الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يُثَابُ ثَوَابَ الْفَرْضِ، وَهُوَ غُسْل الْجَنَابَةِ مَا لَمْ يَنْوِهِ، لأَِنَّهُ لَا ثَوَابَ إِلَاّ بِالنِّيَّةِ.
وَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: تَتَأَدَّى تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْفَرْضِ فَيَسْقُطُ طَلَبُ التَّحِيَّةِ بِصَلَاتِهِ، فَإِِنْ نَوَى الْفَرْضَ وَالتَّحِيَّةَ حَصَلَا، وَإِِنْ لَمْ يَنْوِ التَّحِيَّةَ لَمْ يَحْصُل لَهُ ثَوَابُهَا؛ لأَِنَّ الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ.
وَمِثْل ذَلِكَ غُسْل الْجُمُعَةِ وَالْجَنَابَةِ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ مَعَ نِيَّةِ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ.
وَفِي الْقَوَاعِدِ لاِبْنِ رَجَبٍ: لَوْ طَافَ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ طَوَافًا يَنْوِي بِهِ الزِّيَارَةَ وَالْوَدَاعَ، فَقَال الْخِرَقِيُّ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي: يُجْزِئُهُ عَنْهُمَا (1) .
(ثَانِيًا) مَا يَشْمَل الْعِبَادَاتِ وَغَيْرَهَا مِنْ أَحْكَامٍ:
أ -
قَطْعُ التَّطَوُّعِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ:
21 -
إِِذَا كَانَ التَّطَوُّعُ عِبَادَةً كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ: إِِذَا شَرَعَ فِيهِ وَجَبَ إِتْمَامُهُ، وَإِِذَا فَسَدَ وَجَبَ قَضَاؤُهُ؛ لأَِنَّ التَّطَوُّعَ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ مُضِيًّا وَقَضَاءً. وَلأَِنَّ الْمُؤَدَّى عِبَادَةٌ، وَإِِبْطَال الْعِبَادَةِ حَرَامٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (2) ، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ رضي الله عنهما وَقَدْ أَفْطَرَتَا فِي
(1) الأشباه لابن نجيم ص 40، وابن عابدين 1 / 77، والشرح الصغير 1 / 146، والقواعد لابن رجب ص 24.
(2)
سورة محمد / 33.
صَوْمِ التَّطَوُّعِ اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ. (1)
غَيْرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ لَا يُوجِبُونَ الْقَضَاءَ إِلَاّ إِِذَا كَانَ الْفَسَادُ مُتَعَمِّدًا، فَإِِنْ كَانَ لِعُذْرٍ فَلَا قَضَاءَ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: يُسْتَحَبُّ الإِِْتْمَامُ إِِذَا شَرَعَ فِي التَّطَوُّعِ وَلَا يَجِبُ، كَمَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْقَضَاءُ إِِذَا فَسَدَ، إِلَاّ فِي تَطَوُّعِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَيَجِبُ إِتْمَامُهُمَا إِِذَا شَرَعَ فِيهِمَا؛ لأَِنَّ نَفْلَهُمَا كَفَرْضِهِمَا نِيَّةً وَفِدْيَةً وَغَيْرَهُمَا (2) .
وَاسْتَدَل الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الإِِْتْمَامِ بِقَوْل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ، إِنْ شَاءَ صَامَ، وَإِِنْ شَاءَ أَفْطَرَ. (3)
وَتُنْظَرُ التَّفَاصِيل فِي (نَفْلٌ، صَلَاةٌ، صِيَامٌ، حَجٌّ) .
22 -
أَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ التَّطَوُّعَاتِ، فَإِِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيل عُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ الْمَعْرُوفَةِ كَالْهِبَةِ
(1) حديث: " اقضيا يوما مكانه " أخرجه الترمذي (3 / 112 - ط الحلبي) من حديث عائشة رضي الله عنها، وأعله بالانقطاع.
(2)
البدائع 1 / 290، 291، والاختيار 1 / 66، والشرح الصغير 1 / 408، والحطاب 2 / 90، والكافي لابن عبد البر 1 / 350، ومغني المحتاج 1 / 448، 523، والمهذب 1 / 95، والمغني 3 / 153، 365، وشرح منتهى الإرادات 1 / 461.
(3)
حديث: " الصائم المتطوع أمير نفسه: إن شاء صام وإن شاء أفطر " أخرجه الترمذي (3 / 109 - ط الحلبي) والحاكم (1 / 439 - ط دائرة المعارف العثمانية) وأعله ابن التركماني بالاضطراب في سنده ومتنه (الجوهر النقي بهامش البيهقي 4 / 278 ط دائرة المعارف العثمانية) .
وَالْعَارِيَّةِ وَالْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ، وَإِِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ.
فَإِِنْ كَانَ مِنْ عُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ، فَلِكُل عَقْدٍ حُكْمُهُ فِي جَوَازِ الرُّجُوعِ أَوْ عَدَمِ جَوَازِهِ. فَفِي الْوَصِيَّةِ مَثَلاً: يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ الرُّجُوعُ فِيهَا مَا دَامَ الْمُوصِي حَيًّا. وَفِي الْعَارِيَّةِ وَالْقَرْضِ: يَجُوزُ الرُّجُوعُ بِطَلَبِ رَدِّ الشَّيْءِ الْمُسْتَعَارِ وَاسْتِرْدَادِ بَدَل الْقَرْضِ فِي الْحَال بَعْدَ الْقَبْضِ. وَهَذَا عِنْدَ غَيْرِ الْمَالِكِيَّةِ، بَل قَال الْجُمْهُورُ: إِنَّ الْمُقْرِضَ إِِذَا أَجَّل الْقَرْضَ لَا يَلْزَمُهُ التَّأْجِيل؛ لأَِنَّهُ لَوْ لَزِمَ فِيهِ الأَْجَل لَمْ يَبْقَ تَبَرُّعًا.
وَيَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ قَبْل الْقَبْضِ، فَإِِذَا تَمَّ الْقَبْضُ فَلَا رُجُوعَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، إِلَاّ فِيمَا وَهَبَ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: يَجُوزُ الرُّجُوعُ إِنْ كَانَتْ لأَِجْنَبِيٍّ (1) .
وَفِي كُل ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي أَبْوَابِهِ. وَفِي (تَبَرُّعٌ) .
أَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ التَّبَرُّعَاتِ كَالصَّدَقَةِ وَالإِِْنْفَاقِ وَمَا شَابَهُ ذَلِكَ، فَإِِنْ كَانَ قَدْ مَضَى فَلَا رُجُوعَ فِيهِ، مَا دَامَ ذَلِكَ قَدْ تَمَّ بِنِيَّةِ التَّبَرُّعِ.
(1) البدائع 5 / 234 و 6 / 216 و 7 / 378، 396، والهداية 3 / 222 - 231 و 4 / 235، ومنح الجليل 3 / 50، وجواهر الإكليل 2 / 212، ومغني المحتاج 3 / 71، والمهذب 1 / 310، 370، 454، 468، ومنتهى الإرادات 2 / 227، 520، 525، والمغني 4 / 349 و 5 / 229.
يَقُول ابْنُ عَابِدِينَ: لَا رُجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا الثَّوَابُ لَا الْعِوَضُ. وَيَقُول ابْنُ قُدَامَةَ: لَا يَجُوزُ لِلْمُتَصَدِّقِ الرُّجُوعُ فِي صَدَقَتِهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، لأَِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَال فِي حَدِيثِهِ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ فَإِِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا. وَمِثْل ذَلِكَ الإِِْنْفَاقُ إِِذَا كَانَ بِقَصْدِ التَّبَرُّعِ فَلَا رُجُوعَ فِيهِ.
يَقُول ابْنُ عَابِدِينَ: إِِذَا أَنْفَقَ الْوَصِيُّ مِنْ مَال نَفْسِهِ عَلَى الصَّبِيِّ، وَلِلصَّبِيِّ مَالٌ غَائِبٌ، فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي الإِِْنْفَاقِ اسْتِحْسَانًا، إِلَاّ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ قَرْضٌ، أَوْ أَنَّهُ يُرْجَعُ بِهِ عَلَيْهِ. وَيَقُول ابْنُ الْقَيِّمِ: الْمَقَاصِدُ تُغَيِّرُ أَحْكَامَ التَّصَرُّفَاتِ، فَالنِّيَّةُ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي التَّصَرُّفَاتِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَضَى عَنْ غَيْرِهِ دَيْنًا، أَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ نَفَقَةً وَاجِبَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ - يَنْوِي التَّبَرُّعَ وَالْهِبَةَ - لَمْ يَمْلِكِ الرُّجُوعَ بِالْبَدَل، وَإِِنْ لَمْ يَنْوِ فَلَهُ الرُّجُوعُ. عَلَى أَنَّ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلاً وَخِلَافًا بَيْنَ الْمَذَاهِبِ فِي بَعْضِ الْفُرُوعِ، وَمِنْ ذَلِكَ مَثَلاً: أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ يُجِيزُونَ لِلأَْبِ وَلِسَائِرِ الأُْصُول الرُّجُوعَ فِي الصَّدَقَةِ الْمُتَطَوَّعِ بِهَا عَلَى الْوَلَدِ، أَمَّا الْوَاجِبَةُ فَلَا رُجُوعَ فِيهَا. وَلَا يُجِيزُونَ لِلأَْبِ الرُّجُوعَ فِي الإِِْبْرَاءِ لِوَلَدِهِ عَنْ دَيْنِهِ. بَيْنَمَا يُجِيزُ الْحَنَابِلَةُ رُجُوعَ الأَْبِ فِيمَا أَبْرَأَ ابْنَهُ مِنْهُ مِنَ الدُّيُونِ (1) .
(1) ابن عابدين 4 / 422، 5 / 458، والمغني 5 / 684، وإعلام الموقعين 3 / 98، وأسنى المطالب 2 / 483، والاختبارات الفقهية ص 187.