الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-- القاعدة الكلية الفرعي الرابعة:
قاعدة: (الأصل العدم) :
أو (الأصل في الصفات أو الأمور العارضة العدم) .
وردت هذه القاعدة بالعبارة الأولى عند ابن نجيم والسيوطي.
مقدمة:
الأشياء لها صفات وهذه الصفات نوعان:
(ا) صفات أصلية: وهي ما كان الأصل وجودها في الموصوف ابتداءً مثل كون المبيع صحيحاً سليماً من العيوب، وكون رأس مال المضاربة على حاله خالياً من الربح أو الخسارة.
(ب) صفات عارضة: وهي صفاتٌ الأصل عدم وجودها في الموصوف، ولم يتصف بها ابتداءً، كالعيب في المبيع والربح والخسارة في مال المضاربة.
مثال: لو اشترى شخص من آخر فرساً أو سيارة، وتسلمه ثم ادعى أن فيه عيباً قديماً، وادعى البائع السلامة من العيوب، ولا بينة لأحدهما فالقول قول البائع مع يمينه، لأن الصحة من الصفات الأصلية والأصل فيها الوجود، والذي يدعي الصفة الأصلية متمسك بأصل متيقن وظاهر، فالقول له مع يمينه لأنه مدعى عليه، والذي يدعي الصفة العارضة متمسك بخلاف الأصل وهو مشكوك فيه فكان مدعياً، ومن ادعى خلاف الأصل فعليه البيِّنة.
معنى القاعدة:
(أنه عند الاختلاف في ثبوت الصفة العارضة وعدمها القول قول من يتمسك بعدمها مع يمينه) .
فروع على هذه القاعدة وأمثلة لها:
إذا اختلف شريكا المضاربة في حصول الربح وعدمه، فقال رب المال: ربحت ألفاً وقال المضارب: ما حصل ربح، فالقول للمضارب مع يمينه، لتمسكه بالأصل وهو عدم الصفة العارضة وهي الربح، والبينة على رب المال لإثبات الربح، لأنه يدعي خلاف الأصل، فيحتاج للإثبات.
إذا باع شخص من آخر بقرة، ثم طلب المشتري ردها لكونها غير حلوب، فأنكر البائع وقوع البيع على هذه الشرط، فالصفة الأصلية في البقرة كونها غير حلوب، وصفة الحلب طارئة، فالقول هنا للبائع الذي يدعي عدم حصول هذا الشرط، وعلى المشتري الذي يدعي خلاف الأصل إثبات ما يدعيه.
لو باع الوكيل نسيئة (أي بالدين) فقال موكله: أمرتك بنقد، وقال الوكيل: بل أطلقت أي لم تحدد صُدِّق الآمر مع يمينه، لتمسكه بالصفة الأصلية في الوكالة وهي الخصوص.
ومنها لو ثبت على أحد دين بإقرار أو بينة، ثم ادعى الأداء أو الإبراء، فالقول لغريمه مع يمينه، لأن الأصل عدم ذلك، فثبوت الدين في الذمة متيقن، ودعوة الأداء أو الإبراء بعد ذلك مشكوك فيها، فالقول لصاحب اليقين وهو الدائن وعلى المدين البينة.
لأن ما ثبت بيقين لا يزول إلا بيقين مثله، ودعوى الأداء أو الإبراء صفة عارضة فعلى مدعيها البينة.
من مستثنيات هذه القاعدة:
1.
إذا أراد الواهب الرجوع في الهبة، وادعى الموهوب له تلف الهبة، فالقول له بلا يمين، والعلة في ذلك؛ أن تلف الهبة وصف عارض وهو خلاف الأصل، فكان الواجب بمقتضى القاعدة أن يكون الموهوب له مكلفاً بإثبات ذلك، لكن بما أن الموهوب له هنا ينكر وجوب الرد على الواهب، فأصبح شبيهاً بالمستودع الذي يدعي براءة الذمة.
2.
كذلك إذا تصرف الزوج في مال الزوجة فأقرضه آخر، وتوفيت الزوجة وادَّعى ورثتها أن الزوج تصرف في المال بدون إذن وطلبوا الحكم بضمانه، وادعى الزوج أن تصرفه كان بإذنها، فالقول للزوج مع يمينه، مع أن الإذن الذي ادعاه الزوج من الصفات العارضة، فكان الواجب أن يكون القول للورثة؛ ولكن الزوج هنا ينكر الضمان ويتمسك بأصل أقوى وهو براءة الذمة، فكان القول له مع يمينه.
-- القاعدة الكلية الفرعية الخامسة:
قاعدة: (الأصل إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته) :
أو (الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن) .
معنى هذه القاعدة:
(إذا وقع اختلاف في زمن حدوث أمر، ولا بينة ينسب هذا الأمر إلى أقرب الأوقات إلى الحال، ما لم يثبت نسبته إلى زمن أبعد) .
تعليل ذلك: (إن أحكام الحوادث ونتائجها وما يترتب عليها كثيراً ما تختلف باختلاف تاريخ حدوثها، فعند التنازع في تاريخ الحادث يحمل على الوقت الأقرب إلى الحال حتى يثبت الأبعد، لأن الوقت الأقرب قد اتفق الطرفان على وجود الحادث فيه وانفرد أحدهما بزعم وجوده قبل ذلك.
فوجود الحادث في الوقت الأقرب متيقن وفي الأبعد مشكوك.
فروع على هذه القاعدة وأمثلة لها:
لو تبين في المبيع عيب بعد القبض وادعى البائع حدوثه عند المشتري وادعى المشترى حدوثه عند البائع، فالقول لمدّعي الوقوع في الزمن الأقرب، ويعتبر العيب هنا حادثاً عند المشتري، فيكون القول للبائع منع يمينه، وليس للمشتري حق فسخ البيع حتى
يثبت أن العيب قديم عند البائع، إلا أن يكون العيب مما لا يحدث، بل هو من أصل الخلقة كالخيّف في الفرس.
ويمكن لهاذ المثال أن يندرج أيضاً تحت قاعدة: (الأصل العدم) ، حيث إن المشتري متمسك بالوصف العارض والأصل فيه العدم فيكون القول للبائع مع يمينه لأنه متمسك بوصف أصلي هو سلامة المبيع من العيب.
من رأى في ثوبه منياً ولم يذكر احتلاماً لزمه الغسل وتجب عليه إعادة كل صلاة صلاها من آخر نومه نامها فيه.
ومن ضرب بطن حامل فانفصل الولد حياً، وبقي زماناً بلا ألم ثم مات، فلا ضمان على الضارب لأن الظاهر أن الولد مات بسبب آخر إلا إذا عاضد ذلك السبب ظاهر قوي كمن جُرح وبقي زماناً يتألم من جرحه ثم مات إذ ينسب الموت هنا إلى الجرح لأنه سبب ظاهر مع احتمال أن يكون مات بغيره.
إذا ادَّعت الزوجة أن زوجها طلقها أثناء مرض الموت (طلاق الفار) وطلبت الإرث وادعى الورثة أنه طلقها في حال صحته، وأنه لا حق لها في الإرث، فالقول للزوجة، لأن الأمر الحادث المختلف على زمن وقوعه هنا هو الطلاق، فيجب أن يضاف إلى الزمن الأقرب، وهو مرض الموت الذي تدعيه الزوجة، ما لم يقم الورثة البينة على أن طلاقها كان حال الصحة.
إذا ادعى المحجور عليه أو وصيه أن عقد البيع الذي أجراه المحجور قد حصل بعد صدور الحكم بحجره، وطلب فسخ البيع، وادعى المشتري حصول البيع قبل تاريخ
الحجر، فالقول للمحجور أو وصيه، لأن وقوع البيع بعد الحجر أقرب زمناً مما يدعيه المشتري، وعلى المشتري إثبات خلاف الأصل وهو حصول البيع له قبل صدور الحكم بالحجر.
من مستثنيات هذه القاعدة:
إذا قال الوكيل بالبيع بعت وسلمت قبل العزل عن الوكالة، وقال الموكل: بل بعت وسلمت بعد العزل، كان القول للوكيل إن كان المبيع مستهلكاً، ولو فرعنا على القاعدة لكان القول قول الموكل لأنه يضيف الفعل إلى الزمن الأقرب، ولكن قالوا: إن القول للوكيل مع يمينه لأنه ينفي عن نفسه الضمان ويندرج تحت قاعدة (الأصل براءة الذمة) بخلاف ما إذا كان المبيع قائماً لم يستهلك فالقول للموكل مع يمينه.
وإذا قال شخص لغيره: قطعت يدك وأنا صغير فقال المقر له: بل قطعتها وأنت كبير، كان القول للمقر، لأنه ينفي عن نفسه الضمان مع أنه تبعاً للقاعدة يكون القول للمقر له لأنه يضيف الحادث إلى أقرب أوقاته.
إذا ادعت زوجة ذمي نصراني أو يهودي أنها أسلمت بعد وفاة زوجها، وأن لها الحق في أن ترث منه لكونها على دينه حين وفاته، وادعى الورثة أنها أسلمت قبل وفاته فلا ترث لاختلاف الدين، فهذا الفرع تنازعه أصلان: الأصل الأول الاستصحاب المعكوس أو المقلوب، وهو أن اختلاف الدين سبب للحرمان من الإرث وهو موجود بالحال، فاستصحب الحال للماضي فاعتبرت الزوجة مسلمة في الزمن السابق أيضاً فلا ترث، ويكون القول للورثة وعلى الزوجة البينة، وبهذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد.
والأصل الثاني إضافة الحادث إلى أقرب أوقاته، فيكون القول للزوجة؛ لأن اعتناقها الإسلام أمر حادث والزوجة تدعي حدوثه في الوقت الأقرب، وعلى الورثة أن يثبتوا خلاف الأصل.
وبهذا قال زفر بن الهذيل تلميذ أبي حنيفة، فلو نظرنا إلى الأصل الأول نقول إن هذه المسألة مستثناة من الأصل الثاني، وإذا نظرنا إلى الأصل الثاني تكون هذه المسألة مستثناة من الأصل الأول.
ونلاحظ هذا أن المسائل المستثناة من أي قاعدة تندرج تحت قاعدة أخرى أوجبت التعارض فلزم الترجيح، ومن هنا قال ابن نجيم وغيره: إن هذه المسائل تحتاج إلى نظر دقيق للفرق بينها.
-- القاعدة الكلية السادسة:
قاعدة: (هل الأصل في الأشياء الإباحة أو الحرمة؟)
في هذه المسألة ثلاثة أقوال ولكل قول أدلته:
القول الأول: الأصل في الأشياء الإباحة، وهذا قول الأكثرين.
ومن أدلة هذا القول:
(ا) من الكتاب العزيز:
1.
قوله تعالى: (هو الذي خلَقَ لكم ما في الأرضِ جميعاً) . سورة البقرة، آية (29) . والاستدلال بهذه الآية من وجهين.
الوجه الأول: إن هذه الآية وردت في مقام الامتنان فقد امتن الله سبحانه وتعالى علينا بخلق ما في الأرض لنا، وأبلغ درجات المن الإباحة.
والوجه الثاني: أن الله عز وجل أضاف ما خلق لنا باللام، واللام تفيد الملك وأدنى درجات الملك إباحة الانتفاع بالمملوك.
2.
قوله تعالى: (قُل مَن حرَّمَ زينةَ الله التي أخرَجَ لِعِبادهِ والطيباتِ من الرزقِ) . سورة الأعراف، آية (32) . حيث أنكر سبحانه وتعالى من حرَّم ذلك، فوجب أن لا تثبت حرمته، وإذا لم تثبت حرمته ككل امتنع ثبوت الحرمة في فرد من أفراده لأن المطلق جزء من المقيد، فلو ثبت الحرمة في فرد من أفراده لثبتت الحرمة في زينة الله وفي الطيبات من الرزق، وإذا انتفت الحرمة بالكلية ثبتت الإباحة.
3.
قوله تعالى: (قُل لا أَجِدُ ما أُوحي إليَّ مُحرماً على طاعِمٍ يطعمه إلا أن يكونَ ميتةً أو دماً مسفوحاً أو لَحمَ خِنزيرِ فإنه رِجسٌ أو فِسقاً أُهِلَّ لغير الله به فَمَنِ اضطُرَّ غير باغٍ ولا عادٍ فإنَّ ربك غفورٌ رحيمٌ) . سورة الأنعام، آية (145) .
فجعل الأصل الإباحة والتحريم مستثن.
4.
قوله تعالى: (قُل تعالوا أتْلُ ما حرَّم ربكم عليكم ألا تُشركوا بهِ شيئاً وبالوالِدَينِ إحساناً ولا تقتُلوا أولادَكم من إِملاقٍ نحنُ نرزُقُكُم وإيَّاهُم ولا تقربوا الفواحِشَ ما ظهَرَ منها وما بَطنَ ولا تقتلوا النَّفسَ التي حرَّم اللهُ إلا بالحقِ ذلِكم وصَّاكُم بهِ لعَلَّكُم تَعْقِلُونَ) . سورة الأنعام، آية (151) .
5.
قوله تعالى: (قُل إنما حرَّمَ ربي الفواحِشَ ما ظهر منها وما بَطنَ والإثمَ والبغي بغيرِ الحَقِ وأن تُشركوا باللهِ ما لم يُنزّل بهِ سُلطاناً وأن تَقُولوا على الله ما لا تعلَمُونَ) . سورة الأعراف، آية (33) .
ففي هاتين الآيتين بيَّن سبحانه ما حرَّم بتعداده وبطريق الحصر، فدل ذلك على إباحة ما سواه.
(ب) من السنة المطهرة:
1.
قوله صلى الله عليه وسلم: (ما أحل الله فهو حلال، وما حرَّم هو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فأقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً) . الحديث رواه أبو الدرداء وأخرجه البطراني والبزار بسندٍ حسن، وقال الحاكم: صحيح الإسناد.
1.
قول صلى الله عليه وسلم: (ما أحل الله فهو حلال، وما حرَّم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً) .
2.
قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله فرض فلا تضيعوها، ونهى عن
أشياء فلا تنتهكوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها)
وفي لفظ: (وسكت عن كثير من غير نسيان فلا تتكلفوها رحمة لكم فاقبلوها) .
3.
حديث سلمان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن الجبن والسمن والفراء، فقال:(الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرَّم الله في كتابه. وما سكت عنه فهو مما عفا عنه) .
4.
قوله صلى الله عليه وسلم: (أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرَّم فحرِّم من أجل مسألته) .
(ج) دليلان عقليان:
1.
إن الانتفاع بالمباح انتفاع بما لا ضرر فيه على المالك، وهو الله سبحانه، قطعاً، ولا على المنتفع فوجب أن لا يمتنع كالاستضاء بضوء السراج والاستظلال بظل الجدار.
2.
إن الله سبحانه إما أن يكون خلق هذه الأعيان أو الأشياء لحكمة أو لغير حكمة وكونه خلقها لغير حكمة باطل؛ لقول تعالى: (وما خلقنا السماواتِ والأرضَ وما بينهما لاعبين) . سورة الدخان، آية (38) .
والعبث لا يجوز على الحكمة فثبت أنه سبحانه خلقها لحكمة، ولا تخلو هذه الحكمة إما تكون لعود النفع إليه سبحانه أو إلينا،
والأول باطل لاستحالة الانتفاع عليه عز وجل، فثبت أنه خلقها لينتفع بها المحتاجون إليها، فعلى ذلك كان نفع المحتاج مطلوب الحصول أينما كان، فثبت أن الأصل في المنافع الإباحة.
وقال قبله الزركشي: عند الإمام الشافعي رضي الله عنه: (ما لم يدل دليل على تحريمه فهو الحلال) وعن أبي حنيفة رحمه الله: (ما دلَّ الدليل على حله فهو الحلال) .
وقال الحنفية: المختار أن الأصل الإباحة عند جمهور أصحابنا، ودليل هذا القول قوله تعالى:(هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً) أخبر سبحانه بأنه خلقه لنا على وجه المنة علينا، وأبلغ وجوه المنة علينا، وأبلغ وجوه المنة إطلاق الانتفاع فثبتت الإباحة.
وذكر في الهداية: (إن الإباحة أصل) وقالوا أيضاً: إن الأصل في الأشياء الإباحة عند بعض أصحابنا ومنهم الكرخي.
فإذا كان الشافعية والحنفية يرون أن الأصل في الأشياء الإباحة فمن إذن الذي يقول إن الأصل في الأشياء التحريم؟
قال ابن نجيم في الأشباه: وقال بعض أصحاب الحديث: الأصل فيها الحظر.
وقال ابن قدامة في الروضة: (وقال ابن حامد والقاضي وبعض المعتزلة: هي على الحظر، لأن التصرف في ملك الغير بغير إذنه قبيح والله سبحانه المالك، ولم يأذن، ولأنه يحتمل أن في ذلك ضرراً فالإقدام عليه حظرٌ.
أدلة القائلين بأن الأصل التحريم والرد عليها:
1.
استدلوا بقوله تعالى: (ولا تقولوا لِما تَصِفُ ألسنتُكم الكذِبَ هذا حَلالٌ وهذا حرامٌ لتفتروا على الله) . سورة النحل، آية (116) . قالوا: أخبر الله سبحانه أن التحريم والتحليل ليس إلينا، وإنما إليه، فلا نعلم الحلال والحرام إلا بإذنه.
ويجاب على دليلهم هذا: بأن القائلين بالإباحة لم يقولوا بذلك من جهة أنفسهم، بل قالوه بالدليل الذي استدلوا به من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأيضاً هذا الدليل كما هو لكم هو عليكم لأنكم حرمتم شيئاً لم يقم الدليل على تحريمه.
2.
استدل بعضهم بقوله صلى الله عليه وسلم: (الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه
وعرضه) . الحديث.
فأرشد صلى الله عليه وسم إلة اتقاء الشبهات بترك ما بين الحلال والحرام، ولم يجعل الأصل فيه أحدهما.
وأجيب عن دليلهم هذا: بأن هذا الحديث لا يدل على أن الأصل المنع، لأن المراد بالمشتبهات في الحديث ما تنازعه دليلان أحدهما يدل على إلحاقه بالحلال والآخر يدل على إلحاقه بالحرام، كما يقع ذلك عند تعارض الأدلة، أما ما سكت عنه فهو مما عفا الله عنه.
3.
كذلك استدل المانعون بدليل عقلي حيث قالوا: إن التصرف في ملك الغير بغير إذنه لا يجوز، والقول بالإباحة دون دليل تصرف في ملك الله بغير إذنه، وهذا باطل.
وأجيب عن هذه بأن ذلك بالنسبة للعباد لأنهم يصيبهم الضرر عند التصرف في أملاكهم بغير إذنهم، وأما بالنسبة لله عز وجل فذلك غير وارد؛ لأنه سبحانه لا يصيبه ضرر بتصرف العباد فيما يملك، ولم يرد دليل بالمنع.
القول الثالث:
الوقف بمعنى أنه لا يدري هل هنا حكم أولاً، وإن كان فلا ندري أهو إباحة أم حظر؟ وهؤلاء تعارضت عندهم الأدلة فلم يترجح واحد منها.
وأصحاب هذا الرأي بعض الحنفية، وأبو الحسن الأشعري، وأبو بكر الصيرفي، وأبو الحسن الخزري الحنبلي.