الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
--
القاعدة الرابعة والعشرون:
قاعدة: (المعلق بالشرط يجب ثبوته عند ثبوت الشرط) :
التصرفات القولية ومنها العقود لها حالتان عامتان:
الحالة: حالة الإطلاق: عندما تصدر العبارة عن المتكلم منجزة ومطلقة من كل قيد وشرط، ففي هذه الحالة يعتبر التصرف أو العقد شرعاً، وتترتب عليه أحكامه وآثاره فور إنشائه، كما لو قال أحد العاقدين للآخر مثلاً:
بعتك سيارتي هذه بعشرة آلاف ريال نقداً وقبل الآخر، فإن ينبرم العقد بينهما فيأخذ حكمه حالاً، فيملك المشتري المبيع ويملك البائع الثمن، ويسمى هذا العقد منجزاً مطلقاً.
الحالة الثانية: حالة التقييد أو التعليق وذلك حينما يصدر التصرف من المتكلم مربوطاً بأمر يقصد به ربط وجود العقد بوجود شيء آخر أو تقييد حكمه وآثاره، أو تأخيره مفعوله إلى زمن مستقبل.
فمثلاً: إذا قال البائع: بعتك هذه الدار بكذا إذا رضي شريكي، وقبل المشتري فهنا يكون المتبايعان غير معتزمين تنجيز البيع، وإنما علقاه وربطاه برضى الشريك الذي يمكن أن يرضى أو لا يرضى، فالبيع تحت احتمال الوجود والعدم فالعقد هنا يسمى عقداً معلقاً على شرط.
وإذا قال البائع: بعتك هذه السيارة على أن أستعملها شهراً أو بشرط أن أقوم بإصلاح ما يطرأ عليها من خلل إلى شهر مثلاً: وقبل المشتري فالبيع منعقد منجزاً
ولكنه مقيد بقيد يحفظ لأحدهما حقاً، وهذا يسمى عقداً مقيداً بشرط.
وأما إذا قال البائع بعتك هذه السيارة بكذا اعتباراً من أول الشهر القادم، وقبل المشتري، فالعقد هنا غير ناجز، بل تأخر حكمه إلى أو الشهر القادم بذلك القيد، وهذا يسمى عقداً مضافاً إلى زمن مستقبل.
فما يعلق عليه العقد وما يقيد به وما يقصد به تأخير سريان مفعوله يسمى شرطاً.
فما الشرط، وما أنواعه، وما معنى التعليق، والتقييد، والإضافة؟
1.
الشرط: لغة العلامة، ومنه أشراط الساعة أي علاماتها جمع شرط، ويطلق الشرط في العقود على ما يقع فيها من القيود التي تذكر في الكلام من صفة أو حال أو شرط أو استثناء أو لفظ، نحو على أن يكون، أو بشرط كذا.
مثال المقيد بالصفة: جعلت غلة وقفي هذا على العلماء الفقراء.
مثال المقيد بالحال: إن دخلت الدار راكباً فعبدي حر.
مثال المقيد بالشرط الاصطلاحي: أنا كفيل لمالك على زيد إن سكن هذه البلدة.
مثال المقيد بالاستثناء: أجرتك داري إلا هذا البيت.
مثال المقيد بلفظ على أن أو بشرط أن: ضاربتك بهذه الألف على أن تعمل بها في الرياض، أو بعتك هذه بشرط أن تعطيني كفيلاً بالثمن.
وأما الشرط الاصطلاحي: فهو عند النحاة الجملة الشرطية المصدرة بإن أو أحدى أدوات الشرط مع وجود فعل الشرط وجوابه.
وأما عند الأصوليين والفقهاء فهو (الأمر الخارج عن الماهية الذي يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم) فعدم الشرط يستلزم عدم المشروط له، وأما وجود الشرط فلا يلزم منه وجود المشروط ولا عدمه.
فأهلية العاقد مثلاً شرط في كل عقد، ففاقد الأهلية كالمجنون أو الصغير لا ينعقد عقده، ولكن قد يكون الإنسان ذا أهلية كاملة ولا يعقد عقداً، والأهلية مع ذلك ليست جزءاً ذاتياً من العقد، والشرط بهذا المعنى الاصطلاحي ليس مقصوداً هنا فالمقصود هنا أعم.
2.
أنواع الشرط:
الشرط المقصود هنا نوعان:
(ا) شرط شرعي:
وهو الشرط الذي مصدره الشارع، كالأهلية والقدرة على تسليم المبيع وعدم الربا.
(ب) شرط جعلي:
وهو مصدره إرادة الشخص، وسمي جعلياً لأن العاقد هو الذي جعله شرطاً معلقاً عليه.
3.
معنى التعليق:
التعليق لغة: مصدر الفعل علق يعلق ومعناه تشبث وتمسك، وفيه معنى الربط، فكأن العقد المعلق على الشرط مربوط به لا ينفك عنه ولا يوجد إلا بوجوده.
وأما معنى التعليق في اصطلاح الفقهاء فهو (ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى) وهو معنى الشرط والجزاء، وقد عُرِّف أيضاً بأنه (ترتيب أمر لم يوجد على أمر لم يوجد) ، وعرَّفه شيخنا مصطفى الزرقا بأنه (ربط حصول أمر بحصول أمر آخر) .
أدوات التعليق: أدوات التعليق هي أدوات الشرط.
شرط التعليق: اشترط لكي يكون العقد معلقاً أن يكون الشرط المعلق عليه حصول العقد معدوماً حين العقد، ممكن الحصول بعد ذلك، وهذا ما يعبر عنه الفقهاء بقولهم:
(يشترط في صحة التعليق أن يكون الشرط معدوماً على خطر الوجود) .
ولهذا لو عُلّق على شيء موجود متحقق في الحال كان العقد منجزاً لا معلقاً.
أمثلة للعقد المعلق: إذا قال الدائن لمدينة: إن دفعت لي نصف ما عليك الآن أبرأتك من الباقي، فهذا التعليق يقتضي عدم براءة المدين من نصف الدين إلا إذا أدَّى القدر المشروط.
وإذا قال: إذا لم يدفع فلان ما عليه من دينك فأنا كفيل بأدائه، فتثبت الكفالة عند ثبوت عدم دفع المدين.
وأما لو قال: إذا كان لي عليك دين فقد أبرأتك منه، وكان له عليه دين محقق فيصبح المدين بريئاً من الدين في الحال، فهذا تنجيز في صورة تعليق.
ولو كان الشرط مستحيل الوقوع كان العقد باطلاً، لأنه يكون مبالغة في التعبير عن الامتناع، كأن يقول: إن عاش مدينك فأنا كفيله، والمدين ميت.
معنى القاعدة في الاصطلاح:
ومن هنا نعرف أن معنى قاعدة: (المعلق بالشرط يجب ثبوته عند ثبوت الشرط) . أن الشيء المعلق على شرط يكون معدوماً قبل ثبوت شرطه ويكون متحققاً واجب التنفيذ عند ثبوت الشرط وتحققه) .
ومعنى تعليقه بالشرط: أي الشرط الذي يصح شرعاً تعليقه به، وهذا يشير إلى:
(ا) أنه إذا كان الشرط ممنوعاً شرعاً لا يصح به التعليق.
(ب) أن من أنواع العقود ما لا يقبل التعليق بالشرط وهذا عند الحنفية، حيث اشترطوا لجواز التعليق بالشرط أن يكون المعلق من:
1.
الإسقاطات المحضة كالطلاق والعتاق.
2.
من الالتزامات التي يحلف بها كحج وصوم وصلاة.
3.
الإطلاقات كالإذن بالتجارة والوكالة.
4.
الولايات كالقضاء والإمارة والعزل عنها والكفالة والإبراء.
أمثلة على القاعدة:
إذا قال المولى لعبده: أذنت لك في التجارة إن قبضت الألف التي لي على فلان.
إذا قال الإمام: من قتل قتيلاً فله سلبه.
أو إن وصلت بلدة كذا فقد وليتك قضاءها، أو أمارتها، أو إن وصل إليك كتابي هذا فقد عزلتك.
أو قال إنسان لدائن إذا جاء مدينك فلان من سفره فأنا كفيل بما لك عليه.
أو قال المكفول للكفيل: إن أدى فلان نصف ما عليه من الدين فقد أبرأتك من الكفالة.
والتعليق إنما يتم ويصح إذا كان الشرط ملائماً، أي مقدوراً عليه، وأما إن كان الشرط غير ملائم فلا يصح التعليق، كما لو قال، إذا نزل المطر أو هبت الريح فقد أبرأتك من دينك.
وأما ما كان من التمليكات والمراد بها العقود التي يترتب عليها ملك سواء كان مبادلة مال بمال من الطرفين، أو لا، فهذه لا يصح، عند الحنفية، تعليقها بالشرط، وذلك كالبيع والإجارة والاستئجار والقسمة والهبة والصدقة والنكاح والإقرار والإبراء والمزارعة والمساقاة والوقف والتحكيم والإقالة والتسليم بالشفعة، قبل البيع.
وما علق منها على شرط فليغو الشرط ويصح العقد، وما كان فيه مبادلة مال بمال يبطل بالشرط كالبيع، فلو قال شخص آخر: إذا حضر فلان من سفره
فقد بعتك داري بكذا، أو أجرتها لك بكذا، أو أعرتكها أو وهبتكها، إلخ، ففي كل ذلك لا يثبت شيء ولا يصح، لأنهم يعتبرون أن هذه الشروط ليست من مقتضيات العقد فتفسده، فهم ضيقوا مجال الشرط في العقود.
وأما عند الشافعية: فما كان تمليكاً محضاً فلا يصح فيه تعليق قطعاً كالبيع والإجارة والوقف والوكالة، وأما ما كان إسقاطاً محضاً أو التزاماً فهو يقبل التعليق كالعتق والتدبير والحج والطلاق والإيلاء والظهار والخلع، وما كان بين ذلك ففيه خلاف عندهم، ومذهب المالكية قريب في ذلك من مذهب الحنفية والشافعية.
وأما عند الحنابلة فيوجبون الوفاء بكل ما يلتزمه العاقدان ويشترطانه، ما لم يكن فيما يشترط مخالفة لنص شرعي حيث يعتبر الاتفاق باطلاً، فهم يصححون التعليق في جميع العقود سواء كانت من التمليكات المحضة أو غيرها تمشياً مع حرية المتعاقدين، ما لم يكن الشرط ليس في كتاب الله، أي في حكم الله وشرعه.