الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ هُوَ رَأْيُ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ. قَال الْمَجْدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: الْمِلْكُ فِي الْمَوْهُوبِ لَا يَثْبُتُ بِدُونِ الْقَبْضِ، وَكَذَا صَرَّحَ ابْنُ عَقِيلٍ الْحَنْبَلِيُّ: أَنَّ الْقَبْضَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْهِبَةِ كَالإِِْيجَابِ فِي غَيْرِهَا، وَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَدُل عَلَيْهِ.
وَالرَّأْيُ الآْخَرُ لِلْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الْهِبَةَ تُمْلَكُ بِالْعَقْدِ، فَيَصِحُّ التَّصَرُّفُ مِنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ فِيهَا قَبْل الْقَبْضِ، كَذَا فِي الْمُنْتَهَى وَشَرْحِهِ، وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ فِي الإِِْنْصَافِ.
وَعَلَى رَأْيِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَمَنْ رَأَى رَأْيَهُمْ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا قَبْل الْقَبْضِ؛ لأَِنَّ عَقْدَ الْهِبَةِ لَمْ يَتِمَّ. وَلَكِنَّهُ عِنْدَ مَنْ يَرَى ذَلِكَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ يَكُونُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ قَال: إِنَّ الْهِبَةَ تَلْزَمُ بِالْعَقْدِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: تُمْلَكُ الْهِبَةُ بِالْقَبُول عَلَى الْمَشْهُورِ، وَلِلْمُتَّهِبِ طَلَبُهَا مِنَ الْوَاهِبِ إِنَ امْتَنَعَ وَلَوْ عِنْدَ حَاكِمٍ، لِيُجْبِرَهُ عَلَى تَمْكِينِ الْوَهُوبِ لَهُ مِنْهَا. لَكِنْ قَال ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: الْقَبُول وَالْحِيَازَةُ مُعْتَبَرَانِ فِي الْهِبَةِ، إِلَاّ أَنَّ الْقَبُول رُكْنٌ وَالْحِيَازَةَ شَرْطٌ. أَيْ فِي تَمَامِهَا، فَإِِنْ عُدِمَ لَمْ تَلْزَمْ، وَإِِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً.
عَلَى أَنَّ الْهِبَةَ لَوْ تَمَّتْ بِالْقَبْضِ، فَإِِنَّهُ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ كَانَتْ لأَِجْنَبِيٍّ، أَيْ غَيْرِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ، لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: الرَّجُل
أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا (1) أَمَّا عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَلَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا بَعْدَ الْقَبْضِ، إِلَاّ الْوَالِدُ فِيمَا يَهَبُ لِوَلَدِهِ فَإِِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ (2) لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ. (3)
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (هِبَةٌ) .
ج -
الْوَصِيَّةُ لِمُعَيَّنٍ:
45 -
مِنْ أَرْكَانِ الْوَصِيَّةِ الإِِْيجَابُ مِنَ الْمُوصِي وَالْقَبُول مِنَ الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنِ، لَكِنَّ الْقَبُول لَا يُعْتَبَرُ إِلَاّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَلَا يُفِيدُ الْقَبُول قَبْل مَوْتِهِ؛ لأَِنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدٌ غَيْرُ لَازِمٍ، وَالْمُوصِي يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِي وَصِيَّتِهِ مَا دَامَ حَيًّا، وَبِالْقَبُول يَمْلِكُ الْمُوصَى لَهُ الْمُوصَى بِهِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ الْمِلْكُ عَلَى الْقَبْضِ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - غَيْرَ زُفَرَ - وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. أَمَّا عِنْدَ زُفَرَ فَرُكْنُ الْوَصِيَّةِ هُوَ الإِِْيجَابُ فَقَطْ مِنَ الْمُوصِي،
(1) حديث: " الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها " أخرجه ابن ماجه (2 / 798 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقال البوصيري: في إسناده إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع، وهو ضعيف.
(2)
الاختيار 3 / 48، والهداية 3 / 224 - 227، والدسوقي 4 / 101، والشرح الصغير 2 / 312 ط الحلبي، وأسنى المطالب 2 / 478، 482، والمهذب 1 / 454، وكشاف القناع 4 / 298، 300 - 301، 312، وشرح منتهى الإرادات 2 / 519.
(3)
حديث: " العائد في هبته كالعائد في قيئه " أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 234 - ط السلفية) ومسلم (3 / 124 - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.