الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ْْْْْْْْْْْْ
بسم الله الرحمن الرحيم.
اسم الكتاب:
الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية.
تأليف الشيخ الدكتور:
محمد صدقي بن أحمد بن محمد البورنو أبي الحارث الغزي.
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين.
مؤسسة الرسالة.
(المجلد الثالث) .
--
القاعدة الرابعة من القواعد الكلية الكبرى:
قاعدة: (لا ضرر ولا ضرار)
أو (الضرر يزال) .
عبَّر أكثر من كتب في القواعد عن هذه القاعدة بقولهم: (الضرر يزال) وجعلوا ما عبَّرنا به، وهو الحديث دليلاً على القاعدة وأصلاً لها.
ولكن التعبير بصيغة الحديث عن القاعدة أشمل وأعم، حيث يشمل الضرر ابتداءً ومقابلة، وأيضاً يعطي ذلك القاعدة قوة؛ إذ يجعلها دليلاً شرعياً صالحاً لبناء الأحكام عليه باعتبار أنها نص حديث نبوي كريم، بخلاف قولنا الضرر يزال فليس لهذا القول قوة شرعية كنص الخبر.
-- أصل هذه القاعدة وهو دليلها:
هذه القاعدة نص حديث نبوي كريم في رتبة الحسن أخرجه مالك في الموطأ عن عمرو بن يحيى عن أبيه مرسلاً.
وأخرجه الحاكم في المستدرك، والبيهقي، والدارقطني من حديث أبي سعيد الخدري، كما أخرجه ابن ماجة من حديث ابن عباس، وعبادة بن الصامت رضي الله عنهم.
معنى الحديث:
الضرر: إلحاق مفسدة بالغير مطلقاً.
والضرار: مقابلة الضرر بالضرر، أو إلحاق مفسدة بالغير على جهة المقابلة.
وفسره بعضهم: بأن لا يضر الرجل أخاه ابتداء ولا جزاء.
والحديث نص في تحريم الضرر؛ لأن النفي بلا الاستغراقية يفيد تحريم سائر أنواع الضرر في الشرع؛ لأنه نوع من الظلم، إلا ما خص بدليل كالحدود والعقوبات، أي أن الضرر والإضرار المحرَّمين إذا كانا بغير حق، وأما إيقاع الضرر بحق فهو مطلوب شرعاً، لأنه إدخال الضرر على من يستحقه، كمن تعدى حدود الله فيعاقب بقدر جريمته، أو كونه ظلم غيره فيطلب المظلوم مقابلته بالعدل.
وإلحاق الضرر بغير حق على نوعين:
(ا) أحدهما: أن لا يكون له في ذلك غرض سوى الضرر بذلك الغير، أي ليس ثمة نفع يعود عليه، فهذا لا ريب في قبحه وتحريمه، وقد ورد في القرآن الكريم النهي عن مثل ذلك في مواضع:
منها النهي عن المضارة في الوصية في قوله تعالى: (مِن بَعدِ وصيَّةٍ يُوصى بِها أو دَينٍ غَيْرِ مُضَارٍ) . سورة النساء، آية (12) .
ولذلك كان الأضرار بالوصية من الكبائر.
ومنها الرجعة في النكاح في قوله: (وإذا طلقتُم النِساءَ فبَلَغنَ أجَلَهُنَّ فأمسِكُوهُنَّ بمعروفٍ أو سَرِّحوهُنَّ بمعروفٍ ولا تُمسِكُوهُنَّ ضِراراً لتَعْتدُوا) . سورة البقرة، آية (231) .
ومنها في الرضاع في قوله تعالى: (لا تُضارَّ والِدَة بِوَلَدِها ولا مَولودٌ بِوَلَدِهِ) . سورة البقرة، آية (233) .
قالوا: لا يمنع أمه أن ترضعه ليحزنها بذلك، أو أن المطلقة تطلب إرضاع ولدها بزيادة عن أجرة المثل لقصد المضارة بالزوج.
(ب) والنوع الثاني: أن يكون له غرض آخر صحيح مثل أن يتصرف في ملكه بما فيه مصلحة له فيتعدى ذلك إلى ضرر غيره، أو يمنع غيره من الانتفاع بملكه فيتضرر الممنوع بذلك، فأما الأول وهو التصرف في ملكه فإن كان على غير الوجه المعتاد، كمن أوقد في أرضه ناراً في يوم عاصف فتعدت إلى جاره وأحرقت ماله، فالفاعل متعد في ذلك وعليه الضمان.
وأما إن كان على الوجه المعتاد، ففي منعه قولان: أحدهما لا يمنع من ذلك وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وغيرهم لأنه تصرف في خالص حقه.
والقول الثاني: بالمنع وهو قول أحمد ووافقه مالك في بعض الصور كمن فتح كوة في بنائه العالي مشرفة على جاره، أو يبني بناءً عالياً يشرف على جاره ولا يستره، فعند أحمد وطائفة من أصحاب الشافعي يلزم بستره، ويجتهد الحاكم في منعه إذا ظهر له قصد الفساد.
منها أن يحدث في ملكه ما يضر جاره من هز أو دق، أو له رائحة خبيثة تضر بالسكان، فإنه يمنع في ظاهر مذهب مالك وأحمد وهو أحد الوجوه للشافعية.
ومنها أن يكون له ملك في أرض غيره ويتضرر صاحب الأرض بدخوله إلى أرضه، فإنه يجبر على إزالته ليندفع به ضرر الدخول.