الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَال الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ: وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَمَل أَهْل الْحَدِيثِ.
وَقَدْ صَحَّحَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَحَادِيثَ لَمْ يُعْرَفْ تَصْحِيحُهُمَا عَنِ الأَْقْدَمِينَ. (1)
ثَانِيًا: تَصْحِيحُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ:
11 -
الْفُقَهَاءُ عَدَا الْحَنَفِيَّةَ لَا يُفَرِّقُونَ فِي الْجُمْلَةِ بَيْنَ الْعَقْدِ الْبَاطِل وَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، فَالْحُكْمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ. فَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: لَوْ حَذَفَ الْعَاقِدَانِ الْمُفْسِدَ لِلْعَقْدِ - وَلَوْ فِي مَجْلِسِ الْخِيَارِ - لَمْ يَنْقَلِبِ الْعَقْدُ صَحِيحًا، إِذْ لَا عِبْرَةَ بِالْفَاسِدِ. (2)
وَفِي الْمُغْنِي لاِبْنِ قُدَامَةَ: لَوْ بَاعَهُ بِشَرْطِ أَنْ يُسْلِفَهُ أَوْ يُقْرِضَهُ، أَوْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ عَلَيْهِ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ وَالْعَقْدُ بَاطِلٌ، لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَعَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ، وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، وَعَنْ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ، وَعَنْ بَيْعٍ
(1) تدريب الراوي ص 78 وما بعدها.
(2)
أسنى المطالب 2 / 37، ومغني المحتاج 2 / 40، وروضة الطالبين 3 / 410، وحاشية الجمل 3 / 84 - 115، والمنثور في القواعد 2 / 150.
وَسَلَفٍ. (1) وَلأَِنَّهُ اشْتَرَطَ عَقْدًا فِي عَقْدٍ فَفَسَدَ كَبَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ؛ وَلأَِنَّهُ إِِذَا اشْتَرَطَ الْقَرْضَ زَادَ فِي الثَّمَنِ لأَِجْلِهِ، فَتَصِيرُ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ عِوَضًا عَنِ الْقَرْضِ وَرِبْحًا لَهُ، وَذَلِكَ رِبًا مُحَرَّمٌ، فَفَسَدَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ؛ وَلأَِنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ فَلَا يَعُودُ صَحِيحًا كَمَا لَوْ بَاعَ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ ثُمَّ تَرَكَ أَحَدَهُمَا (2) .
وَفِي بَابِ الرَّهْنِ قَال: لَوْ بَطَل الْعَقْدُ لَمَا عَادَ صَحِيحًا (3) .
وَفِي شَرْحِ منتهى الإرادات: الْعَقْدُ الْفَاسِدُ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا (4) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَصِحُّ الْعَقْدُ إِِذَا حُذِفَ الشَّرْطُ الْمُفْسِدُ لِلْعَقْدِ، سَوَاءٌ أَكَانَ شَرْطًا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، أَمْ كَانَ شَرْطًا يُخِل بِالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ، إِلَاّ أَرْبَعَةَ شُرُوطٍ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ مَعَهَا وَلَوْ حُذِفَ الشَّرْطُ، وَهِيَ:
(1) حديث: " نهى عن ربح ما لم يضمن وعن بيع ما لم يقبض. . . ". رواه الطبراني من حديث حكيم بن حزام قال في مجمع الزوائد (4 / 85) وروى النسائي بعضه، وفي سنده عند الطبراني العلاء بن خالد الواسطي وثقه ابن حبان، وضعفه موسى بن إسماعيل. وروي بلفظ " لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك ". أخرجه الترمذي (3 / 535 - 536 - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وقال: حديث حسن صحيح.
(2)
المغني 4 / 259 - 260.
(3)
المغني 4 / 379.
(4)
شرح منتهى الإرادات 2 / 250.
أ - مَنِ ابْتَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى أَنَّهُ إِنْ مَاتَ فَالثَّمَنُ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ، فَإِِنَّهُ يَفْسَخُ الْبَيْعَ وَلَوْ أَسْقَطَ هَذَا الشَّرْطَ لأَِنَّهُ غَرَرٌ، وَكَذَا لَوْ شَرَطَ: إِنْ مَاتَ فَلَا يُطَالِبُ الْبَائِعُ وَرَثَتَهُ بِالثَّمَنِ.
ب - شَرْطُ مَا لَا يَجُوزُ مِنْ أَمَدِ الْخِيَارِ، فَيَلْزَمُ فَسْخُهُ وَإِِنْ أَسْقَطَ لِجَوَازِ كَوْنِ إِسْقَاطِهِ أَخْذًا بِهِ.
ج - مَنْ بَاعَ أَمَةً وَشَرَطَ عَلَى الْمُبْتَاعِ أَنْ لَا يَطَأَهَا، وَأَنَّهُ إِنْ فَعَل فَهِيَ حُرَّةٌ، أَوْ عَلَيْهِ دِينَارٌ مَثَلاً، فَيُفْسَخُ وَلَوْ أَسْقَطَ الشَّرْطَ لأَِنَّهُ يَمِينٌ.
د - شَرْطُ الثُّنْيَا يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَلَوْ أَسْقَطَ الشَّرْطَ.
وَزَادَ ابْنُ الْحَاجِبِ شَرْطًا خَامِسًا وَهُوَ:
هـ - شَرْطُ النَّقْدِ (أَيْ تَعْجِيل الثَّمَنِ) فِي بَيْعِ الْخِيَارِ قَال ابْنُ الْحَاجِبِ: لَوْ أَسْقَطَ شَرْطَ النَّقْدِ فَلَا يَصِحُّ (1) .
وَفِي الإِِْجَارَةِ جَاءَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: تَفْسُدُ الإِِْجَارَةُ بِالشَّرْطِ الَّذِي يُنَاقِضُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَمَحَل الْفَسَادِ إِنْ لَمْ يُسْقِطَ الشَّرْطَ، فَإِِنْ أَسْقَطَ الشَّرْطَ صَحَّتْ (2) .
وَيُوَضِّحُ ابْنُ رُشْدٍ سَبَبَ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ بِارْتِفَاعِ الْمُفْسِدِ أَوْ عَدَمِ صِحَّتِهِ. فَيَقُول: هَل إِِذَا لَحِقَ الْفَسَادُ بِالْبَيْعِ مِنْ قِبَل الشَّرْطِ يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ إِِذَا ارْتَفَعَ الشَّرْطُ، أَوْ لَا
(1) منح الجليل 2 / 570 - 571.
(2)
الشرح الصغير 2 / 277 ط الحلبي.
يَرْتَفِعُ؟ كَمَا لَا يَرْتَفِعُ الْفَسَادُ اللَاّحِقُ لِلْبَيْعِ الْحَلَال مِنْ أَجْل اقْتِرَانِ الْمُحَرَّمِ الْعَيْنَ بِهِ، كَمَنْ بَاعَ غُلَامًا بِمِائَةِ دِينَارٍ وَزِقِّ خَمْرٍ، فَلَمَّا عَقَدَ الْبَيْعَ قَال: أَدَّعِ الزِّقَّ. وَهَذَا الْبَيْعُ مَفْسُوخٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِإِِجْمَاعٍ.
وَهَذَا أَيْضًا يَنْبَنِي عَلَى أَصْلٍ آخَرَ. هُوَ: هَل هَذَا الْفَسَادُ مَعْقُول الْمَعْنَى أَوْ غَيْرُ مَعْقُولٍ؟ فَإِِنْ قُلْنَا: هُوَ غَيْرُ مَعْقُول الْمَعْنَى، لَمْ يَرْتَفِعِ الْفَسَادُ بِارْتِفَاعِ الشَّرْطِ. وَإِِنْ قُلْنَا: مَعْقُولٌ، ارْتَفَعَ الْفَسَادُ بِارْتِفَاعِ الشَّرْطِ.
فَمَالِكٌ رَآهُ مَعْقُولاً، وَالْجُمْهُورُ رَأَوْهُ غَيْرَ مَعْقُولٍ، وَالْفَسَادُ الَّذِي يُوجَدُ فِي بُيُوعِ الرِّبَا وَالْغَرَرِ هُوَ أَكْثَرُ ذَلِكَ غَيْرُ مَعْقُول الْمَعْنَى، وَلِذَلِكَ لَيْسَ يَنْعَقِدُ عِنْدَهُمْ أَصْلاً، وَإِِنْ تُرِكَ الرِّبَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَارْتَفَعَ الْغَرَرُ (1) .
12 -
وَيُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْعَقْدِ الْبَاطِل وَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ فَيَصِحُّ عِنْدَهُمْ - خِلَافًا لِزُفَرَ - تَصْحِيحُ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ، بِارْتِفَاعِ الْمُفْسِدِ دُونَ الْبَاطِل، وَيَقُولُونَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ: إِنَّ ارْتِفَاعَ الْمُفْسِدِ فِي الْفَاسِدِ يَرُدُّهُ صَحِيحًا، لأَِنَّ الْبَيْعَ قَائِمٌ مَعَ الْفَسَادِ، وَمَعَ الْبُطْلَانِ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا بِصِفَةِ الْبُطْلَانِ، بَل كَانَ مَعْدُومًا.
وَعِنْدَ زُفَرَ: الْعَقْدُ الْفَاسِدُ لَا يَحْتَمِل الْجَوَازَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ.
(1) بداية المجتهد 2 / 162 ط عيسى الحلبي.
لَكِنَّ تَصْحِيحَ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُقَيَّدٌ بِمَا إِِذَا كَانَ الْفَسَادُ ضَعِيفًا. يَقُول الْكَاسَانِيُّ: الأَْصْل عِنْدَنَا أَنَّهُ يُنْظَرُ إِِلَى الْفَسَادِ، فَإِِنْ كَانَ قَوِيًّا بِأَنْ دَخَل فِي صُلْبِ الْعَقْدِ - وَهُوَ الْبَدَل أَوِ الْمُبْدَل - لَا يَحْتَمِل الْجَوَازَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ، كَمَا إِِذَا بَاعَ عَبْدًا بأَلْفِ دِرْهَمٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ، فَحَطَّ الْخَمْرَ عَنِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ فَاسِدٌ وَلَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا.
وَإِِنْ كَانَ الْفَسَادُ ضَعِيفًا، وَهُوَ مَا لَمْ يَدْخُل فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، بَل فِي شَرْطٍ جَائِزٍ يَحْتَمِل الْجَوَازَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ، كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ خِيَارٍ لَمْ يُوَقَّتْ، أَوْ وُقِّتَ إِِلَى وَقْتٍ مَجْهُولٍ كَالْحَصَادِ، أَوْ لَمْ يُذْكُرِ الْوَقْتُ، وَكَمَا فِي الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إِِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ، فَإِِذَا أَسْقَطَ الأَْجَل مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ قَبْل حُلُولِهِ وَقَبْل فَسْخِهِ جَازَ الْبَيْعُ لِزَوَال الْمُفْسِدِ، وَلَوْ كَانَ إِسْقَاطُ الأَْجَل بَعْدَ الاِفْتِرَاقِ عَلَى مَا حَرَّرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ.
وَعَلَى هَذَا سَائِرُ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ بِسَبَبِ ضَرَرٍ يَلْحَقُ بِالْبَائِعِ فِي التَّسْلِيمِ إِِذَا سَلَّمَ الْبَائِعَ بِرِضَاهُ وَاخْتِيَارِهِ - كَمَا إِِذَا بَاعَ جِذْعًا لَهُ فِي سَقْفٍ، أَوْ آجُرًّا لَهُ فِي حَائِطٍ، أَوْ ذِرَاعًا فِي دِيبَاجٍ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لأَِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَسْلِيمُهُ إِلَاّ بِالنَّزْعِ وَالْقَطْعِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْبَائِعِ، وَالضَّرَرُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْعَقْدِ، فَكَانَ هَذَا عَلَى التَّقْدِيرِ بَيْعُ مَا لَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ شَرْعًا، فَيَكُونُ فَاسِدًا. فَإِِنْ نَزَعَهُ الْبَائِعُ
أَوْ قَطَعَهُ وَسَلَّمَهُ إِِلَى الْمُشْتَرِي قَبْل أَنْ يَفْسَخَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ جَازَ الْبَيْعُ؛ لأَِنَّ الْمَانِعَ مِنَ الْجَوَازِ ضَرَرُ الْبَائِعِ بِالتَّسْلِيمِ، فَإِِذَا سَلَّمَ بِاخْتِيَارِهِ وَرِضَاهُ فَقَدْ زَال الْمَانِعُ، فَجَازَ الْبَيْعُ وَلَزِمَ (1) .
وَعَلَى هَذَا سَائِرُ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ طِبْقًا لِقَاعِدَةِ: إِِذَا زَال الْمَانِعُ مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي عَادَ الْحُكْمُ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ هِبَةَ الْمُشَاعِ فَاسِدَةٌ، فَإِِنْ قَسَّمَهُ وَسَلَّمَهُ جَازَ. وَاللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ، وَالصُّوفُ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ، وَالزَّرْعُ وَالنَّخْل فِي الأَْرْضِ، وَالتَّمْرُ فِي النَّخِيل بِمَنْزِلَةِ الْمُشَاعِ؛ لأَِنَّهَا مَوْجُودَةٌ، وَامْتِنَاعُ الْجَوَازِ لِلاِتِّصَال، فَإِِذَا فَصَّلَهَا وَسَلَّمَهَا جَازَ لِزَوَال الْمَانِعِ (2) .
وَمِثْل ذَلِكَ: إِِذَا رَهَنَ الأَْرْضَ بِدُونِ الْبِنَاءِ، أَوْ بِدُونِ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ، أَوْ رَهَنَ الزَّرْعَ وَالشَّجَرَ بِدُونِ الأَْرْضِ، أَوْ رَهَنَ الشَّجَرَ بِدُونِ الثَّمَرِ، أَوْ رَهَنَ الثَّمَرَ بِدُونِ الشَّجَرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لأَِنَّ الْمَرْهُونَ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ، وَهَذَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبْضِ. وَلَوْ جُذَّ الثَّمَرُ وَحُصِدَ الزَّرْعُ وَسُلِّمَ مُنْفَصِلاً جَازَ لِزَوَال الْمَانِعِ (3) .
(1) البدائع 5 / 168، 178 - 179، وابن عابدين 4 / 119، والاختيار 2 / 25 - 26.
(2)
البدائع 6 / 119، والزيلعي 5 / 94.
(3)
البدائع 6 / 140.