المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3/ 3 - انتشار الثورة واستشهاد ابن أمية: - انبعاث الإسلام في الأندلس

[علي المنتصر الكتاني]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌تقديم

- ‌مقدمة الشيخ المجاهد الإسلامي إبراهيم بن أحمد الكتاني

- ‌مقدمة المؤلِّف

- ‌الفصل الأولنشأة وسقوط دولة الإسلام في الأندلس

- ‌1/ 1 - الأمة الأندلسية وتكوينها:

- ‌1/ 2 - قيام مملكة غرناطة:

- ‌1/ 3 - جهاد مملكة غرناطة المتواصل:

- ‌1/ 4 - اتحاد الممالك النصرانية:

- ‌1/ 5 - الحرب الأهلية وسقوط غرناطة:

- ‌مراجع الفصل الأول

- ‌الفصل الثانيالاضطهاد والتنصير 1492 - 1568 م

- ‌2/ 1 - بداية الغدر وتنصير مسلمي غرناطة (1492 - 1502 م):

- ‌2/ 2 - محاكم التفتيش الكاثوليكية في إسبانيا:

- ‌2/ 3 - ذروة اضطهاد المسلمين 1502 - 1567 م:

- ‌2/ 4 - وضع المسلمين في مملكتي البرتغال وقشتالة:

- ‌2/ 5 - وضع المدجنين في مملكة أراغون:

- ‌مراجعالفصل الثاني

- ‌الفصل الثالثثورة غرناطة الكبرى (1568 - 1570 م)

- ‌3/ 1 - تهيىء الثورة:

- ‌3/ 2 - إعلان الثورة وبيعة ابن أمية:

- ‌3/ 3 - انتشار الثورة واستشهاد ابن أمية:

- ‌3/ 4 - مراحل الثورة تحت قيادة ابن عبو:

- ‌3/ 5 - الانهزام والاستسلام:

- ‌مراجعالفصل الثالث

- ‌الفصل الرابعالتشتيت وزيادة القهر (1570 - 1608 م)

- ‌4/ 1 - إخراج المورسكيين من مملكة غرناطة:

- ‌4/ 2 - أوضاع المسلمين في مملكة قشتالة من سنة 1570 م إلى سنة 1608 م:

- ‌4/ 3 - أوضاع المسلمين في مملكة أراغون من سنة 1570 م إلي سنة 1608 م:

- ‌4/ 4 - علاقات مسلمي إسبانيا الخارجية من 1570 م إلى 1608 م:

- ‌4/ 5 - التفكير في الطرد:

- ‌مراجع الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامسطرد المسلمين الجماعي عن إسبانيا (1608 - 1614 م)

- ‌5/ 1 - قرار الطرد سنة 1608 م:

- ‌5/ 2 - طرد مسلمي مملكة بلنسية:

- ‌5/ 3 - طرد مسلمي أراغون القديمة وباقي مملكة أراغون:

- ‌5/ 4 - مسلمي مملكة قشتالة:

- ‌5/ 5 - المورسكيون المطرودون في مناطق هجرتهم:

- ‌مراجعالفصل الخامس

- ‌الفصل السادسديموغرافية المورسكيين وحياتهم الاجتماعية

- ‌6/ 1 - ديموغرافية المورسكيين:

- ‌6/ 2 - حياة المورسكيين الدينية:

- ‌6/ 3 - حياة المورسكيين الاجتماعية:

- ‌6/ 4 - حياة المورسكيين الاقتصادية:

- ‌6/ 5 - الثقافة المورسكية:

- ‌مراجعالفصل السادس

- ‌الفصل السابعاستمرار الوجود الإسلامي في الأندلس في القرنين السابع عشر والثامن عشر

- ‌7/ 1 - إسبانيا في القرنين السابع عشر والثامن عشر:

- ‌7/ 2 - معاملة الدولة للمورسكيين:

- ‌7/ 3 - معاملة محاكم التفتيش:

- ‌7/ 4 - مؤامرات وثورات:

- ‌7/ 5 - شواهد الرحالة:

- ‌مراجعالفصل السابع

- ‌الفصل الثامنتكوين القومية الأندلسية (في القرنين التاسع عشر والعشرين)

- ‌8/ 1 - إسبانيا في القرنين التاسع عشر والعشرين:

- ‌8/ 2 - الجذور الإسلامية للقومية الأندلسية:

- ‌8/ 3 - انبعاث الهوية الأندلسية (1808 - 1873 م):

- ‌8/ 4 - بروز الحركة الأندلسية ودور بلاس إنفانتي:

- ‌8/ 5 - تطور الحركة الأندلسية: إسلام بلاس إنفانتي واستشهاده:

- ‌مراجعالفصل الثامن

- ‌الفصل التاسعانبعاث القومية الأندلسية 1975 - 1990 م

- ‌9/ 1 - دكتاتورية فرانكو (1939 - 1975 م):

- ‌9/ 2 - رجوع الديموقراطية وانبعاث القومية الأندلسية:

- ‌9/ 3 - إنشاء منطقة الأندلس ذات الحكم الذاتي:

- ‌9/ 4 - رموز منطقة الأندلس ذات الحكم الذاتي:

- ‌9/ 5 - إحصائيات الأندلس المعاصرة:

- ‌مراجعالفصل التاسع

- ‌الفصل العاشرالانبعاث الإسلامي على مفترق الطرق (منذ سنة 1970 م)

- ‌10/ 1 - الجمعيات الإسلامية للوافدين:

- ‌10/ 2 - الطريقة الدرقاوية في غرناطة:

- ‌10/ 3 - جمعية قرطبة الإسلامية:

- ‌10/ 4 - محاولات تنظيمية أخرى في الأندلس:

- ‌10/ 5 - محاولات تنظيمية خارج منطقة الأندلس:

- ‌مراجعالفصل العاشر

- ‌الفصل الحادي عشرالجماعة الإسلامية في الأندلس

- ‌11/ 1 - الأيام الأولى في إشبيلية:

- ‌11/ 2 - الإنطلاقة من إشبيلية:

- ‌11/ 3 - النكسة والانطلاقة الجديدة:

- ‌11/ 4 - العودة إلى قرطبة:

- ‌11/ 5 - العلاقة مع الشتات الأندلسي:

- ‌مراجعالفصل الحادي عشر

- ‌الفصل الثاني عشرالشتات الأندلسي اليوم

- ‌12/ 1 - الأندلسيون في المغرب:

- ‌12/ 2 - الأندلسيون في تونس:

- ‌12/ 3 - الأندلسيون في باقي القارة الإفريقية:

- ‌12/ 5 - الأندلسيون في باقي أوروبا وأمريكا:

- ‌مراجعالفصل الثاني عشر

- ‌خاتمة

- ‌ملحق معاهدة تسليم غرناطة المعقودة بين أبي عبد الله الصغير والملكين الكاثوليكيين

- ‌المادة الأولى:

- ‌المادة الثانية:

- ‌المادة الثالثة:

- ‌المادة الرابعة:

- ‌المادة الخامسة:

- ‌المادة السادسة:

- ‌المادة السابعة:

- ‌المادة الثامنة:

- ‌المادة التاسعة:

- ‌المادة العاشرة:

- ‌المادة الحادية عشر:

- ‌المادة الثانية عشر:

- ‌المادة الثالثة عشر:

- ‌المادة الرابعة عشر:

- ‌المادة الخامسة عشر:

- ‌المادة السادسة عشر:

- ‌المادة السابعة عشر:

- ‌المادة الثامنة عشر:

- ‌المادة التاسعة عشر:

- ‌المادة العشرون:

- ‌المادة الحادية والعشرون:

- ‌المادة الثانية والعشرون:

- ‌المادة الثالثة والعشرون:

- ‌المادة الرابعة والعشرون:

- ‌المادة الخامسة والعشرون:

- ‌المادة السادسة والعشرون:

- ‌المادة السابعة والعشرون:

- ‌المادة الثامنة والعشرون:

- ‌المادة التاسعة والعشرون:

- ‌المادة الثلاثون:

- ‌المادة الحادية والثلاثون:

- ‌المادة الثانية والثلاثون:

- ‌المادة الثالثة والثلاثون:

- ‌المادة الرابعة والثلاثون:

- ‌المادة الخامسة والثلاثون:

- ‌المادة السادسة والثلاثون:

- ‌المادة السابعة والثلاثون:

- ‌المادة الثامنة والثلاثون:

- ‌المادة التاسعة والثلاثون:

- ‌المادة الأربعون:

- ‌المادة الحادية والأربعون:

- ‌المادة الثانية والأربعون:

- ‌المادة الثالثة والأربعون:

- ‌المادة الرابعة والأربعون:

- ‌المادة الخامسة والأربعون:

- ‌المادة السادسة والأربعون:

- ‌المادة السابعة والأربعون:

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌3/ 3 - انتشار الثورة واستشهاد ابن أمية:

"ولكن كفرة جزيرة قبرص القريبة من ممالكي المحروسة، والتي كانت على العهد والأمان منذ زمان أجدادي العظام، أنار الله براهينهم، نقضوا تلك العهود وأخذوا بالتعدي على التجار وأهل الإسلام والمسافرين بحرًا لطواف بيت الله الحرام وزيارة تربة حضرة سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام بخلوص النية وصفاء الطوية. وبذلك فإنهم مصرون على العصيان والطغيان. لذا بعد التوكل والاعتماد على علو عناية الحق سبحانه وتعالى والتوسل والإسناد إلى المعجزات كثيرة البركات لفخر الموجودات صلوات الله عليه وسلامه. وكذلك بالاستمداد بالأرواح الطاهرة لسائر الصحابة الكرام، عليهم رضوان الله تعالى أجمعين، فقد استقرت نيتنا الملوكية على فتح وتسخير الجزيرة المزمورة في الربيع الآخر القادم. ونضرع إلى عتبة حضرة الحق جل وعلا أن ييسر لنا فتح وتسخير تلك الجزيرة وأن يبسط أيدينا عليها حتى تؤهل بأهل الإسلام، كما كانت عليه، وكي تقام فيها شعائر الشرع الشريف، وحتى يأمن التجار في غدوهم ورواحهم، وينصرفوا للدعاء بثبات ومجد ورفعة الدولة".

"وبما أن الوضع على هذا الحال، فإن إرسال الأسطول الهمايوني المظفر لحمايتكم سيتأخر ريثما يتم إيصال المراكب للعساكر المنصورة للجزيرة المزبورة.

وسيتم ذلك أثر إنهاء الأسطول لمهمته بعناية الحق. وقد أرسل أمري الهمايوني المؤكد إلى أمير أمراء الجزائر الذي تتجه أنظاره وأفئدته نحوكم لإرسال النجدة والمعونة لكم، إما بإرسال العساكر المظفرة أو بإرسال العدة والعتاد، وبموجب أمري الشريف فإن أمير أمراء الجزائر سيكون خير معين وظهير لكم".

"كما أننا نتوخى من خلال حميتكم الإسلامية المتأصلة في حلبتكم عدم التراخي عن إظهار غيرتكم على الدين المتين، فلتظهروا أنواع أخدامكم وأصناف اهتمامكم في الحرب والقتال والجدال ضد الكفار الأذلاء. والمأمول ألا يضن علماء وصلحاء وسائر أهل الإسلام في تلك الديار بالدعاء ليل نهار بتيسير الفتح والنصر للغزوة المظفرة. ولا تتوانوا عن إعلامنا باستمرار عن أحوال وأوضاع تلك الديار".

‌3/ 3 - انتشار الثورة واستشهاد ابن أمية:

قرر الملك فليبي الثاني الاتجاه إلى البشرات لإخضاعها بنفسه، عندما رأى صعوبة القضاء على الثورة، أسوة بسلفه الملكين الكاثوليكيين. فاقترح عليه الكاردينال اسبينوزا بدل ذلك، إرسال أخيه "غير الشرعي"، دون خوان النمساوي، على رأس جيش جديد. فعينه الملك في 17/ 3 / 1569 م ووضع تحت إمرته مجلسًا حربيًّا. ثم

ص: 104

أرسل إلى دي مندوجر يخيره بين البقاء تحت إمرة دون خوان أو الانتقال إلى المجلس العسكري في غرناطة كأحد أعضائه. ففضل مندوجر الانتقال إلى غرناطة.

وفي 6/ 4 / 1569 م ودع دون خوان أخاه الملك وتوجه إلى غرناطة التي وصلها في 13/ 4 / 1569 م، فاستقبله نصارى غرناطة مستصحبين أيتامهم وثكلاهم وأراملهم تحريضًا له على إخراج المسلمين. وفي 14/ 4 / 1569 م اجتمع بزعماء الأندلسيين الذين اشتكوا إليه من سوء المعاملة والاحتقار ونزع الممتلكات وإزهاق الأرواح بدون سبب، فوعدهم بحماية كل من خلص منهم للنصرانية. وفي 22/ 4 / 1569 م عقد دون خوان مجلسًا حربيًّا لتخطيط القضاء على الثورة، حضره الماركيز مندوجر والرئيس ديسا. واختلفت الآراء في المجلس، فصوت دي مندوجر إلى جانب الذين فضلوا الهدنة والمفاوضة مع المجاهدين، بينما صوت ديسا ومعظم أعضاء المجلس الآخرين على تهجير الأندلسيين من حي البيازين ومن مرج غرناطة ونقلهم إلى قشتالة. ورغم أن دون خوان لم يدل بصوته فقد أبدى ارتياحه للحل الثاني.

وأمام هذه المخاطر الجديدة التي تهدد الأندلسيين، والأعمال الهمجية التي قام بها العسكر القشتالي ضد المجاهدين وعائلاتهم، والتجاوزات المتناهية ضد كل أندلسي من طرف رعاع النصارى، خاصة المجزرة الرهيبة التي كان ضحيتها رهائن سجن غرناطة، فقد أخذت أفواج المتطوعين تنضم إلى المجاهدين مفضلة الموت والسلاح في يدها على العبودية أو الموت في الشوارع والبيوت. وانزرعت بذلك في الجهاد روح جيدة من الحماس والقوة.

وطلب ملك إسبانيا العون من الممالك النصرانية، فتقاطر عليه المتطوعون والمرتزقة في كل أطراف أوروبا: جاء دون لويس دي ريكسنس من إيطاليا على رأس قوة بحرية تتكون من 24 سفينة نزلت على شاطىء البشرات واشتبكت مع الثوار المسلمين في 28/ 4 / 1569 م. فهزمت القوة وخسرت كثيرًا من قوادها قبل أن ترتد إلى فرجليانة. وفي 13/ 5 / 1569 م سمح نائب الملك في مقاطعة قطلونية للمتطوعين بالالتحاق بالجيش الإسباني لمحاربة المجاهدين، كما سهل في 18/ 5 / 1569 م على الجنود الفرنسيين الاتجاه إلى البشرات. وهكذا اشترك آلاف المتطوعين النصارى من كل أنحاء أوروبا في حرب صليبية حاقدة ضد الأندلسيين، وتقاطروا على مملكة

غرناطة برًّا وبحرًا.

ص: 105

كان ابن أمية يقيم في طاعة أجيجير بالبشرات وخطط مع قواته الهجوم على جيش النصارى محاولاً الحفاظ على المبادرة بالاستفادة من المعارك السريعة المباغتة وتجنب المعارك المكشوفة. ووزع المجاهدون فرقهم المقاتلة في ضواحي المرية ووادي المنصورة ووادي آش ووادي شنيل ومرج غرناطة ووادي الإقليم وجبال البشرات وجبال ابن طوميز شرق مالقة ومنطقة رندة، أي كل نواحي مملكة غرناطة القديمة، حتى أنه قيل إن بعض فرق المجاهدين دخلت حاضرة غرناطة نفسها.

وأخذ المجاهدون المبادرة في كثير من الأحيان: فاجأ المجاهدون كتيبة من 400 جندي تحت إمرة حاكم وادي آش الذي تحرك بأمر من ماركيز دي بلش لاحتلال مضيق رياحة، فهزموها وقضوا عليها. ثم شتت المجاهدون قوة تحت إمرة حاكم بلش أرادت أن تحتل صخرة فرجليانة، فهزموها وتابعوها إلى بلش. وبقيت فرجليانة في يد المسلمين إلى أن احتلتها قوة دي ريكسنس المتطوعة في 11/ 6 / 1569 م. فأبادت حاميتها التي استبسلت في الدفاع عنها بمشاركة النساء والشيوخ. هكذا حرر المجاهدون في ظرف أسابيع المئات من الحصون والقرى والمدن في كل أنحاء مملكة غرناطة.

تقدم جيش الماركيز دي بلش إلى برجة، فزحف إليه ابن أمية في أوائل يونيو عام 1569 م على رأس عدة آلاف من المجاهدين منهم حوالي 400 متطوع مغربي. وكان قائد المعارك المجاهد مشكر. فاشتعلت في برجة أول معركة كبيرة في هذه المرحلة من الجهاد، اضطر ابن أمية على أثرها إلى الانسحاب إلى قديار بعد أن حمّل جيش دي بلش خسائر فادحة. وقد ادعى كل من المجاهدين والنصارى النصر في معركة برجة التي استشهد فيها حوالي 1500 مجاهد.

وفي 23/ 5 / 1569 م انضمت منطقتا الحامة ورندة وجبال بني طوميز شرق مالقة إلى الثورة، فطرد مجاهدو تلك المناطق الحاميات القشتالية بقوات تحت قيادة الشريران وفراندو الدرة، وردوا هجومًا شنه حاكم المرية عليهم واضطر إلى الالتجاء إلى بلش مالقة ولم يعد يخرج منها.

وسيطر مجاهدو وادي المنصورة، شرق المرية، على سلسلة من الحصون والقرى. وحاصروا قلعة صيرون، أكبر تلك الحصون وأمنعها، منذ 10/ 6 / 1569 م، إلى أن حرروها في 11/ 7 / 1569 م بعد أن هزموا قوة قشتالية برئاسة حاكم بسطة حاولت إنقاذها. كما حرر المجاهدون قصور أرية، ثم حاصروا بيرة في سبتمبر

ص: 106

وأرجبة في أكتوبر، وفي شهر يوليوز توفي أحد قواد الجهاد محمد ابن جهور الصغير، عم محمد بن أمية.

بينما كان المجاهدون ينتشرون في كل أنحاء مملكة غرناطة تواجههم قوات دي بلش وفرق المتطوعة النصارى تحت قيادة حكام المناطق، كان دون خوان النمساوي مقيمًا في حاضرة غرناطة منشغلاً عن المعارك بحضور جلسات المجلس العسكري بأمر من أخيه الملك. فوصلته أوامر بتهجير المورسكيين من حاضرة غرناطة في 23/ 6 / 1569 م. وأيد هذا القرار جميع أعضاء المجلس، بما فيهم دي مندوجر. فانتشر الجيش القشتالي في حاضرة غرناطة ومرجها، وبعد فجر ذلك اليوم مباشرة خرج المنادون على أصوات الطبول يعلنون وجوب التحاق المورسكيين بالكنائس، ومنح الرئيس ديسا الأمان لكل من يطيع الأمر. فأذعن أهل غرناطة دون مقاومة، وتجمعوا في الكنائس وقضوا يومهم وليلتهم تحت الحراسة. وفي الصباح فرق الجنود النساء عن الرجال، ثم فرقوا الرجال ما بين الذين تقل أعمارهم عن عشر سنين أو تزيد على الستين وبين الآخرين، وأخذوا هؤلاء بين صفين من الجنود إلى المستشفى الملكي خارج المدينة. ثم انتقوا منهم بعض الصناع والمهرة من العمال الذين سمحوا لهم بالمكوث في غرناطة. وأخذوا الجميع إلى قشتالة، بما فيها مناطق الأندلس التي احتلت قديمًا ومنطقة بطليوس. وعومل المهجرون في الطريق أسوأ معاملة من نهب وقتل، بينما صودرت منازلهم وأملاكهم وأموالهم التي تركوها في غرناطة. ويقدر عدد المهجرين ب 7.000 امرأة و 3.500 رجل لم تصل منهم إلى المناطق المعينة لهم إلا أعداد قليلة، بينما قتل الباقون أو ماتوا جوعًا ومرضًا وتعبًا، أو بيعوا في أسواق النخاسة كعبيد.

وزادت هذه الجريمة النكراء على جرائم النصارى في حق أهل الأندلس مستوى جديدًا، وزادت من كره الأندلسيين للقشتاليين النصارى. وانضمت للمجاهدين بسببها أعداد جديدة من المتطوعين الأندلسيين. وفي 3/ 8 / 1569 م تمكنت قوة من المجاهدين بقيادة الناقص من القضاء على قوة قشتالية في وادي الإقليم كانت متجهة إلى أرجبة بالمؤن، وأباد المجاهدون كتيبة قشتالية كانت تحرس جسر الطبلات. وضاعف الأرشذوني هجماته على الحصون التي لا زالت بيد الجيش الإسباني، وشدد ابن المليح قائد منطقة وادي المنصورة هجماته على مدينة أرية، وأصبح المجاهدون على أبواب مدينة المرية.

ص: 107

تم تحرك جيش دي بلش بأمر من دون خوان غرناطة من ميناء عذرة الذي أخذه من يد المجاهدين، وتوجه إلى أشيجر. فأمر محمد بن أمية بيدرو مندوسة الحسين، أحد قواده، باعتراض الجيش المهاجم، فلم يستطع. وفي 3/ 8 / 1569 م سار جيش دي بلش نحو بالور حيث تجمعت قوات المجاهدين تحت قيادة ابن أمية. فقامت بين الطرفين معركة ضارية أرغمت المجاهدين على الانسحاب، وأحرق الجيش بيت ابن أمية في بالور.

وفي غشت عام 1569 م أرسل ابن أمية هرناندو الحبقي إلى أمير أمراء الجزائر، علي باشا، مستغيثًا وطالبًا منه مد المجاهدين بالمال والرجال والسلاح فأذاع علي باشا بيانًا يطلب فيه التطوع، فاستجابت له أعداد كبيرة من الجزائريين، اختار منهم 400 رجل سلحهم بالبنادق وأرسلهم في ست سفن مع هرناندو الحبقي تحت قيادة ضابط تركي اسمه حسين، وأرسل معهم كمية مهمة من الذخائر والأسلحة. بينما ذهب علي باشا بباقي المتطوعين لتحرير تونس من الإسبان. وطاف القائد حسين، عند وصوله إلى الأندلس، على تجمعات المجاهدين، وأخبرهم أنه يدرس حاجياتهم، فشد ذلك من عزائمهم. وفي نفس الوقت وصل للمجاهدين متطوعون بالأسلحة والمؤن من المغرب، خاصة من منطقة تطوان.

وفي حاضرة غرناطة انتشرت الخلافات في المجلس العسكري لدرجة أدت إلى إيقاف العمليات الحربية ضد المجاهدين. فدعا الملك فليبي الثاني الماركيز دي مندوجر لمقابلته، ولم يعد بعد ذلك إلى غرناطة. ثم اختار المجلس العسكري الحرب ضد المجاهدين كحل وحيد لإنهاء الثورة.

وبينما كانت المبادرة في يد المجاهدين وقع قوادهم في مؤامرة خطيرة أدت إلى انكسارهم. وهي أن الإسبان عندما قاموا بمذبحة سجن غرناطة الرهيبة حقنوا دم والد وأخ ابن أمية للضغط على سلطان الأندلس وقائد ثورتها، فسلموهما لمحاكم التفتيش لتعذيبهما. فأرسل ابن أمية رسالة إلى خوان النمساوي يعرض فيها عليه تسليمهما له مقابل ثمانين أسيرًا من النصارى، وإلا انتقم من النصارى الذين تحت سلطته. فاتفق المجلس الحربي في غرناطة على عدم الإجابة، وأرغموا والد ابن أمية بالكتابة لابنه ناهيًا إياه عن متابعة الثورة ونافيًا أية إساءة أو تعذيب.

فاغتنم ذلك بعض المتعاملين مع العدو الناقمين على ابن أمية للعمل على قتله، على رأسهم دييكو الوزير، وهو أخ زوجة ابن أمية. فأخذوا يبثون الشك بين ابن أمية

ص: 108

والمتطوعين القادمين من الجزائر. فطلب ابن أمية من قريبه وقائده محمد بن عبو (واسمه الإسباني دييغو لوبيز) ضم الأتراك إلى قوته والسير بهم إلى البنيول ولينتظر هناك أوامره. وكانت غاية ابن أمية تحرير ميناء مطريل دون أن يتسرب خبر اتجاه قوة المجاهدين، للحفاظ على المبادرة. فمر حامل الرسالة على أجيجر، فعلم الوزير منه مضمونها، فتآمر مع كاتب ابن أمية في تزوير رسالة أخرى، وأمر بقتل حامل الرسالة الأولى. فوصلت الرسالة المزورة إلى ابن عبو تأمره بتجريد المتطوعين من السلاح وإعدامهم. فاستنكر ابن عبو هذا الأمر، وآمن بالشائعات التي نشرها العدو حول ابن أمية بأنه يريد مهادنة الإسبان لتحرير والده وأخيه. واعتقد المتطوعون أن ابن أمية قد خان، فقرروا عزله وإعدامه دفاعًا عن الثورة.

وسار ابن عبو والمتطوعة الأتراك إلى مقر ابن أمية في لوشر، فقبضوا عليه وواجهوه بالتهم التي يتهمونه بها، وأطلعوه على الرسالة التي بيدهم. فتبرأ ابن أمية من التهم الموجهة ضده، وأكد لهم أن الرسالة مزورة ولم يأمر بكتابتها قط، وأنه ما خان أمته ولا دينه أبدًا. فلم يفده دفاعه عن نفسه، فسجنوه في غرفة، وكلفوا بحراسته دييكو الوزير، كبير المتآمرين عليه، ودييكو أركش، كاتبه. وفي ليل 20/ 10 / 1569 م، قتله هاذان الخائنان خنقًا.

وهكذا استشهد قائد ثورة الأندلس ضحية الدسائس والغدر، على يد أبناء أمته، تلك الأمة التي ضحى في سبيلها بالغالي والرخيص والتي بسببها شرد أهله وقتلت أمه وأخوته وزوجته وسجن أبوه وأخوه وما وهن ولا استكان، وأجره عند الله. وكان قتله، والمبادرة في يد المجاهدين، انتكاسة كبيرة للثورة.

واقترح قواد الثورة بعد اغتيال ابن أمية، بيعة أحد قائدي المتطوعين، حسين أو أخيه. فرفضا واقترحا مبايعة ابن عبو شرط أن يوافق أمير أمراء الجزائر على ذلك. فوصلت موافقة هذا الأخير مع بعض التعزيزات العسكرية بعد ثلاثة شهور.

فنصب ابن عبو سلطانًا للأندلس تحت اسم عبد الله محمد بن عبو. وقد استاء بعض قواد الثورة، كابن مكنون والأرشذوني، من اغتيال ابن أمية، فانسحبوا من الجهاد واختاروا الهجرة إلى أرض الإسلام، وقد انضم إلى الثورة في أوجها ما يقارب ثلاثين ألف مقاتل، منهم حوالي 5.000 من المتطوعين الأتراك والجزائريين والمغاربة.

ص: 109