الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
--
المقدمة الرابعة:
-- أنواع القواعد الفقهية ومراتبها:
القواعد الفقهية ليست نوعاً واحداً، ولا كلها في مرتبة واحدة، وإنما هي أنواع وراتب، ويرجع هذا التنوع إلى سببين رئيسيين:
الأول: من حيث شمول القاعدة وسعة استيعابها للفروع والمسائل الفقهية.
الثاني: من حيث الاتفاق على مضمون القاعدة أو الاختلاف فيه.
فمن حيث الشمول والسعة تنقسم القواعد الفقهية إلى ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: القواعد الكلية الكبرى ذوات الشمول العام والسعة العظيمة للفروع والمسائل حيث يندرج تحت كلِّ منها جُلُّ أبواب الفقه ومسائله وأفعال المكلفين إن لم يكن كلها.
وهذه القواعد ست هي:
1.
قاعدة (إنما الأعمال بالنيات) أو (الأمور بمقاصدها) .
2.
قاعدة (اليقين لا يزول، أو لا يرتفع بالشك) .
3.
قاعدة (المشقة تجلب التيسير) .
4.
قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) أو (الضرر يزال) .
5.
قاعدة (العادة محكَّمة) .
6.
قاعدة (إعمال الكلام أولى من إهماله) .
المرتبة الثانية: قواعد أضيق مجالاً من سابقاتها (وإن كانت ذوات شمول وسعة) حيث يندرج تحت كل منها أعداد لا تحصى من مسائل الفقه في الأبواب المختلفة، وهي
قسمان:
(ا) قسم يندرج تحت القواعد الكبرى ويتفرع عليها.
(ب) قسم آخر لا يندرج تحت أي منها.
فمثال القسم الأول: قاعدة: (الضرورات تبيح المحظورات، وهي تتفرع على قاعدة (المشقة تجلب التيسير) وقاعدة (لا ينكر تغير الأحكام الاجتهادية بتغير الأزمان) وهي مندرجة تحت قاعدة (العادة محكَّمة) .
ومثال القسم الثاني: قاعدة: (الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، أو بمثله) .
وقاعدة: (التصرف على الرعية منوط بالمصلحة) .
المرتبة الثالثة: القواعد ذوات المجال الضيق التي لا عموم فيها حيث تختص بباب أو جزء باب، وهذه التي تسمى بالضوابط جمع ضابط أو ضابطة، وفي هذا يقول الإمام عبد الوهاب بن السبكي رحمه الله فالقاعدة:(الأمر الكلي الذي ينطبق عليه جزئيات كثيرة تفهم أحكامها منها) . ومنها ما لا يختص بباب كقولنا: (اليقين لا يرفع بالشك) ومنها ما يختص كقولنا: (كل كفارة سببها معصية فهي على الفور) .
والغالب فيما قصد بباب وقُصد به نظم صور متشابهة أن يسمى (ضابطاً) . وأما من حيث الاتفاق على مضمون القاعدة والاختلاف فيها فهي تنقسم إلى مرتبتين:
المرتبة الأولى: القواعد المتفق على مضمونها عند جميع الفقهاء ومختلف المذاهب.
فمن قواعد هذه المرتبة: كل القواعد الكلية الكبرى وأكثر القواعد الأخرى.
المرتبة الثانية: القواعد المذهبية التي تختص بمذهب دون مذهب أو يعمل بمضمونها بعض الفقهاء دون الآخرين مع شمولها وسعة استيعابها لكثير من مسائل الفقه من أبواب مختلفة.
وهذه تعتبر من أسباب اختلاف الفقهاء من إصدار الأحكام تبعاً لاختلاف النظرة في مجال تعليل الأحكام.
ومن أمثلة هذه المرتبة: قاعدة: (لا حجة مع الاحتمال الناشئ عن دليل) . وأساسها قولهم: (إن التهمة إذا تطرقت إلى فعل الفاعل حكم بفساد فعله) . وهذه القاعدة يعمل بها الحنفية والحنابلة دون الشافعية، وقد يعمل بها المالكية ضمن قيود، ومنها عند الحنفية:(الأصل أن جواز البيع يتبع الضمان) .
وأما عند الشافعي: (فإن جواز البيع يتبع الطهارة) . ويأتي بيان ذلك في موضعه إن شاء الله.
مسألة: رأينا أن القواعد ذوات المجال الضيق (أي التي تختص بباب أو جزء باب) هي ضوابط إذ مجالها التطبيقي بعض الفروع الفقهية من باب واحد من أبواب الفقه، أو هي تختص بنوع من الأحكام الفرعية لا يعمم في غير مجاله.
ومثال الضابط: (إن المحرم إذا أخر النسك عن الوقت الموقت له أو قدَّمه لزمه دم) .
وهذا الضابط عند أبي حنيفة رحمه الله، وخالفه في ذلك الفقهاء الآخرون ومنهم تلميذاه أبو يوسف ومحمد بن الحسن.
فما الفروق بين القاعدة والضابط؟
مع أن الفقهاء كثيراً ما يستعملون لفظ (القاعدة) ويعنون بها الضابط،
ويستعملون لفظ (الضابط) ويعنون به القاعدة، فالملاحظ أن بين القاعدة والضابط فرقين رئيسين هما:
الفرق الأول: أن القاعدة (كما سبق) تجمع فروعاً من أبواب شتى ويندرج تحتها من مسائل الفقه ما لا يحصى، وأما الضابط فإنه مختص بباب واحد من أبواب الفقه تعلل به مسائله، أو يختص بفرع واحد فقط.
الفرق الثاني: أن القاعدة في الأعم الأغلب متفق على مضمونها بين المذاهب أو أكثرها.
وأما الضابط فهو يختص بمذهب معين (إلا ما ندر عمومه) بل منه ما يكون وجهة نظر فقيه واحد في مذهب معين قد يخالفه فيه فقهاء آخرون من نفس المذهب، كما سبق في الضابط المتقدم.