الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثاني: وهو ثلاث مراتب:
الأولى: مشقة عظيمة فادحة تتجاوز الحدود العادية والطاقة البشرية السوية، كما إذا كان العمل يؤدي الدوام عليه إلى الانقطاع عنه أو عن بعضه، أو يؤدي إلى خلل في صاحبه في نفسه أو ماله، كمشقة الخوف على النفوس والأطراف ومنافع الأعضاء، فالمشقة هنا خارجة عن المعتاد وموجبة للتخفيف والترخيص قطعاً؛ لأن حفظ النفوس والأطراف لإقامة مصالح الدين أولى من تعريضها للفوات في عبادة أو عبادات.
ومن أمثلتها: الخوف من الاغتسال للجنابة من شدة البرد بأن لا يجد مكاناً يؤويه ولا ثوباً يتدفأ به ولا ماء مسخناً ولا حماماً، فجاز له التيمم.
وكذا إذا لم يجد للحج إلا طريقاً من البحر وكان الغالب عدم السلامة فلا يجب عليه الحج.
المرتبة الثانية: مشقة خفيفة كأدنى وجع في إصبع أو أدنى صداع في الرأس أو سوء مزاج خفيف، فهذا وأمثاله لا أثر له ولا التفات إليه، لأن تحصيل مصالح العبادات أولى من دفع مثل هذه المفسدة التي لا أثر لها.
المرتبة الثالثة: متوسطة بين هاتين، فما دنا من المرتبة العليا أوجب التخفيف، أو من المرتب المرتب الدنيا لم يوجبه كحمى خفيفة أو وجع ضرس يسير وذلك كمريض في رمضان يخاف من الصوم زيادة مرض أو بطء البرء أو تأخيره، فيجوز له الفطر إذا غلب على ظنه ذلك، وهكذا في المرض المبيح للتيمم، واعتبروا في الحج الزاد والراحلة المناسبين للشخص، حتى قالوا، يعتبر في حق كل إنسان ما يصح معه بدنه.
عوامل المشقة الميسرة وأسباب التخفيف:
ومع أن أصل الشريعة كما رأينا مبناه على التيسير ودفع الجرح، فقد شرعت إلى جانب ذلك رخص التسهيل تابعة للعوارض التي تصيب الإنسان سماوية كانت أو غير سماوية، فمن العوارض السماوية المسببة للتخفيف:
الصغر والجنون والعته والنسيان والنوم والإغماء والرق والمرض والموت والحيض والنفاس.
فالصغر يرفع التكليف ويسقط به ما يحتمل السقوط عن البالغ بالجنون لأن التكليف مناطه العقل والجنون المطبق يسقط به كل العبادات والتكاليف.
والعته أدنى درجة من الجنون أو هو نوع منه يمنع العهدة، ويصح من المعتوه ما لا عهدة فيه كالصبي المميز.
والنسيان يكون عفواً في حقوق الله تعالى، وهو عذر في سقوط الإثم، لا في حقوق العباد.
والنوم لما كان عجزاً عن استعمال القدرة وجب تأخير الخطاب ولم يمنع الوجوب، والنوم مناف للاختيار.
ومثل النوم الإغماء، إلا إذا امتد فيسقط به الأداء، وذلك إذا زاد عن يوم وليلة.
أما الرق فهو عجز حكمي لا حقيقي، يسقط عن العبد الجمعة والحج.
والمرض شرعت العبادات عليه بالقدرة الممكنة.
والحيض والنفاس، وهما لا يعدمان الأهلية، ولكن تسقط بهما الصلاة ويؤخر الصوم دفعاً للحرج.
والموت يسقط كل التكاليف الدنيوية ويبقى للميت ما تقتضي به الحاجة من تجهيز وديون ووصايا.
وأما العوارض المكتسبة: فمنها:
الجهل بالشريعة في دار الحرب من مسلم لم يهاجر إلينا، فيعذر بالجهل بالأحكام، ويلحق به جهل الشفيع بالبيع حيث يكون له عذراً، وله حق الشفعة حين يعلم، ويلحق به جهل الأمة إذا عتقت أن لها خيار العتق.
ومن العوارض المكتسبة: السفه، والمراد به هنا الإساءة بالتصرف في المال، فيحجر على السفيه في ماله نظراً له.
والسفر من أسباب التخفيف.
والخطأ كذلك فهو عذر صالح لسقوط حق الله تعالى.
والإكراه عذر فإن له رخصاً معلومة.
أسباب التخفيف:
وقد حصر بعض الفقهاء أسباب التخفيف في سبعة أسباب رئيسية هي:
الأول: السفر، ورخصه تتعلق بقصر الصلاة، وتأخير الصوم، والمسح أكثر من يوم وليلة في السفر الطويل، وترك الجمعة، والتنفل على الدابة به وبالسفر القصير.
الثاني: المرض، ورخصه كثيرة كالتيمم عند الخوف من استعمال الماء بزيادة المرض أو تأخير الشفاء، وكالقعود في صلاة الفرض والاضطجاع والإيماء فيها، والتخلف عن الجماعة مع حصول الفضيلة، والفطر في رمضان للشيخ الفاني مع وجوب الفدية عليه، وإباحة النظر للطبيب حتى العورة والسوأتين.
الثالث: الإكراه، ومن رخصه جواز النطق بكلمة الكفر مع اطمئنان القلب بالإيمان.
الرابع: النسيان، ومن خصه رفع الإثم بسببه، وعدم الفطر له أكل أو شرب ناسياً، وعدم القضاء عند غير مالك رحمه الله.
الخامس، الجهل، وهو أربعة أنواع:
1.
جهل باطل لا يصلح عذراً في الآخرة كجهل الكافر بصفات الله تعالى وأحكام الآخرة، وجهل صاحب الهوى، وجهل الباغي، وجهل من خالف في اجتهاده الكتاب والسنة المشهورة والإجماع.
2.
الجهل في موضوع الاجتهاد الصحيح أو في موضع الشبهة فهو يصلح عذراً، كمن زنى بجارية ولده أو جارية زوجته على ظن أنها تحل له.
3.
الجهل في دار الحرب من مسلم لم يهاجر، فهو عذر في حقه، فلو شرب الخمر جاهلاً حرمتها لم يعاقب.
4.
جهل الشفيع بحقه في المشفوع، وجهل الأمة بالإعتاق، وجهل البكر بنكاح الولي، ففي هذه الثلاثة يعتبر الجهل عذرا حتى يعلم.
السادس: العسر وعموم البلوى، كالصلاة مع النجاسة المعفو عنها، ونجاسة المعذور التي تصيب ثيابه، وطين السوق، ومس المصحف للصبيان للتعلم.
وهذا السبب يعتبر من أعم الأسباب وأهمها للترخيص، بل إن أحكام الشرع كلها مبنية على التخفيف لذلك السبب.
متى يعتبر العسر وعموم البلوى عذراً؟
يعتبر العسر وعموم البلوى عذراً في موضع لا نص فيه؛ لأنه لا اعتبار للبلوى في موضع النص، كحرمة رعي حشيش الحرم وقطعه إلا الإذخر، وعدم العفو عن بول الآدمي يصيب الثوب أو البدن.
السابع: النقص، وبسببه لم يكلف الصبي ولا المجنون لنقص عقليهما، وفوض أمر أموالهما إلى الولي، وكذلك عدم تكليف النساء بكثير مما وجب على الرجال.