الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إخراج الجميع. وكان ريبيرا يرغب في الاحتفاظ بأطفال المسلمين الذين تقل أعمارهم عن 12 سنة لتربيتهم على النصرانية، لكن مجلس الدولة قرر الاحتفاظ فقط بالأطفال دون ست سنوات من العمر لكي لا يحتفظوا بأي ذكرى للتربية الإسلامية بعد بقائهم.
وعندما رفض أهلهم التخلي عنهم، أخذ النصارى، كبيرهم وصغيرهم بما فيهم زوجة نائب الملك، يختطفون أبناء المسلمين لإنقاذهم من "الكفر".
وفي 19/ 6 / 1610 م درس مجلس الدولة تقريرًا تقدم به نائب الملك يقول فيه إنه قد بقي في المملكة حوالي ألف مورسكي، من بينهم رجال ونساء عجزة يفضلون الموت على دين النصارى، ومنهم من تعاون مع السلطات ضد إخوانهم. وقد قدر عدد من أخرجوا بـ 130.000 شخص، قتل منهم قبل الإبحار حوالي 10.000 شخص. وسنعرض في الفصل القادم عدد من بقي من المورسكيين في مملكة بلنسية بتفصيل.
كان الكاردينال خوان دي ريبيرا الرجل الأول وراء قرار الطرد. وقد ألقى خطاب "شكر لله" في كتدرائية بلنسية عند إعلان القرار، نبه فيه على المصاعب التي ستواجه البلاد نتيجة الطرد، ووعد بالتغلب عليها. ثم قال بأن كل المصاعب تهون أمام القضاء على هذه "البذرة الخبيثة (يعني المسلمين) الموجودة بيننا". ولم يعش عدو المسلمين هذا طويلاً بعد إنجاز رغبته، فمات غمًّا في 6/ 1 / 1611 م لعدم تمكنه من الاحتفاظ بكل الأطفال وتنشئتهم على الدين النصراني.
5/ 3 - طرد مسلمي أراغون القديمة وباقي مملكة أراغون:
بعد مملكة بلنسية، قررت الدولة الإسبانية طرد مسلمي غرناطة ومرسية وجيان والأندلس ثم قشتالة والاسترمادورا، ولم تذكر، في هذه الفترة، شيئًا عن مصير مسلمي مملكه أراغون القديمة، حيث كانت نسبتهم تتعدى خمس مجموع السكان.
بل حاولت الدولة تخديرهم إذ كتب الملك فليبي الثالث إلى غاستون دي مونكادا، ماركيز دي أيتونا، نائب الملك في أراغون القديمة، رسالة بتاريخ 20/ 10 / 1609 م يأمره بطمأنة المسلمين، وإخبارهم بعدم وجود أية نية للحكومة في طردهم. لكن لم يصدق مسلمو أراغون القديمة رسالة الملك، لما رأوه من تهجير متواصل لمسلمي مناطق إسبانيا الأخرى، وظل الاضطراب قائمًا بين المسلمين والنصارى. ففي 25/ 11 / 1609 م، كتب مجلس مملكة أراغون القديمة رسالة إلى الملك فليبي الثالث يخبره فيها أن المورسكيين في حالة كبيرة من التوتر، وأنهم خائفون مما سيحدث
لهم، وأن ممثلي المملكة يودون إرسال سفارة إلى الكورتس لإخبارهم "بالضرر الكبير الذي سيلحق بهذه المملكة إن طرد مورسكيوها منها"، وإن كان ولا بد طردهم "فليكن ذلك على يد نفس النبلاء الذين يعمل عندهم المورسكيون". ولم تحصل هذه السفارة على نتيجة تذكر.
أخذت تنتشر الاضطرابات في المناطق التي يكثر فيها المورسكيون، كسرقسطة وبرجة. وأهمل المورسكيون مزارعهم، وابتدؤوا ببيع ممتلكاتهم بأبخس الأثمان، والتهيىء للهجرة. وأحدث اضطراب أوضاع المورسكيين الرعب بين النصارى، مما جعل الماركيز دي أيتونا كتب للملك بتاريخ 5/ 12 / 1609 م، يخبره بأن "أهل هذه المملكة لهم قلة من السلاح لمواجهة الأحداث التي يمكن أن تقع لخدمة جلالتكم وللدفاع عن أنفسهم، وخاصة فيما يخص الإشاعات المنتشرة حول الموركسيين"، ثم يطلب السلاح لبلدتي طرسونة وقلعة أيوب بصفة خاصة. وفي 11/ 12 / 1609 م، كتب الماركيز للملك مرة أخرى يقول: "إن مورسكيي هذه المملكة في خوف كبير من أن يعاملوا بما عومل به مورسكيو مملكة بلنسية، فأخذوا يبيعون ما استطاعوا من أمتعتهم، ويرفضون زراعة الأرض
…
ويعاملهم النصارى القدامى معاملة سيئة
…
أرجو أن يأمرني جلالتكم بطمأنة النصارى الجدد (المسلمين) ومعاقبة النصارى القدامى الذين يسيئون معاملتهم، لأنه لا يستحسن وضعهم في موقف اليأس".
وفي 31/ 1 / 1610 م كتب نائب الملك إلى دوق دي ليرما يطلب منه التعليمات حول معاقبة المتسترين على المورسكيين الراجعين من المنفى (من مناطق أخرى في إسبانيا)، فأجاب الدوق بأن الملك يرى أن يقرر ذلك مجلس أراغون. وفي 27/ 1 / 1610 م، كتب الدوق إلى نائب الملك يخبره بأن الملك علم بأن المورسكيين يبيعون أملاكهم ومنتوجاتهم الزراعية، وهو يأمر بمنع ذلك منعًا باتًا، كما يأمر بمنع المتاجرة مع المورسكيين ومعاقبة المخالف بالمصادرة الكاملة.
وعندما تأخر وصول أمر طرد مورسكيي أراغون القديمة، رغم توقع الجميع وصوله، أخذت السلطات الكنسية والمدنية في أراغون القديمة تستعجل الملك في اتخاذ القرار، للخلاص من الوضع المضطرب الذي شمل المملكة. ففي 6/ 4 / 1610 م كتب ميغيل سانتوس دي سان بيدرو، مفتش سرقسطة العام، رسالة إلى نائب الملك في أراغون القديمة يقول فيها إن المورسكيين الأراغونيين، عندما رأوا ما حل بإخوانهم في بلنسية وقشتالة، أخذوا يرفضون زراعة الأرض، ويبيعون أملاكهم،
ويرسلون أموالهم إلى فرنسا، وأنه إذا لم يطردوا فورًا فسيصبحون ضحية للمجاعة، مما يجعلهم ينهبون ويقتلون النصارى القدامى. وأن كثيرًا منهم أخذوا يهاجرون إلى فرنسا، ويطلب منعهم من ذلك، وتسليح المدن الحدودية، وتحويل هجرتهم إلى البحر الأبيض المتوسط، حتى "لا يعطي للفرنسيين رجال تعرف شؤون الحرب وأوضاع هذا البلد". ووافق مجلس الدولة على اقتراح مفتش سرقسطة العام.
وفي 17/ 4 / 1610 م، وقع الملك فليبي الثالث في بلد الوليد أمرًا بطرد مسلمي مملكة أراغون القديمة. وفي 29/ 5 / 1610 م، نشر الماركيز دي أيتونا، نائب الملك، الأمر في سرقسطة، وهذه أهم بنوده: 1 - أمر جميع مورسكيي أراغون القديمة، رجالاً ونساء وأطفالاً، بالخروج من منازلهم في ظرف ثلاثة أيام من نشر هذا الأمر، والذهاب إلى النقاط التي يأمرهم بالاتجاه إليها المسؤولون على الإبحار. ويسمح لكل واحد منهم حمل ما استطاع على ظهره، وعليه كذلك حمل ما يقتات به إبان رحلته.
2 -
إعدام كل مورسكي يخفي الممتلكات التي لا يستطيع حملها معه، أو يدفنها، أو يحطمها، أو يحرقها.
3 -
السماح بالبقاء للأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم أربع سنوات، شرط أن يسمح لهم بذلك آباؤهم أو أولياء أمرهم.
4 -
السماح بالبقاء: للنصارى القدامى المتزوجين بمورسكيات وأزواجهم وأبنائهم؛ وللعرب القادمين من بلاد البربر بمحض إرادتهم لاعتناق النصرانية، ولسلالتهم؛ وللعبيد.
5 -
طرد المورسكيين المتزوجين من نصرانيات قديمات، مع السماح لأبنائهم بالبقاء مع أمهم إذا كان عمرهم أقل من ست سنوات، وإذا اختارت البقاء.
6 -
السماح بالبقاء للذين برهنوا علنًا على تمسكهم بالنصرانية، شرط إثبات ذلك بمعلومات كافية ومقبولة.
7 -
منع النصارى القدامى من إخفاء المورسكيين، أو الائتمان على ممتلكاتهم، أو نصحهم في أي موضوع لهم فيه مصلحة. ويعاقب المخالف بالأشغال الشاقة لمدة ست سنوات فوق السفن، وبعقوبات أخرى يقررها نائب الملك.
8 -
منع الإساءة إلى المورسكيين.
وتهيأ نائب الملك لعملية إجلاء المورسكيين بإجراء إحصاء عام لهم في أراغون القديمة. فأمرهم بالتجمع في 35 نقطة، ثم التوجه إلى خمس مدن على حدود أراغون القديمة، وهي: فبارة، ومايلة، وبال دي روبلس، وبنياروجا، وأغوا بيبا.
وفي 30/ 5 / 1610 م، توصل نائب الملك برسالة من الملك فليبي الثالث يسمح فيها "لبعض المورسكيين بالذهاب إلى فرنسا
…
مما يسهل كثيرًا هذا الأمر"، خاصة وأن كثيرًا من المورسكيين الأراغونيين هاجروا إلى فرنسا سنة 1608 م عن طريق جبال البرت، فغير نائب الملك برنامج الطرد المخطط أولاً. وفي 19/ 6 / 1610 م، وافق مجلس الدولة على الإجراءات التي اتخذها نائب الملك لطرد المورسكيين الأراغونيين.
خرج معظم المورسكيين الأراغونيين من ميناء الفاقش. وعوملوا في طريقهم إلى الميناء من طرف حراس الدولة أسوأ معاملة باعتداء على أشخاصهم وأملاكهم. وكتب دون أغوستين ميجيا لقبطانية بلنسية رسالة يقول فيها إن طرد المورسكيين الأراغونيين والقطلانيين تم في هدوء تام وأن أغنياءهم أجبروا على دفع تكاليف نقل فقرائهم. وفي 1/ 9 / 1610 م كتب من طرطوشة موظف لميجيا يقول إن 6.000 مورسكي قد خرجوا مؤخرًا، ودفعوا مصاريف نقلهم. وأن مجموع ما أخذ من الذين أبحروا،
وعددهم أكثر من أربعين ألفًا، يعادل 24.000 مرابطي (عملة ذهبية). وحددت الوثائق عدد المورسكيين الذين أبحروا من ميناء الفاقش ب 41.952 شخص، منهم 38.286 مورسكي آراغوني و 4.000 مورسكي قطلاني. وقدرت الوثائق عدد المورسكيين الذين هاجروا إلى فرنسا بـ 22.532 شخص، خرجوا من نقاط الحدود الثلاثة التالية: بيرة، ورونسفالس، وسومبوت. فيكون مجموع المطرودين من أراغون القديمة حوالي 61.000 مسلم، ولم يبق منهم في البلاد إلا عدد محدود جدًّا. ثم صدر الأمر بإعدام المتخلفين والراجعين من المورسكيين، فاقترح مجلس الدولة تعويض الإعدام بالطرد، فوافق الملك.
مرّت عملية طرد المورسكيين الأراغونيين دون ثورات، وبمصاعب أقل مما حدث في مملكة بلنسية. غير أنها مرت على المورسكيين الأراغونيين في جو من البؤس والآلام، وصفه وصفًا دقيقًا أزنار كاردونا حيث قال: "كانت جماعاتهم تمر في فوضى كاملة، يختلط فيها الراجلون مع الفرسان، يتجاذبون وهم يتقطعون بالآلام
وينفجرون بالدموع، يرتفع منهم ضجيج كبير وصراخ محملون بأطفالهم ونسائهم ومرضاهم وعجزتهم، يغطيهم العرق والغبار، بعضهم يركب فوق العربات يزاحم أمتعته، الثمينة منها والتي لا قيمة لها
…
وآخرون يمشون على الأقدام، منكسري الجناح، لباسهم رديء
…
وكلهم ينظرون إلى النصارى الذين يتفرجون عليهم، ويقولون لهم:"ليحرسكم الله أيها السادة، استودعناكم الله"
…
وتمشي النساء بين الرجال، منهن فتيات مثقلات بألبسة
…
تغطي الآلام قلوبهن
…
وأخريات تمشين على الأقدام، تظهر علامات التعب والألم والضياع على وجوههن. يتألم الجميع آلامًا شديدة، وتتقطعهم مرارة عظيمة، وكثير منهم يتساقط على جانب الطريق ميتًا من الحزن، بينما يضطر الباقون إلى دفع ثمن الماء والظل، لأن الفصل كان صيفًا".
وفي 17/ 4 / 1610 م، في بلد الوليد، وفي نفس اليوم الذي وقع فيه الملك فليبي الثالث الأمر بطرد مسلمي أراغون القديمة، وقع كذلك الأمر بطرد مسلمي قطلونية. وأعلن دون هكتور ببغناتلي، دوق دي منت ليون، نائب الملك في قطلونية، الأمر في برشلونة. ولم يكن تأثير هذا الطرد على قطلونية كبيرًا مثل ما كان في مملكتي أراغون القديمة وبلنسية اللتين بقيت فيهما مناطق شاسعة خالية من السكان بعد طرد المورسكيين. أما في قطلونية، فلم يكن عدد المسلمين يزيد على 2 أو 3 في المائة من مجموع السكان، أو حوالي 7.000 مورسكي، طرد منهم حوالي 4.000 مورسكي، واستثني من الطرد حوالي 3.000 مورسكي بتدخل من مطران طرطوشة الذي دافع عنهم وشهد لهم بالإخلاص للنصرانية.
وحيث إن معظم المسلمين كانوا يسكنون مصب نهر الإبرة، لم يتأثر باقي سكان قطلونية كثيرًا بما حدث، فكتب ممثلو برشلونة إلى الملك يهنئونه "بالقرار المقدس الذي اتخذه" في حق المورسكيين. ولم يمنع هذا، في الحقبة ما بين 1609 م و 1610 م، قطاع الطرق النصارى من الاعتداء على المورسكيين، المقيمين منهم في قطلونية والعابرين بها من أراغون القديمة إلى ساحل البحر، مما جعل نائب الملك في قطلونية يعين قاضيًا خاصًّا للنظر في هذا الموضوع ومعاقبة المعتدين.
وفي 3/ 5 / 1611 م، أرسل الملك فليبي الثالث إلى نائب الملك في قطلونية وفدًا معه رسالة يأمره فيها بـ "الانتهاء من طرد المورسكيين الذين مكثوا". وفي 14/ 6 / 1611 م، أخبر بدرو سولير، قاضي المحكمة الملكية المكلفة بالقبض على