المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌5/ 2 - طرد مسلمي مملكة بلنسية: - انبعاث الإسلام في الأندلس

[علي المنتصر الكتاني]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌تقديم

- ‌مقدمة الشيخ المجاهد الإسلامي إبراهيم بن أحمد الكتاني

- ‌مقدمة المؤلِّف

- ‌الفصل الأولنشأة وسقوط دولة الإسلام في الأندلس

- ‌1/ 1 - الأمة الأندلسية وتكوينها:

- ‌1/ 2 - قيام مملكة غرناطة:

- ‌1/ 3 - جهاد مملكة غرناطة المتواصل:

- ‌1/ 4 - اتحاد الممالك النصرانية:

- ‌1/ 5 - الحرب الأهلية وسقوط غرناطة:

- ‌مراجع الفصل الأول

- ‌الفصل الثانيالاضطهاد والتنصير 1492 - 1568 م

- ‌2/ 1 - بداية الغدر وتنصير مسلمي غرناطة (1492 - 1502 م):

- ‌2/ 2 - محاكم التفتيش الكاثوليكية في إسبانيا:

- ‌2/ 3 - ذروة اضطهاد المسلمين 1502 - 1567 م:

- ‌2/ 4 - وضع المسلمين في مملكتي البرتغال وقشتالة:

- ‌2/ 5 - وضع المدجنين في مملكة أراغون:

- ‌مراجعالفصل الثاني

- ‌الفصل الثالثثورة غرناطة الكبرى (1568 - 1570 م)

- ‌3/ 1 - تهيىء الثورة:

- ‌3/ 2 - إعلان الثورة وبيعة ابن أمية:

- ‌3/ 3 - انتشار الثورة واستشهاد ابن أمية:

- ‌3/ 4 - مراحل الثورة تحت قيادة ابن عبو:

- ‌3/ 5 - الانهزام والاستسلام:

- ‌مراجعالفصل الثالث

- ‌الفصل الرابعالتشتيت وزيادة القهر (1570 - 1608 م)

- ‌4/ 1 - إخراج المورسكيين من مملكة غرناطة:

- ‌4/ 2 - أوضاع المسلمين في مملكة قشتالة من سنة 1570 م إلى سنة 1608 م:

- ‌4/ 3 - أوضاع المسلمين في مملكة أراغون من سنة 1570 م إلي سنة 1608 م:

- ‌4/ 4 - علاقات مسلمي إسبانيا الخارجية من 1570 م إلى 1608 م:

- ‌4/ 5 - التفكير في الطرد:

- ‌مراجع الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامسطرد المسلمين الجماعي عن إسبانيا (1608 - 1614 م)

- ‌5/ 1 - قرار الطرد سنة 1608 م:

- ‌5/ 2 - طرد مسلمي مملكة بلنسية:

- ‌5/ 3 - طرد مسلمي أراغون القديمة وباقي مملكة أراغون:

- ‌5/ 4 - مسلمي مملكة قشتالة:

- ‌5/ 5 - المورسكيون المطرودون في مناطق هجرتهم:

- ‌مراجعالفصل الخامس

- ‌الفصل السادسديموغرافية المورسكيين وحياتهم الاجتماعية

- ‌6/ 1 - ديموغرافية المورسكيين:

- ‌6/ 2 - حياة المورسكيين الدينية:

- ‌6/ 3 - حياة المورسكيين الاجتماعية:

- ‌6/ 4 - حياة المورسكيين الاقتصادية:

- ‌6/ 5 - الثقافة المورسكية:

- ‌مراجعالفصل السادس

- ‌الفصل السابعاستمرار الوجود الإسلامي في الأندلس في القرنين السابع عشر والثامن عشر

- ‌7/ 1 - إسبانيا في القرنين السابع عشر والثامن عشر:

- ‌7/ 2 - معاملة الدولة للمورسكيين:

- ‌7/ 3 - معاملة محاكم التفتيش:

- ‌7/ 4 - مؤامرات وثورات:

- ‌7/ 5 - شواهد الرحالة:

- ‌مراجعالفصل السابع

- ‌الفصل الثامنتكوين القومية الأندلسية (في القرنين التاسع عشر والعشرين)

- ‌8/ 1 - إسبانيا في القرنين التاسع عشر والعشرين:

- ‌8/ 2 - الجذور الإسلامية للقومية الأندلسية:

- ‌8/ 3 - انبعاث الهوية الأندلسية (1808 - 1873 م):

- ‌8/ 4 - بروز الحركة الأندلسية ودور بلاس إنفانتي:

- ‌8/ 5 - تطور الحركة الأندلسية: إسلام بلاس إنفانتي واستشهاده:

- ‌مراجعالفصل الثامن

- ‌الفصل التاسعانبعاث القومية الأندلسية 1975 - 1990 م

- ‌9/ 1 - دكتاتورية فرانكو (1939 - 1975 م):

- ‌9/ 2 - رجوع الديموقراطية وانبعاث القومية الأندلسية:

- ‌9/ 3 - إنشاء منطقة الأندلس ذات الحكم الذاتي:

- ‌9/ 4 - رموز منطقة الأندلس ذات الحكم الذاتي:

- ‌9/ 5 - إحصائيات الأندلس المعاصرة:

- ‌مراجعالفصل التاسع

- ‌الفصل العاشرالانبعاث الإسلامي على مفترق الطرق (منذ سنة 1970 م)

- ‌10/ 1 - الجمعيات الإسلامية للوافدين:

- ‌10/ 2 - الطريقة الدرقاوية في غرناطة:

- ‌10/ 3 - جمعية قرطبة الإسلامية:

- ‌10/ 4 - محاولات تنظيمية أخرى في الأندلس:

- ‌10/ 5 - محاولات تنظيمية خارج منطقة الأندلس:

- ‌مراجعالفصل العاشر

- ‌الفصل الحادي عشرالجماعة الإسلامية في الأندلس

- ‌11/ 1 - الأيام الأولى في إشبيلية:

- ‌11/ 2 - الإنطلاقة من إشبيلية:

- ‌11/ 3 - النكسة والانطلاقة الجديدة:

- ‌11/ 4 - العودة إلى قرطبة:

- ‌11/ 5 - العلاقة مع الشتات الأندلسي:

- ‌مراجعالفصل الحادي عشر

- ‌الفصل الثاني عشرالشتات الأندلسي اليوم

- ‌12/ 1 - الأندلسيون في المغرب:

- ‌12/ 2 - الأندلسيون في تونس:

- ‌12/ 3 - الأندلسيون في باقي القارة الإفريقية:

- ‌12/ 5 - الأندلسيون في باقي أوروبا وأمريكا:

- ‌مراجعالفصل الثاني عشر

- ‌خاتمة

- ‌ملحق معاهدة تسليم غرناطة المعقودة بين أبي عبد الله الصغير والملكين الكاثوليكيين

- ‌المادة الأولى:

- ‌المادة الثانية:

- ‌المادة الثالثة:

- ‌المادة الرابعة:

- ‌المادة الخامسة:

- ‌المادة السادسة:

- ‌المادة السابعة:

- ‌المادة الثامنة:

- ‌المادة التاسعة:

- ‌المادة العاشرة:

- ‌المادة الحادية عشر:

- ‌المادة الثانية عشر:

- ‌المادة الثالثة عشر:

- ‌المادة الرابعة عشر:

- ‌المادة الخامسة عشر:

- ‌المادة السادسة عشر:

- ‌المادة السابعة عشر:

- ‌المادة الثامنة عشر:

- ‌المادة التاسعة عشر:

- ‌المادة العشرون:

- ‌المادة الحادية والعشرون:

- ‌المادة الثانية والعشرون:

- ‌المادة الثالثة والعشرون:

- ‌المادة الرابعة والعشرون:

- ‌المادة الخامسة والعشرون:

- ‌المادة السادسة والعشرون:

- ‌المادة السابعة والعشرون:

- ‌المادة الثامنة والعشرون:

- ‌المادة التاسعة والعشرون:

- ‌المادة الثلاثون:

- ‌المادة الحادية والثلاثون:

- ‌المادة الثانية والثلاثون:

- ‌المادة الثالثة والثلاثون:

- ‌المادة الرابعة والثلاثون:

- ‌المادة الخامسة والثلاثون:

- ‌المادة السادسة والثلاثون:

- ‌المادة السابعة والثلاثون:

- ‌المادة الثامنة والثلاثون:

- ‌المادة التاسعة والثلاثون:

- ‌المادة الأربعون:

- ‌المادة الحادية والأربعون:

- ‌المادة الثانية والأربعون:

- ‌المادة الثالثة والأربعون:

- ‌المادة الرابعة والأربعون:

- ‌المادة الخامسة والأربعون:

- ‌المادة السادسة والأربعون:

- ‌المادة السابعة والأربعون:

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌5/ 2 - طرد مسلمي مملكة بلنسية:

‌5/ 2 - طرد مسلمي مملكة بلنسية:

بعد اتخاذ قرار الطرد سنة 1608 م، ظلت الدولة الإسبانية مترددة في اختيار المملكة التي يبدأ بها الطرد، فوقع الإجماع تقريبًا على مملكة بلنسية. لكن في آخر لحظة، تردد أسقف بلنسية خوفًا من عواقب الطرد على الاقتصاد البلنسي (وكان عدد المورسكيين يكون ثلث سكان مملكة بلنسية). فألح على الابتداء بقشتالة لأن، كما قال:"تعتمد المدن والقرى الكبرى (يعني في مملكة بلنسية) في تموينها على ما يأتي به هؤلاء (المورسكيون)، فالكنائس والأديرة والمستشفيات والطوائف الدينية والنبلاء والسادة والمواطنون وأخيرًا جميع الذين هم ضروريون لإدارة الدولة ولراحتها الروحية والدنيوية، كلهم يعتمدون على خدمات المورسكيين".

وبينما واصلت اللجنة الكنسية مشاوراتها في بلنسية، أصدر مجلس الدولة قرار الطرد بتاريخ 4/ 4 / 1609 م، "للمحافظة على أمن الدولة" بينما أهمل الموضوع الديني كسبب في اتخاذ القرار. وتذرع مجلس الدولة بخطر انتصارات مولاي زيدان على أخويه في المغرب، رغم أنه كان يعرف أن لا خطر على إسبانيا منه، خاصة وأن معظم موانىء المغرب كانت بيد الإسبان والبرتغاليين. وقرر مجلس الدولة الابتداء بطرد مورسكيي مملكة بلنسية على أن يبقى القرار سرًّا إلى حين.

وفورًا ابتدأت أجهزة الدولة تهيىء للطرد بغاية السرية، فجمعت سفن إيطاليا في جزيرة ميورقة (الجزر الشرقية) حيث يسهل توجيهها إلى موانىء الترحيل بمملكة بلنسية، وتأهبت القوات العسكرية في مملكة بلنسية في حالة مقاومة المورسكيين لإجراءات التهجير. فلم يصل صيف سنة 1609 م حتى اجتمعت خمسون سفينة في ميورقة، و 4.000 جندي في مملكة بلنسية، بالإضافة إلى حرسها وخيالة قشتالة لمراقبة حدودها البرية، وقوات الميليشيا. وكلف الأسطول الإسباني في المحيط الأطلسي بمراقبة شواطىء شمال إفريقيا، بقيادة أمير البحر أوكندو.

وفي غشت عام 1609 م افتضح سر قرار الطرد عندما ظهرت الاستعدادات، فاختلت الأوضاع في مملكة بلنسية، ودخل الرعب قلوب أهلها لما توقعوه من تأثير سلبي على مجرى حياتهم، وخاف النصارى، رعاعهم ونبلاؤهم، الفقر. فقدم النبلاء تقريرًا للملك يوضحون له فيه الخراب الذي سيعم مملكة بلنسية بطرد المورسكيين، والمضار التي ستلحق بهم، وقالوا إنهم يفضلون الموت في الحرب عن الموت فقرًا.

لكن الملك لم يزد في رده عليهم على أن قرار الطرد قد اتخذ دون رجعة، ولم يبق

ص: 162

إلا تنفيذه. وانقلب النبلاء إلى مساندة قرار الطرد عندما اطلعوا على بنوده التي تعطيهم، كتعويض لهم، أملاك المورسكيين غير المنقولة، والأملاك المنقولة التي لا يمكنهم حملها. وترك المسلمون العمل، وانعزلوا في بيوتهم يهيئون أنفسهم للطرد.

وقع الملك قرار الطرد في 11/ 9 / 1609 م. وفي اليوم التالي، صدر في بلنسية أمر ملكي يقضي بمعاقبة كل من يسيء معاملة المورسكيين. وفي 15/ 9 / 1609 م، اجتمع مجلس الدولة برئاسة الملك، وقرر ما يلي:"الاستمرار في تنفيذ أمر طرد المورسكيين تحقيقًا لخدمة المسيح ولأمن إسبانيا؛ وعدم تنفيذ أمر الطرد في قشتالة إلا بعد أن تتبين نتيجة تنفيذه في بلنسية؛ وتأليف لجنة للنظر في وضع أبناء المورسكيين؛ وتوزيع القوات المسلحة؛ واتخاذ التدابير اللازمة لمراقبة تحركات المورسكيين؛ ومصادرة الثمار والأموال التي يتركونها لتربية أطفالهم المتخلفين؛ واستثناء النساء النصرانيات المتزوجات بمورسكيين، وأطفالهن، والمورسكيين المخلصين للنصرانية، من الطرد".

وفي 17/ 9 / 1609 م، رست السفن الإيطالية في موانىء مملكة بلنسية، وتولت القوات العسكرية حراسة حدودها مع مملكة أراغون القديمة. وفي 21/ 9 / 1609 م، اجتمع الملك مع أعضاء مجلس الدولة والنبلاء وكبار رجال الدولة، وفي اليوم التالي أعلن قرار الطرد، وهذه أهم بنوده: ابتدأ القرار بالإشارة إلى "خيانة" المورسكيين واتصالهم بأعداء إسبانيا، وفشل كل الجهود التي قامت بها الكنيسة لتنصيرهم، لذلك استقر رأي الملك على طردهم إلى بلاد البربر (شمال إفريقيا) وتقرر إخراجهم جميعًا من مملكة بلنسية، رجالاً ونساء وأطفالاً، خلال ثلاثة أيام. وإذا عثر على أحد منهم بعد هذه المهلة، يقبض عليه ويجرد من كل أمتعته، وإذا قاوم يقتل. وعلى مورسكيي بلنسية، في ظرف الثلاثة أيام، المكوث في بيوتهم في انتظار مسؤولي الدولة الذين ينفذون الأمر.

وقضى القرار بالإعدام على كل من يخفي مال المورسكيين. ولم يسمح للمورسكيين إلا بحمل أموالهم المنقولة التي يستطيعون حملها شخصيًّا، وكل من يحاول حمل أكثر من ذلك يعرض نفسه لعقوبة الإعدام. أما الأموال التي لا يستطيعون حملها فتسلم للنبيل الذي كان المورسكي تابعًا له. ويستثني القرار من الطرد ستة أشخاص من كل مئة لتعليم مهنهم للنصارى، على أن يكونوا من أكثر المورسكيين إخلاصًا للنصرانية، وأكبرهم سنًّا (وقد ألغي هذا البند فيما بعد). ويلغي القرار الأمر السابق

ص: 163

بعدم الإساءة للمورسكيين بعد مهلة الثلاثة أيام، ويسمح لعشرة من الذين سافروا في الفوج الأول بالعودة لإخبار باقي المورسكيين بالمعاملة التي لاقوها في رحلتهم من طرف ممثلي الدولة. ويسمح القرار بإبقاء أطفال المورسكيين الذين يودون ذلك شرط موافقة أوليائهم، كما يسمح بإبقاء الأطفال الذين تقل أعمارهم عن ست سنوات والذين هم من أب نصراني أو أم نصرانية، وتبقى معهم أمهم إن كانت مورسكية ويطرد الأب المورسكي. كما استثنى القرار من الطرد المورسكيين الذين كفوا عن الاختلاط بالجماعات المورسكية منذ أكثر من سنتين، واندمجوا في المجتمع النصراني.

وقد اختلف موقف النبلاء من المورسكيين المطرودين بعد أن ساندوهم لمدة قرون. فمنهم من عاملهم في محنتهم أحسن معاملة، وحرسهم إلى أن ركبوا السفن، ومنهم من عاملهم بقساوة ونهب أموالهم، ككونت قسطنطينة الذي سلب المورسكيين المهجرين من منطقته أموالهم وملابسهم الخاصة.

أما المورسكيون، فمنهم من اعتبر هذا الطرد فرجًا من الله كما قال الشهاب الحجري:"وبعد ذلك باثنتي عشرة سنة (1018 هـ) فرج الله تعالى على مسلمي الأندلس الذين كانوا فيها تحت قهر سلطان البلاد المسمى بفليبي الثالث". وقال ابن عبد الرفيع: "ولا يخفى أن هذا أمر عظيم ومحال عادة، لما كنا فيه معه من الشدة والضيق في الدين والنفس والمال. فسبحان رب السماوات والأرض الذي إذا أراد أمرًا قال له كن فيكون؛ فيا لها من أعجوبة ما أعظمها؛ ومن فضلية ما أشرفها". بينما رفض آخرون الخروج وحاولوا الاختفاء قدر ما أمكن.

واجتمع فقهاء الجماعات الإسلامية ونصحوا المسلمين بالصبر، وقالوا لهم إن هذا الطرد فرج من الله لهم، وإنقاذ لعقيدتهم، ونهوهم عن المقاومة التي لا فائدة منها، فأخذت جماعات المورسكيين تتأهب للرحيل. لكن أملهم في الخروج بسلام لم يتحقق، إذ لم يرحمهم عدوهم، فصاحبت عمليات الطرد جرائم وفظائع لا تصور. فقد أمرتهم السلطات بحمل ما استطاعوا من أمتعتهم، على ظهورهم. ثم عندما أخذوا يبيعون مواشيهم ودوابهم ومنتوجاتهم الزراعية، من حبوب وزيوت وغير ذلك، للنصارى بأبخس الأثمان، منعوا وأعطي ذلك للنبلاء النصارى. ثم تكونت في الطرقات عصابات من النصارى، تسطوا عليهم وتجردهم مما يحملون من حلي ومال ويقتلون منهم من شاؤوا، وشارك في النهب والسبي والقتل أفراد الجيش الذين

ص: 164

يحرسونهم. ثم قررت الدولة أن يكون ترحيلهم على حسابهم بحيث يدفع غنيهم عن فقيرهم. وأغرق أصحاب السفن النصارى كثيرًا من المورسكيين الذين نقلوهم، لسلب أموالهم، بينما كان في مأمن أكبر من نقلتهم سفن الحكومة. وعومل الكثير منهم عند الوصول إلى شمال إفريقيا أسوأ المعاملة من طرف عصابات الأعراب الذين قتلوا ونهبوا ما شاؤوا. فأخذ كثير من المورسكيين يرجع إلى إسبانيا ويتستر لكي لا يقبض عليه، أو يهب نفسه عبدًا لمن أراد. وقد وصف قوافل المرحلين المورسكيين شاعر إسباني معاصر بأبيات مؤثرة:

"فرقة من المسلمين والمسلمات

تمشي وهي تسمع من الجميع الشتائم

هم يحملون الثروة والأموال

وهن يحملن زينتهن والملابس

والعجائز بأحزان وبكاء

التوى وجههن وشكلهن

محملات بجواهر مزيفة

وأواني الطبخ ومقلات وقرب وقنادل

وعجوز يحمل طفلاً بيده

والآخر على صدر أمه الحنون

وثالث شاب قوي كالطرياني

لا يتأخر عن حمل أبيه"

أما الثروة والأموال التي ذكرها الشاعر، فهي من باب التهكم إذ لم تترك الدولة منها للمورسكيين شيئًا. ولم يصل شهر أكتوبر حتى عمت موانىء مملكة بلنسية، من لقنت جنوبًا إلى بني عروس شمالاً، حركة كبيرة، تحمل منها السفن الحكومية والخاصة مئات المورسكيين. فبين سبتمبر سنة 1609 م ويناير سنة 1610 م، رحل حوالي 30.000 مورسكي من ميناء لقنت، و 47.144 من مينائي دانية والجابية، و 17.776 من رصافة بلنسية، و 5.690 من منكوفر، و 15.208 من بني عروس، و 1.646 من موانىء أخرى وعبر فرنسا. أي يقدر مجموع الراحلين عن مملكة بلنسية بحوالي 117.464 شخص، أو 120.000 مورسكي تقريبًا.

ص: 165

وعندما تعدت تجاوزات الأهالي النصارى في مملكة بلنسية الحد المحتمل، ووصل الراجعون بأخبار سوء معاملة النصارى للمورسكيين فوق السفن، وسوء معاملة الأعراب لهم في بر شمال إفريقيا، أدى اليأس بجماعات من المورسكيين إلى ثورة انتحارية في القرى الجبلية، ككورتش وكوفرانش وآيورة، وغيرها من القرى جنوب نهر شقر وعلى حدود قشتالة. فاجتمع عدد كبير منهم في مشارف كورتش القاحلة جنوب نهر شقر، وبايعوا شيخًا مسنًّا من زعماء بلدة تريزة ملكًا عليهم. فرفض البيعة لما رأى من استحالة المهمة المنوطة إليه. ثم بايع الثوار مسلمًا آخر من وجهاء بلدة كتادو اسمه الطريقي. فقبل البيعة، وعين فقيهًا من فقهاء المورسكيين نائبًا عنه، فاجتمع حولهما عدة آلاف من المجاهدين المسلحين، وتحصنوا في الجبال. فأرسل ملك إسبانيا لملاحقتهم جيشًا من الجنود الإيطاليين. وبعد مقاومة عنيفة، قتل فيها العديد من الطرفين، أرغم الجوع والعطش المجاهدين في تلك الجبال الجرداء على الاستسلام، فاستسلم منهم 3.000 مجاهد، طردوا من البلاد، وبقي الطريقي يقاوم مع بعض مئات من المجاهدين إلى أن قبض عليه، وأعدم بعد التعذيب.

وقام المورسكيون بثورة أخرى في منطقة لقنت، حيث ترك حوالي عشرون ألفًا منهم قراهم بعد أن أحرقوا بعضها، وهجموا على قرى النصارى المجاورة وتزودوا منها وقتلوا عددًا منهم، ثم التجأوا إلى الجبال المجاورة. فهجم عليهم الجيش الإسباني، مصحوبًا بعدد كبير من رعاع النصارى الطامعين في أموالهم وأبنائهم، فأثخنوا فيهم قتلاً بينما قضى العطش على عدد آخر منهم. وبعد سحق الثورة، وزع النصارى بينهم أطفال المسلمين لبيعهم عبيدًا، وساقوا إلى السفن عراة من نجا منهم من الموت بعد أن أخذوا أطفالهم ونساءهم، وسلبوهم كل شيء حتى ملابسهم التي يرتدونها.

وفي مايو سنة 1611 م، أصدر ماركيز كورسينا قرارًا إجراميًّا للقضاء على

المتخلفين من المورسكيين، قال فيه:"نهب لكل من يخرج في متابعة هؤلاء المسلمين: ستين ليرة ثمن كل مورسكي يُؤتى به حيًّا، وثلاثين ليرة ثمن رأس كل مورسكي يقتل. ولمن يأتي بمورسكي حيًّا الحق في الاحتفاظ به كعبد من عبيده، هبة منا إليه". وبهذا بقي عدد هام من المورسكيين البلنسيين عبيدًا في البلاد.

كم بقي من المورسكيين في مملكة بلنسية بعد الطرد؟ ذكرنا أنه نص قرار الطرد بإبقاء ست أسر لكل مائة ترحل، لكن هذا البند ألغي تحت ضغط ريبيرا الذي أراد

ص: 166