الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
20 - باب سُجود القُرآن
(باب سجود القرآن)
مِنَ الصِّحَاحِ:
731 -
قال ابن عباس رضي الله عنهما: سَجَدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بـ (النجم)، وسَجَدَ مَعَهُ المُسْلِمونَ، والمُشْرِكُونَ، والجِنُّ، والإِنْسُ.
قوله: "سجدَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالنجم
…
" إلى آخره، قيل: سببُ موافقة المشركين رسولَ الله عليه السلام في السجود في (النجم): أن رسولَ الله عليه السلام قرأ النجم، فلما بلغ:{تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} [النجم: 22] جرى على لسانه سهوًا: تلك الغَرَانيقُ العُلا، وإن شفاعتَهن لَتُرْتَجَى، ففرح المشركون وقالوا: إن محمدًا عليه السلام مدح أصنامنا، فلما سجد في آخر السورة وافقَه المشركون وقالوا: نوافقُه كما وافَقَنا في مدح الأصنام، فلما عَلِمَ النبيُّ عليه السلام أنه جرى على لسانه: تلك الغرانيق العلا اغتمَّ غَمًّا شديدًا لجريان هذا على لسانه، حتى أنزل الله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: 52] الآية (1).
الغُرْنُوق: الشابُّ، جمعها: غرانيق، إن شفاعتَهن لَتُرتجى؛ يعني: تُرتَجَى شفاعةُ الأصنام لمَن يعبدها، هذا كفرٌ، ولكن ألقاه الشيطانُ على لسان رسول الله عليه السلام.
قوله: {إِذَا تَمَنَّى} ؛ أي: إذا قرأ الكتابَ الذي أُنزل عليه؛ يعني: ألقى
(1) والقصة منكرة عند أهل الحديث.
الشيطانُ الخطأَ على لسان الأنبياء مِن قبلِك كما ألقاه عليك، {فِي أُمْنِيَّتِهِ}؛ أي: في قراءته.
وأما سجودُ الجن فلأنَّ مِن الجنِّ مسلمين ومشركين كما من الإنس، فوافقوا رسولَ الله عليه السلام، كما وافقه الإنس.
* * *
732 -
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: سَجَدْنَا مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} ، و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} .
قوله: "سجدنا مع النبي صلى الله عليه وسلم
…
" إلى آخره، الذي في:{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} : قوله: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21]، وفي {اقْرَأْ}:{وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19].
* * *
733 -
وقال ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ السَّجَدَةَ ونحنُ عِنْدَهُ، فَيَسْجُدُ ونسْجُدُ معه، فَنَزْدَحِمُ حَتَّى ما يَجِدُ أَحَدُنا لِجَبْهَتِهِ مَوْضعًا يَسْجُدُ عَلَيْهِ.
قوله: "فنزدحم"، أصله: نزتحم، فقُلبت التاءُ دالًا؛ أي: نجتمع بحيث ضاق المكانُ علينا، هذا الحديث يدل على تأكيد سجود التلاوة.
* * *
734 -
وقال زَيد بن ثابتٍ: قَرَأْتُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم: {وَالنَّجْمِ} فَلَمْ يَسْجُدْ فيها.
قوله: "قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم {وَالنَّجْمِ}، فلم يسجد فيها": قد صح أن رسولَ الله سجد في آخر {وَالنَّجْمِ} ، وهذا الحديثُ لا يدل على عدم السجود في
(النجم)؛ لأنه لعل رسولَ الله عليه السلام في ذلك الوقت لم يكن على الوضوء، أو لعله سجدَ في وقتٍ ولم يسجد في وقتٍ؛ ليُعلمَ الناسَ أنه سُنَّةٌ وليس بواجبٍ، وفي العبادات الإثباتُ أَولى بالقَبول من النفي.
* * *
735 -
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: سجدة (ص) لَيْسَتْ مَنْ عَزائِمِ السُّجودِ، وقَدْ رَأَيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فيها.
قوله: "سجدة {ص} ليست من عزائم السجود"، (العزائم) جمع: عزيمة، وهي ما يعزمه الإنسان؛ أي: يقصده؛ إما لسبيل الوجوب، أو السُّنة، والعزيمةُ استعمالها ما في الفريضة أكثر.
ومذهب أبي حنيفة رحمه الله: أن سجودَ التلاوة واجبٌ، وعند الشافعي: سُنَّةٌ، وسجدة قوله:{وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24]، وهي من جملة سَجَدات التلاوة عند أبي حنيفة، وأما عند الشافعي فهي سجدة الشكر، لا من جملة سَجَدات التلاوة.
وقول ابن عباس: (ليس من عزائم السجود)، معناه عند أبي حنيفة: ليس من الفرائض، بل هي من الواجبات، وعنده الواجبُ غيرُ الفريضةِ، والفريضةُ عنده: ما فُرِضَ وما ثبتَ وجوبُه بدليلٍ قاطعٍ، والواجبُ: ما ثبتَ وجوبُه بدليلٍ ظنيٍّ.
وعند الشافعي معناه: أنه ليس من سُنَن سَجَدات التلاوة، بل هو من سَجَدات الشكر؛ لأن داودَ لمَّا قُبلت توبتُه سجدَ شكرًا، ولمَّا قرأ رسولُ الله عليه السلام:{وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} سجدَ موافقةً لداود عليه السلام.
* * *
736 -
وفي روايةٍ: أَنَّهُ قَرَأَ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} ، وقالَ: كانَ داوُدُ مِمَّنْ أُمِرَ نَبيُّكُمْ أَنْ يَقْتَديَ بهِ، فَسَجَدَها داودُ، فَسَجَدَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم.
قوله: {هَدَى اللَّهُ} ؛ أي: هداهم الله.
{فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} ؛ يعني: افعَلْ كما فعلوا من تبليغ الرسالة وتحمُّل الأذى في سبيلي.
قوله: "أن يَقتديَ به"؛ يعني: هو نبيٌّ من جملة الأنبياء الذين قال لي ربي: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90].
* * *
مِنَ الحِسَان:
737 -
عن عَمْرو بن العاصِ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أَقْرَأهُ خَمْسَ عَشرَةَ سَجْدَة: مِنْهَا ثلاثٌ في المُفَصَّلِ، وفي سورَةِ الحَجِّ سجدتان. غريب.
قوله: "أَقْرَأَه خمسَ عشرةَ سجدةً": اعلم أن سَجَدات التلاوة خمسَ عشرةَ سجدةً، في الأعراف آخرَها، وفي الرعد:{وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الرعد: 15]، وفي النحل:{وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50]، وفي بني إسرائيل:{وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109]، وفي مريم:{خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58]، وفي الحج موضعان:{إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18]، {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77]، وفي الفرقان:{وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: 60]، وفي النمل:{رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26]، وفي {الم (1) تَنْزِيلُ}:{وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15]، وفي {صَ}:{وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24]، وفي:{حمَ} فصلت: {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] ، وفي النجم آخرَها، وفي {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}:{وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} ، وفي {اقْرَأْ} آخرَها.
وبهذا الحديث قال أحمد وابن المبارك، وأخرج الشافعي من جملتها
سجدةَ {ص} وأخرج أبو حنيفة منها السجدةَ الثانيةَ من (الحج).
* * *
738 -
عن عُقْبَةَ بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قلت: يا رسولَ الله!، فُضلَتْ سورةُ الحَجِّ بِأَنَّ فيها سَجْدَتَيْنِ؟، قالَ:"نعمْ، وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا فلا يَقْرَأْهُمَا"، ضعيف.
"فُضلَتْ سورةُ الحج بأن فيها سجدتَين"؛ يعني: لسورة الحج فضيلةٌ على السور التي فيها سجدةٌ بأن فيها سجدتَين، وفي غيرها سجدةٌ.
"ومَن لم يسجدهما فلا يقرأهما"؛ يعني: مَن لم يَسجدْهما لم يحصل له كمالُ ثوابِ قراءتها، فيكون كمَن لم يقرأ جميعَها، بل قرأ بعضَهما وترك بعضَها.
* * *
739 -
عن ابن عُمَرَ رضي الله عنهما: كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ القرآنَ، فإذا مَرَّ بالسَّجْدَةِ كَبَّرَ وسَجَدَ، وسَجَدْنَا مَعَهُ.
قوله: "ثم قام فركع"؛ يعني: لمَّا عاد من السجود إلى القيام ركع ولم يقرأ بعد السجدة شيئًا، فمَن شاء أن يقرأ باقي السورة بعد السجدة جازَ، ومَن شاء ألا يقرأَ باقيها جازَ.
قوله: "فرَأَوا"؛ يعني: علموا أنه قرأ: {الم (1) تَنْزِيلُ} بأن سمعوا بعضَ قراءته؛ لأنه عليه السلام كان يرفع صوتَه ببعض الكلمات في الصلاة السرية، ليعرفَ مَن خلفَه ما يقرأ؛ لتصيرَ قراءةُ تلك السورة سُنَّةً.
* * *
740 -
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ في صَلاةِ الظُّهْرِ، ثُمَّ قامَ
فَرَكَعَ، فَرَأَوْا أَنَّهُ قَرَأَ:{الم (1) تَنْزِيلُ} السجدة.
قوله: "فإذا مرَّ بالسجدة كبَّرَ وسجدَ وسجَدْنا": الأكمل في سجود التلاوة في غير الصلاة أن يرفعَ يدَيه وينويَ ويكبر للإحرام، ثم يكبر للسجود، ثم يكبر للرفع من السجود، ولو اقتصر على السجود من غير تكبير جازَ.
وفيه اختلافاتٌ كثيرةٌ في الفقه، وإن سجدَ في الصلاة لا يرفع يدَيه، ويكبر للسجود ويكبر للرفع.
* * *
741 -
وعنه: قال: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قرأَ عامَ الفَتْحِ سجدةً، فَسَجَدَ الناسُ كلُّهُم، منهم الراكبُ والساجدُ على الأرضِ حتى إنَّ الراكبَ يسجد على يَدِهِ.
قوله: "حتى إن الراكبَ لَيسجدُ على يده": هذا دليلٌ على أن الراكبَ إذا قرأ آيةَ سجدةِ التلاوةِ يُسَنُّ له السجودُ، إلا أنه يشير برأسه ولا يحتاج إلى وضع جبهته على السرج وغيره، فلو سجدَ على يده يصحُّ إذا أَنْحَى عنقَه عند أبي حنيفة، ويبطل عند الشافعي.
* * *
742 -
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْجُدْ في شَيْءٍ من المُفَصَّل مُنْذُ تَحَوَّلَ إلى المَدينةِ.
قوله: "لم يَسجُدْ في شيءٍ من المُفصَّل منذ تحوَّلَ إلى المدينة": لم يلزم من هذا الحديث عدمُ سجود التلاوة في المفصَّل؛ لأن كثيرًا من الصحابة يَرْوُون سَجَدات المفصَّل، وإذا تعارَضَ النفي والإثباتُ فالإثباتُ أَولى بالقَبول، ولأن ابن عباسٍ هو الذي يروي في الصِّحاح: (أن النبي عليه السلام سجد