الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذي حدث فيه العرف الجديد لقال بخلاف ما قال أولاً، فهذا يعتبر فيه عرف الحادثة ولو خالف حكماً سابقاً مبنياً على عرف مخالف، وهذا مبني على قاعدة (لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان) .
ولهذا قالوا في شروط الاجتهاد: إنه لا بد فيه من معرفة عادات الناس، فكثير من الأحكام يختلف باختلاف الزمان لتغير عرف أهله، أو لحدوث ضرورة أو فساد أهل الزمان، بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أولاً للزم منه المشقة والضرر بالناس، ولخالف قواعد الشريعة المبنية على التخفيف والتيسير ودفع الضرر والفساد.
ولهذا ترى كثيراً من العلماء خالفوا ما نص عليه المجتهدون في مواضع كثيرة بناء على ما كان في زمنهم، لعلمهم بأنهم لو كانوا في زمنهم لقالوا بما قالوا به أخذاً من قواعد مذهبهم.
أمثلة و
فروع على القاعدة:
إفتاؤهم بجواز الاستئجار على تعليم القرآن ونحوه لانقطاع عطاء المعلمين، إذ لو اشغل المعلمون بالتعليم بلا أجرة يلزم ضياعهم وضياع عيالهم، ولو اشتغلوا بالاكتساب من حرفة أو صناعة يلزم ضياع القرآن والدين، فأفتوا بأخذ الأجرة على التعليم، وكذلك على الإمامة والأذان، مع أن ذلك مخالف لما اتفق عليه كثير من أئمة المذاهب من عدم جواز الاستئجار وأخذ الأجرة عليها كبقية الطاعات من الصوم والصلاة والحج وقراءة القرآن ونحو ذلك.
ومن ذلك تضمين الساعي بالفساد، مع أن ذلك مخالف لقاعدة (الضمان على المباشر دون المتسبب) ولكن أفتوا بضمانه زجراً بسبب كثرة السعاة المفسدين.
وتضمين الأجير المشترك.
وقولهم: إن الوصي ليس له أن يضارب في مال اليتيم والوقف، وبعدم إجارته دور اليتيم والوقف لأكثر من سنة، والأراضي لأكثر من ثلاث سنين، مع مخالفة ذلك لاجتهادات كثير من الأئمة بعدم الضمان وعدم التقدير بمدة.
ومن ذلك منع النساء عما كنَّ عليه في زمن صلى الله عليه وسلم من حضور المساجد لصلاة الجماعة.
وإفتاؤهم بمنع الزوج من السفر بزوجته بغير رضاها، وإن أوفاها المهر المعجل.
وعدم قبولهم قول الزوج: إنه استثنى بعد الحلف بطلاق زوجته، أي قوله بعد الطلاق: إن شاء الله، إلا ببينة لفساد الزمان.
إلى غير ذلك من الشواهد على تغيير الأحكام لتغيير الأعراف والأحوال.
ولكن لا بد للمفتي والحاكم من نظر سديد وتبحر مديد في الأحكام الشرعية أصلاً وفروعاً، مع الوقوف على أحوال الزمان وأهله وعادتهم، ومعرفة أن هذا العرف خاص أو عام، وأنه مخالف للنص أولاً، وعن هذا قال أحد المحققين: (لا بد للحاكم من فقه في أحكام الحوادث الكلية، وفقه في نفس الواقع وأحوال الناس، يميز به بين الصادق والكاذب والمحق والمبطل، ثم يطابق بين هذا وهذا، فيعطي الواقع حكمه من الواجب، ولا يجعل الواجب مخالفاً للواقع.
وكذلك المفتي الذي يفتي بالعرف لا بد له من معرفة الزمان وأحواله أهله، ومعرفة أن هذا العرف عام أو خاص، وأنه مخالف للنص أو غير مخالف) .
تعارض الألفاظ:
أولاً: تعارض اللفظ بين العرف والشرع:
ومعناه أن يرد لفظ له معنى في الشرع ومعنى في العرف ويكون معناه في
الشرع أعم أو أخص.
فإذا تعارض لفظ بين العرف والشرع فينظر:
(ا) إذا كان ذلك اللفظ استعمل في الشرع بلا تعلق حكم ولا تكليف قدِّم العرف وخاصة في الإيمان، لأن الإيمان مبناها على عرف الحالف.
فمن ذلك:
إذا حلف لا يجلس على الفراش أو البساط، أو لا يستضيء بالسراج، لم يحنث بجلوسه على الأرض وإن سماها الله تعالى فراشاً وبساطاً.
ولا يحنث بالاستضاءة بالشمس، وإن سماها الله تعالى سراجاً.
كذل إذا حلف لا يجلس تحت سقف فجلس تحت السماء لم يحنث، وإن سماها الله تعالى سقفاً.
وكذلك لو حلف لا يأكل لحماً لم يحنث بأكل السمك، وإن سماه الله تعالى لحماً.
وكذلك لو حلف لا يركب دابة، فركب كافراً لم يحنث، وإن سماه الله تعالى دابة، إذا يقدم في ذلك كله وأمثاله عرف الاستعمال لأنه المتبادر حين الحلف.
أو حلف لا يأكل ميتة أو دماً لم يحنث بالسمك ولا بالجراد ولا بالكبد والطحال.
(ب) أن يكون اللفظ في إطلاق الشارع قد تعلق به حكم، فيقدم استعمال الشرع هنا على الاستعمال العرفي.
ومن أمثلته:
إذا حلف لا يصلي لم يحنث إلا بذات الركوع والسجود، أو حلف لا يصوم لم يحنث بمطلق الإمساك بغير نية.
أو حلف لا ينكح حنث بالعقد إن كان غير متزوج لا بالوطء لأنه الشائع شرعاً، وأما إن كان زوجة وحلف لا ينكح فيحنث بالوطء.