الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-- أولاً:
القواعد المندرجة تحت قاعدة (الأمور بمقاصدها)
والمتفرعة عنها:
--
القاعدة الأولى: قاعدة العقود:
اختلف في صيغة هذه القاعدة عند فقهاء المذاهب تبعاً لاختلافهم في الأحكام المترتبة عليها، تبعاً للاتفاق أو للاختلاف على مضمونها، فالحنفية والمالكية صاغوها بالأسلوب الخيري؛ لأن معناها ومدلولها متفق عليه عندهم، وقد اتفقوا على أحكامها دون تردد، ولذلك فسنعمد في شرحها على مفهومها عندهم مع الإشارة إلى اختلاف غيرهم إن وجد.
ولما كان الشافعية والحنابلة قد اختلف فقاؤهم في مفهوم هذه القاعدة وأحكامها فقد أوردوها بالأسلوب الإنشائي الذي يشير إلى الاختلاف.
صيغ القاعدة:
1.
عند الحنفية والمالكية: (العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني) .
2.
عند الشافعية: (هل العبرة بصيغ العقود أو بمعانيها) ؟
3.
عند الحنابلة: (إذا وصل بألفاظ العقود ما يخرجها عن موضوعها فهل يفسد العقد بذلك أو يجعل كناية عما يمكن صحته على ذلك الوجه؟) .
أجاب
ابن رجب: فيه خلاف يلتفت إلى أن المغلَّب هل هو اللفظ أو المعنى؟
شرح القاعدة:
معاني المفردات:
العبرة: الاعتداد.
العقود: جمع عقد وهو ارتباط الإيجاب بالقبول، كعقد البيع والإجارة والإعارة.
اللفظ: هو الكلام الذي ينطق به الإنسان بقصد التعبير عن ضميره وما في نفسه.
المقاصد: جمع مقصد ومعناه نية المتكلم ومراده.
المعاني: جمع معنى وهو الصورة الذهنية التي دل عليها القول أو الفعل.
ومعنى القاعدة عند الحنفية في الاصطلاح:
إنه عند حصول العقد لا ينظر للألفاظ التي يستعملها العاقدان وإنما ينظر إلى مقاصدهم الحقيقية من الكلام الذي يلفظ به حين العقد، لأن المقصود الحقيقي هو المعنى، وليس اللفظ ولا الصيغة المستعملة، لأن الألفاظ ما هي إلا قوالب للمعاني.
وأما إذا تعذر التأليف بين الألفاظ والمعاني المقصودة فلا يجوز إلغاء الألفاظ.
مسائل القاعدة:
لو اشترى شخص من بقال سلعة وقال له: خذ هذا السيف أمانة عندك حتى أحضر لك الثمن، فالسيف يعتبر رهناً، وله حكم الرهن، ولا يكون أمانة، لأن الأمانة يحق للمؤتمن استرجاعها وقتما يشاء، ويجب على الأمين إعادتها وليس ما نحن فيه كذلك.
ولو قال شخص لآخر: قد أحلتك بالدين المطلوب مني على فلان، على أن تبقى ذمتي مشغولة حتى يدفع المحال عليه لك الدين.
فالعقد هذا لا يكون عقد حوالة لأن الحوالة هي نقل ذمة إلى ذمة أخرى، وهنا بقيت ذمة المدين مشغولة بالدين، والذي جرى وقصد إنما هو ضم ذمة إلى ذمة أخرى، وهذا عقد كفالة، فأصبح المحال عليه كفيلاً بالدين والمدين أصيلاً.
وكذلك الكفالة إذا اشترط فيها عدم مطالبة الدائن للمدين المكفول انقلبت حوالة وأخذت أحكامها، لأنها تصبح في معناها.
والهبة إذا اشترط فيها الثواب أي دفع العوض كمن قال لآخر: وهبتك هذا الشيء بكذا أو بشرط أن تعطيني كذا، أخذ العقد أحكام البيع عند الحنفية والمالكية قولاً واحداً، لأنه أصبح في معناه على الرغم من استعمال العاقد لفظ الهبة، فيرد الموهوب بالعيب، وكذا يسترد الموهوب له العوض المدفوع إذا استحق الموهوب في يده، وكذا سائر أحكام البيع.
وأما عند الشافعية والحنابلة ففي صحة العقد خلاف:
فعند الشافعية الأصح كونه بيعاً اعتباراً بالمعنى.
وعند الحنابلة في المسألة ثلاثة أقوال:
الأول: أنه بيع نظراً للمعنى.
الثاني: أنه عقد هبة صحيح، لأنه يصح عندهم شرط العوض في الهبة كما يصح شرط العوض في العارية.
الثالث: أنه عقد فاسد.
ولو أعاره شيئاً وشرط عليه العوض، فهل يصح أو لا يصح؟ على الوجهين: أحدهما: يصح ويكون كناية عن القرض، هذا إذا كان مما يتلف كالأطعمة
والأشربة فيملكه بالقبض، وعلى آخذه رد بدله، وإذا كان مما لا يتلف فيكون عقد إجارة.
الثاني: قال بعضهم إنه عقد عارية لأنه يصح عندهم شرط العوض في العارية كالهبة ولا تفسد بذلك.
وفي قول آخر: إنها تفسد (أي يبطل عقد العارية) ولا يكون عقداً آخر.
ولو قال: خذ هذا المال مضاربة والربح كله لك أوْلي.
فقال القاضي أبو يعلى وابن عقيل: هي مضاربة فاسدة يستحق فيها أجر المثل، وبمثل ذلك قال صاحب المغني. لكنه قال: إنه لا يستحق شيئاً في الصورة الثانية، لأنه دخل على أن لا شيء له ورضي به.
وقال ابن عقيل وابن قدامة في موضع آخر: إنه إبضاع صحيح، فيراعي الحكم دون اللفظ، وعلى هذا يكون في الصورة الأولى قرضاً.
وعلى هذا فمن اعتبر العقد في هذه الصور صحيحاً نظراً للمعنى فتكون هذه الأمثلة مندرجة تحت قاعدة الأمور بمقاصدها، لأنه إنما صححت العقود نظراً إلى مقاصد المتعاقدين، وأما من لم يعتبر العقد صحيحاً في هذه الصور فتكون هذه
الأمثلة وأمثالها خارجة عن قاعدة الأمور بمقاصدها ومستثناة منها، لإهمال المقاصد والعناية بالألفاظ.
استثناءات:
يستثني من هذه القاعدة.
لو باع شخص لآخر شيئاً مع نفي الثمن بقوله: بعتُك هذه السلعة بدون ثمن. فعند الحنفية يكون البيع باطلاً ولا يعتبر العقد هبة، وكذلك لو آجره بدون أجرة لأن الثمن والأجرة من أركان العقد.
وأما عند الشافعية والحنابلة: فإنه ليس بيعاً وفي انعقاده هبة قولان، لتعارض اللفظ والمعنى.
ولو قال: أسلمت إليك هذا الثوب في هذا العبد، فليس بسلم قطعاً، وفي انعقاده بيعاً قولان.