الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-- القاعدة الكلية الفرعية السادسة:
قاعدة: (الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو
خاصة) :
المراد بالحاجة هنا ما كان دون الضرورة، لأن مراتب ما يحرص الشرع على توفيره للإنسان ثلاث:
الأولى: الضرورة: وهي بلوغ الإنسان حداً إذا لم يتناول الممنوع عنه هلك أو قارب، وهذا يبيح تناول الحرام، كما فُصِّل في قاعدة سابقة.
الثانية: الحاجة: وهي بلوغ الإنسان حداً لو لم يجد ما يأكله لم يهلك غير أه يكون في جهد ومشقة، فهذا لا يبيح الحرام، ولكنه يسوغ الخروج على بعض القواعد العامة ويبيح الفطر في الصوم.
الثالثة: الكمالية أو التحسينية: وهي ما يقصد من فعله نوع من الترفه وزيادة في لين العيش.
وما عدا ذلك فهو زينة وفضول دون الخروج عن الحد المشروع.
فإذا كانت هناك حاجة عامة لمجموع من الناس أو خاصة بشخص ما نزِّلت هذه الحاجة منزلة الضرورة في جواز الترخيص لأجلها، لكن الحاجة مبنية على التوسع والتسهيل فيما يسع العبد تركه بخلاف الضرورة لأن مبنى الضرورة على لزوم فعل ما لا بد منه للتخلص من عهدة تلزم العبد ولا يسعه الترك.
من فروع هذه القاعدة وأمثلتها:
مشروعية الإجارة والجعالة والحوالة والسلم جوزت على خلاف القياس لعموم الحاجة إلى ذلك، والحاجة إذا عمّت كانت كالضرورة؛ لأن الإجارة والسلم بيع
معدوم وبيع المعدوم باطل، ولكنه جوِّز هنا لحاجة الناس، والجعالة فيها جهالة.
وفي الحالة بيع دين بدين وهو ممنوع، ولكنه جوّز هنا لعموم الحاجة.
ومنها جواز الاستصناع وهو عقد مقاولة مع أهل الصنعة على أن يعمل شيئاً مثل أن يقول لصانع، كخياط مثلاً، اصنع لي ثوباً، أو خِط لي ثوباً من هذا القماش بهذه الصفة وبهذا الثمن، فيصح، أو يقول لمقاول ابن لي بيتاً على هذا المخطط.
ومنها ضمان الدَرَك وهو عبارة عن ضمان الثمن عند استحقاق المبيع، جوِّز على خلاف القياس للجهالة من المكفول به للحاجة إليه.
-- القاعدة الكلية الفرعية السابعة:
قاعدة: (الاضطرار لا يبطل حق الغير) :
هذه القاعدة تعتبر قيداً لقاعدة: (الضرورات تبيح المحظورات) .
لأن الاضطرار وإن كان في بعض المواضع يقتضي تغيير الحكم من الحرمة إلى الإباحة كأكل الميتة، وفي بعضها يقتضي الترخيص في فعله مع بقاء حرمته ككلمة الكفر، إلا أنه على كل حال لا يبطل حق الآخرين، وإلا كان من قبيل إزالة الضرر بالضرر وهذا غير جائز.
فبناءً عليه لو اضطر لأكل طعام غيره، فبعد زوال الاضطرار عليه قيمة ما أكل إن كان قيمياً، ومثله إن كان مثلياً.
والاضطرار كما يكون سماوياً كالمجاعة، يكون أيضاً بالإكراه الملجئ كالقتل أو القطع أو الإتلاف، أو بالإكراه غير الملجئ كالضرب والحبس، ففي الملجئ الضمان على الآمر لا على الفاعل وفي غير الملجئ على الفاعل.
والراجح عند الحنابلة في الإكراه على القتل اشتراك المكرَه والمكرِه في القَوَد والضمان. قالوا: لأن الإكراه ليس بعذر في القتل.
من فروع هذه القاعدة وأمثلتها:
لو صال عليه حيوان محترم كجمل أو ثور فقتله، فعند الحنفية يضمن قيمته لصاحبه؛ لأن الاضطرار لا يبطل حق الغير، إلا إذا عرف هذا الحيوان بالأذية
وطلب من صاحبه حفظه عن الناس فلم يفعل، فلا ضمان على قاتله.
وأما عند الشافعية والحنابلة فإن لا ضمان عليه مطلقاً؛ لأنه دفع الهلاك عن نفسه.
وإذا استأجر شخص قارباً أو حصاناً ساعة من الزمن وبعد أن وصل إلى عرض البحر بالقارب أو مسافة بعيدة بالحصان وانقضت مدة الإجارة فبمقتضى العقد يجب على الراكب أن يبارح القارب أو ينزل عن الحصان ويسلمه إلى صاحبه، إلا إذا رضي المؤجر أن يؤجره ثانية، لكن بما أنه يوجد هنا اضطرار فصاحب السفينة أو الحصان مجبر على أن يبقى المستأجر في القارب حتى يخرج به إلى البر، أو على ظهر الحصان حتى يرده إلى منزله، ولكن هذا الإجبار لا يمنع المؤجر من أن يطالب المستأجر بدفع أجرة المثل عن المدة الزائدة.
ولو أشرفت السفينة على الغرق فألقى متاع غيره ليخففها ضمنه.