الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3.
وقوله تعالى: (فمن اضطرَّ في مَخمصةٍ غير متجانفٍ لإثمٍ فإن اللهَ غفورٌ رحيمٌ) . سورة المائدة، آية (3) .
4.
وقوله تعالى: (فمن اضطرَّ غير باغٍ ولا عادٍ فإنَّ ربكَ غفورٌ رحيمٌ) . الأنعام، آية (145) .
5.
وقوله تعالى: (فمن اضطرَّ غير باغٍ ولا عادٍ فإن الله غفورٌ رحيمٌ) . النحل، آية (115) .
معنى القاعدة:
(ا) في اللغة:
الضرورات جمع ضرورة مأخوذة من الاضطرار وهو الحاجة الشديدة.
والضروري هنا ما لا يحصل وجود الشيء إلا به كالغذاء الضروري بالنسبة للإنسان.
والمحظورات جمع محظورة والمراد بها هنا الحرام المنهي عن فعله.
(ب) ومعنى القاعدة على ذلك اصطلاحاً:
(إن الممنوع شرعاً يباح عند الحاجة الشديدة، وهي الضرورة) .
من الأحكام التي تتعلق بفعل المكلف حكم يتعلق به أولاً وبالذات مقاصد أخروية، وهي إما عزيمة أو رخصة، وهذه القاعدة تتعلق بالرخص الشرعية.
أنواع الرخص التي تتخرَّج على قاعدة الضرورة:
النوع الأول: يفيد إباحة المرخص به (أي تغيير حكم الفعل ووصفه) ما دامت حالة الضرورة قائمة، وذلك كأكل الميتة للمضطر بقدر دفع الهلاك عند المجاعة، وأكل لحم الخنزير، وإساغة اللقمة عن الغصة بالخمر، أو عند العطش، أو عند الإكراه التام لا الناقص.
هذه الأشياء تباح عند الاضطرار لقوله تعالى: (إلا ما اضطررتم إليه) . أي دعتكم شدة الحاجة لأكلها، والاستثناء من التحريم إباحة.
وكما رأينا فإن الاضطرار كما يتحقق بالمجاعة يتحقق أيضاً بالإكراه التام فيباح التناول (وقد يصبح واجباً) ويحرم الامتناع حتى لو امتنع حتى مات أو قتل كان آثماً؛ لأنه بالامتناع صار ملقياً بنفسه إلى التهلكة وقد نهى عن ذلك.
وأما إن كان الإكراه ناقصاً كحبس أو ضرب لا يخاف منه التلف، فلا يحل له أن يفعل.
النوع الثاني: نوع من الرخص لا تسقط حرمته بحال أي أن الفعل يبقى حراماً لكن رخص في الإقدام عليه لحالة الضرورة كإتلاف مال المسلم أو القذف في عرضه أو إجراء كلمة الكفر على لسانه مع اطمئنان القلب بالإيمان (إذا كان الإكراه تاماً) فهذه الأفعال في نفسها محرمة مع ثبوت الرخصة، فأثر الرخصة في تغيير حكم الفعل وهو المؤاخذة فقط (لا في تغييره وصفه أي حرمته، والامتناع عن الفعل) في هذا النوع أفضل حتى لو امتنع فقتل كان مأجوراً.
النوع الثالث: أفعال لا تباح بحال ولا يرخص فيها أصلاً لا بالإكراه التام ولا غيره كقتل المسلم أو قطع عضو منه أو الزنا أو ضرب الوالدين أو أحدهما، فهذه الأفعال لا يباح الإقدام عليها ولا ترتفع المؤاخذة ولا الإثم لو فعل مع الإكراه، لأنه قد تعارض هنا مفسدتان روعي أشدهما بارتكاب أخفهما: فقتل المسلم أشد من
تهديده بالقتل، ولو قُتِلَ في هذه الحالة كان مأجوراً ولو قَتلَ كان ظالماً.
لكن لو قتل في هذه الحال هل يقتص منه أو من المكره أو من كليهما؟ خلاف بين الفقهاء، ولو زنا تحت الإكراه التام فإنه يسقط عنه الحد للشبهة لكن لا يرفع الإثم.
وعلى هذا: فالضرورة في النوع الأول: ترفع حكم الفعل وصفته، فالفاعل لا يؤاخذ ولا يأثم، لأن الفعل أصبح مباحاً بل واجباً كما رأينا، ولكن لو اضطر لأكل مال الغير فعليه ضمانه؛ لأن الاضطرار لا يبطل حق الغير كما سبق وكما سيأتي.
والنوع الثاني: ترفع الضرورة فيه المؤاخذة فقط فالفاعل لا يأثم لكن لا ترفع الضرورة صفة الفعل ولا الضمان، إذ يبقى الفعل حراماً.
والنوع الثالث: لا ترفع الضرورة فيه المؤاخذة ولا الصفة ولا الضمان ولكن يدرأ الحد بالشبهة.
وبناء على ذلك فهذه القاعدة لا تتناول النوع الأخير لأنه لا يباح بحال من الأحوال فهو مستثنى من هذه القاعدة، ولكن يذكر هنا لبيان خروجه حتى لا يلتبس بالنوعين الأولين، ولأن بعض فروعه ومسائله وقع فيها الخلاف بين الفقهاء.
فالقاعدة إنما تتناول النوع الأول مع ثبوت إباحته، والنوع الثاني مع بقاء حرمته، والترخيص إنما هو في رفع الإثم كنظر الطبيب إلى ما لا يجوز انكشافه شرعاً من مريض أو جريح، فإنه ترخيص في رفع الإثم لا الحرمة، وكالاضطرار لأكل مال الغير عند المخمصة، فإنه لا يسقط حرمة مال الغير بل يسقط الإثم، ويجب عليه ضمانه أو الاستحلال من صاحبه.
مما بنى على هذه القاعدة:
أخذ رب الدين من مال المدين الممتنع من أداء الدين بغير إذنه إذا ظفر بجنس حقه.
وجاز دفع الصائل ولو أدى ذلك الدفع إلى قتله إن لم يمكن الدفع بدونه وللمسألة صور ينبني عليها أحكامٌ متعددة.
استدراك على القاعدة:
زاد الشافعية على هذه القاعدة قيداً وهو عدم نقصان الضرورة عن المحظور، إذ قالوا:(الضرورات تبيح المحظورات بشرط عدم نقصانها عنها) .
وقالوا: ليخرج عن هذه القاعدة لو كان الميت نبياً فإنه لا يحق أكله للمضطر؛ لأن حرمة النبي في نظر الشرع أعظم من مهجة المضطر.
وهذا الشرط ملتزم أيضاً عند غير الشافعية وإن لم يشترطوه، فإنه لو أكره إنسان على قتل غيره بقتل فلا يرخص له، وكذلك لو دفن الميت بغير تكفين لا ينبش عليه، لأن مفسدة هتك حرمته أشد من مفسدة عدم تكفينه، لأن التستر بالتراب قام مقامه.
وهذا في الحقيقة يندرج تحت القاعدة القائلة: (باختيار أهون الضررين) .
-- القاعدة الكلية الفرعية الرابعة:
قاعدة: (ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها) .
أو (الضرورات تقدر بقدرها) .
هذه القاعدة تعتبر قيداً لسابقتها أي أن كل فعل أم ترك جوِّز للضرورة فلا يتجاوز عنها.
ويترتب على هذه القاعدة وأمثلتها:
أن المضطر لا يأكل من الميتة إلا قدر سد الرمق، أي بمقدار ما يدفع عن نفسه خطر الهلاك جوعاً.
الطبيب ينظر من العورة بقد الحاجة للمعالجة.
اليمين الكاذبة لا تباح للضرورة، وإنما يباح التعريض لاندفاع الضرورة به.
إذا أحدث رجل في بنائه شباكاً أي نافذة تُطل على مقر نساء جاره لا يؤمر بهدم الحائط وسد شبَّاكه كلياً، بل بقدر ما يرفع الضرر عن جاره بصورة تمنع النظر.
وإذا ظهر للحاكم مماطلة مدين في أداء دينه مع اقتداره وطلب الغرماء بيع ماله وتأدية دينه، حجر الحاكم عليه ماله، وأمره ببيعه لإيفاء الدين، وإذا امتنع باع عليه الحاكم بدءاً بما هو أهون في حق المدين بتقديم النقود أولاً، فإن لم تلف بسداد الدين باع العروض، فإن لم تف باع العقار؛ لأن الضرورة تقدر بقدرها.
ومنها المرضعة إذا ظهر بها حبل وانقطع لبنها، وليس لأب الصغير ما يستأجر به
مرضعة ولم يمكن استغناء الطفل بغير ثدي أمه وخيف هلاك الولد، قالوا: يباح أن تعالج المرضعة في استنزال الدم ما دام الحمل نطفة أو علقة أو مضغة لم يخلق له عضو، وقدروا تلك المدة بمائة وعشرين يوماً؛ لأنه يكون قتل نفس محترمة لصيانة نفس أخرى وهذا لا يجوز.
ومنها أن الكفار في حال الحرب إذا تترسوا بالمسلمين، أو أقاموا لهم معسكرات بين المسلمين فلا بأس بالرمي لضرورة إقامة فرض الجهاد، لكن يقصد بالرمي الكفار دون المسلمين.
لكن هل يجب الدية والكفارة فيما لو أصيب مسلمون؟ عند الجمهور إنها لا تجب، وقال الحسن بن زياد اللؤلؤي من علماء الحنفية القدماء، إنه تجب الدية والكفارة؛ لأن دم المسلم معصوم، فكان ينبغي أن يمنع من الرمي إلا أنه لم يمنع لضرورة فرض الجهاد، وتقدر الضرورة بقدرها في رفع المؤاخذة لا في نفي الضمان.
وإذا اضطر محارب في دار الحرب إلى الطعام أخذ من الغنيمة قبل القسمة على سبيل الحاجة، وبعد الخروج من دار الحرب لا يجوز له ذلك، ويجب عليه رد ما فضل إلى الغنيمة، لأن الانتفاع يكون بقدر الضرورة.
كذلك الجبيرة يجب أن لا تستر من العضو الصحيح في مواضع الغسل، إلا بقدر ما لا بد منه في استمساك الجبيرة، فلو زاد لم يصح المسح عليها ولا الاكتفاء بغسل ظاهرها.
-- القاعدة الكلية الفرعية الخامسة:
قاعدة: (ما جاز لعذر بطل بزواله) .
ومعناها قريب من القاعدة السابقة، أي أن مقام على الضرورة يزول بزوال هذه الضرورة، لأن جوازه لما كان لعذر فهو خلف عن الأصل المتعذر، فإذا زال العذر أمكن العمل بالأصل، فلو جاز العمل بالخلف أيضا لزم الجمع بين البدل والمبدل منه فلا يجوز، كما لا يجوز الجمع بين الحقيقة والمجاز، فمعنى البطلان هنا شامل لسقوط اعتباره من حيث إنه يصير في حكم العدم، ولوجوب الانسلاخ منه وتركه.
من فروع هذه القاعدة وأمثلتها:
المتيمم إذا وجد الماء وقدر على استعماله بطل تيممه، فإن كان العجز عن الماء لفقده بطل التيمم بالقدرة على الماء، وإن كان لمرض بطل بشفائه وبرئه، وإن كان لبرد بطل بزواله.
فمن لبس الحرير بسبب جرب أو حكة يجب عليه خلعه إذا زالت الحكة والجرب.
والموميء في الصلاة إذا قدر على القيام لزمه، والأمي إذا قدر على القراءة، والعاري إذا وجد ثوباً يستر عورته، لأن القيام والقراءة والستر فرض على القادر عليها والسقوط كان للعجز وقد زال.
ومنها المعتدة عن وفاة زوجها يجب عليها المكث في بيتها المعتدة فيه إلى تمام عدتها، لكن إذا لم تجد نفقة واضطرت للخروج لكسب عيشها جاز خروجها، فمتى حصل لها مال فاستغنت عن الخروج أو وجد من ينفق عليها فقد زال العذر فليس لها الخروج، ويتخرج على هذه القاعدة كثير من أحكام عوارض الأهلية.