الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقَوْل الثَّانِي فِي صِنَاعَةِ الصُّوَرِ غَيْرِ ذَوَاتِ الظِّل (أَيِ الْمُسَطَّحَةِ) :
32 -
إِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ كَصِنَاعَةِ ذَوَاتِ الظِّل. وَهَذَا قَوْل جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَنُقِل عَنْ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ.
وَاسْتَثْنَى بَعْضُ أَصْحَابِ هَذَا الْقَوْل الصُّوَرَ الْمَقْطُوعَةَ وَالصُّوَرَ الْمُمْتَهَنَةَ وَأَشْيَاءَ أُخْرَى كَمَا سَيَأْتِي فِي بَقِيَّةِ هَذَا الْبَحْثِ.
وَاحْتَجُّوا لِلتَّحْرِيمِ بِإِِطْلَاقِ الأَْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي لَعْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلْمُصَوِّرِينَ، وَأَنَّ الْمُصَوِّرَ يُعَذَّبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنْ يُكَلَّفَ بِنَفْخِ الرُّوحِ فِي كُل صُورَةٍ صَوَّرَهَا. خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ صُوَرُ الأَْشْجَارِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا رُوحَ فِيهِ بِالأَْدِلَّةِ السَّابِقِ ذِكْرُهَا، فَيَبْقَى مَا عَدَاهَا عَلَى التَّحْرِيمِ. قَالُوا: وَأَمَّا الاِحْتِجَاجُ لإِِِبَاحَةِ صُنْعِ الصُّوَرِ الْمُسَطَّحَةِ بِاسْتِعْمَال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْوِسَادَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِيهِمَا الصُّوَرُ، وَاسْتِعْمَال الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لِذَلِكَ، فَإِِنَّ الاِسْتِعْمَال لِلصُّورَةِ حَيْثُ جَازَ لَا يَعْنِي جَوَازَ تَصْوِيرِهَا؛ لأَِنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِتَحْرِيمِ التَّصْوِيرِ وَلَعْنِ الْمُصَوِّرِ، وَهُوَ شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ اسْتِعْمَال مَا فِيهِ الصُّورَةُ. وَقَدْ عُلِّل فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِمُضَاهَاةِ خَلْقِ اللَّهِ وَالتَّشْبِيهِ بِهِ، وَذَلِكَ إِثْمٌ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ الاِسْتِعْمَال. (1)
(1) ابن عابدين 1 / 437.
ثَالِثًا: الصُّوَرُ الْمَقْطُوعَةُ وَالصُّوَرُ النِّصْفِيَّةُ وَنَحْوُهَا:
33 -
تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ لَا يَرَوْنَ تَحْرِيمَ تَصْوِيرِ الإِِْنْسَانِ أَوِ الْحَيَوَانِ - سَوَاءٌ أَكَانَتِ الصُّورَةُ تِمْثَالاً مُجَسَّمًا أَوْ صُورَةً مُسَطَّحَةً - إِنْ كَانَتْ نَاقِصَةَ عُضْوٍ مِنَ الأَْعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ مِمَّا لَا يَعِيشُ الْحَيَوَانُ بِدُونِهِ. كَمَا لَوْ كَانَ مَقْطُوعَ الرَّأْسِ، أَوْ كَانَ مَخْرُوقَ الْبَطْنِ أَوِ الصَّدْرِ.
وَكَذَلِكَ يَقُول الْحَنَابِلَةُ، كَمَا جَاءَ فِي الْمُغْنِي: " إِِذَا كَانَ فِي ابْتِدَاءِ التَّصْوِيرَةِ صُورَةُ بَدَنٍ بِلَا رَأْسٍ أَوْ رَأْسٌ بِلَا بَدَنٍ، أَوْ جُعِل لَهُ رَأْسٌ وَسَائِرُ بَدَنِهِ صُورَةُ غَيْرِ حَيَوَانٍ، لَمْ يَدْخُل فِي النَّهْيِ. وَفِي الْفُرُوعِ: إِنْ أُزِيل مِنَ الصُّوَرِ مَا لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ مَعَهُ لَمْ يُكْرَهْ، فِي الْمَنْصُوصِ. وَمِثْلُهُ صُورَةُ شَجَرَةٍ وَنَحْوِهِ وَتِمْثَالٍ، وَكَذَا تَصْوِيرُهُ (1)
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا، وَلَمْ يُنْقَل بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ إِلَاّ مَا شَذَّ بِهِ الْمُتَوَلِّي، غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَا إِِذَا كَانَ الْمَقْطُوعُ غَيْرَ الرَّأْسِ وَقَدْ بَقِيَ الرَّأْسُ. وَالرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ التَّحْرِيمُ، جَاءَ فِي أَسْنَى الْمَطَالِبِ وَحَاشِيَتِهِ لِلرَّمْلِيِّ: وَكَذَا إِنْ قُطِعَ رَأْسُ الصُّورَةِ. قَال الكوهكيوني: وَكَذَا حُكْمُ مَا صُوِّرَ بِلَا رَأْسٍ، وَأَمَّا
(1) المغني 7 / 7، وانظر كشاف القناع 5 / 171، والخرشي 3 / 303، والفروع 1 / 352، 353.