الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
--
القواعد المتفرعة على قاعدة لا ضرر ولا ضرار
، والمندرجة تحتها:
-- القاعدة الفرعية الأولى:
قاعدة: (الضرر يدفع بقدر الإمكان) .
معنى القاعدة: (إن الضرر يدفع شرعاً، فإن أمكن دفعه بدون ضرر أصلاً وإلا فيتوسل لدفعه بالقدر الممكن) .
هذه القاعدة تفيد وجوب دفع الضرر قبل وقوعه بكل الوسائل والإمكانيات المتاحة، وفقاً لقاعدة المصالح المرسلة والسياسة الشرعية، فهي من باب الوقاية خير من العلاج، وذلك بقدر الاستطاعة، لأن التكليف الشرعي مقترن بالقدرة على التنفيذ.
دليل هذه القاعدة:
لهذه القاعدة أدلة شرعية من الكتاب والسنة منها:
قوله تعالى: (وأَعِدُّوا لَهُم ما استَطَعْتُم من قُوَّةٍ ومِن رِباطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّا اللهِ وعَدُوَّكُمْ) . سورة الأنفال، الآية (60) .
(ا) ففي جانب المصالح العامة:
شرع الجهاد لدفع شر الأعداء، ووجبت العقوبات لقمع الأجرام وصيانة الأمن، ووجب سد ذرائع الفساد من جميع أنواعه.
(ب) ومن جانب الحقوق الخاصة:
شرع حق الشفعة لدفع الضرر المتوقع عن الجار.
وشرع الحجر على السفيه لدفع الضرر سوء تصرفاته المالية.
وشرع الحجر على المفلس منعاً للضرر عن الدائنين.
وحق للقاضي منع المدين من السفر بناء على طلب الدائن، أو يوكل وكيلاً بالخصومة.
وشرع الإجبار القضائي على قسمة المال المشترك القابل للقسمة، بناء على طلب أحد الشركاء دفعاً لضرر شركة الملك.
ولو امتنع الأب من الإنفاق على ولده القاصر أو العاجز، يحبس لدفع ضرر الهلاك عن الولد.
ومن شهر على المسلمين سيفاً فعليهم أن يقتلوه إذا مست الضرورة، لقوله عليه الصلاة والسلام:(مَن شهر على المسلمين سيفاً فقد أحلَ دمه) . الحديث رواه الترمذي في الحدود، وكذلك ابن ماجة باختلاف لفظ، النسائي في كتاب التحريم) .
لأنه باغ فلضرورة دفع الضرر سقطت عصمته.
وكذلك للمضطر أن يأكل مال غيره حفاظاً على حياته، لكن عليه الضمان، لأن الضرر يدفع بقدر الإمكان، ولأن الاضطرار لا يبطل حق الغير كما سبق بيانه.
ومنها أن الأجير الذي لعمله أثر في العين، كالصبغ مثلاً أو الخياطة، إذا حبسها لقبض الأجرة فهلكت، يلزمه الضمان لكن له الأجر، لأن الضرر يدفع بقدر الإمكان.
-- القاعدة الكلية الفرعية الثانية:
قاعدة: (الضرر يزال) :
هذه القاعدة تفيد وجوب إزالة الضرر ورفعه بعد وقوعه.
من فروع هذه القاعدة وأمثلتها:
إذا سلط إنسان ميزابه على الطريق العام بحيث يضر بالمارين، فإنه يزال، وكذلك إذا تعدى على الطريق ببناء أو حفر بالوعة أو غير ذلك.
وكذلك يضمن المتلف عوض ما أتلف للضرر الذي أحدثه.
وإذا طالت أغصان شجرة لشخص وتدلت على دار غيره فأضرته يكلف رفعها أو قطعها.
وقد شرع كثير من الخيارات في بعض العقود لإزالة الأضرار الواقعة على أحد المتعاقدين، كخيار العيب وخيار الغبن.
-- القاعدة الكلية الفرعية الثالثة:
قاعدة: (الضرر لا يزال بمثله) .
أو (الضرر لا يزال بالضرر) .
هذه القاعدة تعتبر قيداً لسابقتها، لأن الضرر مهما كان واجب الإزالة، فلا يكون بإحداث ضرر مثله، ولا بأكثر منه بطريق الأولى.
فالشرط إذاً أن يزال الضرر بلا إضرار بالغير إن أمكن وإلا فبأخف منه.
فمن فروع هذه القاعدة وأمثلتها:
لا يجوز لإنسان محتاج إلى دفع الهلاك جوعاً عن نفسه أن يأخذ مال محتاج مثله، كما لا يجوز لمن أكره بالقتل أن يقتل إذا كان المراد قتله مسلماً بغير وجه حق، لأن هذه إزالة ضرر بمثله، بخلاف أكل ماله.
وإذا ظهر في المبيع عيب قديم وحدث عند المشتري عيب جديد، امتنع رد المبيع بالعيب القديم؛ لتضرر البائع بالعيب الحادث، إلا أن يرضى، ولكن يعود المشتري على البائع بالنقصان.
-- القاعدة الكلية الفرعية الرابعة:
وردت هذه القاعدة بألفاظ مختلفة:
(ا) الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف.
(ب) يختار أهون الشرين، أو أخف الضررين.
(ج) إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما.
(د) وإذا اجتمع ضرران أسقط الأصغر للأكبر.
هذه القواعد مهما اختلفت ألفاظها فهي متحدة المعنى، أي (أن الأمر إذا دار بين ضررين أحدهما أشد من الآخر فيتحمل الضرر الأخف، ولا يرتكب الأشد) .
-- أصل القاعدة:
والأصل في هذه القاعدة قولهم: (إن من ابتلي ببليتين وهم متساويتان يأخذ بأيتهما شاء، وإن اختلفتا يختار أهونهما، لأن مباشرة الحرام لا تجوز إلا للضرورة، ولا ضرورة في حق الزيادة) .
من فروع هذه القاعدة وأمثلتها:
لو كان برجل جرح لو سجد سال دمه، يومئ ويصلي قاعداً؛ لأن ترك السجود أهون من الصلاة من الحدث - عند من يوجبون انتقاض الوضوء عن سيلان الدم - ولأن ترك السجود أهون من الصلاة مع النجاسة، ولأن الدم نجس وملوِّث، كما أن ترك السجود في هذه الحالة يدفع عن الجريح ضرر خروج الدم ونزفه، وزيادة ضرره أو تأخر برئه.
لو أن مصلياً لو صلى قائماً ينكشف من عورته ما يمنع جواز الصلاة، ولو صلى قاعداً لا ينكشف منه شيء، فإنه يصلي قاعداً؛ لأن ترك القيام أهون.
ولو ابتلعت دجاجة شخص لؤلؤة ثمينة لغيره، فلصاحب اللؤلؤة أن يتملك الدجاجة بقيمتها ليذبحها.
وإذا خشي من السفينة غرقها، فإنه يرمي منها ما ثقل من المتاع ويغرم أهل السفينة ما رموا به على قيمة ما معهم من المتاع.
جاز شق بطن المرأة الميتة لإخراج الجنين إذا كانت حياته ترجى.
لو أحاط الكفار بالمسلمين - ولا مقاومة بهم - جاز دفع المال إليهم، وكذلك جاز استنقاذ الأسرى منهم بالمال، إذا لم يمكن بغيره، لأن مفسدة بقائهم بأيديهم واصطلامهم للمسلمين أعظم من بذل المال.
لو هدد بالقتل أو يرمي نفسه من مكان عال - كالمنارة مثلاً - فهل له أن يختار؟ وهل المفسدتان هنا متساويتان؟ عند أبي حنيفة رحمه الله: له الخيار إن شاء فعل ذلك وإن شاء لم يفعل ويصير حتى يقتل لتساوي البليتين.
وعند أبي يوسف ومحمد رحمها الله: يصبر ولا يلقى بنفسه، لأن في إلقاء نفسه شبهة الانتحار وهو لا يجوز بحال، ولا يجوز للمسلم أن يعين على قتل نفسه
وهو الصحيح إن شاء الله.
هذا بخلاف ما لو كان في سفينة فاحترقت فهو بالخيار بين أن يلقي بنفسه في الماء - وإن كان يخشى الغرف - أو يبقى في السفينة فيحترق.
وعند الحنابلة خلاف في المسألة، وعند أحمد فيها روايتان.
-- القاعدة الكلية الفرعية الخامسة:
قاعدة: يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام:
هذه القاعدة تدخل ضمناً في القاعدة السابقة - وإن كانت أخص منها موضوعاً - وهي قاعدة مهمة مبنية على المقاصد الشرعية في مصالح العباد، استخرجها المجتهدون من الإجماع ومعقول النصوص، وتعتبر قيداً لقاعدة (الضرر لا يزال بمثله) التي سبقت.
فالشرع إنما جاء ليحفظ على الناس دينهم وأنفسهم وعقولهم وأنسابهم وأموالهم، فكل ما يؤدي إلى الإخلال بواحد منها فهو مضرة يجب إزالتها ما أمكن، وفي سبيل تأييد مقاصد الشرع يدفع الضرر الأعم بارتكاب الضرر الأخص، ولهذه الحكمة شرع الله حد القطع حماية للأموال، وحد الزنا والقذف صيانة للأعراض، وحد الشرب حفظاً للعقول، والقصاص وقتل المرتد صيانة للأنفس والأديان.
ومن هذا القبيل شرع قتل الساحر المضر، والكافر المضل، لأن أحدهم يفتن الناس والآخر يدعوهم إلى الكفر، فيتحمل الضرر الأخص ويرتكب لدفع الضرر الأعم.
ومن فروع هذه القاعدة وأمثلتها:
جواز الرمي إلى كفار تترسوا بالمسلمين من الأسرى أو الصبيان أو النساء.
ومنها جواز الحجر على المفتي الماجن حرصاً على دين الناس.
والحجر على الطبيب الجاهل حرصاً على أرواح الناس.
والحجر على المكاري المفلس حرصاً على أموالهم وأوقاتهم.
كما يجوز التسعير على الباعة - في بعض الأحوال - دفعاً لضررهم عن العامة.
ومنها وجوب هدم حائط مال إلى طريق العامة أو هدم عمارة آيلة للسقوط. دفعاً للضرر العام.
ومنها بيع طعام المحتكر جبراً عليه عند الحاجة وامتناعه من البيع دفعاً للضرر العام.
ومنها اتخاذ حانوت للطبخ - مطبخ - في سوق باعة القماش والتجار دفعاً لضرر الحريق عن الآخرين.
-- القاعدة الكلية الفرعية السادسة:
قاعدة: (درء المفاسد أولى من جلب المصالح) :
معنى القاعدة:
المراد بدرء المفاسد دفعها ورفعها وإزالتها.
فإذا تعارضت مفسدة ومصلحة، فدفع المفسدة مقدم في الغالب، إلا أن تكون المفسدة مغلوبة؛ وذلك لأن اعتناء الشرع بترك المنهيات أشد من اعتنائه بفعل المأمورات، لما يترتب على المناهي من الضرر المنافي لحكمة الشارع في النهي.
دليل هذه القاعدة:
1.
قوله تعالى: (ولا تَسُبُوا الَّذِينَ يَدْعُونَ من دوُنِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) . سورة الأنعام، آية (108) .
ففي سب آلهة الكفار مصلحة وهي تحقير دينهم وإهانتهم لشركهم بالله سبحانه، ولكن لما تضمن ذلك مفسدة وهي مقابلتهم السب بسب الله عز وجل نهى الله سبحانه وتعالى عن سبهم درءاً لهذه المفسدة.
2.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بالشيء فخذوا به ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه) . الحديث رواه النسائي في باب وجوب الحج واللفظ له، ورواه ابن ماجة في المقدمة، بلفظ:(فخذوا منه) .
ومثل هذه القاعدة قاعدة أخرى تقول:
(إذا تعارض المانع والمقتضي يقدم المانع إلا إذا كان المقتضي أعظم) .
والمراد بالمانع هنا المفسدة، والمراد بالمقتضي الأمر الطالب للفعل لتضمنه المصلحة فوجود المانع يمنع من الفعل إلا إذا كانت المصلحة أعظم.
وهذا من باب تغليب جانب الحرمة على جانب الحلال بناء على القاعدة القائلة: (إذا اجتمع الحلال والحرام أو المبيح والمحرم غلّب الحرام) .
لأن في تغليب جانب الحرمة درء مفسدة وتقديم المانع، ومن ثَمَّ إذا تعارض دليل يقتضي التحريم وآخر يقتضي الإباحة قدم دليل التحريم في الأصح تغليباً للتحريم ودرءاً للمفسدة.
ومن أمثلة هذه القواعد وفروعها:
إذا وجب على امرأة الغسل ولم تجد سترة من الرجال تؤخر الغسل؛ لأن في كشف المرأة على الرجال مفسدة وأي مفسدة - بخلاف الرجل إذا لم يجد سترة من الرجال يغتسل ولا يؤخره. وأما إذا أراد الرجل أن يستنجى ولم يجد سترة من الرجال فلا يتكشف بل يترك الاستنجاء، لأن النجاسة الحكمية أقوى من النجاسة الحسية، والمرأة بين النساء كالرجل بين الرجال.
منع التجارة في المحرمات من خمر ومخدرات وخنزير، ولو أن فيها أرباحاً ومنافع
اقتصادية.
ويمنع مالك الدار من فتح نافذة تطل على مقر نساء جاره، ولو كان فيها منفعة له.
وإذا كانت جارية بين شريكين يحرم وطؤها عليهما.
وإذا اشتبه محرّمة بأجنبيات محصورات لم يحل الزواج بإحداهن.
وما كان أحد أبويه مأكول اللحم والآخر غير مأكول لا يحل أكله على الصحيح كالبغل.
ومنها إذا أرسل كلبه المعلم وشاركه كلب غير معلم في الصيد حرم أكل الصيد بهما.
وكذلك لو وضع المجوسي أو الشيوعي يده على يد المسلم الذابح لا يحل أكل المذبوح لاجتماع المحرم والمبيح.
ولو اشتبه مذكي بميتة أو لبن بقر بلبن أتان، أو ماء وبول، لم يجز تناول شيء منها، ولا بالاجتهاد، ما لم تكثر الأواني.
ولو اختلطت زوجته بغيرها فليس له الوطء، ولا بالاجتهاد، حتى يستيقن.
استثناء من القاعدة:
لو رمى سهماً على طائر فجرحه ووقع على الأرض فمات فإنه يحل أكله، وإن أمكن إحالة الموت على الوقوع على الأرض والارتطام بها - لأن ذلك لا بد منه - فعفي عنه، بخلاف ما لو وقع في الماء.
ومنها معاملة من أكثر ما له حرام إذا لم يعرف عين المال فلا يحرم في الأصح ولكن يكره.