الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعَدَالَةِ (1) - وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلَاتٌ أُخْرَى تُنْظَرُ فِي كُتُبِهِمْ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ التَّرْجِيحُ يَحْصُل بِوُجُوهٍ:
6 -
الأَْوَّل:
بِزِيَادَةِ الْعَدَالَةِ فِي الْمَشْهُورِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُرَجَّحُ بِهَا، وَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ. وَعَلَى الْقَوْل بِالتَّرْجِيحِ بِزِيَادَةِ الْعَدَالَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْلِفَ مَنْ زَادَتْ عَدَالَتُهُ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَا يَحْلِفُ، وَلَا يُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا هُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ. وَرُوِيَ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ يُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ عِنْدَ تَكَافُؤِ الْبَيِّنَتَيْنِ فِي الْعَدَالَةِ، إِلَاّ أَنْ يَكْثُرُوا كَثْرَةً يُكْتَفَى بِهَا فِيمَا يُرَادُ مِنَ الاِسْتِظْهَارِ، وَالآْخَرُونَ كَثِيرُونَ جِدًّا، فَلَا تُرَاعَى الْكَثْرَةُ حِينَئِذٍ، وَإِِنَّمَا يَقَعُ التَّرْجِيحُ بِمَزِيَّةِ الْعَدَالَةِ دُونَ مَزِيَّةِ الْعَدَدِ.
قَال ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَنْ رَجَّحَ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ لَمْ يَقُل بِهِ كَيْفَمَا اتَّفَقَ، وَإِِنَّمَا اعْتَبَرَهُ مَعَ قَيْدِ الْعَدَالَةِ.
7 -
الثَّانِي:
يَكُونُ التَّرْجِيحُ أَيْضًا بِقُوَّةِ الْحُجَّةِ فَيُقَدَّمُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ. وَعَلَى الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَذَلِكَ إِِذَا اسْتَوَوْا فِي الْعَدَالَةِ، قَال ذَلِكَ أَشْهَبُ. وَقَال ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُقَدَّمَانِ ثُمَّ رَجَعَ لِقَوْل أَشْهَبَ. قَال ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ كَانَ الشَّاهِدُ أَعْدَل مِنْ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكِمَ بِهِ مَعَ الْيَمِينِ، وَقُدِّمَ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ. وَقَال
(1) ابن عابدين 4 / 437، دار الطباعة العامر ببولاق.
ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٌ: لَا يُقَدَّمُ وَلَوْ كَانَ أَعْدَل أَهْل زَمَانِهِ، وَهُوَ أَقْيَسُ؛ لأَِنَّ بَعْضَ أَهْل الْمَذْهَبِ لَا يَرَى الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ.
8 -
الثَّالِثُ:
اشْتِمَال إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى زِيَادَةِ تَارِيخٍ مُتَقَدِّمٍ أَوْ سَبَبِ مِلْكٍ، وَهَذَا يَتَّفِقُ مَعَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ بِالأَْخْذِ بِتَارِيخِ السَّابِقِ.
وَذَكَرَ الْقَرَافِيُّ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِأَعْدَل الْبَيِّنَتَيْنِ عِنْدَ مَنْ رَأَى ذَلِكَ إِلَاّ فِي الأَْمْوَال خَاصَّةً.
وَقَالُوا: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ عَلَى بَيِّنَةِ الْحَوْزِ، وَإِِنْ كَانَ تَارِيخُ الْحَوْزِ مُتَقَدِّمًا، لأَِنَّ الْمِلْكَ أَقْوَى مِنَ الْحَوْزِ. وَتُقَدَّمُ الْبَيِّنَةُ النَّاقِلَةُ عَلَى الْبَيِّنَةِ الْمُسْتَصْحَبَةِ. وَمِثَالُهَا: أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِزَيْدٍ بَنَاهَا مُنْذُ مُدَّةٍ، وَلَا نَعْلَمُ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ مِلْكِهِ إِِلَى الآْنَ. وَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ الأُْخْرَى: أَنَّ هَذَا اشْتَرَاهَا مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَالْبَيِّنَةُ النَّاقِلَةُ عُلِمَتْ، وَالْمُسْتَصْحَبَةُ لَمْ تُعْلَمْ، فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ.
وَإِِذَا لَمْ يُمْكِنِ التَّرْجِيحُ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ سَقَطَتَا، وَبَقِيَ الْمُتَنَازَعُ عَلَيْهِ بِيَدِ حَائِزِهِ مَعَ يَمِينِهِ. فَإِِنْ كَانَ بِيَدِ غَيْرِهِمَا، فَقِيل: يَبْقَى بِيَدِهِ. وَقِيل: يُقْسَمُ بَيْنَ مُقِيمِي الْبَيِّنَتَيْنِ، لاِتِّفَاقِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى سُقُوطِ مِلْكِ الْحَائِزِ. وَإِِقْرَارِ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ لأَِحَدِهِمَا يُنَزَّل مَنْزِلَةَ الْيَدِ لِلْمُقَرِّ لَهُ (1) .
9 -
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لَوْ تَنَازَعَ اثْنَانِ عَيْنًا، وَكَانَتْ بِيَدِ أَحَدِهِمَا، وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً، وَتَسَاوَتَا
(1) تبصرة الحكام بهامش فتح العلي المالك 1 / 309.
قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ. وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ إِلَاّ بَعْدَ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي.
وَإِِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ فِي يَدِ ثَالِثٍ، وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً سَقَطَتِ الْبَيِّنَتَانِ، وَيُصَارُ إِِلَى التَّحْلِيفِ، فَيَحْلِفُ صَاحِبُ الْيَدِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَمِينًا. وَقِيل: تُسْتَعْمَل الْبَيِّنَتَانِ وَتُنْزَعُ الْعَيْنُ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ، وَتُقْسَمُ بَيْنَهُمَا مُنَاصَفَةً فِي قَوْلٍ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَيَأْخُذَهَا مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ، وَفِي قَوْلٍ: يُوقَفُ الأَْمْرُ حَتَّى يُتَبَيَّنَ أَوْ يَصْطَلِحَا.
وَسَكَتَ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ تَرْجِيحٍ وَاحِدٍ مِنَ الأَْقْوَال الثَّلَاثَةِ. وَقَال الْقَلْيُوبِيُّ: قَضِيَّةُ كَلَامِ جُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ تَرْجِيحُ الثَّالِثِ؛ لأَِنَّهُ أَعْدَل.
وَإِِنْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ، بَقِيَتْ فِي أَيْدِيهِمَا، كَمَا كَانَتْ عَلَى قَوْل السُّقُوطِ. وَقِيل: تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَوْل الْقِسْمَةِ، وَلَا يَجِيءُ الْوَقْفُ، وَفِي الْقُرْعَةِ قَوْلَانِ.
وَلَوْ أُزِيلَتْ يَدُهُ بِبَيِّنَةٍ، ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً بِمِلْكِهِ مُسْتَنِدًا إِِلَى مَا قَبْل إِزَالَةِ يَدِهِ، وَاعْتَذَرَ بِغَيْبَةِ شُهُودِهِ، سُمِعَتْ وَقُدِّمَتْ؛ لأَِنَّهَا إِنَّمَا أُزِيلَتْ لِعَدَمِ الْحُجَّةِ، وَقَدْ ظَهَرَتْ، فَيُنْقَضُ الْقَضَاءُ. وَقِيل: لَا، وَالْقَضَاءُ عَلَى حَالِهِ. وَلَوْ قَال الْخَارِجُ: هُوَ مِلْكِي اشْتَرَيْته مِنْكَ. فَقَال: بَل مِلْكِي. وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِمَا قَالَاهُ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ، لِزِيَادَةِ عِلْمِ بَيِّنَتِهِ بِالاِنْتِقَال.
وَالْمَذْهَبُ أَنَّ زِيَادَةَ عَدَدِ شُهُودِ أَحَدِهِمَا
لَا تُرَجَّحُ، لِكَمَال الْحُجَّةِ فِي الطَّرَفَيْنِ، كَمَا قَال الْحَنَفِيَّةُ.
وَفِي قَوْلٍ مِنْ طَرِيقٍ تُرَجَّحُ؛ لأَِنَّ الْقَلْبَ إِِلَى الزَّائِدِ أَمْيَل. وَكَذَا لَوْ كَانَ لأَِحَدِهِمَا رَجُلَانِ، لِلآْخَرِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، لَا يُرَجَّحُ الرَّجُلَانِ. وَفِي قَوْلٍ مِنْ طَرِيقٍ يُرَجَّحَانِ، لِزِيَادَةِ الْوُثُوقِ بِقَوْلِهِمَا.
فَإِِنْ كَانَ لِلآْخَرِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ يُرَجَّحُ الشَّاهِدَانِ فِي الأَْظْهَرِ، لأَِنَّهُمَا حُجَّةٌ بِالإِِْجْمَاعِ. وَفِي الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ خِلَافٌ. وَالْقَوْل الثَّانِي: يَتَعَادَلَانِ؛ لأَِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حُجَّةٌ كَافِيَةٌ.
وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لأَِحَدِهِمَا بِمِلْكٍ مِنْ سَنَةٍ، وَبَيِّنَةٌ لِلآْخَرِ بِمِلْكٍ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ إِِلَى الآْنَ كَسَنَتَيْنِ، وَالْعَيْنُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، فَالأَْظْهَرُ تَرْجِيحُ الأَْكْثَرِ؛ لأَِنَّ الأُْخْرَى لَا تُعَارِضُهَا فِيهِ. وَالرَّأْيُ الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لَا تَرْجِيحَ بِهِ؛ لأَِنَّ مَنَاطَ الشَّهَادَةِ الْمِلْكُ فِي الْحَال، وَقَدِ اسْتَوَيَا فِيهِ، وَلِصَاحِبِ بَيِّنَةِ الأَْكْثَرِ - عَلَى الْقَوْل بِتَرْجِيحِهَا - الأُْجْرَةُ، وَالزِّيَادَةُ الْحَادِثَةُ مِنْ يَوْمِ الْحُكْمِ. وَعَلَى الْقَوْل الثَّانِي: تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا، أَوْ يُقْرَعُ، أَوْ يُوقَفُ حَتَّى يُبَيِّنَ أَوْ يَصْطَلِحَا حَسَبَ الأَْقْوَال الثَّلَاثَةِ.
وَلَوْ أُطْلِقَتْ بَيِّنَةٌ، وَأُرِّخَتْ بَيِّنَةٌ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ بِيَدِهِمَا أَوْ بِيَدِ غَيْرِهِمَا، أَوْ لَا بِيَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
وَقِيل - كَمَا فِي أَصْل الرَّوْضَةِ - تُقَدَّمُ الْبَيِّنَةُ الْمُؤَرِّخَةُ؛ لأَِنَّهَا تَقْتَضِي الْمِلْكَ قَبْل الْحَال، بِخِلَافِ الْمُطْلَقَةِ. وَلَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا
بِالْحَقِّ، وَبَيِّنَةُ الآْخَرِ بِالإِِْبْرَاءِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الإِِْبْرَاءِ. هَذَا وَمَحَل الاِسْتِوَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَلْيُوبِيُّ - مَا لَمْ يُوجَدْ مُرَجِّحٌ. فَإِِنْ وُجِدَ الْمُرَجِّحُ كَكَوْنِهِ بِيَدِ أَحَدِهِمَا، أَوْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ غَيْرَ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ، أَوْ أُسْنِدَتْ بَيِّنَتُهُ لِسَبَبٍ: كَأَنْ شَهِدَتْ بِأَنَّهُ نَتَجَ فِي مِلْكِهِ، أَوْ ثَمَرَ فِيهِ، أَوْ حُمِل فِيهِ، أَوْ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَتُهُ (1) .
10 -
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ مَنِ ادَّعَى شَيْئًا بِيَدِ غَيْرِهِ فَأَنْكَرَهُ، وَلِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، فَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَا إِِذَا تَعَارَضَتَا: فَالْمَشْهُورُ عَنْهُ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي، وَلَا يُلْتَفَتُ إِِلَى بَيِّنَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِحَالٍ، وَهَذَا قَوْل إِسْحَاقَ، لأَِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (2) فَأُمِرْنَا بِسَمَاعِ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي وَيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَسَوَاءٌ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهَا لَهُ، أَوْ قَالَتْ: وُلِدَتْ فِي مِلْكِهِ عَلَيْهِ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ: إِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الدَّاخِل (أَيْ صَاحِبِ الْيَدِ وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) بِسَبَبِ الْمِلْكِ، وَقَالَتْ مَثَلاً: إِنَّ الدَّابَّةَ الْمُتَنَازَعَ عَلَيْهَا نَتَجَتْ فِي مِلْكِهِ أَوِ اشْتَرَاهَا، أَوْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ أَقْدَمَ تَارِيخًا قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ، وَإِِلَاّ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي، لأَِنَّ (بَيِّنَةَ الدَّاخِل) أَفَادَتْ بِذِكْرِ السَّبَبِ مَا لَا تُفِيدُهُ
(1) منهاج الطالبين والقليوبي وعميرة 4 / 343 - 345.
(2)
حديث: " البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه " أخرجه الترمذي (3 / 617 ط مصطفى البابي) . والبيهقي (10 / 252 ط دار المعرفة) . وصحح إسناده البغوي في شرح السنة (10 / 101 ط المكتب الإسلامي) .
الْيَدُ. وَاسْتُدِل لِتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الدَّاخِل: بِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اخْتَصَمَ إِلَيْهِ رَجُلَانِ فِي دَابَّةٍ أَوْ بَعِيرٍ، فَأَقَامَ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ بِأَنَّهَا لَهُ نَتْجُهَا، فَقَضَى بِهَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ (1) .
وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً ثَالِثَةً: أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تُقَدَّمُ بِكُل حَالٍ، وَهُوَ قَوْل شُرَيْحٍ وَأَهْل الشَّامِ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَكَمِ وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَقَال: هُوَ قَوْل أَهْل الْمَدِينَةِ، وَرُوِيَ عَنْ طَاوُسٍ.
وَأَنْكَرَ الْقَاضِي كَوْنَ هَذَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، وَقَال: لَا تُقْبَل بَيِّنَةُ الدَّاخِل إِِذَا لَمْ تُفِدْ إِلَاّ مَا أَفَادَتْهُ يَدُهُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِِلَى هَذَا الْقَوْل بِأَنَّ جِهَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقْوَى؛ لأَِنَّ الأَْصْل مَعَهُ، وَيَمِينُهُ تُقَدَّمُ عَلَى يَمِينِ الْمُدَّعِي. فَإِِذَا تَعَارَضَتِ الْبَيِّنَتَانِ: وَجَبَ إِبْقَاءُ يَدِهِ عَلَى مَا فِيهَا، وَتَقْدِيمُهُ، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَحَدِيثُ جَابِرٍ يَدُل عَلَى هَذَا، فَإِِنَّهُ إِنَّمَا قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ لِيَدِهِ.
11 -
وَاسْتَدَل لِتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي بِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (2) فَجَعَل جِنْسَ الْبَيِّنَةِ فِي جِهَةِ الْمُدَّعِي، فَلَا يَبْقَى فِي جِهَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ.
وَلأَِنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي أَكْثَرُ فَائِدَةً فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا
(1) حديث جابر بن عبد الله: " فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . " أخرجه البيهقي (10 / 256 ط دار المعارف) . وضعفه ابن التركماني في الجوهر النقي (10 / 256 ط دار المعارف) .
(2)
تقدم تخريجه (ف 10) .