الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - باب مَنْ لا تَحِلُّ له المَسْألة ومَنْ تَحِلُّ له
(باب من لا تحل له المسألة ومن تحل له)
مِنَ الصِّحَاحِ:
(من الصحاح):
1297 -
عن قَبيصَةَ بن مُخارقٍ قال: "تَحمَّلْتُ حَمالَةً، فَأَتَيْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أَسألُه فيها، فقال: "أَقمْ حتى تأْتيَنا الصَّدَقةُ، فنأْمرَ لكَ بها، ثم قال:"يا قَبيصَةُ، إنَّ المسأَلةَ لا تحَلُّ إلا لأحدِ ثلاثةٍ: رجلٌ تحمَّلَ حمالَةً، فحلَّت له المَسألةُ حتى يُصيبَها ثم يُمسِكُ، ورجلٌ أصابَته جائحةٌ اجتاحَت مالَه، فحلَّت له المسألةُ حتى يُصيبَ قِوامًا من عَيْشٍ - أو قال سِدادًا من عَيْشٍ - ورجلٌ أصابَته فاقةٌ حتى يقومَ ثلاثةٌ من ذوي الحِجَا من قومه: لقد أَصابَتْ فُلانًا فاقةٌ، فحلَّت له المسأَلَةُ حتى يصيبَ قِوامًا من عَيْشٍ - أو قال سِدادًا من عيْشٍ - فما سِواهنَّ من المَسألةِ - يا قَبيصةُ - سُحْتٌ يأْكْلُها صاحبُها سُحْتًا".
قوله: "تحملت حمالة"، (الحمالة): الدَّين الذي استدانه أحدٌ ليُصلح بين طائفتين كما ذكرنا.
قوله: "ثم يمسك"؛ يعني: فإذا أخذ من الزكاة ما أدى به ذلك الدَّين لا يجوزُ له أن يأخذ شيئًا آخر من الزكاة.
قوله: "أصابه جائحة"؛ أي: آفةٌ وحادثة.
"اجتاحت ماله"؛ أي: أهلكت تلك الجائحةُ ثمارَ بستانه وزرعه، أو غيرَها من الأموال.
"فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش، أو قال: سدادًا من
عيش"، (القوام) بكسر القاف: ما يقوم به الشيء، و (قوامٌ من عيش)؛ أي: ما يكون به العيش من قُوتٍ ولباس، و (السداد) بكسر السين: ما يسدُّ به الفقر؛ أي: يدفع.
قوله: "ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجى من قومه"، (الفاقة): الفقر، (الحجى): العقل؛ يعني: أصابه فقرٌ ظاهرٌ بحيث يَعلم حالَه جيرانُه وأقاربه، وشهد مَن علم حاله أنه فقيرٌ محتاج، فحينئذٍ يجوز له أن يسأل الزكاة؛ لأن الرجل لا تحل له الزكاة إلا إذا كان فقيرًا أو مسكينًا، وغيرهما من المذكورين في قوله:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} إلى آخر الآية [التوبة: 60].
هذا بحثُ سؤالِ الزكاة.
فأما سؤالُ صدقة التطوع: فإن كان لا يقدر على كسب؛ لكونه زمنًا، أو ذا علة أخرى، جاز له السؤال بقَدْرِ قوتِ يومه، ولا يدَّخر، وإن كان يقدر على الكسب، فإن ترك الكسب لاشتغاله بتعلم العلم تجوزُ له الزكاة وصدقة التطوع، وإن ترك الكسب لاشتغاله بصلاة التطوع وصيام التطوع، لا تجوز له الزكاة، وتكره له صدقة التطوع.
فإن جلس واحد أو جماعة في بقعة واشتغلوا بالطاعة ورياضة الأنفس وتصفية القلوب، يستحبُّ لواحدٍ أن يسأل صدقة التطوع وكسراتِ الخبز واللباس لأجلهم، وينبغي أن تكون نيةُ السائل كفافَ أسباب هؤلاء، لا كفافَ نفسه، فإذا كانت نيته كفافَهم وأكلَ معهم لم يكره له.
وشرط السائل تركُ الإلحاح والمبالغةِ في السؤال، بل ليقل إذا طاف في الأسواق أو السكوك: مَن يعطي شيئًا لرضا الله، من غير أن يواجه أحدًا، أو يُغلظ القول في الخطاب، فإن أعطاه أحدٌ ليدْعُ له، وإن لم يعطه أحدٌ فلا يجوز له أن يغضب ويشتم أحدًا، أو يغلظ القولَ على أحد، فإن السائل بهذه الصفة
إثمه أكثر من أجره.
فإن حفظ السائل ما ذكرنا من الشروط فهو ممن قال لهم رسول الله عليه السلام: "الساعي على الأرملة والمسكين كالساعي في سبيل الله".
وأما الزكاة المفروضة لا تجوز لهم البتة إذا قدروا على الكسب؛ لزجر السائل عن السؤال.
قوله: "يأكلها صاحبها سحتًا"، (السحت): الحرام، (سحتًا) منصوبٌ بدل الضمير في (يأكلها).
وجدُّ قبيصة: عبد الله، روى هذا الحديث: معاوية بن شداد الهلالي.
* * *
1298 -
وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سأَلَ النَّاسَ أَموالَهم تَكَثُّرًا؛ فإنَّما يَسْألُ جَمْرًا، فليَستَقِلَّ أو ليَسْتكْثِرْ".
قوله: "تكثرًا"؛ أي: أكثر من قَدْرِ قوته، "فإنما يسأل جمرًا"؛ (الجمر): الفحم قبل أن تخبو نارها؛ يعني: لا يجوز له أن يأخذ الزكاة والصدقة أكثر من قوته، فإذًا لا يجوز له أخذها، ولو أخذها يكون ذلك سببًا لنار جهنم.
قوله: "فليستقل أو ليستكثر"؛ يعني: إذا علم أنه نارٌ: إن شاء أكثر السؤال، وإن شاء أقلَّ، هذا تهديدٌ ووعيد.
روى هذا الحديث أبو هريرة.
* * *
1299 -
وقال: "ما يَزالُ الرَّجلُ يَسْألُ الناسَ حتى يأْتيَ يومَ القِيامةِ ليسَ في وجْههِ مُزْعَةُ لَحْمٍ".
قوله: "ليس في وجهه مزعة لحم"؛ أي: قطعة لحم.
قال الخطابي: هذا يحتمل أن يكون معناه الإذلال؛ يعني: كما أذلَّ نفسه في الدنيا وأراق ماء وجهه بالسؤال يكون يوم القيامة ذليلًا.
ويحتمل أن يجيء يوم القيامة ولحم وجهه ساقطٌ: إما عقوبةً له، وإما ليكون ذلك علامةً له يعرفه الناس بتلك العلامة أنه كان يسأل الناس في الدنيا.
روى هذا الحديث ابن عمر رضي الله عنهما.
* * *
1300 -
وقال: "لا تُلْحِفوا في المَسأَلةِ، فوالله لا يَسألُني أَحَدٌ منكُم شيئًا فتُخرِجُ له مَسأَلتُه منِّي شيئًا وأَنا لهُ كارِهٌ، فيُبارَكَ لهُ فيما أَعطيتُهُ".
قوله: "لا تلحفوا في المسألة"، (الإلحاف): الإلحاح في المسألة؛ أي: في السؤال.
روى هذا الحديث معاوية.
* * *
1301 -
وقال: "لأَنْ يأخُذَ أحدُكُم حَبْلَهُ فيأْتيَ بحِزْمَةِ حطَبٍ على ظَهْرِه، فيبيعَها، فيَكُفَّ الله بها وجْهَهُ؛ خَيْرٌ له مِنْ أَنْ يَسأَلَ الناسَ أَعطَوهُ أو مَنَعوه".
قوله: "بحزمة حطب"، (الحزمة): قَدْر ما يحمله الرجل بصدره بين عضديه، ويستعمل فيما يحمل على الظهر من الحطب وما أشبهه.
قوله: "فيكف الله بها وجهه"، (الكف) المنع؛ يعني: فيمنع الله وجهه عن أن يريق ماءه بالسؤال.
روى هذا الحديثَ عروةُ بن الزبير.
* * *
1302 -
وقال حَكِيْمُ بن حِزَامٍ: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأَعطاني، ثم سألتُه فأعطاني، ثم قال لي:"يا حَكِيْمُ!، إنَّ هذه المَال خَضرةٌ حُلْوٌ، فمن أخذَه بِسَخَاوَةِ نفْسٍ بُورِكَ له فيه، ومَنْ أَخذَه بإشرافِ نفْسٍ لم يُبارَكْ له فيه، وكان كالذي يأْكْلُ ولا يَشْبَعُ، واليدُ العُليا خيرٌ من اليَدِ السُّفْلى"، قالَ حكيمٌ: فقلت: يا رسولَ الله!، والذي بعثَكَ بالحقِّ لا أَرْزَأُ أَحَدًا بعدَك شيئًا حتى أُفارقَ الدُّنيا".
قوله: "إن هذا المالَ خَضرٌ حلوٌ"، (الخَضر): يكون في العين طيبًا، و (الحلو): يكون في الفم طيبًا، ولا تملُّ العينُ من النظر إلى الخَضر، ولا يملُّ الفم من أكل الحلو، فكذلك النفسُ حريصةٌ بجمع المال لا تملُّ منه.
قوله: "بإشراف نفسٍ"، (الإشراف): الاطِّلاع على الشيء والنظر إليه، والمراد هنا: كراهته من غير طيب النفس بالإعطاء.
قوله: "واليدُ العليا خيرٌ من اليد السفلى"، (اليد العليا): المُعطِية، و (اليد السفلى): الآخِذة؛ يعني: اكتَسِبِ المالَ وأَعطِه، ولا تتركِ الكسبَ فتطمعَ في أموال الناس؛ فإن المعطي خيرٌ من السائل.
قوله: "لا أَرْزَأُ أحدًا"، (الرُّزْء): إيصال المصيبة إلى أحدٍ؛ يعني: لا أسألُ أحدًا بعد هذه المرة إلى أن أموتَ.
وجدُّ "حكيم": خُوَيلد بن أسد القرشي.
* * *
1303 -
وقال: "اليدُ العُليا خيرٌ من اليدِ السُّفلى".
1304 -
واليدُ العُليا هي المنفقةُ، والسُّفلى السَّائلة.
قوله: "اليدُ العليا خيرٌ من اليد السفلى"، و (اليد العليا): هي المُنفِقة، و (السفلى): هي السائلة، (المُنفِقة): المعطية.
روى هذا الحديثَ ابن عمر.
* * *
1305 -
وقال أبو سعيد: إنَّ أُناسًا من الأَنصارِ سأَلوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأَعطاهُم، ثمَّ سأَلُوه فأَعطاهم، حتَّى نَفِذَ ما عندَه، فقال:"ما يكونُ عِنْدي مِنْ خَيرٍ فلَنْ أَدَّخرَه عنكُم، ومَن يَستعِفَّ يُعِفُّه الله، ومن يَستَغْنِ يُغنِهِ الله، ومَن يَتَصبَّرْ يُصبرْه الله، وما أُعطيَ أحدٌ عطاءً خيرًا وأَوسعَ مِن الصَّبرِ".
قوله: "ما يكون عندي من خيرٍ فلن أدَّخِرَه عنكم"، (ما) خبرية؛ أي: كل شيء لي من المال أُعطيكم، و (لن أدَّخرَه عنكم)؛ أي: ولن أمنعَه عنكم.
قوله: "ومَن يَستَعِفَّ يعفَّه الله"؛ أي: ومَن طلبَ العِفَّةَ من الله تعالى رزقَه الله العفةَ، والإعفاف: إعطاءُ العفةِ أحدًا وجعلُه عفيفًا، والعفة: حفظ النفس عن المَنهيَّات؛ يعني: مَن قنعَ بأدنى قُوتٍ وتركَ السؤالَ يُسهِّلُ الله عليه القناعةَ.
قوله: "ومَن يَستَغْنِ"؛ أي: ومَن أظهرَ عن نفسه الغنى وتركَ السؤال، وحفظَ ماءَ وجهِه يَجعلْه الله غنيًا.
"ومن يتصبَّر"؛ أي: ومَن أمرَ نفسه بالصبر ووضعَ الصبرَ على نفسه بالتكلُّف يُسهِّلِ الله عليه الصبرَ.
* * *
1306 -
قال عُمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه: كَانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعطيني العَطاءَ، فَأقولُ: أَعطِهِ أفقرَ إليه منِّي، فقال:"خُذْهُ فتَمَوَّلْهُ، وتَصدَّقْ به، فما جاءَكَ مِنْ هذا المَالِ وأنتَ غَيرُ مُشْرِفٍ ولا سائِلٍ فَخُذْهُ، وما لا فلا تُتْبعْه نفْسَكَ".
"أفقرَ"؛ أي: أحوجَ.
قوله: "فتموَّلْه"؛ أي: اقبَلْه وأَدخِلْه في مالك ومُلكك.
قوله: "فما جاءَك من هذا المال وأنتَ غيرُ مشرفٍ"، (من هذا المال): إشارة إلى جنس المال.
ويحتمل أن يكون إشارةً إلى ذلك المال الذي أعطاه رسولُ الله عليه السلام؛ يعني: من هذا المال الحلال، (وأنت غيرُ مُشرفٍ)؛ أي: غيرُ مطلعٍ وغيرُ ناظر إليه؛ يعني: لا تنظُرْ إلى أموال الناس ولا تطمَعْ فيها، فإن جاءَك من غير أن تطلبَه فاقبَلْه وتصدَّقْ به إن لم تكن محتاجًا إليه.
قوله: "وما لا"؛ أي: وما لا يأتيك من غير طلبك فلا تطلُبْ ولا تتعَبْ؛ أي: ولا توصل المشقةَ إلى نفسك في طلبه.
* * *
مِنَ الحِسَان:
1307 -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المَسائلُ كُدُوحٌ يَكْدَحُ بها الرجلُ وجهَهُ، إلا أنْ يَسأَلَ ذا سُلْطانٍ، أو في أَمرٍ لا يَجِدُ منه بُدًّا".
قوله: "المُسائِل كَدُوح"، (الكدوح) بفتح الكاف: مبالغة، مثل: صَبُور، وهو من: الكدح؛ بمعنى: الجرح.
"يَكدَح بها الرجل"؛ أي: يُريق بالسؤال ماءَ وجهه، ومَن أراقَ ماءَ وجهِه فكأنه جرحَه.
قوله: "إلا أن يَسألَ ذا سلطانٍ"؛ يعني: إلا أن يَسأل ذا حُكمٍ ومُلكٍ بيده بيتُ المال؛ فإنه يجوز له أن يسأل حقَّه من بيت المال.
قوله: "أو في أمرٍ لا يجد منه بُدًّا"؛ يعني: إلا أن يكونَ من المذكورين في حديث قَبيصة.
روى هذا الحديثَ سَمُرة بن جُندب.
* * *
1308 -
وقال: "مَن سألَ الناسَ ولهُ ما يُغنيهِ جاءَ يومَ القيامةِ ومَسْأَلتُه في وجْهِهِ خُمُوشٌ، أو خُدُوشٌ، أو كُدُوحٌ"، قيل: يا رسولَ الله!، وما يُغْنيهِ؟، قالَ:"خَمْسونَ دِرْهمًا، أو قِيْمتُها مِنَ الذَّهَبِ".
قوله: "ومسألته في وجهه خُموشٌ أو خُدوشٌ أو كُدوحٌ": هذه الألفاظُ كلُّها متقاربةُ المعنى.
وشكَّ الراوي في أن رسولَ الله عليه السلام تلفَّظ بأي هذه الألفاظ.
و (الخدوش) جمع: خَدْش، و (الخُمُوش) جمع: خَمْش، و (الكُدوح) جمع: كَدْح، وكلُّها بمعنًى واحدٍ.
"خمسون درهمًا": هذا ليس بعام، بل في حقِّ مَن كان يكفيه خمسون درهمًا، أما مَن كان له عيالٌ كثيرةٌ ولا يكفيه خمسون درهمًا ولا يَقدِر على كسب فيجوز له السؤالُ حتى يُحصِّلَ قُوتَه وقُوتَ عيالِه.
روى هذا الحديثَ ابن مسعودٍ.
* * *
1309 -
وقال: "مَنْ سأَلَ وعنده ما يُغنيهِ فإنما يستكثر من النارِ"، قالوا: يا رسول الله، وما يُغنيهِ؟، قال:"قدرُ ما يُغديه، أو يُعشِّيه".
وفي روايةٍ: "شِبَعُ ليلةٍ ويومٍ".
وقال: "مَنْ سأَلَ منكم وله أُوقَّيةٌ أو عِدْلُها؛ فقد سأَلَ إلْحافًا".
قوله: "يستكثر من النار"؛ يعني: مَن جمع أموالَ الناس بالسؤال من غير ضرورة فكأنه يجمع لنفسه نارَ جهنم.
قوله: "قَدْرُ ما يغدِّيه ويعشِّيه"، (التغدية): إطعامُ طعامِ الغَداةِ أحدًا، و (التعشية): إطعامُ طعامِ العَشاء؛ يعني: مَن كان له قُوتُ غدائه وعَشائه لا يجوز له أن يسألَ في ذلك اليوم صدقةَ التطوع، وإنما يسأل إذا لم يكن له قُوتٌ، وهو مضطرٌ، فيجوز له السؤالُ بقَدْر ما يأكل، ولا يدَّخر.
وأما الزكاةُ المفروضةُ فيجوز لمَن هو مستحقٌّ للزكاة أن يسألَها بقَدْر ما يتمُّ له نفقةُ سَنةٍ لنفسه وعياله وكسوتهم؛ لأن تفريقَ الزكاة لا يكون في السَّنة إلا مرةً.
روى هذا الحديثَ سهل ابن الحنظلية، واسم أبيه (1): الربيع بن عمرو ابن عدي الأنصاري.
قوله: "من سأل منكم وله أوقيةٌ أو عِدْلُها"؛ يعني: مَن كان له أربعون درهمًا مَن الفضة، "أو عِدْلها"؛ أي: مِثْلُها من ذهبٍ أو مالٍ آخرَ، وسألَ "فقد سأل إلحافًا"؛ أي: إلحاحًا؛ أي: إسرافًا من غير اضطرارٍ، وهذا في حق مَن يكفيه أربعون درهمًا.
روى هذا الحديثَ: عطاء، عن رجلٍ من بني حُبْشيِّ بن جُنادة السَّلُولي.
* * *
1310 -
وقال: "إنَّ المَسأَلةَ لا تَحِلُّ لغنيِّ، ولا لذي مِرَّةٍ سَوِيٍّ إلا لذي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أو لذي غُرْمٍ مُفْظِعٍ، ومَنْ سأَلَ الناسَ ليُثريَ بهِ مالَه كانَ خُموشًا في وجهِهِ
(1) في جميع النسخ: "واسم الحنظلة"؛ وهو خطأ، و"الحنظلية" أمُّه.
يومِ القيامةِ، ورَضْفًا يأكلُه مِن جهنمَ، فمن شاءَ فليُقِلَّ، ومن شاءَ فليُكثر".
قوله: "إلا لذي فقر مُدْقِع"؛ أي: فقر شديد، (المُدقِع): اسم فاعل من (أَدَقَعَ): إذا ألصقَه بالدَّقْعَاءِ، وهو التراب من عدم الفراش.
قوله: "أو غُرْمٍ مُفظِع"؛ (المُفظِع): اسم فاعل من (أَفظَع) إذا صار فظيعًا؛ أي: شديدًا غايةَ الشدةِ؛ يعني به: دَينًا ثقيلًا، هذا لفظ الحديث، ولكن الحكمَ جوازُ السؤال لأداء الدَّين، وإن كان الدَّينُ قليلًا.
قوله: "ليُثرِي"؛ أي: ليُكثِر.
"الرَّضْف": الحَجَر المُحمَّى، والمراد به: التحريق.
روى هذا الحديثَ حُبْشيُّ بن جُنَادة السَّلُولي.
* * *
1312 -
ويُروي: "إنَّ المَسألةَ لا تَصلُحُ إلا لثَلاثةٍ: لذي فَقْرٍ مُدْقِع، أو لِذِيْ غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أو لذي دَمٍ مُوجِعٍ".
قوله: "أو دمٍ مُوجعٍ"؛ يعني: أو دِيَةٍ تُوجعُ أولياءَ القاتلِ أو القاتلَ؛ بأن يَلزَمَه دِيَةٌ، وليس له ولا لأوليائه مالٌ، ولا يؤديها من بيت المال؛ فقد حصلت المخاصمة والفتنة بين أولياء القاتل والمقتول في طلب الدية؛ فيجوز لواحدٍ أن يسأل الناسَ حتى يُؤديَ الديةَ، ويقطعَ بينهم الخصومة.
* * *
1313 -
وقال: "مَن أصابَتهُ فاقةٌ فأَنزلَها بالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فاقتُه، ومن أنزلَها بالله أَوْشَكَ الله له بالغِنى، إمَّا بموتٍ عاجِلٍ، أو غِنًى عاجِلٍ".
قوله: "فأنزلها بالناس"؛ يعني: مَن عرضَ حاجتَه على الناس وطلبَ إزالةَ فقرِه من الناس لم يُصلحوا مالَه، ولم يُزيلوا فقرَه، بل لِيَعرِضِ العبدُ فقرَه