الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
--
القاعدة الثالثة من القواعد الكلية الكبرى:
قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) :
معنى القاعدة:
(ا) في اللغة:
المشقة في اللعب: التعب من قولك شق علي الشيء يشق شقاً ومشقة إذا أتعبك. ومنه قوله تعالى: (وتحمِلُ أثقالَكُم إلى بلدٍ لم تكونوا بالِغيه إلا بشقِ الأنفُس) . سورة النحل، آية (7) .
أي تعبها ومن معاني المشقة الانكسار والجهد والعناء.
والتيسير في اللغة: السهولة والليونة، يقال يَسر الأمر إذا سهل ولان، ومنه الحديث:(إن الدين يسر) أي سهل سمح. قليل التشدد، واليسر ضد العسر.
والمعنى اللغوي الإجمالي للقاعدة: (إن الصعوبة والعناء تصبح سبباً للتسهيل) .
(ب) المعنى الشرعي الاصطلاحي للقاعدة:
(إن الأحكام التي ينشأ عن تطبيقها حرج على المكلف ومشقة في نفسه أو ماله، فالشريعة تخففها بما يقع تحت قدرة المكلف دون عسر أو إحراج) .
أدلة هذه القاعدة:
لهذه القاعدة أدلة كثيرة من الكتاب العزيز، ومن السنة المطهرة، وعمومات الشريعة النافية للحرج، ومشروعية الرخص، والإجماع الدال على عدم التكليف
بالشاق من الأعمال، وهي تلك الأدلة التي تشير إلى أن الشارع الحكيم لم يقصد إلى التكليف بالشاق والإعنات فيه، وتبين أن أصل الشريعة مبني على السماحة واليسر دون الإعنات والعسر.
أولاً: الأدلة من الكتاب العزيز:
1.
قوله تعالى: (يُريدُ الله بكُمُ اليسر ولا يريدُ بكم العُسر) . البقرة، آية (185) .
2.
قوله تعالى: (لا يُكلف الله نفساً إلا وُسعَها) . البقرة، آية (286) .
3.
وقوله جل ذكره: (ربنا ولا تحمِل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلِنا ربنا ولا تُحملنا ما لا طاقة لنا به) . البقرة، آية (286) .
4.
قوله سبحانه: (يُريد الله أن يخفف عنكم) . النساء، آية (28) .
5.
قوله تعالى: (ما يُريد الله ليجعَل عليكُم من حَرَجٍ) . سورة المائدة، آية (6) .
6.
قوله جل ذكره: (ويضَعُ عنهم إصرَهُم والأغلالَ التي كانتْ عليهِم) . سورة الأعراف، آية (157) .
7.
قوله سبحانه: (وما جَعَلَ عليكُم في الدّينِ مِنْ حَرجٍ) . سورة الحج، آية (78) .
ثانياً: من السنة المطهرة:
1.
قوله عليه الصلاة والسلام: (بعثت بالحنيفية السمحة) .
2.
وقوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه ابن عباس رضي الله عنهما وقد سئل أي الأديان أحب إلى الله قال: (الحنيفية السمحة) .
3.
ما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة وغيره: (إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين) .
4.
وما رواه الطبراني عن ابن عباس مرفوعاً: (إن الله شرع الدين فجعله سهلاً سمحاً واسعاً ولم يجعله ضيقاً) .
5.
وقول عائشة رضي الله عنها: (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين شيئين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً) .
6.
قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) .
ثالثاً: ما ثبت من مشروعية الرخص:
وهذا أمر مقطوع به ومما علم من دين الأمة بالضرورة: كرخص القصر والفطر والجمع، وتناول المحرمات في الاضطرار، فإن هذا نمط يدل قطعاً على مطلق رفع الحرج والمشقة.
وكذلك ما جاء في النهي عن التعمق والتكلف، وعن كل ما يسبب الانقطاع عن دوام الأعمال.
ولو كان الشارع قاصداً للمشقة في التكليف لما كان ثم ترخص ولا تخفيف.
رابعاً: الإجماع على عدم وقوع التكليف بالشاق من الأعمال.
وهو يدل دلالة قطعية على عدم قصد الشارع الحكيم إليه.
والأدلة على سماحة الشريعة أكثر من أن تحصر، لأن أحكام الشريعة كلها مبنية على التيسير ومصالح العباد، وكيف لا تكون كذلك وهي الشريعة السمحة التي جعل الشارع الحكيم من أهم مقاصدها مصلحة العباد في دنياهم وأخراهم ودرء المفاسد والمشاق عنهم.
فلو أن كل واحد لا ينتفع إلا بما هو ملكه، ولا يستوفي إلا ممن عليه حقه، ولا يأخذه إلا بكماله، ولا يتعاطى أموره إلا بنفسه لكان في ذلك مشقة عظيمة، ولكن حرصاً من الشارع الحكيم على مصلحة عباده، ودفعاً للمشقة عنهم سهل الأمر بإباحة الانتفاع بملك الغير بطريق الإجارة والإعارة والقرض، وبالاستعانة بالغير وكالة وإيداعاً وشركة ومضاربة ومساقاة، وبالاستيفاء من غير المديون حوالة، وبالتوثيق على الدين برهن أو كفيل ولو بالنفس، وبإسقاط بعض الدين صلحاً أو كله إبراءً، ولحاجة افتداء اليمين جوز الشرع الصلح عن إنكار.
ومن الأدلة على رعاية الشرع لمصالح العباد جوازُ تعاطي العقود الجائزة، لأن لزومها لو وجبت، شاق فيكون سبباً لعدم تعاطيها، ووقف عزل الوكيل والقاضي على علمهما بالعزل دفعاً للحرج.
ومنها: مشروعية الوصية عند الموت ليتدارك الإنسان ما فرط فيه في حال حياته، ومنها إسقاط الإثم عن المجتهدين في الخطأ، والتيسير عليهم بالاكتفاء بالظن دون القطع واليقين.
ومنها: إباحة الشارع النظر إلى الأجنبية للطبيب والشاهد وعند الخطبة وللسيد.
ومنها: جواز النكاح من غير نظر لما في اشتراطه من المشقة التي لا يتحملها كثير من الناس في بناتهم وأخواتهم من نظر كل خاطب، ولم يكن في النكاح خيار رؤية كالبيع.
ومنها: إباحة أربع نسوة تيسيراً على الرجل وعلى النساء لكثرتهن.
ومنها: مشروعية الطلاق لما في إبقاء الزوجية مع التنافر من المشقة، وكذلك مشروعية الخلع والافتداء والرجعة في العدة قبل الثلاث.
ومنها: مشروعية الكفارة في الظهار واليمين تيسيراً على المكلفين، وكذلك التخيير في كفارة اليمين لتكريرها، إلخ ما في هذه الشريعة السمحة من أحكام مبنية على اليسر، وما ذكرناه غيض من فيض هذه الشريعة الدال على السماحة واليسر ودفع الحرج.
والناظر في التخفيفات الواردة في الشرع يرى أنها لا تخرج عن أحد نوعين:
الأول: نوع شرع من أصله للتيسير وهو عموم التكاليف الشرعية في الأحوال العادية.
الثاني: نوع شرع لما يوجد من الأعذار والعوارض وهو المسمى بالرخصة وهو المقصود من قاعدتنا هذه.
فقاعدة: (المشقة تجلب التيسير) إذاً مجالها الرخص بأنواعها والعوارض سماوية كانت أم غير سماوية، فهي قاعدة الضرورات والاضطرار بخلاف قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) الآتية.
الرخصة ومعناها:
(ا) في اللغة:
هي السهولة واللين واليسر والتوسع، قال ابن فارس: الراء والحاء والصاد أصل يدل على لين وخلاف شدة، من ذلك اللحم الرخص: هو الناعم، ومن ذلك الرخص: خلاف الغلاء، والرخصة في الأمر: خلف التشديد.
وقال في المصباح المنير: والرخصة: التسهيل في الأمر والتيسير فيه، يقال: رخص الشرع لنا في كذا ترخيصاً إذا سهله ويسره، وفلان يترخص في الأمر أي لم يتسقص، وقضيب رخِص: أي طري لين ورَخُُص البدن رخصة إذا نَعُم ولان ملْمسه.
(ب) في اصطلاح الفقهاء:
(هي الأحكام التي ثبتت مشروعيتها بناءً على الأعذار مع قيام الدليل المحرم، توسعاً في الضيق) .
وكان ذلك كذلك لأن من الأحكام ما ينشأ عن تطبيقها حرج على المكلف ومشقة تصيبه في نفسه أو ماله أو ضرورة من ضرورياته بسبب مرض أو فقر أو ظرف خاص طارئ، فالشريعة رحمة بالمكلف تخفف هذه الأحكام وتبدلها بما يقع تحت قدرة المكلف تيسيراً عليه ودفعاً للإحراج والتضييق والتشديد.
وعلى هذا الأساس جُعل المرض والسفر رخصة في الواجبات الدينية كالصلاة والصوم، فأسقطت الشرعية بعضها وخففت بعضاً آخر وأخرت ثالثاً إذ أسقطت الشريعة عن المريض والمسافر صلاة الجمعة، وشُرع قصر الصلاة الرباعية للمسافر، وجواز الصلاة قاعداً أو مضجعاً لمن لم يستطع القيام أو القعود، وشرع إباحة الفطر