الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْجُرْحِ عَلَى بَيِّنَةِ التَّعْدِيل.
وَدَلِيل كَثْرَةِ فَائِدَتِهَا: أَنَّهَا تُثْبِتُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ. وَبَيِّنَةُ الْمُنْكِرِ إِنَّمَا تُثْبِتُ ظَاهِرًا تَدُل الْيَدُ عَلَيْهِ، فَلَمْ تَكُنْ مُفِيدَةً؛ وَلأَِنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمِلْكِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنِدُهَا رُؤْيَةَ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفَ، فَإِِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ، فَصَارَتِ الْبَيِّنَةُ بِمَنْزِل الْيَدِ الْمُجَرَّدَةِ، فَتُقَدَّمُ عَلَيْهَا بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي، كَمَا تٌقَدَّمُ عَلَى الْيَدِ، كَمَا أَنَّ شَاهِدَيِ الْفَرْعِ لَمَّا كَانَا مَبْنِيَّيْنِ عَلَى شَاهِدَيِ الأَْصْل، لَمْ تَكُنْ لَهُمَا مَزِيَّةٌ عَلَيْهِمَا.
وَإِِذَا كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ شَاةٌ، فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهَا لَهُ مُنْذُ سَنَةٍ، وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً. وَادَّعَى الَّذِي هِيَ فِي يَدِهِ أَنَّهَا فِي يَدِهِ مُنْذُ سِنِينَ، وَأَقَامَ لِذَلِكَ بَيِّنَةً، فَهِيَ لِلْمُدَّعِي بِغَيْرِ خِلَافٍ، لأَِنَّ بَيِّنَتَهُ تَشْهَدُ لَهُ بِالْمِلْكِ، وَبَيِّنَةُ الدَّاخِل تَشْهَدُ لَهُ بِالْيَدِ خَاصَّةً، فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا، لإِِِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِأَنْ تَكُونَ الْيَدُ عَلَى غَيْرِ مِلْكٍ، فَكَانَتْ بَيِّنَةُ الْمِلْكِ أَوْلَى. فَإِِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ مُنْذُ سَنَتَيْنِ، فَقَدْ تَعَارَضَ تَرْجِيحَانِ: فَقُدِّمَ التَّارِيخُ مِنْ جِهَةِ بَيِّنَةِ الدَّاخِل، وَكَوْنُ الأُْخْرَى بَيِّنَةَ الْخَارِجِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ، وَهُوَ قَوْل صَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي ثَوْرٍ. وَالثَّانِيَةُ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِل، وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لأَِنَّهَا تَضَمَّنَتْ زِيَادَةً (1) .
(1) المغني 9 / 275 - 281.
تَعَارُضُ الأَْدِلَّةِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى:
12 -
الْمُقَرَّرُ شَرْعًا: أَنَّ الْحُدُودَ الَّتِي هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ، فَإِِذَا أُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ تَامَّةٌ عَلَى فِعْلٍ كَالزِّنَى مَثَلاً، وَعَارَضَتْهَا بَيِّنَةٌ وَلَوْ أَقَل مِنْهَا بِعَدَمِ الْفِعْل قُدِّمَتْ، وَذَلِكَ اسْتِنَادًا إِِلَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ (1) بَل قَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَادَّعَى شُبْهَةً مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ، سَقَطَ الْحَدُّ (2) .
وَلِلْمَالِكِيَّةِ تَفْصِيلٌ، قَالُوا: إِِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ زَنَى عَاقِلاً، وَشَهِدَتِ الأُْخْرَى بِأَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا: إِنْ كَانَ الْقِيَامُ عَلَيْهِ (أَيِ الاِدِّعَاءِ) وَهُوَ عَاقِلٌ، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْعَقْل. وَإِِنْ كَانَ الْقِيَامُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَجْنُونٌ، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْجُنُونِ، فَاعْتَبَرُوا شَهَادَةَ الْحَال فِي التَّرْجِيحِ.
وَقَال ابْنُ اللَّبَّادِ: يُعْتَبَرُ وَقْتُ الرُّؤْيَةِ لَا وَقْتُ الْقِيَامِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ ظَاهِرُ الْحَال. وَنُقِل عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ: إِثْبَاتُ الزِّيَادَةِ، فَإِِذَا شَهِدَتْ
إِحْدَاهُمَا: بِالْقَتْل أَوِ السَّرِقَةِ أَوِ الزِّنَى، وَشَهِدَتِ الأُْخْرَى: أَنَّهُ كَانَ فِي مَكَان بَعِيدٍ أَنَّهُ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ
(1) حديث: " ادرءوا الحدود بالشبهات ما استطعتم " أخرجه أبو حنيفة في مسنده (149 ط الأصيل) . قال السخاوي - وعزاه إلى مسند أبي حنيفة وابن عدي - وقال: قال شيخنا: وفي سنده من لا يعرف. (المقاصد الحسنة رقم 46 ط دار الكتب العلمية) .
(2)
ابن عابدين 5 / 150، وحاشية الشبراملسي على المنهاج 7 / 431، والمغني 8 / 807.