.

قوله: "والصلاة القائمة"؛ أي: الدائمة التي لا ينسخُها دينٌ؛ لأنه لا دينَ ولا نبيَ بعد محمد عليه السلام.

"الوسيلة": القربة.

"وابعثه"؛ أي: أرسله وأوصله.

* * *

457 -

عن أنس رضي الله عنه قال: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُغيرُ إذا طلَعَ الفجرُ، وكانَ يستمِعُ الأذانَ، فإنْ سَمِعَ أَذانًا أمسكَ، وإلا أَغارَ، فسمعَ رجُلًا يقولُ: الله أكبر الله أكبر، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"على الفِطْرَةِ"، ثمّ قال: أشهدُ أنْ لا إله إلا الله، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"خرجْتَ مِنَ النَّارِ" فنظرُوا فإذا هو رَاعي مِعْزَى.

قوله: "يغير"؛ يعني: يسير رسول الله عليه السلام في الليل إلى بلاد الكفار للغارة، وينتظر الصبح؛ ليعلمَ أن ذلك البلد بلد المسلمين أو بلد الكفار، ويعرف ذلك بالأذان، فإن أذَّن فيه أحدٌ أمسك؛ أي: ترك الإغارة،

ص: 49

وإن لم يسمع الأذانَ أغار.

"فسمع يومًا رجلًا قال: الله أكبر، فقال رسول الله عليه السلام: على الفطرة"؛ أي: هو على الاسلام؛ لأن الأذان لا يكونُ إلا للمسلمين.

"خرجتَ من النار"؛ أي: بسبب أنك تركت الشركَ بالله.

قوله: "فنظروا"؛ يعني: فلما فرغ من الأذان "فإذا هو راعي مِعْزَى".

المِعْزَى - بكسر الميم - والمَعْز والمَعِيز واحدٌ، وثلاثتها اسم الجنس، وواحد المِعْزَى: ماعز.

* * *

459 -

وقال: "بَيْنَ كُلَّ أذانَيْنِ صَلاةٌ، بينَ كُلَّ أذانَيْنِ صَلاةٌ" ثم قال في الثالثة: "لِمَنْ شاء"، رواه عبد الله بن مُغفَّل.

قوله: "بين كل أذانين صلاة"، أراد بالأذانين: الأذان والإقامة، وعادة العرب أن يجمعوا بين شيئين بينهما مشابهة، فيسمونها باسم واحد، كقولهم: القمران؛ للشمس والقمر.

وأراد بقوله: (صلاة): صلاة النافلة أو السنة.

وإنما حرَّض رسول الله عليه السلام على صلاة النفل بين الأذان والإقامة؛ لأن الدعاء لا يردُّ بين الأذان والإقامة؛ لشرف ذلك الوقت، وإذا كان الوقتُ أشرفَ، يكون ثواب العبادات فيه أكثر.

فإن قيل: أراد بهذه الصلاة صلاة الفرض.

قلنا: ليس كذلك؛ لقوله عليه السلام: "لمن شاء"، فلو كان فريضة لم يقل: لمن شاء.

* * *

ص: 50

مِنَ الحِسَان:

460 -

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأئمَّةُ ضُمَناء، المُؤذَّنُون أُمناء، فأرشدَ الله الأئمَّةَ، وغفَرَ للمؤذِّنين".

قوله: "الأئمة ضُمَناء"، (الضمناء): جمع ضمين، وهو بمعنى: الضامن، ومعناه هنا: الحافظ والراعي أمورَ المأمومين من عدد الركعات، وتحمله عنهم القيام والقراءة إذا أدركوه في الركوع، فإنه من أدرك الإمام في الركوع حصلت له تلك الركعةُ، وسقط عنه القيام والقراءة في تلك الركعة، ويأتي بحث هذا في (صفة الصلاة)، ويدعو الإمام لهم في الصلاة؛ لأنه يستحبُّ للإمام أن يدعو في الصلاة بلفظ الجمع.

فالإمام ضامن؛ أي: حافظ لصلاتهم في هذه الأشياء.

قال الخطابي: وليس الضمان الذي يوجب الغرامة من هذا في شيء؛ يعني: لا يلزم على الأمام إثمٌ بالإمامة، بل يحصل له ثوابٌ.

قوله: "والمؤذنون أمناء"، (الأمناء): جمع أمين، وهو: من اعتمد عليه القوم؛ يعني: المؤذنون أمناء في مراعاة أوقات الصلاة؛ لأن الناس يصلون بأذانهم، ويفطرون بأذانهم.

وإنما قال رسول الله عليه السلام هذا الحديث؛ ليعلم الأئمة أنهم حافظون لصلاة من اقتدى به؛ ليكونوا مستيقظين في حفظ عدد الركعات، وليدعوا بلفظ الجمع، وأيضًا ليجتهدوا في تطهير الثياب والبدن، وإتمام أركان الصلاة، وحفظ أمورها؛ لأن الغالب أن يكون المأموم من العوام، فلا يعلمون أمور الصلاة من السهو وغيره.

وكذلك المؤذن؛ ليجتهد في محافظة الأوقات؛ كيلا تبطل صلاة المسلمين وصومهم بالأذان في غير وقته.

ص: 51

قوله: "فأرشدَ الله الأئمة"؛ يعني: رزقهم الصواب، وحفظهم عن الخطأ فيما عليهم من أحكام الصلاة.

قوله: "وغفر للمؤذنين": يحتمل أن يكون هذا دعاءٌ من رسول الله عليه السلام للمؤذنين على ما صدر منهم في تقدُّمِ الأذان عن الوقت أو تأخره عنه من السهو والخطأ.

ويحتمل أن يكون هذا دعاءٌ لا من صدور سهو، بل مجازاة لهم عن إحسانهم إلى الناس بإعلامهم إياهم أوقات الصلاة.

وقال الخطابي رحمة الله عليه: في هذا الحديث دليلٌ على استحباب التولي للأذان، وكراهية التولي للإمامة؛ لأنه قال عليه السلام:"أرشدَ الله الأئمة"، والدعاءُ بالرشاد إنما يكون في فعلٍ فيه خطرٌ.

التولي: القيام على الشيء.

* * *

461 -

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَذَّنَ سَبْعَ سِنينَ مُحتسِبًا كُتِبَ له بَراءَةٌ مِنَ النَّار".

قوله: "محتسبًا"، (الاحتساب): طمع الثواب من الله تعالى دون غيره، (محتسبًا)؛ أي: طالبًا لثواب الله، ولم يطلب أجرة.

"براءة من النار"؛ أي: خلاص من النار.

* * *

462 -

وقال: "يَعجَبُ ربُّكَ مِنْ راعي غَنَمٍ في رأْسِ شَظِيَّةِ للجبَل يُؤَذِّنُ بالصَّلاةِ، ويُصلَّي، فيقولُ الله تعالى: انظُروا إلى عَبْدي هذا، يُؤَذَّن ويُقيمُ الصَّلاة، يخافُ منَّي، قدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي، وأدخلْتُهُ الجنَّةَ"، رواه عُقبة بن عامر رضي الله عنه.

ص: 52

قوله: "يعجب ربك"؛ أي: يرضى ربك، وقيل: معناه: يعظمُ هذا الفعل عند ربك، الكاف خطاب لواحد من الصحابة، إما هذا الراوي أو غيره، يخاطبه النبي عليه السلام بهذا الحديث.

"الشَّظِيَّة": الصخرة العظيمة الخارجة من الجبل، كأنها أنفُ الجبل.

قوله: "انظروا"؛ أي: يا ملائكتي! انظروا.

"يخاف مني"؛ يعني: لا يؤذن ولا يصلي ليراه أحد؛ لأنه لم يكن أحدٌ حاضرًا ثَمَّ، بل يفعل هذا؛ لخوف عذابي، وطمع جنتي.

* * *

463 -

وقال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ على كُثبانِ المِسْكِ يومَ القِيامَةِ: عبدٌ أدَّى حقَّ الله تعالى وحقَّ مَوْلَاهُ، ورجلٌ أمَّ قَوْمًا وهُمْ بِهِ راضُونَ، ورجلٌ يُنادي بالصلواتِ الخمسِ كُلَّ يومٍ وليلةٍ"، رواه ابن عُمر. غريب.

قوله: "على كُثبان المسك"، (الكثبان): جمع كثيب، وهو: الموضعُ المرتفع مثل جبل صغير.

قوله: "وهم به راضون"؛ يعني: إذا كان القوم راضين بالإمام، يكون ثوابُ الإمام أكثر.

"ينادي"؛ أي: يؤذن؛ يعني: يجعل الله لهؤلاء الثلاثة في عرصات القيامة أمثالَ الجبال من المسك؛ ليقفوا عليها إعزازًا وإكرامًا لهم بين الناس؛ لشرف أفعالهم.

* * *

464 -

عن أبي هُريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "المؤذِّنُ يُغفَرُ لهُ مدَى صَوْتِهِ، ويَشْهَدُ له كُلُّ رَطْبٍ ويابسٍ، وشاهِدُ الصَّلاةِ يُكتَبُ له خَمْسٌ

ص: 53

وعِشْرُونَ صلاةً، ويُكَفَّرُ عنه ما بينهُما".

قوله: "يغفر له مدى صوته"، (المدى): الغاية، يريد بهذا: تكميلَ المغفرة؛ يعني: إذا كان صوته أبعدَ تكون مغفرته أكثر، وقيل: معناه: تُغفَرُ ذنوبه وإن كانت تملأ ما بين قدميه وبين آخر ما بلغه صوته من الأرض.

قوله: "يشهد له كلُّ رطبٍ ويابسٍ، وشاهدُ الصلاة"، (الشاهد): الحاضر؛ يعني: ما سمع صوته من الجمادات والحيوانات ومن حضر الصلاة بأذانه يشهدُ له يوم القيامة بسماع أذانه.

قوله: "يكتب له خمس وعشرون صلاة"؛ أي: ثواب خمس وعشرون صلاة.

وقد جاء في الأحاديث مقاديرُ من الثواب مثل هذا، وفي صلاة الجماعة:"تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذَّ بسبع وعشرين درجة"، وفي رواية:"بخمس وعشرين درجة".

والحكمةُ في هذه المقادير: شيءٌ علمه النبي عليه السلام، كمقادير عدد ركعات الصلاة، ونصاب الإبل وغيرها من الزكاة، ومن قال فيها شيئًا؛ فقد قاله عن التكلف.

قوله: "ما بينهما"؛ أي: ما بين أذان إلى أذان آخر.

* * *

465 -

وقال عُثمان بن أبي العاص رضي الله عنه: قلتُ: يا رسولَ الله! اجعلْني إمامَ قَوْمِي، قال:"أنْتَ إمامُهُمْ، واقْتَدِ بأضعفِهِم، واتخِذْ مؤذِّنًا لا يأخُذُ على أذانِهِ أجرًا".

قوله: "واقتدِ بأضعفهم"؛ أي: وافق أضعفَ القوم في الصلاة؛ يعني: خفَّفِ الصلاة؛ ليقدر الضعفاء أن يصلوا معك، ولا يجوزُ تركُ أركان الصلاة،

ص: 54

ولكن يُقصَّرُ القراءة والتسبيحات.

وفي هذا الحديث ثلاث فوائد:

إحداها: أن الإمامة ينبغي أن تكون بإذنِ الحاكمِ.

والثانية: استحبابُ تخفيف الصلاة للإمام.

والثالثة: استحبابُ الأذان بغير أُجْرة.

فإن استأجر الإمام على الأذان جاز، وقيل: لا يجوز.

كنية "عثمان": أبو عبد الله، واسم جده: بشر بن عبد بن دهمان الثقفي.

* * *

466 -

وقالت أمُّ سلَمة رضي الله عنها: عَلَّمني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ أقولَ عِنْدَ أذانِ المغرِبِ: "اللهمَّ! هذا إقْبالُ لَيْلِكَ، وإدْبارُ نهارِكَ، وأصواتُ دُعاتِكَ، فاغْفِرْ لي".

قولها: "هذا إقبال ليلك"؛ أي: هذا الأوانُ أوانُ إقبالِ ليلك؛ يعني: بحق هذا الوقت الشريف.

"فاغفر لي" فيه.

"الدعاة": جمع الداعي، وهو المؤذن هنا.

* * *

467 -

ورُوي: أنَّ بِلالاً رضي الله عنه أخذَ في الإقامة، فلمَّا أنْ قالَ: قدْ قامَتِ الصَّلاةُ قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "أقامَها الله، وأدامَها"، وقالَ في سائرِ الإقامةِ: كنحوِ حديثِ عمر في الأذانِ.

قوله: "كنحو حديث عمر في الأذان"؛ يعني: قال رسول الله - عليه

ص: 55

السلام - مثل ما قال بلالٌ في سائر الكلمات إلا في قوله: قد قامت الصلاة، فإنه قال:"أقامها الله وأدامها"؛ أي: ثبت الله الصلاة وأدامها.

* * *

468 -

عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يُرَدُّ الدُّعاءُ بينَ الأَذانِ والإِقامَةِ".

469 -

وقال: "ثِنْتَانِ لا تُرَدَّانِ: الدُّعاءُ عندَ النَّداءِ، وعِندَ البأْسِ حينَ يَلحَمُ بعضُهم بعضًا"، ويُروى:"وتحتَ المَطَرِ"، رواه سَهْل بن سَعْد.

قوله: "ثنتان"؛ أي: دعوتان "لا تردان"، بل تستجابان: إحداهما عند الأذان، والثانية: عند اختلاط جيش المسلمين بالكفار في المحاربة.

"البأس": المحاربة.

(ألحم يَلحَم): إذا اختلط، ولحَم - بفتح العين في الماضي وضمها وفتحها في الغابر - لحمًا: إذا فصل اللحم عن العظم، وهو استعارةٌ هنا عن القتل، فإن قلت: يُلحِم - بضم الياء وكسر الحاء - معناه: يختلط بعضهم ببعض، وإن قلت: يَلحَم - بفتح الياء والحاء - معناه: يقتل بعضهم بعضًا، والرواية:"يَلحَم" بفتح الياء والحاء.

قوله: "وتحت المطر"؛ أي: عند نزول المطر.

* * *

470 -

وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: قالَ رجلٌ: يا رسولَ الله! إنَّ المؤذِّنينَ يفضُلونَنَا، فقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"قُلْ كما يقولونَ، فإذا انْتَهَيْتَ فسَلْ تُعْطَ".

قوله: "يفضلوننا"؛ أي: حصل لهم فضلٌ ومزيدٌ علينا في الثواب بسبب الأذان.

ص: 56