الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-- القاعدة الثالثة:
قاعدة: (التصرف على الرعية منوط بالمصلحة) :
أصل هذه القاعدة: قول الشافعي رضي الله عنه (منزلة الإمام من الرعية منزلة الولي من اليتيم) .
وأصله قول عمر رضوان الله عليه (إني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة وإلى اليتيم، إن احتجت أخذت منه، فإذا أيسرت رددته، فإن استغنيت استعففت) . أخرجه الدارمي في سننه.
وما ذكره أبو يوسف رحمه الله في كتاب الخراج حيث قال: بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمار بن ياسر على الصلاة والحرب، وبعث عبد الله بن مسعود على القضاء وبيت المال، وبعث عثمان بن حُنيف على مساحة الأرضين، وجعل بينهم شاة كل يوم، في بيت المال، شطرها وبطنها لعمار، وربعها لعبد الله بن مسعود، وربعها الآخر لعثمان بن حنيف، وقال: إني أنزلت نفسي وإياكم من هذا المال بمنزلة ولي اليتيم، فإن الله تبارك وتعالى قال:(ومَن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف) . سورة النساء، آية (6) .
(والله ما أرى أرضاً يؤخذ منها شاة كل يوم إلا استسرع خرابها) .
ومن أدلة هذه القاعدة:
قوله صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يسترعيه الله عز وجل رعية يموت
وهو غاش رعيته إلا حرَّم الله عليه الجنة) .
2.
قوله عليه الصلاة والسلام: (ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لم يجهد لهم وينصح لهم كنصحه وجهده لنفسه إلا لم يدخل معهم الجنة) .
معنى القاعدة:
في اللغة: المراد بالرعية هنا: عموم الناس الذين هم تحت ولاية الوالي.
منوط: اسم مفعول من الفعل نيط به مبنياً للمفعول، ومعنى نيط به أي ربط وعلق ومنه قولهم: ذات أنواط، فمنوط معناه، معلّق ومرتبط ومعهود به.
المعنى الاصطلاحي: (إن تصرف الإمام وكل من ولي شيئاً من أمور المسلمين يجب أن يكون مبنياً ومعلقاً ومقصوداً به المصلحة العامة، أي بما فيه نفع لعموم من تحت يدهم، وما لم يكن كذلك لم يكن صحيحاً ولا نافذاً شرعاً) .
فهذه القاعدة تضبط الحدود التي يتصرف في نطاقها كل من ولي شيئاً من أمور العامة من إمام أو والٍ أو أمير أو وقاض أو موظف، وتفيد أن أعمال هؤلاء وأمثالهم وتصرفاتهم لكي تنفذ على الرعية وتكون ملزمة لها يجب أن تكون مبنية على مصلحة الجماعة وخيرها.
لأن الولاة والعمال والأمراء والقضاة والقادة وغيرهم ليسوا عمالاً لأنفسهم إنما هو وكلاء على الأمة في القيام بشؤونها، فعليهم أن يراعوا خير التدابير لإقامة العدل وإزالة الظلم وإحقاق الحق وصيانة الأخلاق وتطهير المجتمع من الفساد، ونشر العلم ومحاربة الجهل، والحرص على الأموال العامة ورعايتها وإنفاقها فقط فيما يعود على الأمة بالخير والنفع، كما لا يجوز لهم أن يحابوا بها أحداً دون أحد لجاه أو
لسلطان أو رغبة أو طمع، لأنه لا يجوز للوالي أن يأخذ درهماً من أموال الناس إلا بحق، كما لا يجوز له أن يضعه إلا في يد تستحق، كما لا يجوز له كذلك أن يأخذ من مال أحد شيئاً إلا بحق ثابت معروف.
مسائل وأمثلة على هذه القاعدة:
إذا لم يكن لإنسان وارث بقرابة أو ولاء أو موالاة إذا مات فتركته لبيت مال المسلمين، وإذا قتله أحد عمداً فوليه السلطان لقوله عليه الصلاة والسلام:(السلطان ولي من لا ولي له) . وليس للسلطان أن يعفو عن قاتله، لأن القصاص حق المسلمين، بدليل أن ميراثه لهم والسلطان نائب عنهم في إقامة الحد، وفي العفو إسقاط حقهم أصلاً، ولكن للإمام أن يصالح على الدية يأخذها من القاتل أو يدفعها من ماله ليضعها في بيت مال المسلمين.
وإذا قسم الإمام المال على المستحقين يحرم عليه التفضيل مع تساوي الحاجات؛ لأن عليه التعميم وكذا التسوية بخلاف المالك.
فلا يجوز للإمام أن يقدم في مال بيت مال المسلمين الغني على الفقير أو ذي القرابة على البعيد، أو غير المحتاج على المحتاج.
وإذا أمر وال أو قاض شخصاً بأن يستهلك مالاً من بيت المال أو مالاً لشخص آخر، فإنه غير صحيح، والمستهلك ضامن حتى أن الوالي نفسه أو القاضي لو استهلك ذلك المال كان ضامناً.
كذلك لا يجوز للوالي أو القاضي أو الناضر أو الوصي أن يهب أموال الوقف أو
أموال الصغير، لأن تصرفه فيها يجب أن يكون مقيداً بالمصلحة.
ولا يجوز لأحد من ولاة الأمور أن ينصب إماماً للصلوات فاسقاً.
وإن صحح بعضهم الصلاة خلفه، لأنها مكروهة، وولي الأمر مأمور بمراعاة المصلحة، ولا مصلحة في حمل الناس على فعل المكروه.
كما أنه ليس لولي الأمر أن يزوج امرأة ليس لها ولي بغير كفء وإن رضيت؛ لأن حق الكفاءة للمسلمين وهو نائب عنهم فلا يقدر على إسقاطه.
-- القاعدة الرابعة:
قاعدة: (الثابت بالبرهان كالثابت بالعيان) :
معنى هذه القاعدة:
(ا) مفردات: البرهان: هو البينة والدليل الشرعي، والمراد به هنا البينة العادلة. العيان: المعاينة والمشاهدة.
(ب) المعنى الإجمالي الاصطلاحي: (الشيء الثابت بالبينة أو الدليل الشرعيين يعتبر كالثابت بالمعاينة والمشاهدة في الإلزام) .
أدلة هذه القاعدة:
أولاً: من القرآن الكريم قوله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجلٌ وامرأتان ممن ترضون من الشهداءِ) . البقرة، آية (282) .
وقوله تعالى: (شهادةُ بينكم إذا حضر أحدكم الموتُ حين الوصية اثنان ذوا عدلٍ منكم) . المائدة، آية (106) .
ثانياً من السنة: قوله صلى الله عليه وسلم: (البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه) .
وقوله عليه الصلاة والسلام: (إنما أنا بشر وإنكم لتختصمون إلي وعسى أن يكون بعضكم ألحن بحجته من الآخر فأقضي له على نحو ما
أسمع) . الحديث.
ووجه الدلالة من الآيتين والحديثين أن البينة لو لم تكن حجة وقائمة مقام المعاينة لما أمر الله عز وجل بالاستشهاد، ولما أمر رسوله عليه الصلاة والسلام بالبينة واليمين، ولما قضى عليه الصلاة والسلام بهما، فدل كل ذلك على أن الثابت بالدليل قائم مقام الثابت بالمشاهدة؛ وذلك تيسيراً على العباد وضماناً لعدم ضياع الحقوق لو لم يقبل إلا المعاينة والمشاهدة.
أمثلة على القاعدة:
من قال تكفلت بما لك عليه، بلا تعيين قدر المال، ثم اختلفا فيه فبرهن الطالب على ألف، لزم الكفيل؛ لأن الثابت بالبينة كالثابت معاينته.
وينتج عن كون الثابت بالبرهان كالثابت بالعيان ثلاث نتائج:
1.
أنه لا يقبل من المدعى عليه الإنكار بعد ذلك الثبوت.
2.
وأنه لا يسمع منه بعد القضاء ادعاء بخلاف ما قضي به عليه، إلا بسبب جديد.
3.
وأنه يسري الإثبات بالبينة على غير المقضي عليه بها من ذوي العلاقة الذين تجمعهم وحدة السبب الموجب، فيعتبر الموضوع ثابتاً بالنسبة لهم أيضاً.
فمن شُهِد عليه بإتلاف مال لغيره أو غصبه منه أو سرقته وثبت ذلك بالبينة العادلة وقضى به عليه، فلا يقبل إنكاره بعد ذلك الثبوت، كما لا يقبل منه ادعاء بخلاف ما قضي به عليه، وإذا كان قد باع المغصوب أو المسروق أو وهبه إلى غيره، فيسترد منه بناء على الحكم بثبوت اغتصابه أو سرقته.