الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَيْتُ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ:
42 -
ثَبَتَ هَذَا بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ قَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ. وَفِي غَيْرِ الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ وَمَيْمُونَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي طَلْحَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَغَيْرِهِمْ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ.
قَال النَّوَوِيُّ: قَال الْعُلَمَاءُ: سَبَبُ امْتِنَاعِهِمْ مِنْ دُخُول بَيْتٍ فِيهِ صُورَةٌ كَوْنُهَا مَعْصِيَةً فَاحِشَةً، وَفِيهَا مُضَاهَاةٌ لِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَبَعْضُهَا فِي صُورَةِ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَعُوقِبَ مُتَّخِذُهَا بِحِرْمَانِهِ دُخُول الْمَلَائِكَةِ بَيْتَهُ، وَصَلَاتَهَا فِيهِ، وَاسْتِغْفَارَهَا لَهُ، وَتَبْرِيكَهَا عَلَيْهِ وَفِي بَيْتِهِ، وَدَفْعَهَا أَذَى الشَّيْطَانِ.
وَقَال الْقُرْطُبِيُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ: إِنَّمَا لَمْ تَدْخُل لأَِنَّ مُتَّخِذَ الصُّوَرِ قَدْ تَشَبَّهَ بِالْكُفَّارِ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الصُّوَرَ فِي بُيُوتِهِمْ وَيُعَظِّمُونَهَا، فَكَرِهَتِ الْمَلَائِكَةُ ذَلِكَ. قَال النَّوَوِيُّ: وَهَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ هُمْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ. وَأَمَّا الْحَفَظَةُ فَيَدْخُلُونَ كُل بَيْتٍ، وَلَا يُفَارِقُونَ بَنِي آدَمَ فِي حَالٍ؛ لأَِنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِإِِحْصَاءِ أَعْمَالِهِمْ وَكِتَابَتِهَا. ثُمَّ قَال النَّوَوِيُّ: وَهُوَ عَامٌّ فِي كُل صُورَةٍ حَتَّى مَا يُمْتَهَنُ. وَنَقَل الطَّحْطَاوِيُّ عَنْهُ: أَنَّهَا تَمْتَنِعُ مِنَ الدُّخُول حَتَّى مِنَ الصُّوَرِ الَّتِي عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ.
وَفِي قَوْل النَّوَوِيِّ هَذَا مُبَالَغَةٌ وَتَشَدُّدٌ ظَاهِرٌ، فَإِِنَّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّهَا هَتَكَتِ السِّتْرَ وَجَعَلَتْ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ، فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَّكِئُ عَلَيْهِمَا وَفِيهِمَا الصُّوَرُ. وَكَانَ لَا يَتَحَرَّجُ مِنْ إِبْقَاءِ الدَّنَانِيرِ أَوِ الدَّرَاهِمِ فِي بَيْتِهِ وَفِيهَا الصُّوَرُ. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يَمْنَعُ دُخُول الْمَلَائِكَةِ بَيْتَهُ مَا أَبْقَاهَا فِيهِ. وَلِذَا قَال ابْنُ حَجَرٍ: يَتَرَجَّحُ قَوْل مَنْ قَال: إِنَّ الصُّورَةَ الَّتِي تَمْتَنِعُ الْمَلَائِكَةُ مِنْ دُخُول الْمَكَانِ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ هِيَ الَّتِي تَكُونُ عَلَى هَيْئَتِهَا مُرْتَفِعَةً غَيْرَ مُمْتَهَنَةٍ، فَأَمَّا لَوْ كَانَتْ مُمْتَهَنَةً، أَوْ غَيْرَ مُمْتَهَنَةٍ لَكِنَّهَا غُيِّرَتْ هَيْئَتُهَا بِقَطْعِهَا مِنْ نِصْفِهَا أَوْ بِقَطْعِ رَأْسِهَا، فَلَا امْتِنَاعَ. (1)
وَفِي كَلَامِ ابْنِ عَابِدِينَ مَا يَدُل عَلَى أَنَّ ظَاهِرَ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ كُل صُورَةٍ لَا يُكْرَهُ إِبْقَاؤُهَا فِي الْبَيْتِ، لَا تَمْنَعُ دُخُول الْمَلَائِكَةِ، سَوَاءٌ الصُّوَرُ الْمَقْطُوعَةُ أَوِ الصُّوَرُ الصَّغِيرَةُ أَوِ الصُّوَرُ الْمُهَانَةُ، أَوِ الْمُغَطَّاةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَلأَِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الأَْنْوَاعِ تَشَبُّهٌ بِعُبَّادِهَا؛ لأَِنَّهُمْ لَا يَعْبُدُونَ الصُّوَرَ الصَّغِيرَةَ أَوِ الْمُهَانَةَ، بَل يَنْصِبُونَهَا صُورَةً كَبِيرَةً، وَيَتَوَجَّهُونَ إِلَيْهَا. (2)
وَقَال ابْنُ حِبَّانَ: إِنَّ عَدَمَ دُخُول الْمَلَائِكَةِ بَيْتًا فِيهِ صُوَرٌ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَال: وَهُوَ نَظِيرُ
(1) شرح النووي لصحيح مسلم 11 / 84، وفتح الباري 10 / 391، 392.
(2)
ابن عابدين 1 / 437.