الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
--
المقدمة الثالثة:
-- ميزة القواعد الفقهية ومكانتها في الشريعة وفوائد دراستها:
قال القرافي: إن القواعد ليست مستوعبة في أصول الفقه بل للشريعة قواعد كثيرة جداً عند أئمة الفتوى والفقهاء لا توجد في كتب أصول الفقه أصلاً.
هذه المقولة الصادقة من عالم مدقق فاحص تعطينا ميزات عظيمة من ميزات القواعد الفقهية وهي كونها قواعد كثيرة جداً غير محصورة بعدد، وهي منثورة في كتب الفقه العام والفتاوى والأحكام، وهو رحمة الله قد أراد من تأليف كتابه الفروق جمع هذه القواعد في كتاب واحد يجمع شتاتها ويكشف أسرارها وحكمها، ولكنه رحمه الله ما استوعب ولا قارب.
والميزة الثانية من ميزات القواعد أنها تمتاز بإيجاز عبارتها مع عموم معناها وسعة استيعابها للمسائل الجزئية إذ تصاغ القاعدة في جملة مفيدة مكونة من كلمتين أو بضع كلمات من ألفاظ العموم، مثل قاعد (العادة محكمة) وقاعدة:(الأعمال بالنيات) أو (الأمور بمقاصدها) وقاعدة (المشقة تجلب التيسير) فكل من هذه القواعد تعتبر من جوامع الكلم إذ يندرج تحت كل منها ما لا يحصى من المسائل الفقهية المختلفة.
والميزة الثالثة من ميزات القواعد أنها تمتاز بأن كلأ منها ضابط يضبط فروع الأحكام العملية ويربط بينها برابطة تجمعها وإن اختلفت موضوعاتها وأبوابها، قال الأستاذ مصطفى الزرقا مد الله في عمره في الخير: لولا هذه القواعد لبقيت الأحكام الفقهية فروعاً مشتتة قد تتعارض ظواهرها دون أصول تمسك بها وتبرز من
خلالها العلل الجامعة.
وأما فوائد القواعد الفقهية فهي كثيرة جداً نكتفي بذكر بعضٍ منها:
أولاً: ذكرنا أن من ميزات القواعد الفقهية أنها تضبط الفروع الفقهية وتجمع شتاتها تحت ضابط واحد مهما اختلفت موضوعاتها إذا اتحد حكمها. فهي بذلك تيسر على الفقهاء والمفتين ضبط الفقه بأحكامه فهو كما قال القرافي: (من ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات) . لأن حفظ جزئيات الفقه وفروعه يستحيل أن يقدر عليه إنسان، لكن حفظ القواعد مهما كثرت يدخل تحت الإمكان.
ثانياً: إن دراسة القواعد الفقهية تكوِّن عند الباحث ملكة فقهية قوية تنير أمامه الطريق لدراسة أبواب الفقه الواسعة والمتعددة ومعرفة الأحكام الشرعية واستنباط الحلول للوقائع المتجددة والمسائل المتكررة.
ثالثاً: إن دراسة هذه القواعد الفقهية والإلمام بها واستيعابها يعين القضاة والمفتين والحكام عند البحث عن حلول للمسائل المعروضة والنوازل الطارئة بأيسر سبيل وأقرب طريق.
ولذلك قال بعضهم: إن حكم دراسة القواعد الفقهية والإلمام بها على القضاة والمفتين فرض عين وعلى غيرهم فرض كفاية.
رابعاً: لما كانت القواعد الفقهية في أكثرها موضع اتفاق بين الأئمة المجتهدين ومواضع الخلاف فيها قليلة فإن دراسة القواعد والإلمام بها تربي عند الباحث
ملكة المقارنة بين المذاهب المختلفة وتوضح له وجهاً من وجوه الاختلاف وأسبابه بين المذاهب.
خامساً: إن دراسة القواعد الفقهية وإبرازها تظهر مدى استيعاب الفقه الإسلامي للأحكام، ومراعاته للحقوق والواجبات، وتسهل على غير المختصين بالفقه الاطلاع على محاسن هذا الدين، وتبطل دعوة من ينتقصون الفقه الإسلامي ويتهمونه بأنه إنما يشتمل على حلول جزئية وليس قواعد كلية.