الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
د -
التَّعَاوُنُ بَيْنَ النَّاسِ وَتَوْثِيقُ الرَّوَابِطِ بَيْنَهُمْ وَاسْتِجْلَابُ مَحَبَّتِهِمُ:
7 -
التَّطَوُّعُ بِأَنْوَاعِ الْبِرِّ وَالْمَعْرُوفِ يَنْشُرُ التَّعَاوُنَ بَيْنَ النَّاسِ، وَلِذَلِكَ دَعَا اللَّهُ إِلَيْهِ فِي قَوْلِهِ:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (1)، وَيَقُول النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ (2) وَفِي فَتْحِ الْبَارِي عِنْدَ قَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا. (3) يَقُول ابْنُ حَجَرٍ: فِي الْحَدِيثِ الْحَضُّ عَلَى الْخَيْرِ بِالْفِعْل، وَبِالتَّسَبُّبِ إِلَيْهِ بِكُل وَجْهٍ، وَالشَّفَاعَةِ إِِلَى الْكَبِيرِ فِي كَشْفِ كُرْبَةٍ وَمَعُونَةِ ضَعِيفٍ، إِذْ لَيْسَ كُل أَحَدٍ يَقْدِرُ عَلَى الْوُصُول إِِلَى الرَّئِيسِ (4) .
كَذَلِكَ يَقُول النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: تَهَادَوْا تَحَابُّوا (5)
أَفْضَل التَّطَوُّعِ:
8 -
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَفْضَل التَّطَوُّعِ، فَقِيل:
(1) سورة المائدة / 2.
(2)
حديث: " والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه " أخرجه مسلم (4 / 2074 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
حديث: " اشفعوا تؤجروا " أخرجه البخاري (الفتح 3 / 299 - ط السلفية) . من حديث أبي موسى الأشعري.
(4)
فتح الباري 10 / 451 ط مكتبة الرياض الحديثة.
(5)
حديث: " تهادوا تحابوا " أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص 155 - ط السلفية) وحسنه ابن حجر في التلخيص (3 / 70 - ط شركة الطباعة الفنية) .
أَفْضَل عِبَادَاتِ الْبَدَنِ الصَّلَاةُ. فَفَرْضُهَا أَفْضَل مِنْ فَرْضِ غَيْرِهَا، وَتَطَوُّعُهَا أَفْضَل مِنْ تَطَوُّعِ غَيْرِهَا؛ لأَِنَّهَا أَعْظَمُ الْقُرُبَاتِ، لِجَمْعِهَا أَنْوَاعًا مِنَ الْعِبَادَاتِ لَا تُجْمَعُ فِي غَيْرِهَا. قَال بِهَذَا الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَلَهُمْ قَوْلٌ آخَرُ بِتَفْضِيل الصِّيَامِ.
قَال صَاحِبُ الْمَجْمُوعِ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ: الصَّلَاةُ أَفْضَل مِنَ الصَّوْمِ: أَنَّ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ أَفْضَل مِنْ صِيَامِ أَيَّامٍ أَوْ يَوْمٍ، فَإِِنَّ الصَّوْمَ أَفْضَل مِنْ رَكْعَتَيْنِ بِلَا شَكٍّ، وَإِِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الاِسْتِكْثَارِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْ أَحَدِهِمَا، أَوْ يَكُونُ غَالِبًا عَلَيْهِ، مَنْسُوبًا إِِلَى الإِِْكْثَارِ مِنْهُ، وَيَقْتَصِرُ مِنَ الآْخَرِ عَلَى الْمُتَأَكِّدِ مِنْهُ، فَهَذَا مَحَل الْخِلَافِ وَالتَّفْصِيل. وَالصَّحِيحُ تَفْضِيل الصَّلَاةِ (1) .
وَيَقُول الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ أَفْضَل تَطَوُّعَاتِ الْبَدَنِ الْجِهَادُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَضَّل اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} (2) ثُمَّ النَّفَقَةُ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثَل الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيل اللَّهِ كَمَثَل حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِل} (3) الآْيَةَ، ثُمَّ تَعَلُّمُ الْعِلْمِ
(1) الشرح الصغير 1 / 145 ط الحلبي، والمهذب 1 / 89، والمجموع شرح المهذب 3 / 456، 457، 459.
(2)
سورة النساء / 95.
(3)
سورة البقرة / 261.
وَتَعْلِيمُهُ، لِحَدِيثِ: فَضْل الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ (1) .
ثُمَّ الصَّلَاةُ أَفْضَل بَعْدَ ذَلِكَ، لِلإِِْخْبَارِ بِأَنَّهَا أَحَبُّ الأَْعْمَال إِِلَى اللَّهِ، وَمُدَاوَمَتُهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَفْلِهَا. وَنَصَّ الإِِْمَامُ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ لِغَرِيبٍ أَفْضَل مِنْهَا، أَيْ مِنَ الصَّلَاةِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؛ لأَِنَّهُ خَاصٌّ بِهِ يَفُوتُ بِمُفَارَقَتِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ، فَالاِشْتِغَال بِمَفْضُولٍ يَخْتَصُّ بُقْعَةً أَوْ زَمَنًا أَفْضَل مِنْ فَاضِلٍ لَا يَخْتَصُّ، وَاخْتَارَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ فِي الإِِْحْيَاءِ: أَنَّ أَفْضَل الطَّاعَاتِ عَلَى قَدْرِ الْمَصَالِحِ النَّاشِئَةِ عَنْهَا (2) .
9 -
وَيَتَفَاوَتُ مَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ فِي الْفَضْل، فَصَدَقَةٌ عَلَى قَرِيبٍ مُحْتَاجٍ أَفْضَل مِنْ عِتْقِ أَجْنَبِيٍّ؛ لأَِنَّهَا صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَفِي الْمَنْثُورِ فِي الْقَوَاعِدِ لِلزَّرْكَشِيِّ: لَوْ مَلَكَ عَقَارًا، وَأَرَادَ الْخُرُوجَ عَنْهُ، فَهَل الأَْوْلَى الصَّدَقَةُ بِهِ حَالاً، أَمْ وَقْفُهُ؟ قَال ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: إِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ شِدَّةٍ وَحَاجَةٍ فَتَعْجِيل الصَّدَقَةِ أَفْضَل، وَإِِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَفِيهِ وَقْفَةٌ، وَلَعَل الْوَقْفَ أَوْلَى، لِكَثْرَةِ جَدْوَاهُ. وَأَطْلَقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ
(1) حديث: " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم " أخرجه الترمذي (5 / 50 - ط الحلبي) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه واستغربه.
(2)
شرح منتهى الإرادات 1 / 222، 223، وكشاف القناع 1 / 411، 412، والأشباه والنظائر للسيوطي ص 160.
تَقْدِيمَ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ بِهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ حَظِّ النَّفْسِ فِي الْحَال بِخِلَافِ الْوَقْفِ.
وَفِي الْمَنْثُورِ أَيْضًا: مَرَاتِبُ الْقُرْبِ تَتَفَاوَتُ، فَالْقُرْبَةُ فِي الْهِبَةِ أَتَمُّ مِنْهَا فِي الْقَرْضِ، وَفِي الْوَقْفِ أَتَمُّ مِنْهَا فِي الْهِبَةِ، لأَِنَّ نَفْعَهُ دَائِمٌ يَتَكَرَّرُ، وَالصَّدَقَةُ أَتَمُّ مِنَ الْكُل؛ لأَِنَّ قَطْعَ حَظِّهِ مِنَ الْمُتَصَدَّقِ بِهِ فِي الْحَال (1) .
وَقِيل: إِنَّ الْقَرْضَ أَفْضَل مِنَ الصَّدَقَةِ (2) .
لأَِنَّ رَسُول اللَّهِ رَأَى لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ مَكْتُوبًا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ: دِرْهَمُ الْقَرْضِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَدِرْهَمُ الصَّدَقَةِ بِعَشْرٍ، فَسَأَل جِبْرِيل: مَا بَال الْقَرْضِ أَفْضَل مِنَ الصَّدَقَةِ: فَقَال: لأَِنَّ السَّائِل يَسْأَل وَعِنْدَهُ، وَالْمُقْتَرِضُ لَا يَقْتَرِضُ إِلَاّ مِنْ حَاجَةٍ. (3)
وَتَكَسُّبُ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْكِفَايَةِ - لِمُوَاسَاةِ الْفَقِيرِ أَوْ مُجَازَاةِ الْقَرِيبِ - أَفْضَل مِنَ التَّخَلِّي لِنَفْل الْعِبَادَةِ؛ لأَِنَّ مَنْفَعَةَ النَّفْل تَخُصُّهُ، وَمَنْفَعَةُ الْكَسْبِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ (4)، فَقَدْ قَال عليه الصلاة والسلام: خَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ (5) وَعَنْ
(1) المنثور 1 / 345، 3 / 62.
(2)
منح الجليل 3 / 46، والمهذب 1 / 309.
(3)
حديث: " رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة. . . " أخرجه ابن ماجه (2 / 812 - ط الحلبي) وقال البوصيري: في إسناده خالد بن يزيد ضعفه أحمد وابن معين وغيرهم.
(4)
الاختيار 4 / 172.
(5)
حديث: " خير الناس أنفعهم للناس " أخرجه القضاعي في مسند الشهاب (2 / 223 - ط الرسالة) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وهو حسن لطرقه.