الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
--
المقدمة الأولى:
-- معنى القواعد الفقهية والتعريف بها:
1.
المعنى اللغوي للقواعد:
القواعد جمع قاعدة، ومعنى القاعدة: أصل الأُس، وأساس البناء والقواعد الإساس، وقواعد البيت إسَاسُه، ومنه قوله تعالى:(وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبَّل منا) . البقرة، آية (127) .
ومنه قوله تعالى: (فأتى الله بنيانَهم من القواعد) . النحل، آية (26) .
قال الزجاج: القواعد أساطين البناء التي تعمده، وقواعد الهودج خشبات أربع معترضة في أسفله تُرّكب عيدان الهودج فيها.
قال أبو عبيد: قواعد السحاب أصولها المعترضة في آفاق السماء، شُبهت بقواعد البناء.
قال ابن الأثير: أراد بالقواعد ما اعترض منها وسفل تشبيهاً بقواعد البناء.
قال ذلك في بيان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأل عن سحابة مرَّت فقال: كيف ترون قواعدها وبواسقها. وقالوا في المرأة التي قعدت عن الحيض والأزواج قاعد والجمع قواعد، ومنه قوله تعالى:(والقواعد من النساء التي لا يرجون نِكاحاً) . النور، آية (60) .
ومن معاني القاعدة في اللغة: الضابط وهو: الأمر الكلي ينطبق على جزئيات، مثل قولهم: كل أذون ولود وكل صموخ بيوض.
2.
المعنى الاصطلاحي للقاعدة:
وأما معنى القاعدة في الاصطلاح الفقهي فقد اختلف الفقهاء في تعريفها بناء على اختلافهم في مفهومها هل هي قضية كلية أو قضية أغلبية؟ فمن نظر إلى أن القاعدة هي قضية كلية عرَّفها بما يدل على ذلك حيث قالوا في تعريفها: القاعدة هي:
1.
قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها.
2.
قضية كلية يتعرف منها أحكام جزئياتها.
3.
حكم كلي ينطبق على جميع جزئياته ليتعرف أحكامها منه.
4.
حكم كلي ينطبق على جميع جزئياته ليتعرف به أحكام الجزئيات والتي تندرج تحتها من الحكم الكلي.
5.
الأمر الكلي الذي ينطبق عليه جزئيات كثيرة تفهم أحكامها منه.
6.
أمر كلي منطبق على جزئيات موضوعه.
7.
عبارة عن صور كلية تنطبق كل واحدة منها على جزئياتها التي تحتها.
8.
هي القضايا الكلية التي تعرف بالنظر فيها قضايا جزئية.
9.
قضية كلية يتعرف منها أحكام الجزئيات المندرجة تحت موضوعها.
10.
أصول فقهية كلية في نصوص موجزة دستورية تتضمن أحكاماً تشريعية عامة في الحوادث التي تدخل تحت موضوعها.
11.
أصول ومبادئ كلية تصاغ في نصوص موجزة تتضمن أحكاماً تشريعية عامة في الحوادث التي تدخل تحت موضوعها.
وهذه التعريفات كلها متقاربة تؤدي معنى متحداً وإن اختلفت عباراتها حيث تفيد جميعها أن القاعدة هي حكم أو أمر كلي أو قضية كلية تفهم منها أحكام
الجزئيات التي تندرج تحت موضوعها وتنطبق عليها.
ومن نظر إلى أن القاعدة الفقهية قضية أغلبية نظراً لما يستثنى منها عرَّفها بأنها حكم أكثري لا كلي، ينطبق على أكثر جزئياته لتعرف أحكامها منه.
وقال في تهذيب الفروق: ومن المعلوم أن أكثر قواعد الفقه أغلبية، والقول إن أكثر قواعد الفقه أغلبية مبني على وجود مسائل مستثناة من تلك القواعد تخالف أحكامها حكم القاعدة، ولذلك قيل: حينما أرجع المحققون المسائل الفقهية عن طريق الاستقراء إلى قواعد كلية كل منها ضابط وجامع لمسائل كثيرة، واتخذوها أدلة لإثبات أحكام تلك المسائل رأوا أن بعض فروع تلك القواعد يعارضه أثر أو ضرورة أو قيد أو علة مؤثرة تخرجها عن الاطراد فتكون مستثناة من تلك القاعدة ومعدولاً بها عن سنن القياس فحكموا عليها بالأغلبية لا بالاطراد.
فمثال الاستثناء بالأثر جواز السلم والإجارة في بيع المعدوم الذي الأصل فيه عدم جوازه، ومثال الاستثناء بالإجماع عقد الاستصناع.
ومثال الاستثناء بالضرورة طهارة الحياض والآبار في الفلوات مع ما تلقيه الريح فيها من البعر والروث وغيره.
ولكن العلماء مع ذلك قالوا: إن هذا (أي الاستثناء وعدم الاطراد) لا ينقض كلية تلك القواعد ولا يقدح في عمومها للأسباب الآتية:
أولاً: لما كان مقصد الشارع ضبط الخلق إلى القواعد العامة، وكانت القواعد التي قد جرت بها سنة الله أكثرية لا عامة، وكانت الشريعة موضوعة على مقتضى ذلك الوضع، كان من الأمر الملتفت إليه إجراء القواعد على العموم العادي لا على العموم الكلي العام الذي لا يتخلف عنه جزئي ما.
ويقول الشاطبي في موافقاته تأييداً لهذا: إن الأمر الكلي إذا ثبت فتخلف بعض الجزئيات عن مقتضاه لا يخرجه عن كونه كلياً، وأيضاً فإن الغالب الأكثري معتبر في الشريعة اعتبار القطعي.
ثانياً: إن المتخلفات الجزئية لا ينتظم منها كلي يعارض هذا الكلي الثابت، وهذا شأن الكليات الاستقرائية، وإنما يتصور أن يكون تخلف بعض الجزئيات قادحاً في الكليات العقلية.
فالكليات الاستقرائية صحيحة وإن تخلف عن مقتضاها بعض الجزئيات.
كما يقال كل حيوان يحرك فكه الأسفل حين المضغ، وهذه قاعدة كلية استقرائية خرج عنها: التمساح، حيث يقال: إنه يحرك فكه الأعلى حين المضغ فخروج التمساح عن القاعدة لا يخرجها عن كونها كلية. فكأنه قيل: كلي حيوان يحرك فكه الأسفل حين المضغ إلا التمساح.
فالعموم العادي المبني على الاستقراء لا يوجب عدم التخلف بل الذي
يوجب عدم التخلف إنما هو العموم العقلي لأن العقليات طريقها البحث والنظر، وأما الشرعيات فطريقها الاستقراء ولا ينقضه تخلف بعض الجزئيات.
ثالثاً: ومن ناحية أخرى فإن تخلف مسألة ما عن حكم قاعدة ما يلزم منه اندراج هذه المسألة تحت حكم قاعدة أخرى، فالمسألة المخرَّجة تندرج ظاهراً تحت حكم قاعدة، ولكنها في الحقيقة مندرجة تحت حكم قاعدة أخرى وهذا من باب تنازع المسألة بين قاعدتين.
فليس إذاً استثناء جزئية من قاعدة ما بقادح في كلية هذه القاعدة ولا بمخرج لتلك الجزئية عن الاندراج تحت قاعدة أخرى.