الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن
تكوين القومية الأندلسية (في القرنين التاسع عشر والعشرين)
8/ 1 - إسبانيا في القرنين التاسع عشر والعشرين:
اتسم حكم فراندو السابع (1814 - 1833 م) بعد تحرير إسبانيا من الوجود الفرنسي باضطهاد المعارضة وسوء معاملة المواطنين من طرف جماعة من الجنرالات المنتفعين الذين كانوا يحومون حوله. وأدت تجاوزات الجيش الإسباني بقيادة الجنرال موريو في جنوب أمريكا إلى استقلال كلومبيا عن إسبانيا، ثم تحررت معظم مستعمرات إسبانيا بعد هزيمة أياشوكو سنة 1824 م.
وفي سنة 1820 م، تمرد الكلونيل ريكو في قادس بالأندلس، وأخذ ينتقل بين مدن الأندلس يطالب الملك بتنفيذ دستور قادس لسنة 1812 م، الذي حررته في قادس المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي. ثم ثارت جليقية على الملك. وفي 10/ 3 / 1823 م، قبل الملك شروط المتمردين بما فيها دستور قادس، لكن المتعصبين من بين حاشيته عارضوه في ذلك باسم الدفاع عن الدين الكاثوليكي، فرجع الملك في قراره وأزال مرة ثانية دستور قادس، وعاد إلى الاستبداد، ثم أعدم الكلونيل ريكو وعددًا كبيرًا من زملائه. ثم تتابعت الإعدامات، فأعدمت الدولة الألبسنادو، أكثر زعماء المعارضة شعبية. وفي سنة 1826 م، أعدم الأخوة بازان. وفي سنة 1831 م، أعدم تريفوس وماريتانا بينيدة بتهمة خياطة علم المعارضة، ثم اجتمع المتعصبون النصارى حول دون كارلوس، أخي الملك الذي كان يتعاطف مع أفكارهم، بنية مبايعته بعد وفاة أخيه.
وفور وفاة فراندو السابع سنة 1833 م، قامت حرب أهلية بين الذين بايعوا ابنته إيسابيلا الثانية (1833 - 1868 م) تحت وصاية أمها مارية كريستينا، زوجة فراندو
الثالثة، وبين المتطرفين النصارى الذين بايعوا دون كارلوس. وقامت ما تسمى الحرب "الكارلية" الأولى التي دامت إلى سنة 1840 م، وشملت ولايات الشمال والشرق كنبارة وقطلونية وبلنسية. ولم تؤثر الحرب الكارلية على الأندلس التي أصبحت مركز عداوة للكنيسة وامتيازاتها.
وفي سنة 1835 م، أدى انتشار الوباء إلى ثورة في مجريط عمت بعد ذلك أنحاء إسبانيا، في سرقسطة وبرشلونة والأندلس. وركز الثوار غضبهم على الكنيسة وسلطتها، فحرقوا الأديرة والكنائس، وكونوا لجانًا ثورية في أنحاء إسبانيا تطالب بالعودة إلى دستور قادس. فأدت الثورة إلى إحلال تورينو مكان مارتينز دي لاروزا في رئاسة الحكومة، ثم خلفه منديزابال الذي لاحق الكنيسة وصادر ممتلكاتها. وفي سنة 1836 م، أجبرت مارية كريستينا على قبول دستور قادس، ثم رجعت في قرارها سنة 1837 م، وعادت إلى السلطة المطلقة سنة 1839 م.
وفي سنة 1840 م، أزاح مارية كريستينا وزيرها اسبرتيرو، وحل محلها كوصي على الملكة إيسابيلا الثانية. ولكن اسبرتيرو نشر الرعب في البلاد، فأعدم عدة جنرالات، وضرب برشلونة بالقنابل عندما تظاهر أهلها، ثم ضرب إشبيلية، وفي سنة 1843 م، اضطر إلى ترك السلطة والفرار إلى لندن.
وفي سنة 1843 م، رشدت إيسابيلا الثانية. فمالت إلى المعتدلين ضد التقدميين. فأسس وزيرها كونزلز برابو الحرس المدني سنة 1843 م، وفي سنة 1845 م كتب ناربايز دستورًا جديدًا أعطى فيه اختصاصات مطلقة للسلطة التنفيذية. وفي سنة 1847 م، اشتعلت الحرب الكارلية من جديد. وفي سنة 1848 م، قضى الوزير ناربايز على ثورة في البلاد بمجزرة دامية. ثم وقع نزاع بين الزعماء الإسبان حول تزويج الملكة، فوقع اختيار الأطراف المختلفة على
شخص غير معروف زوجًا لها. وفي سنة 1851 م، خلف سارتوريوس الوزير ناربايز، لكنه أبعد بدوره نتيجة سلسلة من الفضائح المالية والفساد، وحل محله شخصان يمثلان التقدميين والمعتدلين. وفي سنة 1856 م، أعادت الملكة إلى الوزارة ناربايز الذي يمثل المعتدلين، بعد اضطرابات حدثت في الأندلس. وفي سنة 1859 م، خرج الجيش الإسباني من سبتة واحتل تطوان. ولم يخرج منها إلا بعد شروط مجحفة للمغرب، أدت إلى انهيار اقتصاده واتساع رقعة الاحتلال حول مدينتي سبتة ومليلة.
وفي سنة 1868 م، توفي ناربايز فعمت الاضطرابات البلاد، انتهت في سبتمبر سنة 1868 م بثورة شاملة بقيادة سرانو، أعلنت الحريات الأساسية وطالبت بالانتخابات العامة. فهزم الثوار جيش الملكة التي أصبحت مبغوضة لدى العامة بسبب تجاوزاتها في حياتها الخاصة، فخلعت وأرغمت على اللجوء إلى فرنسا.
حكم سرانو، زعيم الثورة، إسبانيا بالتعاون مع بريم، وعقد اجتماعًا للكورتس وافق فيه على دستور ملكي دستوري ثم اختاروا الأمير أميديو دي سابوا، ابن ملك إيطاليا، ملكًا لإسبانيا. وفي 30/ 12 / 1870 م، يوم وصول الأمير إلى مجريط، اغتيل بريم. وفي فبراير سنة 1873 م، تنازل الأمير أميديو عن العرش بسبب انقسامات الطبقة الحاكمة من جهة، وعودة الحرب الكارلية والاضطرابات الشعبية من جهة أخرى. فأعلنت الجمهورية بدستور اتحادي، وانتخب رئيسًا لها القطلاني بي اي
مارغال. وعندما انقسمت الولايات إلى كنتونات صغيرة تكاد تكون مستقلة، قدم بي استقالته من رئاسة الجمهورية، فخلفه سلمرون، ثم قسطلار الذي أعاد للجمهورية مركزيتها. وفي 3/ 1 / 1874 م، ثار الجنرال بافيا وألغى الكورتس، وأقام دكتاتورية في البلاد لمدة قصيرة، ثم أعاد الملكية.
وأتى بافيا من إنكلترا بألفونسو ابن الملكة إيسابيلا الثانية، صحبة معلمه كانوباس دل قشتيليو، فبويع ملكًا على إسبانيا تحت اسم الفونسو الثاني عشر (1875 - 1885 م). ثم تعاقب على الحكم حزب المحافظين يعارضه في أقصى اليمين الكارليون، والحزب التقدمي يعارضه الجمهوريون. وانتهت الحرب الكارلية أيام الفونسو الثاني عشر. وفي سنة 1885 م، مات الملك وترك زوجه مارية كريستينا حاملاً.
بويع الابن إثر ولادته تحت اسم الفونسو الثالث عشر (1885 - 1931 م) تحت وصاية أمه، وفي أيامها فقدت إسبانيا ما تبقى لها من مستعمرات. ففي سنة 1898 م، تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية في ثورتي كوبا والفلبين، وطردت إسبانيا منهما.
ثم انتشرت الاضطرابات في أنحاء البلاد، خاصة في بلاد الباسك وفي قطلونية.
وفي سنة 1902 م، رشد الفونسو الثالث عشر، فزادت الاضطرابات خاصة في قطلونية حيث انتشرت "الأناركية" العالمية والقومية المحلية.
وظهر التضامن القومي القطلاني بوضوح في انتخابات سنة 1906 م. وفي سنة 1909 م، قامت مظاهرات في برشلونة ضد تجنيد الشباب للذهاب إلى المغرب،
قضت عليها الحكومة بمذبحة بين المتظاهرين وإعدام فرير، أحد زعماء قطلونية، لأفكاره القومية. فأدت تلك الأحداث إلى عزل الوزير ماورا وتنصيب التقدمي كناليخاس (1910 - 1912 م) محله، فحاول حل المشكلة المغربية، والحد من سلطة الكنيسة، وإعطاء القطلانيين بعض الحريات، لكن اغتاله أحد الأناركيين قبل إتمام برنامجه. فتسلسل الوزراء على الحكم إلى أن اندلعت الحرب العالمية الأولى. فتجزأ الإسبان بين مساندين لألمانيا ومساندين للحلفاء، إلا أن الحكومة استطاعت الحفاظ على حيادها إبان الحرب. وفي سنة 1917 م، أدى غلاء المعيشة إلى اضطرابات وحوادث غيرت أوضاع إسبانيا نهائيًّا.
كان القرن التاسع عشر في إسبانيا قرن اضطراب وانكماش، لم يلعب ملوكها فيه
الدور الرائد الذي توقعه منهم الإسبان، بينما انقسمت الطبقة الرائدة بين ملكيين يمينيين متطرفين (الكارلي) ومعتدلين من جهة، وبين تقدميين معادين للكنيسة من جهة أخرى، دون أن تجد الديموقراطية موطنًا لها. فلم يطبق دستور قادس إلا لفترة قصيرة، وكذلك دستور سنة 1869 م. وطبقت دساتير سنة 1834 م و 1837 م و 1845 م و 1856 م بالإكراه دون إرادة شعبية. ودام دستور سنة 1876 م إلى سنة 1923 م، وقد قبل فيه مبدأ الانتخابات العامة في سنة 1890 م.
وكان يتحكم الضباط في الجيش الإسباني الذي لم تكن له قاعدة شعبية. واختلف الضباط في الرأي، وانتمى كثير منهم إلى الخلايا الماسونية، فكثرت الانقلابات العسكرية بالعشرات، نجح منها 12 انقلابًا، دون أن تكون لها علاقة بالثورات الشعبية.
وكثرت في القرن التاسع عشر الثورات الشعبية في إسبانيا، منها، في أقصى اليمين، ما سببته التعاليم الكاثوليكية المتطرفة كالحركة الكارلية التي انتشرت في المناطق الكاثوليكية كبلاد الباسك، ونبارة، وقطلونية، ومنها ثورات الأندلسيين الذين لم يرضخوا قط للدولة، منذ ضياع استقلالهم، والقضاء على دينهم الإسلامي، ومسخ هويتهم القومية، وإفقار أراضيهم، ونهب خيراتهم. وكانت حركتهم دائمًا ضد الدولة والكنيسة في آن واحد، ومن أجل تحقيق حكم ذاتي للأندلس. ومنها اضطرابات المدن المختلفة التي تنتج عن أسباب متعددة، أهمها الثورة ضد الفقر والفساد، وهي كذلك توجه غضبها على الكنيسة، فيحرق الثوار الأديرة ويلاحقون الرهبان.
تزايد عدد سكان إسبانيا من 11 مليون نسمة سنة 1808 م إلى 15.5 مليون سنة 1857 م و 18.5 مليون سنة 1900 م، و 24 مليون سنة 1935 م قبيل الحرب الأهلية. ولم يتقدم اقتصاد إسبانيا ولا تقنياتها بنفس السرعة التي تقدم بها عدد سكانها. فعم الفقر، واتسع الفرق بين طبقات المجتمع، وانتشرت الأمراض والأوبئة.
وبقيت ملكية الأرض في يد النبلاء والكنيسة، خاصة في الأندلس حيث ظلت جماهير المزارعين دون أرض. وبقيت طرق استغلال المعادن والصناعة متخلفة أو في يد الأجانب. واتسم القرن التاسع عشر بانبعاث القوميات، كالقطلانية والباسكية والأندلسية، وانقسام الطبقة المثقفة بين المركزية والاتحادية.
وفي سنة 1917 م، قامت حركة عسكرية ضد الفساد والرشوة، فأخذت المعارضة تجتمع في كل أنحاء البلاد وتكون مجالس حكومية شعبية. فقضت الحكومة على التمرد بالقوة، وقبضت على معظم رؤسائه.
ثم مرّت الحكومة بأزمات متواصلة إلى سنة 1923 م. وسهل غلاء المعيشة انتشار الاشتراكية والشيوعية والأناركية.
ثم كانت الكارثة بالنسبة لإسبانيا في 20/ 7 / 1921 م، عندما انهزم جيشها في أنوال على يد المجاهدين المغاربة بقيادة الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي، وقتل فيها الجنرال سلبستر، رئيس الجيش، مع رجال أركانه العامة وقتل وأسر 14.000 جندي، لم يعش بعدها النظام طويلاً. فأخذ الملك والجنرالات والوزراء يرمون بعضهم البعض بالتهم حول مسؤولية الكارثة. وطالب الجنرال بريمو دي ربيرا في مجلس الشيوخ إسبانيا بالانسحاب من المغرب نهائيًّا.
وفي 13/ 9 / 1923 م، كون الجنرال بريمو دي ربيرا "مجلس رئاسة عسكري" بقيادته، اعترفت به جميع الطبقات السياسية، كما اعترف به الملك والجيش، فأصبح دكتاتور إسبانيا. وتحالف دي ربيرا ضد الثورة الريفية مع فرنسا، التي اقتسمت المغرب مع إسبانيا سنة 1912 م، فقضوا عليها سنة 1925 م، واستعادت إسبانيا منطقة حمايتها بالمغرب. وفي سنة 1925 م، تحول "مجلس الرئاسة العسكري" إلى "مجلس رئاسة مدني". وفي سنة 1927 م، عين دي ربيرا مجلسًا استشاريًّا، وفي سنة 1929 م، حاول كتابة دستور جديد. ولم يتمكن دي ربيرا من حل المشاكل التي كان يتخبط فيها المجتمع الإسباني، كملكية الأرض والقوميات المحلية والتباين الاقتصادي
بين طبقات المجتمع خاصة في الأندلس. فقرر في 30/ 1 / 1930 م الانسحاب من الحكم والهجرة إلى باريز حيث توفي.
خلف دي ربيرا في الحكم الجنرال بيرنغر، فكثرت الاضطرابات في عهده. ثم تعاهد الجمهوريون في "خلف سان سبستيان" على إلغاء الملكية في إسبانيا. وفي 14/ 4 / 1931 م، انسحب الجنرال بيرنغر بعد انتخابات عامة نجح فيها الجمهوريون، فأعلنوا الجمهورية، واضطر الملك الفونسو الثالث عشر إلى التنازل ومغادرة البلاد.
أعلنت في إسبانيا "جمهورية العمال" بدستور عد، في وقته، من أكثر دساتير أوروبا ديموقراطية الذي أعطى المناطق المختلفة حق طلب الحكم الذاتي، وأنشىء مجلس للنواب بالانتخاب العام شارك فيه لأول مرة النساء والجنود. وانتخب نيساتو القلعة سمورة رئيسًا للجمهورية، وانضمت إسبانيا إلى هيئة الأمم.
وعمّمت الجمهورية التعليم العلماني، وحدت من هيمنة الكنيسة في التعليم والسياسة والاقتصاد حتى أعلن بعض قاداتها، كأثاينا، "بأن إسبانيا لم تعد كاثوليكية"، وانتشر في البلاد عداء الكنيسة، خاصة في الأندلس. وفي 11/ 5 / 1931 م، أخذت الجماهير تحرق الأديرة وتزيل الصلبان عن المقابر والمدارس، فعوقب من احتج على ذلك من رجال الكنيسة.
ثم ركّزت الجمهورية على تحويل إسبانيا إلى دولة اتحادية بإعطاء قطلونية وأوسكادي (بلاد الباسك) الحكم الذاتي. ثم أسست قوة جديدة سمتها "حراس الهجوم" لتنافس قوات "الحرس المدني" التي أصبحت مكروهة لدى الشعب. ثم حاولت الجمهورية معالجة المشكل الزراعي. لكن مذبحة "كاساس بيخاس"(الدور القديمة بالأندلس) في 12/ 1 / 1933 م ضد الأناركيين الأندلسيين أدت إلى إضعاف مساندة الشعب للجمهورية. فجوبهت الحكومة من طرف الملكيين والكنيسة في اليمين، ومن طرف العمال والشيوعيين في اليسار. وفي ديسمبر عام 1933 م، عمت الاضطرابات الأراغون والاسترمادورا. وفي أكتوبر سنة 1934 م، ثارت قطلونية وآشتورياش، فقضى على الثورتين بالقوة. وفي سنة 1935 م، تدهور الوضع بسبب المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وسياسة رئيس الجمهورية والفضائح التي سببها بعض المسؤولين فتتابعت الاضطرابات.
وفي 18/ 7 / 1936 م، قام الجيش بانقلاب عسكري، بقيادة الجنرال سان خورخو، ومساهمة الجنرالين فرانكو وغودو. فرفضت حكومة الجمهورية الانقلاب،