الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-- القاعدة الكلية الفرعية الثامنة:
قاعدة: (إذا تعذر الأصل يصار إلى البدل) :
ولأن المصير إلى البدل إنما يجوز عند عدم الأصل.
لما كان إتيان البدل عند تعذر الأصل رخصة كانت هذه القاعدة مندرجة تحت قاعدة (المشقة تجلب التيسير) ومتفرعة عليها.
أدلة هذه القاعدة:
لهذه القاعدة أدلة كثيرة من كتاب الله:
1.
منها قوله تعالى: (فَمَن كانَ مِنكُم مَرِيضًا أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ، وَعَلى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) . البقرة، آية (184) .
2.
وقوله تعالى: (فَإِذا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلى الْحَجِّ فَما اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) . البقرة، آية (196) .
3.
قوله تعالى: (حافِظُوا عَلى الصَّلَواتِ والصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْبانًا؛ فَإِذا أَمِنتُمْ فاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُم ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) . سورة البقرة، الآيتان (238 و239) .
4.
وقوله تعالى: (وَمَن لَمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِن ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُم مِن فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) . النساء، آية (25) .
5.
وقوله تعالى: (وَإِن كُنتُم مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنكُم مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) . النساء، آية (43) .
6.
وقوله تعالى: (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا) . النساء، آية (101) .
ففي كل هذه الآيات كان الأصل عزيمة ولما شق أداؤه وتعسر خفف الله سبحانه عن عباده بالانتقال إلى البدل وهو الرخصة، لأن المشقة تجلب التيسير.
معنى القاعدة:
المراد بالأصل هنا ما يجب أداؤه أي العزيمة ولكن إذا تعذر أو تعسر وشق على المكلف ولم يمكنه إيفاء الأصل بالفوات أو التفويت ينتقل الحكم إلى البدل، أي الرخصة.
ومعنى الأداء: تسليم عين الواجب، ويكون في حقوق الله تعالى كالصلاة على وقتها وصوم رمضان، ويكون في حقوق العباد كرد المغصوب دون نقصان، وتسليم عين المبيع إلى المشتري.
أنواع الأداء: الأداء ثلاثة أنواع:
(ا) أداء كامل: كالصلاة على وقتها في جماعة، ورد المغصوب دون نقصان.
(ب) أداء ناقص: كالصلاة منفرداً، أو رد المغصوب وقد شغل بجناية أو دين.
(ج) أداء يشبه القضاء: كما لو جعل عبد غيره مهراً، ثم اشتراه وسلمه لها، فإنه أداء من حيث إنها تجبر على قبوله، وهو شبيه بالقضاء لأنه قبل التسليم ملكه ينفذ فيه اعتاقها، ولو كان ذا رحم محرم منها لا يعتق عليها، ولأنه في معنى المثل؛ إذ أن تبدل الملك يوجب تبدلاً في العين.
ويقابل الأداء وهو الإتيان بالأصل القضاء وهو الإتيان بالخلف أو البدل.
والقضاء قسمان:
(ا) قضاء كامل: كمن اغتصب حنطة واستهلكها، فعليه مثلها أو قيمتها.
(ب) قضاء قاصر: كمن يؤدي قيمة مغصوب قيمي بدلاً عنه لأنها مثل غير معقول.
أنواع البدل:
الإبدال التي يصار إليه عند العجز ثلاثة أنواع:
(ا) الأول: نوع بدل ينتقل إليه عند العجز مع إمكان القدرة على الأصل مستقبلاً ولكن بوقت يفوت بفواته: وأمثلته:
من دخل عليه وقت الصلاة ولم يجد الماء ينتقل إلى التيمم، وإن كان يرجو القدرة على الماء بعد خروج الوقت.
المتمتع إذا عجز عن الهدي ينتقل إلى الصوم، ولو كان له مال غائب لأنه تعلق بوقت يفوت بفواته.
ومثله المحصر إذا وجد الثمن ولم يجد الهدي يصوم ولا يلزمه الصبر للضرورة.
ومثله المال الغائب لا يمنع نكاح الأمة كما لا يمنع ابن السبيل الزكاة.
(ب) الثاني: نوع بدل لا يتعلق بوقت يفوت بفواته ولا يضر تأخيره، مثل كفارة
القتل، واليمين، والجماع في الصوم، فلا يجوز الانتقال عنها إلى البديل إذا كان يرجو القدرة عليه، بل يصبر حتى يجد الرقبة، لأن الكفارة على التراخي، وبتقدير أن يموت يؤدي من تركته بخلاف العاجز عن المال.
(ج) الثالث: ما يحتمل الوجهين مثل كفارة الظهار، يمكن أن يقال: يلزمه التأخير لأنها ليست مضيقة الوقت، أو له الانتقال إلى البدل لأنه يتضرر بالتأخير، ولو كان واجداً طول الحرة ولا يجد في القرية حرة، فهل له الزواج بالأمة؟
في المسألة خلاف، إلا إذا خشي العنت أي الزنا فله نكاح الأمة.
من فروع هذه القاعدة وأمثلتها:
إذا مات الزوج حين يهل الشهر فابتداء العدة بالأهلّة: لأنها أصل في الشهور العربية لقوله تعالى: (يسألُونك عن الأهِلَّةِ قل هي مواقيتُ للناسِ والحج) . البقرة، آية (189) .
وإن مات في خلال الشهر فالعدة بالأيام واعتبار الشهر ثلاثون يوماً، وكذا الإجارة وأجل البيع.
وقيل: الشهر الأول يتم بالأيام والباقي بالأهل، لأن الضرورة تقدر بقدرها.
يذبح الصيد إذا استأنس، ويكفي جرح نَعَمَ توحش أو سقط في بئر ولم يمكن ذبحه؛ لأن ذكاة الاضطرار إنما يصار إليها عند العجز عن ذكاة الاختيار.
لما كان الأصل في إثبات الأحكام هو البينة الشرعية، فإذا تعذرت البينة ينتقل إلى بدلها، فالعمل بالاستصحاب إنما يصار إليه عند عدم وجود الأصل وهو البينة فهو
بدل عنها.
والرجوع إلى تعامل القائمين السابقين على الوقف بدل من البينة الشرعية، أو التسجيل لشروط الوقف في ديوان القضاة إذا اختلف أهل الوقت في شرط الواقف.
وكذلك تحكيم مهر المثل إذا اختلف الزوجان في مقدار المهر ولا بينة لأحدهما.
وكذلك اختلاف المتبايعين في مقدار الثمن أو جنسه.
وفي كل موضع يكون القول فيه لأحد المتخاصمين مع يمينه يكون بدلاً عن الأصل وهو البينات الشرعية.