الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِنْ ذَلِكَ: قَوْل الْعَالِمِ: قَال فُلَانٌ كَذَا مُرِيدًا التَّشْنِيعَ عَلَيْهِ. أَوْ قَوْل الإِِْنْسَانِ: فَعَل كَذَا بَعْضُ النَّاسِ، أَوْ بَعْضُ مَنْ يَدَّعِي الْعِلْمَ، أَوْ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إِِلَى الصَّلَاحِ وَالزُّهْدِ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ إِِذَا كَانَ الْمُخَاطَبُ يَفْهَمُهُ بِعَيْنِهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَمِنَ الْمُقَرَّرِ شَرْعًا: أَنَّ السَّتْرَ عَلَى الْمُسْلِمِ وَاجِبٌ لِمَنْ لَيْسَ مَعْرُوفًا بِالأَْذَى وَالْفَسَادِ. فَقَدْ قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ عز وجل يَوْمَ الْقِيَامَةِ (1) قَال فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهَذَا السَّتْرُ فِي غَيْرِ الْمُشْتَهِرِينَ. وَقَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِِذَا رَأَيْتَ إِنْسَانًا عَلَى مَعْصِيَةٍ فَعِظْهُ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ. وَلَا تَفْضَحْهُ. (2)
ج - وَيَحْرُمُ كَذَلِكَ تَشْهِيرُ الإِِْنْسَانِ بِنَفْسِهِ؛ إِذْ الْمُسْلِمُ مُطَالَبٌ بِالسَّتْرِ عَلَى نَفْسِهِ. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: كُل أُمَّتِي مُعَافًى إِلَاّ الْمُجَاهِرِينَ، وَإِِنَّ مِنَ الإِِْجْهَارِ أَنْ يَعْمَل الْعَبْدُ بِاللَّيْل عَمَلاً، ثُمَّ يُصْبِحُ وَقَدْ سَتَرَهُ عَلَيْهِ اللَّهُ، فَيَقُول: يَا فُلَانُ، عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا. وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ اللَّهُ عز وجل وَيُصْبِحُ
(1) حديث: " من ستر مسلما ستره الله عز وجل. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 197 ط. السلفية) ، ومسلم (4 / 1996 ط. عيسى الحلبي) .
(2)
الأذكار ص 288 - 290، والآداب الشرعية لابن مفلح 1 / 266، والحطاب 6 / 164، والمواق بهامش الحطاب 6 / 166، والزواجر 2 / 6، والفواكه الدواني 2 / 369.
يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عز وجل عَنْهُ (1) وَالسَّتْرُ وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ إِِذَا أَتَى فَاحِشَةً، لِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ. (2)
5 -
وَيَكُونُ التَّشْهِيرُ جَائِزًا لِمَنْ يُجَاهِرُ بِالْمَعْصِيَةِ فِي الأَْحْوَال الآْتِيَةِ:
أ - بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ يُجَاهِرُ بِالْمَعْصِيَةِ، فَيَجُوزُ ذِكْرُ مَنْ يَتَجَاهَرُ بِفِسْقِهِ؛ لأَِنَّ الْمُجَاهِرَ بِالْفِسْقِ لَا يَسْتَنْكِفُ أَنْ يُذْكَرَ بِهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ هَذَا غِيبَةً فِي حَقِّهِ؛ لأَِنَّ مَنْ أَلْقَى جِلْبَابَ الْحَيَاءِ لَا غِيبَةَ لَهُ.
قَال الْقَرَافِيُّ: الْمُعْلِنُ بِالْفُسُوقِ - كَقَوْل امْرِئِ الْقِيسِ:
فَمِثْلُكِ حُبْلَى قَدْ طَرَقَتْ وَمُرْضِعٌ
، فَإِِنَّهُ يَفْتَخِرُ بِالزِّنَا فِي شِعْرِهِ - فَلَا يَضُرُّ أَنْ يُحْكَى ذَلِكَ عَنْهُ؛ لأَِنَّهُ لَا يَتَأَلَّمُ إِِذَا سَمِعَهُ، بَل قَدْ يُسَرُّ بِتِلْكَ الْمَخَازِي، وَكَثِيرٌ مِنَ اللُّصُوصِ تَفْتَخِرُ بِالسَّرِقَةِ وَالاِقْتِدَارِ عَلَى التَّسَوُّرِ عَلَى الدُّورِ الْعِظَامِ وَالْحُصُونِ الْكِبَارِ، فَذِكْرُ مِثْل هَذَا عَنْ هَذِهِ الطَّوَائِفِ لَا يَحْرُمُ.
(1) حديث: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 486 ط. السلفية) ، ومسلم (4 / 2291 ط. عيسى الحلبي) .
(2)
الآداب الشرعية 1 / 267، والمواق بهامش الحطاب 6 / 166، ومغني المحتاج 4 / 150. وحديث:" من أصاب من هذه القاذورات شيئا. . . " أخرجه مالك في الموطأ (2 / 825 ط. فؤاد عبد الباقي) ، والبيهقي (8 / 330 ط. دار المعرفة) ، والحاكم (4 / 244 ط. دار الكتاب العربي) . وقال حديث صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي.
وَفِي الإِِْكْمَال فِي شَرْحِ حَدِيثِ مُسْلِمٍ: مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ (1) قَال: وَهَذَا السَّتْرُ فِي غَيْرِ الْمُشْتَهِرِينَ. وَقَال الْخَلَاّل: أَخْبَرَنِي حَرْبٌ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُول: إِِذَا كَانَ الرَّجُل مُعْلِنًا بِفِسْقِهِ فَلَيْسَتْ لَهُ غِيبَةٌ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ بَهْجَةِ الْمَجَالِسِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ثَلَاثَةٌ لَا غِيبَةَ فِيهِمْ: الْفَاسِقُ الْمُعْلِنُ بِفِسْقِهِ، وَشَارِبُ الْخَمْرِ، وَالسُّلْطَانُ الْجَائِرُ. (2)
6 -
ب - إِِذَا كَانَ التَّشْهِيرُ عَلَى سَبِيل نَصِيحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَتَحْذِيرِهِمْ، وَذَلِكَ كَجَرْحِ الرُّوَاةِ وَالشُّهُودِ وَالأُْمَنَاءِ عَلَى الصَّدَقَاتِ وَالأَْوْقَافِ وَالأَْيْتَامِ، وَالتَّشْهِيرِ بِالْمُصَنَّفِينَ وَالْمُتَصَدِّينَ لإِِِفْتَاءٍ أَوْ إِقْرَاءٍ مَعَ عَدَمِ أَهْلِيَّةٍ، أَوْ مَعَ نَحْوِ فِسْقٍ أَوْ بِدْعَةٍ يُدْعَوْنَ إِلَيْهَا، وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَحَمَلَةِ الْعِلْمِ الْمُقَلِّدِينَ، هَؤُلَاءِ يَجِبُ تَجْرِيحُهُمْ وَكَشْفُ أَحْوَالِهِمْ
(1) حديث: " من ستر مسلما ستره الله " سبق تخريجه ف / 4.
(2)
الفروق للقرافي 4 / 206، 207، والزواجر 2 / 13، والآداب الشرعية 1 / 276، 277، والفواكه الدواني 2 / 389، 390، والحطاب 6 / 164، والأذكار / 293. وحديث:" ثلاثة لا غيبة لهم. . . " عزاه السيوطي في جمع الجوامع (1 / 491 نسخة مصورة عن دار الكتب المصرية) إلى الديلمي عن الحسن عن أنس رضي الله عنه. وفي فيض القدير (3 / 323 ط. المكتبة التجارية) بلفظ " ثلاثة لا يحرم عليك أعراضهم: المجاهر بالفسق، والإمام الجائر، والمبتدع " وعزاه إلى ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة عن الحسن مرسلا.
السَّيِّئَةِ لِمَنْ عَرَفَهَا مِمَّنْ يُقَلَّدُ فِي ذَلِكَ وَيُلْتَفَتُ إِِلَى قَوْلِهِ، لِئَلَاّ يَغْتَرَّ بِهِمْ وَيُقَلَّدَ فِي دِينِ اللَّهِ مَنْ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ، وَلَيْسَ السَّتْرُ هُنَا بِمُرَغَّبٍ فِيهِ وَلَا مُبَاحٍ. عَلَى هَذَا اجْتَمَعَ رَأْيُ الأُْمَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا. (1)
يَقُول الْقَرَافِيُّ: أَرْبَابُ الْبِدَعِ وَالتَّصَانِيفِ الْمُضِلَّةِ يَنْبَغِي أَنْ يُشَهِّرَ النَّاسُ فَسَادَهَا وَعَيْبَهَا.
وَأَنَّهُمْ عَلَى غَيْرِ الصَّوَابِ، لِيَحْذَرَهَا النَّاسُ الضُّعَفَاءُ فَلَا يَقَعُوا فِيهَا، وَيَنْفِرَ عَنْ تِلْكَ الْمَفَاسِدِ مَا أَمْكَنَ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَعَدَّى فِيهَا الصِّدْقَ، وَلَا يَفْتَرِيَ عَلَى أَهْلِهَا مِنَ الْفُسُوقِ وَالْفَوَاحِشِ مَا لَمْ يَفْعَلُوهُ، بَل يَقْتَصِرُ عَلَى مَا فِيهِمْ مِنَ الْمُنَفِّرَاتِ خَاصَّةً، فَلَا يُقَال فِي الْمُبْتَدِعِ: إِنَّهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ، وَلَا أَنَّهُ يَزْنِي، وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ.
وَيَجُوزُ وَضْعُ الْكُتُبِ فِي جَرْحِ الْمَجْرُوحِينَ مِنْ رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَالأَْخْبَارِ بِذَلِكَ لِطَلَبَةِ الْعِلْمِ الْحَامِلِينَ لِذَلِكَ لِمَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ وَيَنْقُلُهُ، بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ خَالِصَةً لِلَّهِ تَعَالَى فِي نَصِيحَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي ضَبْطِ الشَّرِيعَةِ.
أَمَّا إِِذَا كَانَ لأَِجْل عَدَاوَةٍ أَوْ تَفَكُّهٍ بِالأَْعْرَاضِ وَجَرْيًا مَعَ الْهَوَى فَذَلِكَ حَرَامٌ، وَإِِنْ حَصَلَتْ بِهِ الْمَصْلَحَةُ عِنْدَ الرُّوَاةِ. (2)
(1) الزواجر 2 / 13، والحطاب 6 / 164، والآداب الشرعية 1 / 266.
(2)
الفروق للقرافي 4 / 206، 207.