الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن الجوكندار 794هـ، 1391م
أحمد بن الأميرآل ملك الجوكندار، يأتي ذكر والده آل ملك الجوكندار في محله إن شاء الله تعالى، الأمير شهاب الدين.
مولده بالقاهرة، وبها نشأ، وترقى إلى أن صار من جملة الأمراء مقدمي الألوف بالديار المصرية، وكان معظما عند الملك الظاهر برقوق، مشارا إليه في الدول، ولم يزل من أعيان أمراء مصر إلى أن توفي يوم الأحد ثاني عشرين جمادى الآخرة سنة أربع وتسعين وسبعمائة، وقيل سنة ثلاث وتسعين.
وكان أميرا جليلا، شجاعا مقداما، وله بر وصدقات، رحمه الله.
ابن أويس سلطان بغداد 813هـ، 1410م
أحمد بن أويس بن الشيخ حسن بن حسين بن آقبغا بن إيلكان، السلطان غياث الدين صاحب بغداد وتبريز وغيرهما من بلاد العراق.
ملك بعد موت أخيه الشيخ حسين بن أويس سنة أربع وثمانين وسبعمائة، واستمر بممالك العراق إلى سنة خمس وتسعين وسبعمائة، خرج من بغداد فارا من تيمورلنك لما استولى على بغداد، وقصد نحو البلاد الحلبية وصحبته نحو أربعمائة فارس من أصحابه.
وسهب استيلاء تيمور على بغداد هو أن تيمور أخذ شيراز وقتل متملكها شاه منصور وبعث برأسه إلى بغداد، وبعث بالخلعة والصكة إلى السلطان أحمد هذا فلبس الخلعة، وضرب الصكة باسم تيمورلنك وأذعن لطاعته، ثم إن أهل بغداد كاتبوا تيمور يحثونه على المسير إليهم فتوجه إليها بعساكره، واستولى عليها بعد أمور ووقائع، وفر السلطان أحمد منها إلى جهة حلب.
وسبب مكاتبة أهل بغداد لتيمور أن ابن أويس المذكور كان أسرف في قتل أمرائه، وبالغ في ظلم رعيته، وانهمك على الفجور والخمر، وكان قدوم تيمور إلى بغداد والاستيلاء عليها بحيلة دبرها على أهل بغداد، وهو أن السلطان أحمد لما بلغه مجيئه أرسل بالشيخ نور الدين الخرساني إلى تيمور فأكرمه.
وقال: أنا أترك بغداد لأجلك، ورحل يريد السلطانية، فبعث نور الدين كتبه بالبشارة إلى بغداد، وقدم في أثرها، وكان تيمور قد سار يريد بغداد من طريق أخرى، فلم يشعر
ابن أويس - وقد اطمأن - إلا وتيمور قد نزل غربي بغداد قبل أن يصل الشيخ نور الدين، فدهش عند ذلك ابن أويس وقطع جسر بغداد ورحل بأمواله وأولاده من ليلة السبت رابع عشر شوال، وترك البلد، فحاصرها تيمور، وأرسل ابنه في اثر ابن أويس فأدركه بالحلة فتواقعا، وانتصر ابن تيمور، ونهب مال سلطان أحمد وسبى حريمه، وقتل وأسر.
ونجا ابن أويس في طائفة وهم عراه، وقصد حلب لائذا بجناب الملك الظاهر برقوق سلطان مصر، فلما وصل إلى قريب حلب خرج للقيه نائبها الأمير جلبان قراسقل والأمراء والعساكر الحلبية، وأنزله بالميدان ظاهر حلب، ثم كتب النائب يخبر الملك الظاهر برقوق بقدوم سلطان أحمد إلى حلب، فورد الجواب للنائب المذكور بالإدرار عليه من أموال الديوان السلطاني ما يكفيه من النفقات وغيرها، وأن يبالغ في إكرامه، فامتثل ذلك، ولا برح محفولا فيما أجرى عليه إلى أن برز المرسوم السلطاني بطلبه إلى القاهرة، فتوجه إليها، فلما وصلها نزل الملك الظاهر برقوق في جميع العساكر المصرية إلى لقائه، وذلك في يوم الثلاثاء سابع عشر ربيع الأول سنة ست وتسعين وسبعمائة، إلى الريدانية خارج القاهرة، وقعد بمسطية مطعم الطيور إلى أن قرب منه ابن أويس، نزل
السلطان عن فرسه ومشى عدة خطوات، فمشى إليه الأمير بدخاص حاجب الحجاب، ومن بعده الأمراء للسلام عليه، والأمير بدخاص يعرفه اسم كل أمير ووظيفته، وهم يقبلون يده، حتى أقبل الأمير أحمد بن يلبغا أمير مجلس، فقال له الأمير بدخاص: هذا ابن أستاذ السلطان، فعانقه ابن أويس ولم يدعه يقبل يده، ثم جاء من بعده الأمير بكلمش أمير سلاح، فعانقه أيضا، ثم من بعده الأمير أيتمش رأس نوبة الأمراء، وهذه الوظيفة مفقودة الآن، فعانقه أيضا، ثم الأمير سودون الشيوخوني النائب، فعانقه، وانقضى سلام الأمراء، فمشى عند ذلك السلطان ونزل عن المسطبة، ومشى نحو العشرين خطوة، فلما رأى ابن أويس ذلك هرول حتى التقيا، فأومأ ابن أويس ليقبل يد السلطان، فلم يمكنه، وعانقه، وبكوا ساعة، ومشى والسلطان
يطيب خاطره ويعده بعوده إلى ملكه، ويده في يده حتى صعدا المسطبة وجلسا معا على المقعد من غير كرسي، وتحادثا طويلا، ثم قدم قباء من حرير بنفسجي بفرو قاقم وطرز ذهب وفرس من الخاص بسرج ذهب وكنبوش زركش وسلسلة ذهب، فركبه من حيث يركب السلطان، ثم ركب السلطان بعده، وسارا إلى أن قربا من قلعة الجبل، وقد خرج معظم الناس لمشاهدة ابن أويس المذكور إلى أن وصلا تحت الطبلخاناة، أومأ إليه السلطان بالتوجه إلى المنزل الذي أعد له على بركة الفيل، فتوجه إليه، وجلس لأكل السماط، فمد الأمير جمال الدين محمود الأستادار بين يديه سماطا جليلا، فأكل، وأكل الأمراء بعده، وانصرفوا، ثم أرسل السلطان إليه بمائتي ألف درهم فضة، ومائتي قطعة قماش سكندري، وثلاثة أفراس بقماش ذهب، وعشرين مملوكاً وعشرين جارية، ثم دخل في الليل ثقل ابن أويس وحريمه.
وفي يوم الخميس عمل السلطان الخدمة بالإيوان المعروف بدار العدل على العادة، وحضر ابن أويس الخدمة، وأجلسه السلطان رأس ميمنته، ومد السماط، وقام الأمراء من جلوسهم، فهم ابن أويس بالقيام معهم، فمنعه السلطان من ذلك،
فاستمر في جلوسه حتى انتهى الموكب، ونهض متوجها إلى منزله والأمراء بين يديه، وقدامه جاووشيته، ونقيب جيشه، وتكرر طلوعه إلى القلعة إلى أن أخذ الملك الظاهر في أسباب السفر إلى البلاد الشمالية.
وتزوج الملك الظاهر بالخاتون تندو بنت حسين بن أويس ابن أخي القان غياث الدين أحمد هذا، ومبلغ الصداق ثلاثة آلاف دينار، وبنى بها ليلة الخميس عاشر الشهر المذكور ليلة سفره، وأصبح من الغد نزل السلطان من قلعة الجبل من باب السلسلة إلى الرميلة، وقد وقف القان ابن أويس وجميع الأمراء والعساكر، وقد لبسوا آلة الحرب ومعهم أطلابهم، فسار السلطان، وعليه قرفل بغير أكمام، وكلفته على رأسه، وتحته فرس بعرقية من الصوف سميك إلى باب القرافة، والعساكر قد ملأت الرميلة، فرتب بنفسه أطلاب الأمراء ومر في صفوفهم غير مرة حتى رتبها أحسن ترتيب، ثم مضى إلى قبر الإمام الشافعي رضي الله عنه فزاره، وتصدق على الفقراء بملغ له جرم، ثم توجه لزيارة السيدة نفيسة، وفعل كما فعل في زيارة الشافعي، وعاد إلى الرميلة، وأشار إلى الطلب السلطاني بالمسير، فتوجه إلى الريدانية في أعظم قوة وأبهج زي وأفخر هيئة، وجرى فيه من جنائب الخيل، ومن السلاح ما يقصر الوصف عن حكايته.
ثم مشى الملك الظاهر وإلى جانبه القان بن أويس المذكور، وهو على فرس بقماش ذهب، وقد دهش عقله مما رأى، وبجانب ابن أويس الأتابكي كمشبغا الحموي، ثم مشى أطلاب الأمراء
على منازلهم، ونزل السلطان بخيمة بالريدانية، ونزل بن أويس بوطاق آخر، ثم سافرا من الغد إلى أن وصلا إلى دمشق في العشرين من جمادى الآخرة، فأقام ابن أويس إلى مستهل شعبان، وسافر من دمشق يريد بغداد، وقد قام له الملك الظاهر برقوق بجميع ما يحتاج إليه، وعند وداعه خلع عليه أطلسين، وسيف بسقط ذهب، وأعطى تقليدا بنيابة السلطنة ببغداد، فأهوى بن أويس لتقبيل الأرض، فلم يمكنه الظاهر من ذلك إجلالاً له، واستقل ابن أويس بالمسير إلى أن وصل بغداد في سنة ست وتسعين وسبعمائة، فتسلمها على عادته، ومهد ممالكها، ثم أخذ يسير في رعيته بالظلم والعسف، وقتل جماعة من أمرائه، فوثب عليه من بقي من الأمراء بموافقة الرعية عليه، وكاتبوا نائب تيمورلنك بشيراز ليتسلما، فمضى إليها وتسلمها، ونزح عنها السلطان أحمد بن أويس.
وتوجه إلى قرا يوسف بن قرا محمد التركماني صاحب الموصل، واستنجده، فسار معه إلى بغداد، فخرج أهل بغداد لقتالهما، والتقى الرفيقان، فانهزم سلطان أحمد وعاد إلى جهة دمشق وصحبته قرا يوسف وقعا الفرات، ومعهما جمع كثير من التركمان وغيره، ونزلا بالساجور بالقرب من حلب، فخرج إليهم نائب حلب الأمير دمرداش المحمدي، والأمير دقماق نائب حماه، وبقية العساكر، والتقوا على
الساجور، وكان بينهم وقعة عظيمة، وحمل قرا يوسف بمن معه على العساكر الحلبية، فانكسر العسكر الحلبي وتفرق شملهم، بعد أن أسر الأمير دقماق نائب حماه وجماعة من الأمراء وذلك في ثاني عشرين شوال سنة اثنتين وثمانمائة، ثم عاد السلطان أحمد بن أويس وقرا يوسف إلى نحو بلاد الروم، ثم عاد بعد مدة إلى بغداد وملكها أيضا، وحكمها مدة إلى أن قدمها تيمورلنك ثانيا بعد عوده من البلاد الشامية بمدة، فخرج منها ابن أويس هاربا بمفرده، وجاء إلى حلب، فدخلها في يوم الاثنين خامس عشر صفر سنة ست وثمانمائة، وهو لابس لبادا في زي الفقراء.
فأقام بحلب مدة إلى أن ورد المرسوم الشريف من الملك الناصر فرج بن برقوق سلطان مصر بالقبض عليه واعتقاله بقلعة حلب، فاعتقل بها، ثم طلب إلى القاهرة فتوجه إليها، فلما وصل إلى دمشق اعتقل بقلعتها إلى حين قدمها الأمير يشبك الشعباني الدوادار هاربا من الملك الناصر فرج، وكان إذ ذاك نائب دمشق الأمير شيخ المحمودي، فكلمه الأمير يشبك المذكور في الإفراج عن السلطان أحمد، فأفرج عنه، ودام بدمشق إلى أن توجه العسكر الشامي إلى جهة الديار المصرية، خرج السلطان أحمد بن أويس إلى نحو بغداد، فدخلها بعد ذهاب التتار منها بعد وفاة تيمورلنك، واستمر بها حاكماً على عادته إلى أن تغلب قرا يوسف على التتار وأخذ منهم تبريز وما والاها والجزيرة وديار بكر وماردين،
ووقع الخلف بينه وبين السلطان أحمد بن أويس هذا، فجمع ابن أويس لقتاله، واستنجد بالشيخ إبراهيم صاحب شماخي فانجده بعسكر، وقدم عليهم ابنه، وجمع قرا يوسف أيضا والتقى الفريقان، فكانت الكسرة على السلطان أحمد، وأخذ أسيراً، وقتل في إحدى الجمادين من سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وقيل في يوم الأحد آخر شهر ربيع الآخر من السنة، والثاني أصح.
وكان سلطانا فاتكا مهاباً له سطوة على الرعية، مقداما شجاعا، سفاكاً للدماء، وعنده جور وظلم على أمرائه وجنده، كانت له مشاركة في عدة علوم، ومعرفة تامة بعلم النجامة، ويد في معرفة الموسيقى وفي تأديته، يجيد ذلك إلى الغاية، منهمكا في اللذات التي تهواها النفوس، مسرفا على نفسه جدا، وكان الأستاذ عبد القادر من جملة ندمائه، وكان بقول الشعر باللغات الثلاثة: الأعجمية والتركية والعربية، وهو في ذلك في الرتبة الوسطى. سمعنا من نظمه بلغتي التركية والعجمية كثيراً، وأما شعره باللغة العربية فمن ذلك قوله في محموم:
حماك ما قربت حماك لعلة
…
إلا تروم وتشتهي ما اشتهي
لو لم تكن مشغوفة بك في الهوى
…
ما عانقتك وقبلت فاك الشهي
انتهت ترجمة السلطان أحمد، رحمه الله وعفا عنه، بمنه وكرمه.