المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

-- القاعدة الكلية الفرعية المندرجة تحت قاعدة (العادة محكَّمة) : -- - الوجيز في إيضاح قواعد الفقة الكلية

[محمد صدقي آل بورنو]

فهرس الكتاب

- ‌ القسم الأول:-- المقدمات والمبادئ

- ‌ المقدمة الأولى:-- معنى القواعد الفقهية والتعريف بها:

- ‌ المقدمة الثانية:-- الفروع بين القواعد الفقهية والقواعد الأصولية:

- ‌ المقدمة الثالثة:-- ميزة القواعد الفقهية ومكانتها في الشريعة وفوائد دراستها:

- ‌ المقدمة الرابعة:-- أنواع القواعد الفقهية ومراتبها:

- ‌ المقدمة الخامسة:-- مصادر القواعد الفقهية:

- ‌ المقدمة السادسة:-- حكم الاستدلال بالقواعد الفقهية على الأحكام:

- ‌ المقدمة السابعة:-- نشأن القواعد الفقهية وتدوينها وتطورها:

- ‌المقدمة الثامنة:وتحتها مسألتان:

- ‌ المقدمة التاسعة:-- أشهر المؤلفات في القواعد الفقهية عبر القرون:

- ‌القسم الثاني:المقاصد:

- ‌القاعدة الأولى:قاعدة الأمور بمقاصدها:

- ‌أدلة القاعدة وأصلها:

- ‌معنى القاعدة:

- ‌أمثلة القاعدة:

- ‌مباحث النيَّة:

- ‌ معنى النية في اللغة:

- ‌ ما لا يشترط فيه النية

- ‌تعيين النية

- ‌ نية العبادة في المباحات

- ‌ انفراد النية عن الفعل

- ‌ شروط صحة النية:

- ‌ محل النية:

- ‌ وقت النية:

- ‌ القواعد المندرجة تحت قاعدة (الأمور بمقاصدها)

- ‌ القاعدة الأولى: قاعدة العقود:

- ‌ ثانياً: قواعد في الأيمان:

- ‌قاعدة: هل اليمين على نية الحالف أو على نية المستحلف

- ‌ القواعد المستثناة من قاعدة (الأمور بمقاصدها) :

- ‌ قاعدة: (من استعجل ما أخره الشرع يجازى برده)

- ‌استدراك على قاعدة (الأمور بمقاصدها) :

- ‌طريقة معرفة حكم الجزئيات من القاعدة الكلية:

- ‌المدركات العقلية:

- ‌ القواعد الكلية المندرجة تحت قاعدة: (اليقين

- ‌ القاعدة الأولى:قاعدة (الأصل بقاء ما كان على ما كان)

- ‌معنى القاعدة:

- ‌معنى الاستصحاب وأنواعه:

- ‌أقسام الاستصحاب عند الفقهاء الحنفية:

- ‌حكم الاستصحاب:

- ‌معنى القاعدة:

- ‌متى يظهر أثر الخلاف

- ‌ القاعدة الثالثة من القواعد الكلية الكبرى:

- ‌قاعدة: (المشقة تجلب التيسير) :

- ‌أنواع المشاق والمشقة الميسرة:

- ‌عوامل المشقة الميسرة وأسباب التخفيف:

- ‌أنواع رخص الشرع التي ورد فيها التخفيف:

- ‌ القواعد الكلية الفرعية المندرجة تحت قاعدة المشقة تجلب التيسير

- ‌القاعدة الأولى: (إذا ضاق الأمر اتسع

- ‌القاعدة الثانية: (إذا اتسع الأمر ضاق)

- ‌أصل هذه القاعدة ودليلها:

- ‌أنواع الرخص التي تتخرَّج على قاعدة الضرورة:

- ‌ خاصة) :

- ‌أدلة هذه القاعدة:

- ‌ القاعدة الرابعة من القواعد الكلية الكبرى:قاعدة: (لا ضرر ولا ضرار)

- ‌ شرح القاعدة

- ‌ القواعد المتفرعة على قاعدة لا ضرر ولا ضرار

- ‌اختلاط الواجب بالمحرم:

- ‌أنواع العادة والعرف وأقسامها:

- ‌العرف والعادة أمام النصوص الشرعية:

- ‌فروع على القاعدة:

- ‌ تعارض اللفظ بين اللغة والعرف:

- ‌معنى القاعدة

- ‌استثناء

- ‌معنى القاعدة:

- ‌ النوع الثاني:-- القواعد الكلية غير الكبرى:

- ‌ القاعدة الأولى:قاعدة: (التابع تابع) :

- ‌استثناء من القاعدة:

- ‌قاعدة: (التصرف على الرعية منوط بالمصلحة) :

- ‌ القاعدة الخامسة:قاعدة: (المرء مؤاخذ بإقراره) :أو: (إقرار الإنسان على نفسه مقبول) :

- ‌ القاعدة السادسة:قاعدة: (الإقرار حجة قاصرة) :

- ‌ القاعدة السابعة:قاعدة: (الإقرار لا يرتد بالرد)

- ‌ القاعدة الثامنة:قاعدة: (من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه) :

- ‌ القاعدة التاسعة:قاعدة: (الجواز الشرعي ينافي الضمان) :

- ‌استثناء:

- ‌ القاعدة الثانية عشرة:قاعدة: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) :

- ‌ القاعدة الثالثة عشرة:قاعدة: (ليس لعرق ظالم حق) :

- ‌ القاعدة الرابعة عشرة:قاعدة: (لا يتم التبرع إلا بالقبض) :أو (التبرع لا يتم إلا بالقبض) :

- ‌استثناء:

- ‌استثناءات:

- ‌ القاعدة: السابعة عشرة:قاعدة: (لا مساغ للاجتهاد في مورد النص) :

- ‌أنواع الاجتهاد:

- ‌ القاعدة: الثامنة عشرة:قاعدة: (الاجتهاد لا ينقض بمثله أو بالاجتهاد) :

- ‌استثناء:

- ‌استثناء

- ‌ القاعدة: العشرون:قاعدة: لا يجوز لأحد أن يتصرف في ملك الغير أو حقه بلا إذن:

- ‌استثناءات:

- ‌ القاعدة: الحادية والعشرون:قاعدة: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب:

- ‌ القاعدة: الثانية والعشرون:قاعدة: الميسور لا يسقط بالمعسور:

- ‌استثناءات

- ‌ القاعدة الرابعة والعشرون:قاعدة: (المعلق بالشرط يجب ثبوته عند ثبوت الشرط) :

- ‌ القاعدة: الخامسة والعشرون:قاعدة: يلزم مراعاة الشرط بقدر الإمكان:

الفصل: -- القاعدة الكلية الفرعية المندرجة تحت قاعدة (العادة محكَّمة) : --

-- القاعدة الكلية الفرعية المندرجة تحت قاعدة (العادة محكَّمة) :

-- القاعدة الكلية الفرعية الأولى:

قاعدة: (استعمال الناس حجة يجب العمل بها) .

هذه القاعدة ب‌

‌معنى القاعدة

الكبرى، العادة محكمة، ومبينة لها وهي شاملة للعرف القولي والعرف العملي.

معنى القاعدة:

(إن عادة الناس، إذا لم تكن مخالفة للشرع، حجة ودليل يجب العمل بموجبها، لأن العادة محكَّمة) .

واستعمال الناس إن كان عاماً يعدّ حجة في حق العموم.

وأما إذا كان العرف خاصاً ببلدة مثلاً، فقد رأينا أن جمهور الحنفية والشافعية لا يعدُّونه حجة تخصص النص العام أو القياس.

ودليلهم على ذلك: أن الإجماع العمومي يستحيل تواطؤ أفراده على الكذب والضلال لكثرتهم واختلاف أقطارهم، وأما العرف الخاص فلا يمتنع فيه ذلك، وهو مع ذلك يخالفه عرف بلد آخر.

فما يتفق مع النص ويساير القياس فهو أولى بالاعتبار من المخالف.

وحاصل القاعدة: أن استعمال الناس غير المخالف للشرع ولا لنصوص الفقهاء، يعدُّ حجة كبيع السلم وعقد الاستصناع مثلاً، فقد اتفق الفقهاء على جوازهما لما مسَّت الحاجة إليهما مع أنهما في الأصل غير جائزين لأنهما بيع

ص: 292

معدوم.

ملحوظة: قد يعتبر استعمال الناس المخالف لنصوص الفقهاء إذا كانت هذه النصوص مبنية على العرف أو على ضرب من الاجتهاد والرأي، فبتبدل العرف لا مانع من تبدل الحكم إذا كان الاستمرار على الحكم السابق فيه ضرر ومشقة تصيب العباد.

فمن ذلك: عدم الاكتفاء بظاهر العدالة في الشهادة، فعلى الحاكم أن يتحقق من عدالة الشهود مع أن ذلك مخالف لما نص عليه أو حنيفة رحمه الله من الاكتفاء بظاهر العدالة، وبناءً على ما كان في زمنه من غلبة العدالة على الناس، ولكن أبا يوسف ومحمداً نصاً على أنه لا يكتفي بذلك الظاهر لفشو الكذب في زمانهما، وعلى ذلك فقهاء مختلف المذاهب.

ومن ذلك تضمين الساعي (أي النمَّام) بالفساد بين الناس ما أتلف بسبب سعايته مع مخالفة ذلك لقاعدة: (الضمان على المباشر دون المتسبب) ، ولكن لكثرة السعاة المفسدين أفتوا بتضمينه.

وسيأتي مزيد من الأمثلة على ذلك حين الحديث عن قاعدة: (لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان) .

من أمثلة هذه القاعدة وفروعها:

إذا استعان شخص بآخر على شراء عقار، وبعد وقوع البيع والشراء طلب المستعان به من المستعين أجرة، فينظر تعامل أهل السوق، فإن كان معتاداً في مثل هذه الحال أخذ أجرة كصاحب مكتب عقاري، فللمستعان به أخذ الأجرة المثلية من

ص: 293

المستعين وإلا فلا.

وإذا تقاول ملاح مع نجار على أن يصنع له زورقاً أو سفينة وبيَّن له طولها وعرضها وأوصافها اللازمة، وقبل النجار بعد بيان الثمن المطلوب، انعقد الاستصناع.

وكذلك لو اتفق إنسان مع مقاول أو متعهد أن يبني له بيتاً طبقاً لمخطط مرسوم ومواصفات خاصة بثمن مبين وشروط واضحة، انعقد الاستصناع وجازت المعاملة.

ومنها لو استأجر أجيراً يعمل له مدة معينة، حُمِل على ما جرت العادة بالعمل فيه من الزمان دون غيره، بغير خلاف، إلا إذا نص في العقد على زمن مخصوص.

ص: 294

-- القاعدتان الكليتان الفرعيتان الثانية والثالثة:

2.

قاعدة: (إنما تعتبر العادة إذا اطردت أو غلبت) .

3.

قاعدة: (العبرة للغالب الشائع لا للنادر) .

هاتان القاعدتان تعبران عن بعض شرائط العرف لكي يعتبر.

وهي شرائط: الاطراد، والغلبة، والشيوع.

ما المراد باطراد العرف؟

المراد من اطراد العرف هنا: أن يكون العمل به مستمراً في جميع الأوقات والحوادث، بحيث لا يتخلف إلا بالنص على خلافه، ومعنى ذلك أن تكون العادة كلية.

فجريان العرف على تقسيم المهر في النكاح، في بعض البلدان، إلى معجل ومؤجل إنما يكون مطرداً في البلد إذا كان أهله يجرون على هذا التقسيم في جميع حوادث النكاح، ولا يخرجون عنه إلا عند النص على خلافه.

ما المراد من الغلبة؟

المراد من الغلبة هنا: أن يكون جريان أهله عليه حاصلاً في أكثر الحوادث أو عند أكثر الناس.

فاشتراط الاطراد والغلبة هو في الحقيقة اشتراط للأغلبية العملية فيه لأجل اعتباره حاكماً في الحوادث.

ما المراد من الشيوع؟

ص: 295

والمراد من الشيوع هنا: اشتهار العمل بذلك العرف وانتشاره بين الناس، وأما إذا كان العرف خاصاً، فقد رأينا أنه لا يعتد به في الأصح في تخصيص النص أو الأثر، فأولى بذلك العرف النادر استعماله.

وأما إذا تساوى عمل الناس وعدمه بالعادة أو العرف فيسمى حينئذ عرفاً مشتركاً، والعرف المشترك لا يعتبر في معاملات الناس ولا يصلح مستنداً ودليلاً للرجوع إليه في تحديد الحقوق والواجبات المطلقة، لأن عمل القوم به أحياناً إذا صلح دليلاً على قصدهم إلى تحكيمه، فتركهم له أحياناً مماثلة ينقض هذه الدلالة.

وهذان الشرطان شاملان للعرف العام والعرف الخاص، عند من يقول باعتباره، فكلاهما يشترط لاعتباره وتحكيمه في المعاملات المطلقة أن يكون في محيطه مطرداً أو غالباً على أعمال أهله، وشائعاً بينهم شيوعاً شاملاً لهم.

ص: 296

-- القاعدة الكلية الفرعية الرابعة:

4.

قاعدة: (العرف الذي تحمل عليه الألفاظ إنما هو المقارن السابق دون المتأخر اللاحق) .

ولذلك قالوا: (لا عبرة بالعرف الطارئ) :

هذه القاعدة تعبر عن شرط آخر من شروط اعتبار العرف وهو: كونه سابقاً للحكم في الوجود لا تالياً له متأخراً عنه، وأن يحمل الحكم على العرف الموجود وقت التلفظ، فلا يجوز أن يحمل حكم حدث قبلاً على عرف حدث متأخراً؛ لأن النصوص التشريعية يجب أن تفهم مدلولاتها اللغوية والعرفية في عصر صدور النص لأنها هي مراد الشارع أو العاقد، ولا اعتبار بتبديل مفاهيم اللفظ في الأعراف المتأخرة.

فمثلاً: لفظ في سبيل الله، ولفظ ابن السبيل من آية مصارف الزكاة لها معنى عرفي إذ ذاك وهو مصالح الجهاد الشرعي أو سبل الخيرات في الأول، ومن ينقطع من الناس في السفر، في الثاني، فلو تبدل عرف الناس في شيء من هذه التعابير فأصبح سبيل الله مثلاً، معناه طلب العلم خاصة، وابن السبيل الطفل اللقيط مثلاً، فإن النص الشرعي يبقى محمولاً على معناه العرفي الأول عند صدوره، ومعمولاً به في حدود ذلك المعنى لا غير، ولا عبرة للمعاني العرفية أو الاصطلاحية الطارئة.

ولأن العبرة بالعرف المقارن السابق لا المتأخر أثرت العادة الغالبة في المعاملات لكثرة وقوعها، ولم تعتبر في التعليق والإقرار والدعوى، إذ يبقى الشرط

ص: 297

في التعليق على عمومه ولا يخصه العرف الطارئ عليه، لأن انعقاده إنما هو على العرف المقارن للتلفظ لا على العرف الحادث بعده، فلو كان العرف في بلدة على بيع رأس الغنم وأكله فقال لزوجته: إن أكلت رأساً فأنت طالق، ثم تعورف فيها أكل رأس البقر فأكلت بعد تبديل العرف رأس البقر، قالوا: لا يقع الطلاق، لأن اليمين انعقدت على رأس الغنم بحسب العرف المقارن للتعليق، فلا يتغير بالعرف المتأخر.

وأما الإقرار فهو إخبار عن وجوب سابق وربما يتقدم الوجوب على العرف الحادث الغالب في البلد، فلو اعتبر فيه العرف دائماً لأدى إلى إبطال بعض الحقوق فلا بد من التفصيل.

فلو أقر لإنسان بألف ريال غصبها أو سرقها أو استدانها منذ خمسين سنة ولم يبين فيجب حملها على الريالات التي كانت سائدة في ذلك الزمن، لا الريالات التي يتعارفها الناس اليوم، إلا أن يُبين.

وكذلك الدعوى، لأن الدعوى كالإقرار فهي إخبار بما تقدم، فلا يقيدها العرف المتأخر، بخلاف العقد فإنه باشره للحال فقيده العرف، ولذلك صدرت هذه المقولة:(إن العادة الغالبة إنما تؤثر في المعاملات لكثرة وقوعها، ولا تؤثر في التعليق والإقرار والدعوى، بل يبقى اللفظ فيها على عمومه ولا يخصصه العرف فإذا اشترى بألف في بلد عملته الريالات لزمه ذلك، لأن البيع معاملة والغالب أن المعاملة تقع بما اعتاده الناس من نقود) .

ص: 298

-- القواعد الكلية الفرعية الخامسة والسادسة والسابعة وهي:

5.

قاعدة: الحقيقة تترك بدلالة العادة.

6.

قاعدة: الكتاب كالخطاب.

هذه القواعد الثلاث تتعلق باعتبار العرف اللفظي وما يقوم مقامه عرفاً في التعبير كالكتابة والإشارة.

-- القاعدة الأولى منها: (الحقيقة تترك بدلالة العادة) :

هذه القاعدة تدخل تحت مسألة تعارض اللغة مع العرف.

فمعنى الحقيقة في اللغة: من حَقَّ الشيء إذا ثبت، والمراد بالحقيقة هنا: دلالة اللفظ في أصل وضع اللغة، وهو المعبر عنه في اصطلاح البلاغيين بأنه:(اللفظ المستعمل فيما وضع له) أي تعيَّن له بحيث يدل عليه بغير قرينة، سواء كان التعيين من جهة واضع اللغة فيكون حقيقة لغوية، أم غيره، فيكون حقيقة عرفية أو شرعية.

أنواع الحقيقة:

للحقيقة أربعة أنواع:

1.

حقيقية لغوية:

وهي الألفاظ المستعملة فيما وضعت له لغة، كلفظ الأسد للحيوان المفترس، ولفظ الحمار للحيوان الناهق، ولفظ الدابة في كل ما دب على

ص: 299

الأرض.

2.

حقيقة شرعية:

وهي الألفاظ التي وضعها الشارع للدلالة على معانيها الخاصة كالصلاة والزكاة والصوم والحج، إلخ.

3.

حقيقة عرفية عامة:

وهي اللفظ الذي غلب استعماله في غير مسماه اللغوي، كلفظ الدابة في ذوات الأربع، أو على الحمار خاصة أو الفرس في بعض البلدان.

4.

حقيقة عرفية خاصة:

وهي الألفاظ التي يستعملها بعض الطوائف كاصطلاح لهم، كلفظ الفعل والفاعل عند النحاة، والجوهر والعرض عند المتكلمين، والسبب والوتد عند العروضيين.

ولما كان الأصل في الكلام الحقيقة، كما سيأتي بيانه، كان الواجب استعمال كل لفظ في معناه الحقيقي؛ ولكن قد يهجر المعنى الحقيقي عرفاً أو عادة، فيكون الحكم في ذلك متعذراً أو كالمتعذر.

مثال ذلك: لو حلف لا يضع قدمه في دار فلان، إذ ينصرف المعنى إلى الدخول بأي وجه كان راكباً ما ماشياً، حافياً أو منتعلاً لأنه هو المتعارف، لا المعنى الحقيقي، وهو مباشرة القدم دخل أو لم يدخل، لأن هذا المعنى مهجور عرفاً، والعرف قاض على الوضع، وقد تركت الحقيقة هنا بدلالة العادة والعرف.

-- معنى القاعدة اصطلاحاً:

إن دلالة اللفظ الحقيقية تترك ولا تعتبر إذا دل العرف والعادة على استعمال هذه اللفظة استعمالاً مغايراً لمعناها الحقيقي، ويبني الحكم على المعنى الذي دل عليه العرف والعادة.

من فروع هذه القاعدة وأمثلتها:

صيغ الماضي في العقود كبعث واشتريت يتم العقد بها، وإن كانت للماضي

ص: 300

وضعاً، لأنها جعلت إيجاباً للحال في عرف أهل اللغة والشرع.

وأما القاعدة الثانية وهي:

قاعدة: (الكتاب كالخطاب) :

فتفيد أن العبارات الكتابية كالمخاطبات الشفهية، لأن المراد بالخطاب هنا المخاطبة والمكالمة، فما يترتب على المكالمات الشفوية يترتب على المكالمة الكتابة وكما قيل: القلم أحد اللسانين، والكتابة ممن نأى بمنزلة الخطاب ممن دنا.

والرسول صلى الله عليه وسلم كان مأموراً بتبليغ الرسالة إلى الناس كافة وبلغهم بالكتاب مرة وبالخطاب أخرى، والقرآن أصل الدين قد وصل إلينا بالكتاب بعد ثبت بالحجة.

والكتابة على هذا معمول بها سواء كانت من الجانبين، كما لو كان رجل في مكة فكتب إلى آخر في دمشق: بعتك داري الكائنة في دمشق أو غيرها وذكر أوصافها وحدودها والمبلغ الذي سيبيعها به، فكتب إليه الآخر: اشتريت منك الدار المذكورة، فيعقد البيع بينهما كالمشافهة، أم كانت الكتابة من جانب واحد كما لو قال المكتوب إليه في دمشق، حال قراءة الكتاب في المجلس: اشتريت، أو خاطبه بالقبول هاتفياً.

وعلى هذا سائر التصرفات المالية والعقود من كفالة أو حوالة أو إيجار أو نكاح، إلخ، غير أن صحة عقد النكاح تتوقف على أن يقرأ المكتوب إليه الكتاب ويعلن الموافقة بمحضر من الشهود.

-- شروط الكتابة المقبولة:

من شروط الكتابة المقبولة التي هي في حكم الخطاب، أن تكون مستبينة

ص: 301

أي بينة واضحة الخط، ومعنونة بأن كانت على الرسم المعتاد، فلو لم تكن مستبينة أو غير معنونة فلا يعمل بها إلا بالنية أو الإشهاد عليها، أو الإملاء على الغير، إلا في خط السمسار والبياع والصراف يكتبون ما عليهم في دفاترهم، فيعمل به وإن لم يكن معنوناً.

والحاصل: أن كل كتاب يحرر على الوجه المتعارف بين الناس يكون حجة على كاتبه كالنطق باللسان.

-- القاعدة الثالثة:

(الإشارة المعهودة للأخرس كالبيان باللسان) .

-- معنى هذه القاعدة:

إن إشارة الأخرس، وهو المعقول اللسان خلقه أو عاهة دائمة، إشارته المعهودة منه كالإشارة باليد أو بالعين أو الحاجب تعتبر كبيان الناطق في بناء الأحكام عليها.

-- التعليل:

إن الأخرس لو لم تعتبر إشارته لما صحت معاملته لأحد من الناس، ولكان عرضة للموت جوعاً وعرياً إن لم يجد أحداً يقضي له مصالحه نيابة عنه، ووجود النائب في كل حال متعذر، وكيف تقبل نيابته إذا لم تعتبر إشارته؟!

ويفهم من إيراد هذه القاعدة مطلقة أن إشارة الأخرس تكون معتبرة سواء كان عالماً بالكتابة أو غير عالم؛ لأن الكتابة والإشارة بدرجة واحدة من حيث الدلالة على المراد.

ص: 302

فيم تعتبر إشارة الأخرس؟

تعتبر إشارة الأخرس في كل تصرفاته ومعاملاته من: نكاح وطلاق وعتق وبيع وشراء ورهن وهبة وإبراء وإقرار ويمين ونكول ووصية ودعوى ولعان وقذف وإسلام وغير ذلك من الأحكام، وهذا من باب استحسان الضرورة لما قد يصيب الأخرس من ضرر وحرج لو لم تعتبر إشارته.

فكما أن الشرع قد اعتبر إشارة الأخرس في العبادات فإذا حَرَّك لسانه بالقراءة والتكبير كان صحيحاً معتبراً فكذلك في المعاملات.

وإذا كانت الإشارة قد تكون بياناً من القادر في بعض المواضع، كما ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو أفصح العرب والعجم، قد أنبأنا بالإشارة عدد أيام الشهر حينما قال:(الشهر هكذا) ويشير بيده أنه تسعة وعشرون يوماً، فالعاجز عن النطق أولى أن تقبل إشارته وتكون بياناً لما يريد، ولأن الكتاب من الغائب إذا كان معتبراً كالخطاب ففي حق الأخرس أولى، لأن عجزه أظهر وألزم عادة، لأن الغائب يقدر على الحضور والأخرس لا يقدر على الكلام والتعبير، فكان قبول إشارته أولى.

ما الإشارة المعتبرة للأخرس؟

الإشارة المعتبرة للأخرس هي الإشارات المعهودة المعتاد صرف كل إشارة منها لمعنى خاص، فلو لم تكن إشارته معهودة معلومة عند القاضي يلزم استفساره

ص: 303

ممن يعرف من نحو أصحابه وجيرانه وأقربائه، ويشترط أن يكون المترجم عدلاً، لأن الفاسق لا يقبل كلامه.

مَن الأخرس الذي يعتد بإشارته؟

اختلف في المراد بالأخرس هل هو الأخرس خلقه دون من عرض له اعتقال اللسان أو هما سواء! خلاف بين المذاهب، فعند الحنفية إنما يعتد بإشارة الأخرس خلقة دون من عقل لسانه إلا إذا امتد، وأما عند الشافعية فهما سواء.

متى لا تعتبر إشارة الأخرس ولا يعتد بها؟

رأينا أن إشارة الأخرس تقبل في عبادته ومعاملاته وتصرفاته الحقوقية والمدنية كلها، ولكن في الحدود والعقوبات الخالصة لله تعالى، لا تقبل إشارته بناء على قاعدة (وجوب درء الحدود بالشبهات) فالأخرس لا يحد ولا يحد له، واختلفوا في القذف، فعند أبي حنيفة إذا كان الأخرس قاذفاً ليس بصريح والحد لا يجب إلا بالقذف بصريح الزنا، وإن كان مقذوفاً فلعله بإيمائه يكون مصدقاً للقاذف، فلا يتيقن بطلبه الحد، ولهذا اشترط الحنفية أن يكون المشهود عليه بالزنا غير أخرس، لأنه، أي الأخرس لا يقدر على دعوى شبهة تسقط الحد، والحدود إنما شرعت زاجرة فلا تثبت مع الشبهة لعدم الحاجة.

والقذف عند الحنفية حق خالق لله تعالى وهي رواية عن أحمد، وأما عند مالك والشافعي ورواية عن أحمد أن القذف حق العبد، ولذلك يحد الأخرس به ويسقط بإسقاط المقذوف.

ص: 304