الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
--
القواعد الكلية الفرعية المندرجة تحت قاعدة المشقة تجلب التيسير
.
القاعدة الأولى: (إذا ضاق الأمر اتسع
من قول الإمام الشافعي رضي الله عنه .
القاعدة الثانية: (إذا اتسع الأمر ضاق)
.
هاتان القاعدتان متقابلتان ومعناهما: (أنه إذا ظهرت مشقة في أمر فيرخص فيه ويوسع فإذا زالت المشقة عاد الأمر إلى ما كان) .
أي أنه إذا حصلت ضرورة عارضة للشخص أو الجماعة أو طرأ ظرف استثنائي أصبح معه الحكم الأصلي للحالات العادية محرجاً للمكلفين ومرهقاً لهم حتى يجعلهم في ضيق من التطبيق، فإنه يخفف عنهم ويوسع عليهم حتى يسهل ما دامت تلك الضرورة قائمة، فإذا انفرجت الضرورة وزالت عاد الحكم إلى أصله، وهذا معنى (إذا اتسع ضاق) .
وفي الحقيقة هذا شأن الرخص كلها إذا اضطر الإنسان ترخص، وإذا زالت الأسباب الموجبة للترخيص عاد الأمر إلى العزيمة التي كان عليها.
أدلة هاتين القاعدتين:
لهاتين القاعدتين أدلة كثيرة من الكتاب والسنة نذكر منها:
أولاً من الكتاب: قوله سبحانه وتعالى: (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَن تَقْصُرُوا
مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا 101، وَإِذا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُم مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَيْلَةً واحِدَةً، وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِن كانَ بِكُمْ أَذًى مِن مَطَرٍ أَوْ كُنتُم مَرْضى أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ؛ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذابًا مُهِينًا 102، فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فاذْكُرُوا اللَّهَ قِيامًا وَقُعُودًا وَعَلى جُنُوبِكُمْ، فَإِذا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ، إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلى الْمُؤْمِنِينَ كِتابًا مَوْقُوتًا 103) .
ففي الآيتين الأوليين دليل القاعدة الأولى، حيث إن الله سبحانه خفف على المؤمنين في حال الخوف فأباح لهم قصر الصلاة وتغيير كيفية أدائها وشرع لهم صلاة الخوف، وفي الآية الثالثة دليل القاعدة الثانية، حيث أمرهم سبحانه عند الاطمئنان وزوال حالة الخوف بإتمام الصلاة وأدائها على كيفيتها الأصلية.
ثانياً: من السنة ومنها:
ما أخرجه أبو داود عن عمرة بنت عبد الرحمن (هي عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة النجارية روت عن عائشة وأم سلمة وكانت عالمة، وكانت هي وأخواتها في حجر عائشة)، قالت: سمعت عائشة تقول دَفَّ ناس من أهل البادية حضرة الأضحى في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ادخروا الثلث وتصدقوا بما بقي) فلما كان بعد ذلك قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله لقد
كان الناس ينتفعون من ضحاياهم ويجملون منها الودك ويتخذون منها الأسقية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(وما ذاك) ؟ أو كما قال.
قالوا: يا رسول الله نهيت عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت عليكم، فكلوا وتصدقوا وادخروا) .
وفي رواية عن نبيشة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنا كنا نهيناكم عن لحومها أن تأكلوها فوق ثلاث لكي تسعكم، فقد جاء الله بالسعة فكلوا وادخروا واتجروا) .
فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث أو فوق الثلث لما ضاق الأمر على المسلمين للحاجة حينما دفت الدافة، فلما اتسع الأمر وزالت الحاجة رجع الأمر إلى أصله، فأباح لهم الادخار والانتفاع كما كانوا قبل ذلك.
فإذاً لا تقتصر دلالة هاتين الآيتين على الترخص عند الطوارئ، بل تدلان أيضا على جواز نوع من التضييق على الناس لصالح أناس آخرين عند الحاجة الماسة إلى ذلك، إذا زالت تلك الحاجة رجع الأمر إلى ما كان عليه قبل نزول تلك الحاجة، وما سبق من السنة دليل على ذلك.
ومن فروع هاتين القاعدتين وأمثلتهما:
المدين إذا كان معسراً ولا كفيل له بالمال يترك إلى وقت الميسرة، وإذا لم يقدر على إيفاء الدين جملة يساعد على تأديته مقسطاً.
إذا فقدت المرأة وليها في سفر فولت أمرها رجلاً يجوز ذلك كما قال الشافعي.
ومنها شهادة النساء والصبيان في الحمامات والمواضع التي لا يحضرها الرجال دفعاً لحرج ضياع الحقوق، والأصل في ذلك متفق عليه ولكن اختلفوا في الفروع.
ومنها شهادة القابلة على الولادة ضرورة حفظ الولد ونسبه.
ومنها إباحة أكل الميتة للمضطر، أو أكل مال الغير على أن يضمنه حفظاً للحياة.
ومنها الأعذار الموجبة لفسخ الإجارة دفعاً للضرر.
ومنها جواز الإجارة على الطاعات كتعليم القرآن والأذان والإمامة حفظاً للشعائر من الضياع.