الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
--
شرح القاعدة
إجمالاً:
هذه القاعدة من أركان الشريعة وتشهد لها نصوص كثيرة من الكتاب والسنة، وقد سبق ذكر بعض منها، وهي أساس لمنع الفعل الضار وترتيب نتائجه في التعويض المالي والعقوبة، كما أنها سند لمبدأ الاستصلاح في جلب المصالح ودرء المفاسد، وهي عدة الفقهاء وعمدتهم وميزانهم في تقرير الأحكام الشرعية للحوادث.
وعلى هذه القاعدة ينبني كثير من أبواب الفقه: كالرد بالعيب، وجميع أنواع الخيارات والحجر بسائر أنواعه والشفعة، والقصاص، والحدود والكفارات، وضمان المتلفات، والجبر على قسمته المشترك إذا اتحد الجنس، ونصب الأئمة والقضاة، ودفع الصائل، وقتال المشركين والبغاة.
إلى غير ذلك مما في حكمة مشروعيته دفع للضرر (إذ لا ضرر ولا ضرار) .
ونص هذه القاعدة (كما رأينا) ينفي الضرر فيوجب منعه وتحريمه مطلقاً، ويشمل ذلك: الضرر العام والخاص، وأيضاً: دفع الضرر قبل وقوعه بطرق الوقاية الممكنة، كما يشمل أيضاً: رفعه بعد وقوعه بما يمكن من التدابير التي تزيل آثاره وتمنع تكراره.
ومن ثم كان إنزال العقوبات المشروعة بالمجرمين لا ينافي هذه القاعدة وإن ترتب عليها ضرر بهم، لأن فيها عدلاً ودفعاً لضرر أعم وأعظم.
ما المقصود بنفي الضرار؟
إذا عرفنا أن معاني الضرار مقابلة الضرر بالضرر، فإذاً يكون المقصود بنفي الضرار هنا نفي فكرة التأر بمجرد الانتقام، الفكرة التي تزيد في الضرر وتوسع دائرته.
فالإضرار ولو كان على سبيل المقابلة لا يجوز أن يكون هدفاً مقصوداً، وإنما يلجأ إليه اضطراراً.
فمن أتلف مال غيره مثلاً لا يجوز أن يقابل بإتلاف ماله، لأن في ذلك توسعة للضرر بلا منفعة، وأفضل منه تضمين المتلف قيمة ما أتلف.
وذلك بخلاف الجناية على النفس أو البدن مما شرع فيه القصاص، لأن الجنايات لا يقمعها إلا عقوبة من جنسها.
من فروع هذه القاعدة وأمثلتها:
لو انتهت مدة إجارة الأرض الزراعية قبل أن يستحصد الزرع، تبقى في يد المستأجر بأجر المثل حتى يستحصد؛ منعاً لضرر المستأجر بقلع الزرع قبل أوانه.
إذا كان الملك المشترك بين يتيمين محتاجاً إلى تعمير فأبى أحد الوصيين، وكان في إبائه ضرر على اليتيم، يجبر من قبل الحاكم دفعاً للضرر.
كذلك لو باع ثمر نخل، والمشتري إذا ارتقى ليقطع الثمر يطلع على عورات الجيران، يؤمر بأن يخبرهم وقت الارتقاء ليستتروا مرة أو مرتين، فإن فعل وإلا رفع إلى الحاكم ليمنعه من الارتقاء.
ولو باع شيئاً مما يسرع إليه الفساد كالفواكه مثلاً، وغاب المشتري قبل نقد الثمن وقبض المبيع وخيف فساده، فللبائع أن يفسخ البيع ويبيع من غيره دفعاً للضرر.
ويجوز حبس المشهورين بالدعارة والفساد حتى تظهر توبتهم، ولو لم يثبت عليهم جرم معين بطريق قضائي دفعاً لشرهم.