الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالوا: إن ترك المنهي عنه كالزنا وشرب الخمر والفواحش لا يحتاج إلى نية للخروج عن عهدة النهي، فمن لم يزن أو لم يشرب الخمر أو لم يقتل يعتبر منتهياً عن تلك الأفعال ولو لم تحضره نية الترك.
ولكن هل يثاب على ذلك الترك؟
علمنا مما سبق أن الثواب مترتب على نية التقرب إلى الله تعالى بإيجاد الفعل أو الامتناع عنه، فمن ترك الزنا بدون استحضار نية الترك أو لعدم قدرته عليه، أو كان أعمى فترك النظر المحرم، فهنا لا ثواب على الترك لأنه لم يتقرب إلى الله بهذا الترك، وإنما يحصل الثواب بأن كان قادراً على الفعل ودعته نفسه إليه فكفها عنه طاعة لله وخوفاً من عقابه، فهو يثاب بهذه النية لا بمجرد الترك.
طريقة معرفة حكم الجزئيات من القاعدة الكلية:
فمثلاً قاعدة: (الأمور بمقاصدها) كلية وإذا أردنا أن نتعرف منها حكم جزئية ما مما يندرج تحتها نقول مثلاً: (زيد أعطى فلانا من الناس مالاً) فما حكمه.
فنستخرج من القاعدة الكلية الأمور بمقاصدها أن إعطاك المال قد يكون مقصوداً به التصدق مثلاً، أو الهبة، أو القرض أو الإيداع، أو الوفاء أو غير ذلك من المقاصد، ولما كان لكل مقصد حكم يخصه، نقول: إن كان مقصد زيد من الإعطاء التصدق أو الهبة كان فعله طاعة يثاب عليها، وإن كان قصده إقراضه إياه أو إيداعه عنده كان له حق استرداده وعلى الآخذ وجوب الرد، وهو مضمون على الآخذ في الأولى غير مضمون عليه في الثانية، إذا لم يتعدَّ أو يقصر في الحفظ، وإن كان قصده وفاء دين عليه كان الحكم براءة ذمته ورداً لحق الآخر، لأن الأمور بمقاصدها.
ولو رأينا شخصاً يريد الصلاة ولا يستطيع القيام لمرض أصابه فأقعده فنقول له: صل قاعداً وإن لم تستطع فمضطجعاً أو على جنب لأن المشقة تجلب التيسير، وهكذا.
-- القاعدة الثانية من القواعد الكبرى:
قاعدة: (اليقين لا يزول بالشك) أو (لا يزال، أو لا يرفع) :
أصل هذه القاعدة:
هذه القاعدة من أصول أبي حنيفة رحمه الله وقد عبر عنها في تأسيس النظر بقوله: (الأصل عند أبي حنيفة أنه متى عُرِف ثبوت الشيء من طريق الإحاطة والتيقن لأي معنى كان فهو على ذلك ما لم يتيقن بخلافه) .
وهي الأصل الأول من أصول الإمام الكرخي وعبر عنها بقوله: (إن ما ثبت باليقين لا يزول بالشك) .
أدلة ثبوت هذه القاعدة:
(ا) من الكتاب العزيز:
قوله تعالى: (وما يتَبِعُ أكثرهُم إلا ظناً إنَّ الظن لا يغني من الحقِ شيئاً) . يونس، آية (36) .
(ب) من السنة المطهرة:
1.
قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه
أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) .
قال النووي رحمه الله: (وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه، وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك، ولا يضر الشك الطارئ عليها) .
2.
وفي الصحيحين عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: شُكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجلُ يخيَّلُ إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، قال:(لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) .
3.
وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثاً أم أربعاً! فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماماً لأربع
كانتا ترغيماً للشيطان) .
4.
وروى الترمذي عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سها أحدكم في صلاته فلم يدر واحدة صلى أم اثنتين فليبن على واحدة، فإن لم يتيقن صلى اثنتين أم ثلاثاً فليبن على اثنتين، فإن لم يدر أثلاثاً صلى أم أربعاً فليبن على ثلاث، وليسجد سجدتين قبل أن يسلم) .
(ج) دليل عقلي:
وهو أن اليقين أقوى من الشك، لأن في اليقين حكماً قطعياً جازماً فلا ينهدم بالشك.
معنى القاعدة:
(ا) المعنى اللغوي: اليقين: هو طمأنينة القلب على حقيقة الشيء.
يقال: يقِن الماء في الحوض إذا استقر فيه.
والشك في اللغة: هو مطلق التردد، أو هو التردد بين النقيضين دون ترجيح لأحدهما.
والشك عند الفقهاء: تردد الفعل بين الوقوع وعدمه، فهو قريب من المعنى اللغوي، وأما الشك في اصطلاح الأصوليين: فهو استواء طرفي الشيء، وهو الوقوف بين شيئين حيث لا يميل القلب لأحدهما، فإن ترجح أحدهما ولم يطرح الآخر فهو ظن، فإن طرحه فهو غالب الظن، وهو بمنزلة اليقين، وإن لم يترجح فهو وهم.