الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
--
القاعدة التاسعة:
قاعدة: (الجواز الشرعي ينافي الضمان) :
أصل هذه القاعدة: (كل موضوع بحق إذا عطب به إنسان فلا ضمان على واضعه) .
معنى هذه القاعدة:
المراد بالجواز الشرعي أي إذن الشارع المطلق، الضمان، يراد به هنا تحمل المسؤولية والغرم المالي تعويضاً عن ضرر غيره.
(فالإنسان لا يؤاخذ بفعل ما يملك أن يفعله شرعاً، فإِذن الشارع يمنع المؤاخذة ويدفع الضمان إذا وقع بسبب الفعل المأذون فيه ضرر للآخرين) .
من أمثلة القاعدة:
من حفر في ملكه، من أرض أو دار، حفرة فوقع بها إنسان أو حيوان، فالحافر هنا غير ضامن؛ لأنه غير متعد، ولكن له حفر في الطريق حفرة فوقع فيها إنسان، أو حيوان فهو ضامن؛ لأن الحفر في الطريق غير مأذون فيه.
من استأجر دابة وحمّلها حملاً معتاداً فهلكت لا يضمن لأنه غير متعد، بخلاف ما لو حملها أكثر من المعتاد فإنه يضمن.
يجوز لولي المقتول أمر غيره بالقصاص من قاتله نيابة عنه، ولا ضمان على ذلك الغير إذا اقتص بحضوره، لأن جواز القتل لظهور الأمر ينافي الضمان.
ومن كسر لمسلم طبلاً أو مزماراً أو قتل خنزيراً فلا يضمن على الأصح؛ لأن فعله بإذن الشرع، ولكن إذا كان هناك حاكم مسلم منفذ لشرع الله، فله
تعزيره؛ لافتياته على حق الحاكم في ذلك.
وكذا إذا حد القاضي، فيما يوجب الحد، أو عزر ومات المضروب فلا ضمان على القاضي للإذن الشرعي.
وإذا أبضع أحد شريكي العنان أو المفاوضة أو استأجر أجيراً، أو رهن متاعاً من الشركة بدين وجب بعقده، أو احتال بدين للشركة على آخر أو غير ذلك من التصرفات الجائزة للشريك فحصل ضرر فلا يضمن لأن (الجواز الشرعي ينافي الضمان) .
استثناءات:
خرج عن هذه القاعدة مسائل:
لو تصدق الملتقط باللقطة فجاء ربها بعد ذلك فله تضمين الملتقط أو الفقير الذي تُصدِّق بها عليه، إذا هلكت اللقطة أو استهلكت، وإلا فله استردادها، مع أن تصرف الملتقط مستند إلى إذن الشرع حيث قال صلى الله عليه وسلم:(من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل، وليحفظ عفاصها ووكاءها، فإن جاء صاحبها فلا يكتم وهو أحق بها، وإن لم يجيء صاحبها فهو مال الله تعالى يؤتيه من يشاء) .
وإنما وجب الضمان هنا؛ لأن أخذ مالِ الغير بلا عقد ولا عوض حرام، فقوبل بالضمان.
إذا غاب أحد الشريكين في البستان المشترك يكون الآخر قائماً على ذلك البستان وعند إدراك الثمرة يأخذ حصته منها، وله أيضاً بيع حصة الغائب وحفظ ثمنها لكن
يكون الغائب عند حضوره مخيراً إن شاء أجاز البيع وأخذ الثمن المحفوظ، وإن شاء لم يجز وضمنه حصته.
هذا إذا لم يكن البيع بإذن القاضي، وأما إذا كان بإذن القاضي فلا ضمان.
وذكر بعضهم أن المضطر يجوز له أن يأكل مال الغير مع أنه ضامن له، ولكن يظهر عند التحقيق أن هذه المسألة ليست مستثناة من هذه القاعدة لأن الجواز هنا مقيد بعدم الإضرار بالغير، فالمسائل التي تدخل تحت هذه القاعدة إذا كان الجواز فيها مشروعاً على الإطلاق لا الممنوع المرخص عند الاضطرار.
-- القاعدة العاشرة:
قاعدة: (الخراج بالضمان) .
قاعدة: (الغرم بالغنم) .
وقاعدة: (النعمة بقدر النقمة، والنقمة بقدر النعمة) .
هذه القواعد ذوات معنى واحد وأولاها نص حديث نبوي كريم رواه الشافعي وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان من حديث عائشة رضي الله عنها.
وفي بعض طرقه ذكر السبب: وهو أن رجلاً ابتاع عبداً فأقام عنده ما يشاء أن يقيم ثم وجد به عيباً، فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرده عليه. فقال الرجل: يا رسول الله قد استعمل غلامي. فقال عليه الصلاة والسلام: (الخراج بالضمان) وهو حديث صحيح من جوامع الكلم، ولاشتماله على معانٍ كثيرة جرى مجرى المثل.
-- معنى هذه القاعدة:
(ا) في اللغة:
الخراج ما خرج من الشيء، فخراج الشجرة الثمرة، وخراج الحيوان درُّه ونسله، وخراج العبد غلَّته، والخراج والخرج اسم لما يخرج من غلة الأرض.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه الأموال: والخراج في هذا الحديث هو غَلَّة العبد، يشتريه الرجل فيستعمله زماناً ثم يعثر منه على عيب دلسه البائع فيرده ويأخذ جميع الثمن، ويفوز بِغَلّته كلها؛ لأنه كان في ضمانه ولو هلك هلك
من ماله.
والضمان في اللغة:
هو الكفالة والالتزام، والمقصود به هنا:
المؤونة كالإنفاق والمصاريف وتحمل التلف والهلاك والخسارة والنقص.
والغُرم: معناه الخسارة. والغنم: هو الربح.
(ب) في الاصطلاح: (إن ما خرج من الشيء من غلّة ومنفعة وعين فهو للمشتري عوض ما كان عليه ضمان الملك، فإنه لو تلف المبيع كان من ضمانه، فالغلة له ليكون في مقابلة الغرم) .
ولأن من تحمل الخسارة لو حصلت يجب أن يحصل على الربح، لأن النقمة بقدر النعمة، والنعمة بقدر النقمة.
أو نقول: (إن من يضمن شيئاً إذا تلف يكون نفع ذلك الشيء له في مقابلة ضمانه حال التلف) .
من أمثلة هذه القواعد:
لو أعتق الراهن العبد المرهون نفذ عتقه، فإن كان الراهن غنياً فلا سعاية على العبد، لإمكان المرتهن أخذ حقه من الراهن، وهو الأداء إن كان الدين حالاً أو قيمة الرهن إن كان مؤجلاً.
وأما إن كان الراهن فقيراً فيسعى العبد للمرتهن في الأقل من قيمته ومن الدين؛ لتعذر أخذ الحق من الراهن، فيؤخذ ممن حصلت له فائدة العنق وهو العبد، لأن الخراج بالضمان، والغرم بالغنم.
وإذا رد المشتري حيواناً أو سيارة، أو داراً بخيار العيب بعد قبضه واستعماله غير عالم بالعيب، وكان قد استعمل المشتري مدة، بنفسه أو آجره من غيره وقبض أجرته، لا يلزم رد ذلك للبائع معه لكونه في ضمان المشتري، لأنه لو كان تلف في
يده قبل الرد لكان تلفه عليه ومن ماله، أما لو كان المشتري عالماً بالعيب واستعمل المبيع بعد إطلاعه عليه فيسقط خياره ولا يحق له الرد.
ما يرد هذه القاعدة:
يرد على هذه القاعدة سؤالان:
السؤال الأول: إذا كان الخراج في مقابلة الضمان فكان يجب أن تكون الزوائد قبل قبض المبيع من قبل المشتري للبائع لا للمشتري؛ لأن المبيع قبل قبض المشتري على ضمان البائع، تم العقد أو انفسخ، لكونه من ضمانه، ومع ذلك لم يقل بهذا أحد، لأن الزوائد من حق المشتري هنا.
الجواب: إن علة جعل الزوائد هنا من حق المشتري أن المبيع هنا أصبح مملوكاً للمشتري، فالزوائد هي زوائد ملكه، وأما بعد القبض فإن حق المشتري يتأكد في الزوائد بعلة الملك والضمان معاً.
واقتصر في الحديث على التعليل بالضمان؛ لأنه أظهر عند البائع وأقطع لطلبه وأدفع لاستنكاره أن الخراج للمشتري.
السؤال الثاني: إنه لو كانت عِلَّة الخراج بسبب الضمان للزم أن تكون زوائد المغصوب للغاصب؛ لأن الغاصب يضمن ما غصب، وبهذا احتج أبو حنيفة رحمه الله وقال: إن الغاصب لا يضمن منافع المغصوب، فهو هنا مع ظاهر الحديث.
والجواب على ذلك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالخراج في ضمان الملك لا لمجرد الضمان، وجعل الخراج لمن هو مالكه فعلاً، إذا تلف تلف على مالكه وهو المشتري، والغاصب لا يملك المغصوب، وبأن الخراج: وهو المنافع جعلها لمن عليه الضمان، ولا خلاف أن الغاصب لا يملك المنافع بل إذا أتلفها فالخلاف في ضمانها عليه.