الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورد على هذا القول: بأن لكل تصرف حكم ولا يخلو تصرف عن حكم عرفه من عرفه وجهله من جهله.
متى يظهر أثر الخلاف
؟
يظهر أثر الخلاف في المسكوت عنه، ويتخرج على هذه القاعدة ما أشكل حاله، كالحيوانات التي لم ينص الله عز وجل ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم على تحريمها أو تحليلها بدليل عام ولا خاص.
كذلك النباتات التي تنبتها الأرض مما يدل دليل على تحريمها ولا كانت مما يضر مستعمله بل مما ينفعه.
فالحيوان المشكل أمره كالزرافة والفيل مثلاً فيهما وجهان، أصحهما في الزرافة الحل. والنبات المجهول سمِّيته فيه خلاف الأظهر الحل.
ومنها إذا لم يعرف حال النهر هل مباح أو مملوك؟ هل يجري عليه حكم الإباحة أو الملك؟ فيه وجهان.
ومنها لو دخل برجه حمام وشك هل هو مباح أو مملوك؟ فهو أولى به وله التصرف فيه؛ لأن الأصل الإباحة، إلا إذا كان مثله لا يوجد إلا مملوكاً فهو لُقطة، فعليه تعريفه وحفظه حتى يأتي أصحابه.
ويتخرج على هذا الأصل كثير من الأطعمة والأشربة من النباتات والفواكه والحبوب التي ترد إلينا من بلاد بعيدة ولا نعرف أسماءها ولم يثبت ضررها.
ويتخرج عليها أيضاً كثير من أنواع الفرش والأثاث والآلات المستحدثة فيما لا يندرج تحت نهي.
كما يتخرج عليها أيضاً بعض أنواع العقود المستحدثة والمعاملات الجديدة إذا
ثبت خلوها عن الربا والجهالة والغرر والضرر.
استثناء: استثنى من هذه القاعدة قاعدة أخرى متفق عليها هي:
القاعدة الكلية الفرعية السابعة:
(الأصل في الأبضاع التحريم) .
(الأصل في الذبائح التحريم) .
المراد بالأبضاع: الفروج، جمع بُضع وهو الفرج كناية عن النساء والنكاح، أي أن الأصل في النكاح الحرمة والحظر وأبيح لضرورة حفظ النسل، ولذلك لم يبحه الله سبحانه وتعالى إلا بإحدى طريقتين: هما العقد وملك اليمين، وما عداهما فهو محظور.
ولهذا لو تقابل في المرأة حِل وحرمة، غُلّبت الحرمة:
فلو أن رجلاً له جوارٍ أعتق واحدة منهم بعينها، ثم نسيها فلم يدر أيتهن أعتق، لم يسعه أن يتحرى للوطء ولا للبيع بمعنى أنه يحرم عليه أن يطأ واحدة منهن أو يبيعها ولو تحرى واجتهد، كما لا يسع الحاكم أن يخلي بينهن وبينه حتى يبين المعتقة من غيرها.
وكذلك إذا طلق إحدى نسائه بعينها ثلاثاً ثم نسيها، هذا رأي الجمهور في هذه المسألة، وعند أحمد بن حنبل رحمه الله قولان في هذه المسألة:
الأول: أنها تعين بالقرعة، ويحل له البواقي، لأن القرعة قامت مقام الشاهد والخبر للضرورة.
القول الثاني: لا يقرع بل يتوقف حتى يتبين، واختار ابن قدامة الثاني وجمهور الحنابلة الأول.
كذلك امتنع الاجتهاد فيما إذا اختلطت محرَّمة بنسب أو رضاع، بنسوة قرية محصورات، لأنه ليس أصلهن الإباحة حتى يتأيد الاجتهاد باستصحابه، وإنما جازِ
النكاح في غير صورة المحصورات رخصة من الله لئلا ينسد باب النكاح عليه.
ولو وكل شخص آخر في شراء جارية ووصفها فاشترى الوكيل الجارية بالصفة ومات قبل أن يسلمها للموكل، لم يَحُل للموكل وطؤها؛ لاحتمال أن الوكيل اشتراها لنفسه، وإن كان شراء الوكيل للجارية بالصفات المذكورة ظاهراً في الحل، ولكن الأصل التحريم حتى يتيقن الحل.
-- القاعدة الكلية الفرعية الثامنة:
قاعدة: (لا عبرة للدلالة فهي مقابلة التصريح) .
ما المراد بالدلالة هنا؟
المراد بالدلالة هنا غير اللفظ من حال أو عرف أو إشارة أو يد أو غير ذلك، وأما الصريح فهو عند العلماء ما كان المراد منه ظاهراً ظهوراً بيِّناً وتاماً ومعتاداً نطقاً أو كتابة.
معنى القاعدة:
أن التصريح بالمراد أقوى من الدلالة فإذا تعارضاً أي الصريح والدلالة، فلا عمل للدلالة ولا اعتداد بها، وأما عند عدم التعارض فيعمل بالدلالة لأنها في حكم التصريح وقوته، وهذا في المواضع التي جعلوا السكوت فيها كالنطق.
-- التعليل:
وكان ذلك لأن دلالة الحال في مقابلة الصريح ضعيفة، فلا تقاوم التصريح القوي.
مجال العمل بهذه القاعدة:
مجال هذه القاعدة الأحكام المتعلقة بالتعبير عن الإرادة من إيجاب وقبول وإذن ومنع رضا ورفض، ونحو ذلك.
فعلى ذلك لو أن شخصاً كان مأذوناً بدلالة الحال بعمل شيء فمنع
صراحة عن عمل ذلك الشيء فلا يبقى اعتبار لحكم ذلك الإذن الناشئ عن الدلالة.
أمثلة على القاعدة وفروع لها:
إذا دخل إنسان دار آخر بإذنه فوجد إناءً معداً للشرب فهو إذن بالشرب دلالة، فإذا أخذ ذلك الإناء ليشرب منه فوقع من يده وانكسر، فهو غير ضامن، وأما لو نهاه صاحب البيت أو الدار عن الشرب منه، ثم أخذه ليشرب به فوقع وانكسر، فإنه يضمن قيمته؛ لأن التصريح بالنهي أبطل حكم الإذن المستند إلى دلالة الحال، ففي صورة عدم التصريح بالنهي هو مأذون شرعاً بالدلالة (والجواز الشرعي ينافي الضمان) كما سيأتي إن شاء الله، وأما التصريح بالنهي فإنه يعدم بالدلالة فلا حكم لها.
والأمين له السفر بالوديعة دلالة فأما إذا نهاه المودع عن السفر بها صراحة فليس له السفر بها؛ لأن التصريح أقوى من الدلالة.
في قوله تعالى: (فإن لم يكن له ولدٌ وورثهُ أبواهُ فلأمِّهِ الثلث) . تخصيص الأم بالثلث بيان لكون الأب يستحق الباقي ضرورة ودلالة.
ولو تصدِّق على إنسان فسكت المتصدَّق عليه يثبت له الملك ولا حاجة إلى قوله: قبلتُ، لكن لو صرح بالرد والرفض لا يملك؛ لأن الصريح أقوى من الدلالة.
كذلك إذا أبرأ دائن مدينه فسكت المدين برئت ذمته من الدين، لأن السكوت قبول لإبراء دلالة، ولكنه لو رده ارتدّ؛ لأن الرد يفيد عدم القبول صراحة فهو أقوى.
إذا قبض الأب مهر ابنته البكر البالغة من الزوج فسكتت، كان سكوتها إذناً بالقبض
دلالة ويبرأ الزوج؛ لأن ما كان السكوت فيه كالنطق فهو من قبيل الدلالة، ولكن لو صرحت البنت بالنهي لا يجوز قبض الأب عليها ولا يبرأ الزوج.
متى ترجح الصراحة على الدلالة؟
إنما تكون الصراحة راجحة على الدلالة عند حصول معارضة بينهما قبل ترتب حكم مستند إلى الدلالة، أما بعد العمل بالدلالة، أي بعد ترتب الحكم وجريانه استناداً إليها، فلا اعتبار للصراحة.
تنبيه: اللفظ المطلق في عبارات المكلفين منه ما يوجد مقيداً بقيد نصاً، ومنه ما يكون مقيداً بالعرف والعادة، فحين الإطلاق إذا انصرف اللفظ إلى قيده المتعارف فهو تقييد من المتكلم دلالة بحسب العرف، كمن قال لآخر: اشتر لي لحماً، والمتعارف عندهم لحم الإبل مثلاً، فلا يجوز شراء لحم الضأن.
وأما إذا صرَّح بعدم إرادة القيد العرفي كما لو قال: اشترط لحم ضأن أو بقر، فلا اعتبار للدلالة المتعارفة بمقابلة الصريح.
وكذلك إذا شهدت البينة أن شراء الخارج كان قبل شراء ذي اليد، كان الخارج أولى، لأن الصريح أولى من الدلالة، حيث البينة صريح واليد دلالة.
استثناء من القاعدة:
قد تكون الدلالة أقوى من الصريح إذا كانت دلالة الشرع، لأن دلالة الشرع أقوى من صريح العبد، لعدم احتمال دلالة الشرع الكذب، فيعمل بها.
فدلالة الشارع في أن الولد للفراش أقوى في ثبوت النسب من منكر جماع المطلقة رجعياً أو إنكاره أنه راجعها في العدة، بقوله: لم أجامعها أو لم أراجعها.
فيعمل بدلالة الشرع وينسب الولد إليه؛ لأن دلالة الشرع أقوى من صريح العبد.
-- القاعدة الكلية التاسعة:
قاعدة: (لا ينسب إلى ساكت قول) :
(ولكن السكوت في معرض الحاجة إلى البيان بيان) .
هذه القاعدة مشتملة على فقرتين:
الفقرة الأولى: تفيد أن الشرع حيث ربط معاملات الناس بالعبارات الدالة على المقاصد فما جعل للسكوت حكماً ينبني عليه شيء كما تبنى الأحكام على الألفاظ.
ولهذا قال: لا ينسب إلى ساكت قول.
الفقرة الثانية: كالاستثناء مما قبلها، وهي قاعدة ذكرها الأصوليون أيضاً حيث أفادت أن السكوت في حكم النطق، وذلك في كل موضع تمس الحاجة فيه إلى البيان.
وسمى الأصوليون هذا بيان الضرورة، وهو نوع من أنواع البيان يقوم السكوت فيه مقام الكلام، إما لدلالة حال في المتكلم، تدل على أن سكوته لو لم يكن بياناً ما كان ينبغي له أن يسكت عنه وذلك كسكوت صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم عند أمر يعاينه، عن التغيير أو الإنكار، فيكون سكوته إذناً به.
وإما لأجل حال في الشخص اعتبر سكوته كلاماً لأجل حاله، كسكوت البكر البالغة في إجازة النكاح لأجل حالها الموجبة للحياء عن بيان الرغبة في الرجال، وكسكوت الناكل عن اليمين، فإنه يجعل بياناً لثبوت الحق عليه عند أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله.
وأما عند مالك والشافعي رحمهما الله فيتعتبر النكول عن اليمين إنكاراً وردا
اليمين على المدعي.
وإما لضرورة دفع الغرور كسكوت الشفيع عن طلب الشفعة بعد علمه بالبيع إذ جعل سكوته إسقاطاً للشفعة لدفع الضرر عن المشتري.
والفقرة الأولى من هذه القاعدة هي الأصل، لأن المعاملات مربوطة بالعقود والألفاظ الصريحة، وليس لجزئياتها عدد محصور.
أمثلة الفقرة الأولى:
إذا سكتت الثيب عند الاستئذان في النكاح لم يقم سكوتها مقام الإذن قطعاً.
ولو باع أجنبي مال أحد فضولاً وسلمه للمشتري، وصاحب المال يشاهد البيع والتسليم وهو ساكت أو بلغه فسكت، لا يعد سكوته توكيلاً بالبيع ولا إجازة.
ولو سكن شخص داراً لآخر غير معدة للإيجار وصاحب الدار ساكت، لا يعد سكوته إيجاراً، ولا حق له في طلب الأجرة.
ولو أتلف شخص مال آخر وصاحب المال يشاهد وهو ساكت، لا يكون سكوته إذناً بالإتلاف، بل له أن يضمنه.
وأما الفقرة الثانية من هذه القاعدة فهي كالاستثناء من الأولى؛ إذ يعتبر السكوت فيها كالنطق، فمسائلها محصورة معدودة بالاستقراء حيث أوصلها بعض الفقهاء إلى نيف وأربعين مسألة، منها:
سكوت البكر عند استثمار وليها قبل التزويج.
سكوتها عند قبض أبيها مهرها من زوجها.
سكوتها إذا بلغت بكراً فلا خيار لها بعده.
لو حلفت أن لا تتزوج فزوجها أبوها فسكتت حنثت.
سكوت المتصدق عليه يعتبر قبولاً بخلاف الموهوب له.
سكوت الوكيل قبول ويرتد برده.
إذا سكت المحرم، وقد حلق رأسه حلال، مع القدرة على منعه، لزمه الفدية في الأصح.
القراءة على الشيخ وهو ساكت ينزل منزلة نطقه في الأصح.
إذا قال الزوج المطلق رجعياً، قد راجعت، والزوجة تسمع فتسكت، ثم تدعي من الغد أن عدتها كانت قد انقضت، فلا يعتد بقولها هذا، ويعتبر سكوتها إقراراً بالرجعة.
-- القاعدة الكلية الفرعية العاشرة:
قاعدة: (لا عبرة بالتوهم) .
معنى القاعدة:
(ا) في اللغة: لا عبرة: أي لا اعتبار ولا اعتداد.
التوهم: التخيل والتمثل في الذهن، وهو أدنى درجة من الظن أو الشك، والمراد به هنا تخيل غير الواقع، أي الاحتمال العقلي البعيد النادر الحصول، فهذا لا ينبني عليه حكم، ولا يمنع القضاء ولا يؤخر الحقوق؛ لأن التوهم غير مستند إلى دليل عقلي أو حسي، بل هو أحط درجة من الشك.
(ب) معنى القاعدة في الاصطلاح:
(لا يثبت حكم شرعي استناداً إلى وهم، كما لا يجوز تأخير الشيء الثابت بصورة قطعية بوهم طارئ) .
وقد ذكر الحنفية لذلك أصلاً في بدائع الصنائع: (بأن ما لم يكن نابتاً إذا وقع الشك في ثبوته لا يثبت مع الشك فكيف مع التوهم؟ فهو باطل لا يثبت معه حكم شرعي، كما لا يؤخر لأجله حكم شرعي.
أمثلة لهذه القاعدة وفروع عليها:
لو اشتبهت عليه القبلة فصلى إلى جهة بدون نحر ولا اجتهاد، لا تصح صلاته؛ لابتنائها على مجرد الوهم، بخلاف ما لو تحرى واجتهد مع غلبة الظن إذ تصح
صلاته وإن أخطأ القبلة.
ومنها إذا مات الشهود أو غابوا بعد أداء الشهادة في المعاملات فللحاكم أن يزكيهم ويحكم بشهادتهم، ولا يؤخر الحكم لتوهم رجوعهم عن الشهادة؛ لأن التوهم لا عبرة به.
وكذلك لو مات مدين عن تركة مستغرقة بالديون، وطلب الغرماء من القاضي بيعها وتقسيم أثمانها بينهم، يفعل ولا يؤخر العمل بمجرد احتمال ظهور دائن آخر، إذ لا عبرة بالتوهم، فلو فرض ظهور دائن آخر يستوفي حقه على حسب الأصول المشروعة.
ومنها ما لو كان لدار شفيعان أحدهما غائب فللحاضر أن يأخذ كل الدار بالشفعة لأن سبب ثبوت الحق على الكمال وجد في حقه، وقد تأكد بالطلب، ولم يعرف تأكد حق الغائب، لأنه يحتمل أن يطلب وأن لا يطلب أو يعرض، فلم يقع التعارض والتزاحم، فلا يمنع الحاضر من استيفاء حقه الثابت بحق محتمل، ولا عبرة بالتوهم.
-- القاعدة الكلية الفرعية الحادية عشرة:
قاعدة: (لا عبرة بالظن البيِّن خطؤه) .
الظن: هو إدراك الاحتمال الراجح الذي ظهر رجحانه على نقيضه بدليل معتبر، فإذا ازداد قوة حتى أصبح خلافه موهوماً فهو غالب الظن.
معنى هذه القاعدة الاصطلاحي:
(إذا بني فعل من حكم أو استحقاق على ظن ثم تبين خطأ ذلك الظن فيجب عدم اعتبار ذلك الفعل وإلغاؤه) .
مجالات اعتبار هذه القاعدة:
هذه القاعدة لها فروع مختلفة الأنواع تشمل: الاجتهاديات وأحكام القضاة والعبادات والمعاملات الجارية بين الناس من عقود وإقرار وإبراء وغيرها، فالعبرة في جميع ذلك لما في نفس لا لخطأ الظن، فكل ما كان مبنياً على خطأ الظن لا يعتبر.
فروع لهذه القاعدة وأمثلة لها:
المجتهد في المسائل الظنية إذا عرض له استنباط أو دليل آخر أقوى فيجب عليه الرجوع عن قوله الأولى إلى ذلك القول الآخر، لأن القول الأول ثبت أنه كان مبنياً على ظن خاطئ.
والقاضي إذا حكم على ظن أن حكمه موافق للشرع وهو في نفس الأمر ليس كذلك فحكمه باطل لا عبرة به، ويجب الرجوع إلى الحكم الموافق للشرع، كما لو ظهر أن الشهود عبيد، مثلاً بطل حكمه.
لو وكل دائن وكيلاً بقبض دين له على رجل، ثم وهب الموكل الدين للمدين للمدين.
والوكيل لا يعلم وقبض الوكيل الدين من المدين وهلك في يده، يرجع المدين على الموكل، لأن العبرة لما في نفس الأمر لا لخطأ الظن.
وكذلك لو ادعت امرأة نكاحاً على رجل فأنكر، ثم صالحها على مال بذله لها، لا يجوز وله أن يسترد المال لأنه لا يخلو الحال من أحد أمرين: إما أن يكون النكاح ثابتاً، أو غير ثابت، فإن لم يكن النكاح ثابتاً كان دفع المال إلى المرأة من الرجل بمعنى الرشوة، وإن كان النكاح ثابتاً فلا تثبت الفرقة بهذا الصلح، لأن العوض في الفرقة تعطيه الزوجة لا الزوج، فلا يكون المال الذي تأخذه المرأة عوضاً عن شيء، فلا يجوز، فهو ظن بيِّن الخطأ.
إذا قال الزوج لزوجته: إن كان زيد في الدار فأنت طالق ثلاثاً، ومضى مع زوجته على ظن أن زيداً ليس في الدار، ثم تبين في الغد وجوده فيها، فتعتبر الزوجة طالقاً من حين القول، وتعتد منه لا من وقت التبين.
كذلك كل أمر يوجب نقض القسمة للتركة بعد وقوعها، كما لو ظهر دين على الميت بعد القسمة، أو ظهر وارث آخر كان غائباً، أو ثبت فيها خطأ فاحش، فيجب نقض القسمة؛ إذ لا عبرة بالظن البيِّن خطؤه.
وفي العيادات لو ظن الماء نجساً فتوضأ به ثم تبين أنه طاهر، جاز وضوءه إذا لم يصل.
وأما إذا صلى فيعيد الصلاة.
ولو ظن المدفوع إليه غير مصرف للزكاة فدفع له، ثم تبين أنه مصرف، أجزأه اتفاقاً.
لو ظن أنه متطهر فصلى ثم تبين له الحدث، أو ظن دخول الوقت فصلى ثم تبين أنه صلى قبل الوقت، أو ظن طهارة الماء فتوضأ به ثم تبين نجاسته، ففي كل ذلك لا اعتداد بظنه لأنه ظن تبين خطؤه.
استثناءات من هذه القاعدة:
باع شخص حيواناً من آخر، فطلبه جاره بالشفع، فظن المشتري أن الشفعة تجري في المنقول كما في غيره، وسلم الحيوان للشفيع برضاه واختياره، فليس له بعد ذلك، إذا اطلع على خطئه، استرداد الحيوان، لأنه بتسليمه المبيع يكون قد عقد بينه وبين ذلك الرجل عقداً جديداً.
لو أعطى زكاته من ظنه مصرفاً لها ثم تبين أنه غنى أو أنه ابنه، أجرأه عند أبي حنيفة ومحمد وجمهور الفقهاء، ولم يجزئه عند أبي يوسف، ولكن لو تبين أنه عبده أو مكاتبه أو حربي لم يجزئه اتفاقاً.
لو صلى في ثوب وعنده أنه نجس فظهر أنه طاهر، أعاد الصلاة.
وكذلك لو صلى وعنده أنه محدث ثم ظهر أنه متوضئ، أعاد كذلك.
ولو صلى الفرض وعنده أن الوقت لم يدخل فظهر أنه كان قد دخل، لم يجزئه ووجب عليه إعادة الصلاة.
إذا رأى المتيمم ركباً فظن أن معهم ماء توجه عليه الطلب.
لو خاطب امرأته بالطلاق وهو يظنها أجنبية أو عبده بالعتق، وهو يظنه لغيره نفذ طلاقه وعتقه، ولا عبرة بخطأ ظنه في كل هذه المسائل.
-- القاعدة الكلية الفرعية الثانية عشرة:
قاعدة: (الممتنع عادة كالممتنع حقيقة) :
الممتنع حقيقة: هو المستحيل الذي لا يمكن وقوعه عقلاً، كمن ادعى على من هو أصغر منه أو مساويه سناً أنه أبوه، فهذا الادعاء غير مقبول قطعاً للاستحالة.
وأما الممتنع عادة: فهو الذي لم يعهد وقعه وإن كان فيه احتمال عقلي بعيد، كما لو ادعى معروف الفقر أموالاً عظيمة على آخر أنه اقترضها منه دفعة واحدة، أو غصبها منه حال كونه لم يرث ولم يصب مالاً، لا تسمع هذه الدعوى لأنها مستحيلة عادة.
مقدمات:
المقدمة الأولى: الشيء الممتنع عند الأصوليين والمتكلمين ينقسم إلى قسمين:
الأول: الممتنع حقيقة وهو نوعان:
(ا) أن يكون امتناع وقوعه عقلاً لذاته، كشريك الباري سبحانه، واجتماع النقيضين والجمع بين الضدين.
(ب) أن يكون امتناع وقوعه لغيره، وهو ما يمتنع لعلم الله سبحانه وتعالى بعدم وقوعه؛ لعدم تعلق الإرادة كإيمان أبي جهل مثلاً، فإنه ممكن في نفسه ممتنع لغيره، وهو تعلق علم الله وإرادته بعدم وقوعه.
فالأول: وهو الممتنع لذاته لا نزاع بين أهل السنة والمعتزلة في عدم وقوع التكليف به، كما أنه لا نزاع بين الطرفين في وقوع التكليف بالثاني وهو الممتنع لغيره.
الثاني: الممتنع عادة، كالصعود إلى السماء مثلاً، فالجمهور على أن التكليف به غير واقع، خلافاً للأشعري القائل بوقوعه، مع الاتفاق على جواز التكليف به.
المقدمة الثانية: إن الفقهاء الذي لا ينظرون إلا في أحكام المكلفين عندهم أن الممنوع عادة كالممنوع حقيقة، فالمرء مؤاخذ بإقراره مع أنه قد يكون كاذباً إلا أنه لما كان إقرار الإنسان على نفسه كذباً بما هو ضرر عليه ممتنعاً في العادة نزّل الممتنع في العادة منزلة الممتنع في الحقيقة فكان مؤاخذاً.
من فروع هذه القاعدة وأمثلتها:
من أقر بثوب في ثوب أو في منديل لزمه الثوبان أو الثوب والمنديل، لأن الثوب قد يظرف في ثوب أو في منديل فيلزمه بإقراره الظرف والمظرف فيه.
ومن أقر بثوب في عشرة أثواب لزمه ثوب واحد عند أبي حنيفة وأبي يوسف، لأن العادة تمنع أن يلف في عشرة أثواب، فكان كالممتنع حقيقة، وأما عند محمد فيلزمه أحد عشر ثوباً، لأن النفيس من الثياب قد يلف في عشرة أثواب، فأمكن جعلها ظرفاً له.
ويدخل تحت هذه القاعدة كل شيء مستبعد في العادة.
استثناء من هذه القاعدة:
استثنى من هذه القاعدة فلم يعتبر الممتنع عادة كالممتنع حقيقة في اليمين عند أبي يوسف صاحب أبي حنيفة رحمهما الله، حيث إن شرط انعقاد اليمين عنده أن تكون في أمر في المستقبل ممكن أو غير ممكن، أما كون المحلوف عليه متصور الوجود عادة فهو ليس بشرط عنده، فإذا قال إنسان: والله لأشربن الماء الذي في هذه الكأس
معتقداً أن معتقداً فيها ماء، فإذا هي لا ماء فيها، حنث عند أبي يوسف وحده، ولم تنعقد اليمين عند جمهور الحنفية ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى، لأن شرط انعقاد اليمين عندهم أن تكون على أمر في المستقبل مع إمكان البر أو الحنث، أما مع عدم الإمكان فلا تنعقد، وكذلك لو حلف لأقتلن فلاناً معتقداً حياته، وهو ميت ولا يعلم بموته، فتنعقد اليمين عند أبي يوسف، ولا تنعقد عند جمهور الفقهاء لأن المحلوف عليه غير متصور الوجود عادة.
-- القاعدة الكلية الفرعية الثالثة عشرة:
قاعدة: (لا حجة مع الاحتمال الناشئ عن دليل) :
معاني المفردات:
الحجة: معناها البرهان.
الدليل: مأخوذ من الدلالة، ومعناها الإرشاد، والدليل اصطلاحاً: كون الشيء بحيث يلزم من العلم به العلم أو الظن بشيء آخر، أو هو كومن الشيء بحيث يلزم من الظن به الظن بشيء آخر.
معنى القاعدة اصطلاحاً:
(إنه لا حجة مقبولة أو مفيدة مع الاحتمال الذي ينشأ عن دليل ظني أو قطعي بوجود تهمة) .
وأصل هذه القاعدة في تأسيس النظر: (إن التهمة إذا تمكنت من فعل الفاعل حكم بفساد فعله) وهذا عند أبي حنيفة دون صاحبيه ودون الشافعي.
ومعنى تمكن التهمة أن لها مؤيداً من ظاهر الحال وليست مجرد توهم.
ومن فروع هذه القاعدة وأمثلتها:
لو أقر شخص من مرض موته لبعض ورثته بدين، لا ينفذ إقراره إلا بتصديق باقي الورثة، لأن احتمال اتخاذ هذا الإقرار مطية لترجيح بعض الورثة على بعض في الإرث هو احتمال قوي تدل عليه حالة المرض.
وأما إذا كان الإقرار في حال الصحة فجائز، واحتمال إرادة حرمان
بعض الورثة حينئذ من حيث إنه احتمال مجرد ونوع من التوهم لا يمنع حجية الإقرار.
أما لو أقر لأجنبي فإنه يصح بمنزلة إقراره في حال صحته، لأن هذا من حوائجه، فإنه يحتاج إلى إظهار ما عليه ليفك رقبته، وحاجته مقدمة على حق الورثة.
وهذا أي الإقرار في مرض الموت عند أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله، وأما عند مالك فإن كان المورث لا يتهم صح وإلا لم يصح، وعند الشافعي يصح إقراره.