الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيَعْبُدُونَ، فَقَطَعَ اللَّهُ الذَّرِيعَةَ، وَحَمَى الْبَابَ.
ثُمَّ أَشَارَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّ التَّعْلِيل بِالْمُضَاهَاةِ وَهُوَ مَنْصُوصٌ، لَا يَمْنَعُ مِنَ التَّعْلِيل بِهَذِهِ الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ، قَال: نَهَى عَنِ الصُّورَةِ، وَذَكَرَ عِلَّةَ التَّشَبُّهِ بِخَلْقِ اللَّهِ، وَفِيهَا زِيَادَةٌ عَلَى هَذَا عِبَادَتُهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ عَمَلَهَا مَعْصِيَةٌ، فَمَا ظَنُّكَ بِعِبَادَتِهَا. (1)
وَاسْتَنَدَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْوَجْهِ فِي التَّعْلِيل إِِلَى مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ نُوحٍ، مُعَلَّقًا. عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي: وَدٍّ، وَسُوَاعٍ، وَيَغُوثَ، وَيَعُوقَ، وَنَسْرٍ. قَال: " هَذِهِ أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِِلَى قَوْمِهِمْ: أَنِ انْصِبُوا إِِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ إِلَيْهَا أَنْصَابًا، وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى إِِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ، وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ، عُبِدَتْ (2) .
لَكِنْ إِِلَى أَيِّ مَدًى أَرَادَتِ الشَّرِيعَةُ الْمَنْعَ مِنَ التَّصْوِيرِ لِتَكْفُل سَدَّ الذَّرِيعَةِ: هَل إِِلَى مَنْعِ التَّصْوِيرِ مُطْلَقًا، أَوْ مَنْعِ الصُّوَرِ الْمَنْصُوبَةِ دُونَ غَيْرِ الْمَنْصُوبَةِ، أَوْ مَنْعِ الصُّوَرِ الْمُجَسَّمَةِ الَّتِي لَهَا ظِلٌّ؛ لأَِنَّهَا الَّتِي كَانَتْ تُعْبَدُ؟ هَذَا مَوْضِعُ
(1) أحكام القرآن لابن العربي 4 / 1588.
(2)
أثر ابن عباس أخرجه البخاري (فتح الباري 8 / 666 ط السلفية) . وانظر تفسير ابن كثير والطبري في تفسير الآية من سورة نوح، حيث نقلا روايات أخرى.
الْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ.
وَبِنَاءً عَلَى هَذَا الْوَجْهِ رَأَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَدَّدَ أَوَّلاً وَأَمَرَ بِكَسْرِ الأَْوْثَانِ وَلَطَّخَ الصُّوَرَ، ثُمَّ لَمَّا عُرِفَ ذَلِكَ الأَْمْرُ وَاشْتَهَرَ رَخَّصَ فِي الصُّوَرِ الْمُسَطَّحَةِ وَقَال: إِلَاّ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ.
27 -
الْوَجْهُ الثَّالِثُ:
أَنَّ الْعِلَّةَ مُجَرَّدُ الشَّبَهِ بِفِعْل الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَنْحِتُونَ الأَْصْنَامَ وَيَعْبُدُونَهَا، وَلَوْ لَمْ يَقْصِدِ الْمُصَوِّرُ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ تُعْبَدِ الصُّورَةُ الَّتِي يَصْنَعُهَا، لَكِنَّ الْحَال شَبِيهَةٌ بِالْحَال. كَمَا نُهِينَا عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا؛ لِئَلَاّ نَكُونَ فِي ذَلِكَ مِثْل مَنْ يَسْجُدُ لَهَا حِينَئِذٍ. كَمَا قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: فَإِِنَّهُ يَسْجُدُ لَهَا حِينَئِذٍ الْكُفَّارُ (1) فَكُرِهَتِ الصَّلَاةُ حِينَئِذٍ لِمَا تَجُرُّهُ الْمُشَابَهَةُ مِنَ الْمُوَافَقَةِ. أَشَارَ إِِلَى هَذَا الْمَعْنَى ابْنُ تَيْمِيَّةَ. وَنَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ حَجَرٍ حَيْثُ قَال: إِنَّ صُورَةَ الأَْصْنَامِ هِيَ الأَْصْل فِي مَنْعِ التَّصْوِيرِ (2) لَكِنْ إِِذَا قِيل بِهَذِهِ الْعِلَّةِ فَهِيَ لَا تَقْتَضِي أَكْثَرَ مِنَ الْكَرَاهَةِ.
(1) حديث: " وحينئذ يسجد لها الكفار ". أخرجه من مسلم (1 / 570 ط الحلبي) من حديث عمرو بن عنبسة رضي الله عنه.
(2)
اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، (القاهرة، مطبعة أنصار السنة المحمدية، 1369 هـ) ص 63، وفتح الباري 10 / 395. وفي مجلة المنار قال الشيخ محمد رشيد رضا إن هذه هي العلة الحقيقية في التحريم (سنة 1320 هـ المجلد 5 / 140) .