الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمر الملك رئيس المجلس الملكي، ديسا، بإذاعة هذا القانون الغاشم في 1/ 1 / 1567 في غرناطة وأحيائها وجميع أنحاء المملكة الإسلامية القديمة. وتولى إذاعته موكب من قضاة"محاكم التفتيش"تتبعهم الطبول والزمور. وبدأ تطبيق القانون بكل صرامة. فهدمت الحمامات وملئت السجون وتناثرت الجثث في شوارع غرناطة وقراها ونشطت"محاكم التفتيش". ولم تفد المورسكيين أية شفاعة، فوصلوا إلى حالة من اليأس الكامل أدت إلى ثورة عارمة جمعت فيها الأمة الأندلسية ما تبقى من قواها، وكادت تنتصر لولا خذلان العالم الإسلامي مرة أخرى.
وقبل أن نتطرق إلى تفاصيل ثورة غرناطة العظمى لنر وضع المدجنين خارج
مملكة غرناطة وما آلوا إليه في ممالك البرتغال وقشتالة وأراغون إلى سنة 1567 م.
2/ 4 - وضع المسلمين في مملكتي البرتغال وقشتالة:
البرتغال دولة من الدول النصرانية في شبه الجزيرة الإيبرية التي تأسست وتوسعت على حساب الدولة الأندلسية. تأسست البرتغال كإمارة صغيرة على حدود الدولة الإسلامية الشمالية الغربية. وقد استولى على هذه الإمارة المنصور بن أبي عامر، لكنها اغتنمت فرصة سقوط الدولة الأموية فاحتلت براغة سنة 1040 م، وهي بلدة مجاورة لعاصمتها الأولى"أبورتو" أو"بورتوغال" التي أعطت اسمها للبلاد وتجزأ غرب الأندلس إلى عدة ممالك أيام الطوائف. فأصبح الجنوب تحت بني هارون سنة 1026 م، وعاصمتهم شنتمرية الغرب (الفارو اليوم)، ووسط البلاد في يد بني الأفطس سنة 1022 م، وعاصمتهم بطليوس (بإسبانيا اليوم).
وتابع البرتغاليون غزوهم للأراضي الإسلامية على حساب بني الأفطس. فاحتلوا مدينة قلمرية سنة 1064 م ونقلوا إليها عاصمتهم. وتجزأت دولة بني هارون في شنتمرية الغرب إذ نشأت دولة بني مزين وعاصمتها شلب سنة 1068 م وانضم الباقي إلى دولة بني عباد وعاصمتهم إشبيلية (بإسبانيا اليوم). ثم قضى المرابطون على بني الأفطس وبني عباد ووحدوا البلاد واستقرت الحدود لمائة وخمسين سنة بعد أن احتل البرتغاليون مدينة الأشبونة سنة 1093 م.
وحلّت الدولة الموحدية محل الدولة المرابطية فاحتل البرتغاليون مدينة يابورة سنة 1166 م. ولما ضعفت الدولة الموحدية سيطر البرتغاليون على مدن إسلامية أخرى، فغزوا قصر بني دنيس سنة 1217 م ثم باجة وشنتمرية وشلب وجميع غرب
الأندلس سنة 1249 م، فنقلوا عاصمتهم من قلمرية إلى الأشبونة واستقرت حدود البرتغال على ما هي عليه اليوم.
وعند احتلال الأراضي الإسلامية، صادر البرتغاليون جميع أراضي المسلمين وبيوتهم ووزعوها على نبلاء النصارى. فهاجر عدد كبير من المسلمين إلى ما تبقى من الأراضي الإسلامية بينما استقر معظم الباقين كمدجنين بنسب عالية في الجنوب.
ولما أرغمت إسبانيا المسلمين على التنصير تبعتها البرتغال سنة 1502 م بتنصير المدجنين. فهاجر منهم عدد كبير إلى شمال المغرب وسمحت لهم إسبانيا بعبور أراضيها بينما استقر الباقون كنصارى ظاهرًا ومسلمين سرًّا. وبقيت هذه الجاليات إلى سنة 1540 م عندما تزوج ملك البرتغال بأخت ملك إسبانيا. وكان شرط الزواج طرد المسلمين. فهاجر عدد كبير منهم إلى العرائش والقصر الكبير والمناطق المجاورة لهما بشمال المغرب. بينما بقي الباقون كنصارى في البرتغال. وينتمي اليوم معظم سكان البرتغال جنوب الأشبونة إلى أصول إسلامية وهم لا يختلفون عن الأندلسيين.
عند سقوط طليطلة سنة 1085 م هاجر إلى باقي الأراضي الإسلامية عدد كبير من المسلمين، بينما بقي الآخرون تحت حكم النصارى كمدجنين. وكثرت أعداد هؤلاء بعد سقوط أراض إسلامية واسعة في القرن الثالث عشر في يد قشتالة، منها عواصم الإسلام مرسية وقرطبة وإشبيلية. وكان القشتاليون الذين يوقعون عقودًا مع المغلوبين يضمنون فيها حقوقهم الدينية، ينكرونها بسرعة بعد تمكنهم، ويعاملونهم معاملة ظالمة.
في سنة 1258 م وضع ألفونسو العاجز قانونًا عامًا لمملكته سماه"الأقسام السبعة" صنف فيها المسلمين إلى أربع فئات وجعل لكل فئة منها معاملة خاصة، وهم المتنصرون والعبيد والمعتقون والمدجنون. أما المتنصرين فكانوا موضع احتقار من طرف النصارى القدامى، فوحد القانون بين الفئتين، وأعطى ميراث الأب المسلم لأولاده المتنصرين دون غيرهم من الأبناء. وعقوبة من يرتد منهم الموت وفقدان الحقوق ومصادرة الأموال. أما الأرقاء المسلمون فكانوا معرضين لكل أنواع الظلم والإيذاء، وكان لسيدهم عليهم حق الموت والحياة والتعذيب والاغتصاب والتفريق بين الأقارب وبيع من شاء منهم. ولم يكن حال المعتقين أفضل بكثير من حال الرقيق. أما المدجنين فكانت حريتهم الدينية تحترم لحد ما، وكانوا يعيشون في أحياء خاصة
بهم لهم شرائعهم وقضاتهم وتقاليدهم ومساجدهم وأعيادهم، وإن كانوا دائمًا عرضة للاضطهاد حسب أهواء طاغية الوقت وسياسته الخارجية.
نتيجة هذه المعاملة السيئة، ثار المدجنون سنة 1261 م وانقضوا على جميع الحصون الممتدة بين شريش غربًا ومرسية شرقًا، ورفعوا علم مملكة غرناطة وأعلنوا انضمامهم لها. وساند ابن الأحمر هذه الثورة بادىء الأمر. كان الفونسو العاشر في شقوبية، فطلب من ابن الأحمر مساعدته على القضاء على الثورة حسب الاتفاق الذي بينهما، فاعتذر، وسانده خايمي الأول، ملك أراغون. وضرب ملك قشتالة الحصار على شريش في مايو سنة 1264 م، فاستسلمت بعد ستة شهور فطرد أهلها. ثم احتل الفونسو من جديد شلوقة وشذونة والبريجة وأركش وأخيرًا قادس سنة 1266 م. واحتل ملك أراغون لقنت سنة 1263 م، ثم قرطاجنة. ثم فرض الحصار على المرية مع جيش قشتالي برئاسة ابن ملك قشتالة، فاستسلمت المدينة في 13/ 2 / 1266 م. وفي 5/ 6 / 1266 م فرق ملك قشتالة بين مسلمي ونصارى مرسية في حيين وبنى بينهما سورًا. وكان يسمى الحي الإسلامي الرشاقة، وبقيت إدارته بيد بني هود المسلمين إلى سنة 1308 م حيث انتقلت الإدارة إلى يد القشتاليين.
ثم توالت القرارات التي تحد من حقوق المسلمين، يشرع كل ملك عند توليته تشريعات جديدة ضد المسلمين. ففي سنة 1348 م أصدر الفونسو الحادي عشر أمرًا من قلعة النهر يحرم فيه على المسلمين أن يتعاملوا بالمال أو يقرضوا بالفائدة، ثم حرم عليهم في قرار من مجريط أن يشغلوا وظيفة مالية مع الحكومة أو مع النبلاء، ومنعهم من المحاماة في القضايا القائمة بين النصارى. وحدد عقوبة من يخالف بمصادرة جميع الأموال والتعذيب الجسدي.
وجدد الملك أنريكي الثاني في برغش سنة 1368 م التحريمات السابقة وأصدر أمرًا آخر سنة 1371 م يحرم فيه على المسلمين التسمي بأسماء نصرانية ويفرض عليهم وضع إشارة مميزة في ثيابهم.
وأصدر خوان الأول في شوربة مرسومًا سنة 1387 م يجدد فيه منع المسلمين من الوظائف المالية ويمنع شتم المتنصرين وإهانتهم بتسميتهم بالكلاب والخنازير، ويعاقب من يخالف بغرامة قدرها 300 مرابطي أو الحبس 15 يومًا. كما يحرم على النصارى تربية أولاد المسلمين ويعاقب من يخالف بغرامة قدرها 600 مرابطي، وسمح
للمزارعين النصارى بالعمل لدى المسلمين وحمايتهم في أسفارهم. ويقرر المرسوم بألا يعتق الرق المسلم بيد اليهودي إذا اعتنق اليهودية بل يسترق سيده.
وأصدر خوان الأول مرسومًا آخر سنة 1387 م يمنع فيه المسلمين من العيش مع النصارى أو العكس، ويعاقب المخالف بالتعذيب ومصادرة الأموال. ويحرم على النصارى استعمال المسلمين إلا إذا كانوا عبيدًا لديهم، ويعاقب من يخالف بغرامة قدرها 6000 مرابطي إلا إذا كان المسلم طبيبًا. ويحرم على المسلمين العمل يوم الأحد علنًا، ويعاقب المخالف بغرامة قدرها 30 مرابطي. يجبر المرسوم المسلمين على إخلاء الطريق التي يمر بها الصليب، وإذا تعذر عليهم ذلك وجب عليهم الركوع للصليب، وعقوبة المخالف مصادرة ثيابه وإعطائها للنصراني الذي يقبض عليه ويسلمه للقاضي.
ثم أصدر خوان الأول مرسومًا ثالثًا سنة 1388 م في بلد الوليد يجدد منع النصارى من معايشة المسلمين أو تربية أبنائهم، ويعاقب من يخالف بالجلد. ويمنع المرسوم المسلمين مرة أخرى من دخول الوظائف العامة خاصة المالية منها.
وأصدر خوان الثاني مرسومًا في بلد الوليد سنة 1408 م يكرر فيه منع المسلمين من دخول الوظائف المالية، ويعاقب كلاً من المسلم المخالف ومستخدمه النصراني بغرامة قدرها 2000 مرابطي. كما يمنع المرسوم المسلمين من الأكل أو الشرب مع النصارى ويعاقب من يخالف بالجلد مائة جلدة. ويحرم على المسلمين استخدام النصارى ويعاقب من يخالف بالجلد مائة جلدة. وإذا تكررت المخالفة في هذه الحالة والحالة السابقة يدفع المخالف ألف مرابطي، يمنح ثلثها للمخبر النصراني. ويمنع المرسوم المسلمين من الحضور في أعياد النصارى كما يمنعهم من أن يكونوا عرابين في حفلات التعميد، ويعاقب من يخالف بغرامة قدرها 2000 مرابطي. ويمنع المرسوم المسلمين من زيارة المرضى النصارى، ويعاقب من يخالف بغرامة قدرها 300 مرابطي. ويمنع المسلمين من مزاولة مهنة الجراحة أو العطارة أو الصيدلة أو بيع المواد الغذائية أو الأدوية. ويعاقب من يخالف بدفع غرامة قدرها 2000 مرابطي وبالجلد. ويجبر المرسوم المسلمين على السكن في أحياء خاصة، ويلغي المحاكم الشرعية الإسلامية ويوصي القضاة النصارى أن يقضوا بين المسلمين وفقًا للحقوق التي منحتهم إياها امتيازاتهم. ويمنع المرسوم النبلاء من قبول المسلمين الذين يغيرون محل إقامتهم، ويعاقب المخالف بغرامة قدرها 200
مرابطي، ولمن يكرر المخالفة غرامة قدرها 100.000 مرابطي، وتصادر كل أملاك وإقطاعات من يخالف للمرة الثالثة. ويقضي المرسوم على المدجن المسلم الذي يقبض عليه وهو هارب إلى مملكة غرناطة بأن يسترقه النصراني القابض عليه.
وتصادر أملاكه لصالح النصراني المذكور.
ثم أصدر خوان الثاني مرسومًا ثانيًا في نفس السنة أجبر فيه المدجنين في طليطلة وغيرها من المدن على ترك منازلهم وأموالهم والانتقال إلى قشتالة القديمة.
وأصدر خوان الثاني مرسومًا سنة 1422 م يقضي فيه بالإعدام على كل مسلم يمنع آخر من اعتناق النصرانية ولو كان ابنه، ويقضي باسترقاق المسلم القادم من مملكة غرناطة لصالح النصراني القابض عليه. ثم أصدر أمرًا سنة 1435 م يحرم فيه على النصارى توقيع كتب التزام وإقرار بدين لمسلم إلا إذا كان خاليًا من شرط دفع فائدة عن هذا الدين. وأصدر أمرًا سنة 1438 م يعتبر فيه يمين النصراني أمام القاضي الذي يقر فيه بدين لمسلم باطلة إلا إذا كان المقر له مزارعًا.
ثم أصدرت الملكة إيسابيلا في مجريط سنة 1476 م مرسومًا تلغي فيه ما تبقى من المحاكم الشرعية الإسلامية، وتمنع فيه المسلمين من لبس الجوخ أو الحرير أو الذهب أو الفضة، كما حرمت عليهم أن يكون ذلك في جهاز خيولهم، وتعاقب من يخالف بمصادرة ذلك. ويجبر المرسوم المسلمين على وضع قطعة ثوب حمراء على أكتافهم، وقلنسوة أو قبعة خضراء على رؤوسهم، والمسلمات على حمل قطعة ثوب أزرق عرضها أربعة أصابع.
ثم أصدرت الملكة إيسابيلا في طليطلة أمرًا آخر سنة 1480 م أكدت فيه على عزل المسلمين عن النصارى في السكن، وكررت فيه الأمر باسترقاق المسلمين الهاربين إلى غرناطة لحساب القابض عليهم. وسمحت للمسلمين ببناء مساجد جديدة في أحيائهم.
هذه هي الأوضاع التي كان يعيشها المسلمون المدجنون في مملكة قشتالة قبل سقوط غرناطة. أما بعد سقوطها، فقد أخذت الدولة الإسبانية تعاملهم بكيفية أسوأ بكثير على غرار معاملتها لمسلمي غرناطة، إلى أن قرر الملكان الكاثوليكيان إرسال أمر إلى حاكم قرطبة سنة 1502 م يطلبان منه فيه اتخاذ قرار حازم يقضي بقتل المسلمين الرافضين للتنصير أو طردهم خارج البلاد. كما أصدرا أمرًا يحرمان فيه على مسلمي قشتالة الاتصال بمسلمي غرناطة أو الاختلاط بهم. ثم صدر قرار ملكي بتاريخ