الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإِِْنْسَانُ بِجَعْل ثَوَابِ عَمَلِهِ مِنْ صَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَحَجٍّ وَصَدَقَةٍ وَعِتْقٍ وَطَوَافٍ وَعُمْرَةٍ وَقِرَاءَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ، مِنْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ. بِدَلِيل أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، أَحَدُهُمَا عَنْهُ، وَالآْخَرُ عَنْ أُمَّتِهِ. (1) وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَال لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، لَمَّا سَأَلَهُ عَنْ أَبِيهِ: لَوْ كَانَ مُسْلِمًا فَأَعْتَقْتُمْ عَنْهُ أَوْ تَصَدَّقْتُمْ عَنْهُ أَوْ حَجَجْتُمْ عَنْهُ بَلَغَهُ ذَلِكَ. (2)
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَهَذَا عَامٌّ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ وَغَيْرِهِ؛ وَلأَِنَّهُ عَمَل بِرٍّ وَطَاعَةٍ فَوَصَل نَفْعُهُ وَثَوَابُهُ كَالصَّدَقَةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ الْوَاجِبِ. عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَال: يَا رَسُول اللَّهِ، إِنَّا نَتَصَدَّقُ عَنْ مَوْتَانَا، وَنَحُجُّ عَنْهُمْ، وَنَدْعُو لَهُمْ، فَهَل يَصِل ذَلِكَ لَهُمْ؟ قَال: نَعَمْ، إِنَّهُ لَيَصِل إِلَيْهِمْ، وَإِِنَّهُمْ لَيَفْرَحُونَ بِهِ كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالطَّبَقِ إِِذَا أُهْدِيَ إِلَيْهِ (3) وَقَال صلى الله عليه وسلم: إِنَّ مِنَ الْبِرِّ بَعْدَ الْمَوْتِ أَنْ
(1) حديث: " ضحى بكبشين أملحين: أحدهما عنه، والآخر عن أمته " أخرجه البيهقي (9 / 267 - ط دائرة المعارف العثمانية) وأبو يعلى كما في مجمع الزوائد (4 / 22 - ط القدسي) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وقال الهيثمي: إسناده حسن.
(2)
حديث: " لو كان مسلما فأعتقتم عنه أو تصدقتم عنه أو حججتم عنه بلغه ذلك " أخرجه أبو داود (3 / 302 - تحقيق عزت عبيد دعاس) .
(3)
حديث: " إنه ليصل إليهم، وإنهم ليفرحون به كما يفرح أحدكم بالطبق إذا أهدى إليه ". رواه أبو حفص العكبري كما ورد في ابن عابدين 2 / 237.
تُصَلِّيَ لأَِبَوَيْكَ مَعَ صَلَاتِكَ، وَأَنْ تَصُومَ لَهُمَا مَعَ صَوْمِكَ (1)
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ يَجُوزُ فِيمَا عَدَا الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ (2) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي: (نِيَابَةٌ - وَكَالَةٌ - نَفْلٌ - صَدَقَةٌ - صَلَاةٌ - وَصَوْمٌ) .
د -
الأُْجْرَةُ عَلَى التَّطَوُّعِ:
28 -
الأَْصْل أَنَّ كُل طَاعَةٍ يَخْتَصُّ بِهَا الْمُسْلِمُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الأُْجْرَةِ عَلَيْهَا، كَالإِِْمَامَةِ وَالأَْذَانِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ. لِمَا رَوَى عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ قَال: إِنَّ آخِرَ مَا عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنِ اتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا (3)
(1) حديث: " إن من البر بعد الموت أن تصلي لأبويك مع صلاتك، وأن تصوم لهما مع صومك ". رواه الدارقطني كما ورد في ابن عابدين 2 / 237.
(2)
البدائع 2 / 13، 41، 103، وابن عابدين 1 / 493، 606، 2 / 118، 237 - 241، والهداية 1 / 127 و 3 / 138، ومنح الجليل 1 / 306، 442، 449، 3 / 352، وجواهر الإكليل 2 / 125، والفروق للقرافي 3 / 191، والشرح الصغير 1 / 264، 2 / 182، ومغني المحتاج 3 / 67، ونهاية المحتاج 6 / 92 و 8 / 136، وقليوبي 2 / 338، والمنثور 3 / 312، والمهذب 1 / 355، والمغني 2 / 567، 568، 5 / 89، وشرح منتهى الإرادات 1 / 121، 362، 2 / 6.
(3)
حديث: " اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا " أخرجه أبو داود (1 / 363 ط. عبيد دعاس) والترمذي (1 / 410 - مصطفى البابي) . وقال: حديث عثمان حديث حسن صحيح.
وَلأَِنَّ الْقُرْبَةَ مَتَى حَصَلَتْ وَقَعَتْ عَنِ الْعَامِل، وَلِهَذَا تُعْتَبَرُ أَهْلِيَّتُهُ، فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الأَْجْرِ عَنْ غَيْرِهِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ.
هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (1) .
وَيَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ. جَاءَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: تُكْرَهُ إِجَارَةُ الإِِْنْسَانِ نَفْسَهُ فِي عَمَلٍ لِلَّهِ تَعَالَى، حَجًّا أَوْ غَيْرَهُ، كَقِرَاءَةٍ وَإِِمَامَةٍ وَتَعْلِيمِ عِلْمٍ، وَصِحَّتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ. كَمَا تُكْرَهُ الإِِْجَارَةُ عَلَى الأَْذَانِ، قَال مَالِكٌ: لأََنْ يُؤَاجِرَ الرَّجُل نَفْسَهُ فِي عَمَل اللَّبِنِ وَقَطْعِ الْحَطَبِ وَسَوْقِ الإِِْبِل أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَعْمَل عَمَلاً لِلَّهِ بِأُجْرَةٍ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ، كَمَا فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: لَا تَصِحُّ إِجَارَةُ مُسْلِمٍ لِجِهَادٍ وَلَا لِعِبَادَةٍ يَجِبُ لَهَا نِيَّةٌ، وَأَلْحَقُوا بِذَلِكَ الإِِْمَامَةَ وَلَوْ لِنَفْلٍ؛ لأَِنَّهُ حَصَل لِنَفْسِهِ. أَمَّا مَا لَا تَجِبُ لَهُ نِيَّةٌ كَالأَْذَانِ فَيَصِحُّ الاِسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، وَاسْتُثْنِيَ مِمَّا فِيهِ نِيَّةٌ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، فَيَجُوزُ الاِسْتِئْجَارُ لَهُمَا أَوْ لأَِحَدِهِمَا عَنْ عَاجِزٍ أَوْ مَيِّتٍ، وَتَقَعُ صَلَاةُ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ تَبَعًا لَهُمَا، وَتَجُوزُ الإِِْجَارَةُ عَنْ تَفْرِقَةِ زَكَاةٍ وَكَفَّارَةٍ وَأُضْحِيَّةٍ وَهَدْيٍ وَذَبْحٍ وَصَوْمٍ عَنْ مَيِّتٍ وَسَائِرِ مَا يَقْبَل النِّيَابَةَ وَإِِنْ تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ، لِمَا فِيهَا مِنْ شَائِبَةِ الْمَال. وَتَصِحُّ الإِِْجَارَةُ لِكُل مَا لَا تَجِبُ لَهُ
(1) البدائع 4 / 192، والهداية 3 / 240، والمغني 3 / 231 و 5 / 555 - 559، والاختيارات الفقهية ص 55.
نِيَّةٌ. وَتَصِحُّ لِتَجْهِيزِ مَيِّتٍ وَدَفْنِهِ وَتَعْلِيمِ قُرْآنٍ وَلِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْقَبْرِ أَوْ مَعَ الدُّعَاءِ (1) .
وَفِي الاِخْتِيَارَاتِ الْفِقْهِيَّةِ لاِبْنِ تَيْمِيَّةَ: لَا يَجُوزُ لِلإِِْنْسَانِ أَنْ يَقْبَل هَدِيَّةً مِنْ شَخْصٍ لِيَشْفَعَ لَهُ عِنْدَ ذِي أَمْرٍ، أَوْ أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُ مَظْلَمَةً، أَوْ يُوصِل إِلَيْهِ حَقَّهُ أَوْ يُوَلِّيَهُ وِلَايَةً يَسْتَحِقُّهَا، أَوْ يَسْتَخْدِمُهُ فِي الْجُنْدِ الْمُقَاتِلَةِ وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِذَلِكَ، وَإِِذَا امْتَنَعَتِ الْهَدِيَّةُ امْتَنَعَتِ الأُْجْرَةُ مِنْ بَابٍ أَوْلَى.
وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ: أَنَّ مَنْ أَخَذَ أَجْرًا عَلَى عَمَل تَطَوُّعٍ - مِمَّا يَجُوزُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ - فَإِِنَّهُ يُعْتَبَرُ أَجِيرًا، وَلَيْسَ مُتَطَوِّعًا بِالْقُرُبَاتِ؛ لأَِنَّ الْقُرَبَ وَالطَّاعَاتِ إِِذَا وَقَعَتْ بِأُجْرَةٍ لَمْ تَكُنْ قُرْبَةً وَلَا عِبَادَةً؛ لأَِنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّشْرِيكُ فِي الْعِبَادَةِ، لَكِنْ إِِذَا كَانَ الرِّزْقُ مِنْ بَيْتِ الْمَال أَوْ مِنْ وَقْفٍ فَإِِنَّهُ يُعْتَبَرُ نَفَقَةً فِي الْمَعْنَى، وَلَا يُعْتَبَرُ أَجْرًا.
جَاءَ فِي الاِخْتِيَارَاتِ الْفِقْهِيَّةِ: الأَْعْمَال الَّتِي يَخْتَصُّ فَاعِلُهَا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْل الْقُرْبَةِ، هَل يَجُوزُ إِيقَاعُهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْقُرْبَةِ؟ فَمَنْ قَال: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، لَمْ يُجِزِ الإِِْجَارَةَ عَلَيْهَا، لأَِنَّهَا بِالْعِوَضِ تَقَعُ غَيْرَ قُرْبَةٍ وَإِِنَّمَا الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَقْبَل مِنَ الْعَمَل إِلَاّ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ، وَمَنْ جَوَّزَ الإِِْجَارَةَ جَوَّزَ إِيقَاعَهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْقُرْبَةِ، وَقَال: تَجُوزُ الإِِْجَارَةُ عَلَيْهَا لَا فِيهَا
(1) الشرح الصغير 1 / 264 ط الحلبي، ونهاية المحتاج 5 / 287، 288، 6 / 91.