المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌4/ 4 - علاقات مسلمي إسبانيا الخارجية من 1570 م إلى 1608 م: - انبعاث الإسلام في الأندلس

[علي المنتصر الكتاني]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌تقديم

- ‌مقدمة الشيخ المجاهد الإسلامي إبراهيم بن أحمد الكتاني

- ‌مقدمة المؤلِّف

- ‌الفصل الأولنشأة وسقوط دولة الإسلام في الأندلس

- ‌1/ 1 - الأمة الأندلسية وتكوينها:

- ‌1/ 2 - قيام مملكة غرناطة:

- ‌1/ 3 - جهاد مملكة غرناطة المتواصل:

- ‌1/ 4 - اتحاد الممالك النصرانية:

- ‌1/ 5 - الحرب الأهلية وسقوط غرناطة:

- ‌مراجع الفصل الأول

- ‌الفصل الثانيالاضطهاد والتنصير 1492 - 1568 م

- ‌2/ 1 - بداية الغدر وتنصير مسلمي غرناطة (1492 - 1502 م):

- ‌2/ 2 - محاكم التفتيش الكاثوليكية في إسبانيا:

- ‌2/ 3 - ذروة اضطهاد المسلمين 1502 - 1567 م:

- ‌2/ 4 - وضع المسلمين في مملكتي البرتغال وقشتالة:

- ‌2/ 5 - وضع المدجنين في مملكة أراغون:

- ‌مراجعالفصل الثاني

- ‌الفصل الثالثثورة غرناطة الكبرى (1568 - 1570 م)

- ‌3/ 1 - تهيىء الثورة:

- ‌3/ 2 - إعلان الثورة وبيعة ابن أمية:

- ‌3/ 3 - انتشار الثورة واستشهاد ابن أمية:

- ‌3/ 4 - مراحل الثورة تحت قيادة ابن عبو:

- ‌3/ 5 - الانهزام والاستسلام:

- ‌مراجعالفصل الثالث

- ‌الفصل الرابعالتشتيت وزيادة القهر (1570 - 1608 م)

- ‌4/ 1 - إخراج المورسكيين من مملكة غرناطة:

- ‌4/ 2 - أوضاع المسلمين في مملكة قشتالة من سنة 1570 م إلى سنة 1608 م:

- ‌4/ 3 - أوضاع المسلمين في مملكة أراغون من سنة 1570 م إلي سنة 1608 م:

- ‌4/ 4 - علاقات مسلمي إسبانيا الخارجية من 1570 م إلى 1608 م:

- ‌4/ 5 - التفكير في الطرد:

- ‌مراجع الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامسطرد المسلمين الجماعي عن إسبانيا (1608 - 1614 م)

- ‌5/ 1 - قرار الطرد سنة 1608 م:

- ‌5/ 2 - طرد مسلمي مملكة بلنسية:

- ‌5/ 3 - طرد مسلمي أراغون القديمة وباقي مملكة أراغون:

- ‌5/ 4 - مسلمي مملكة قشتالة:

- ‌5/ 5 - المورسكيون المطرودون في مناطق هجرتهم:

- ‌مراجعالفصل الخامس

- ‌الفصل السادسديموغرافية المورسكيين وحياتهم الاجتماعية

- ‌6/ 1 - ديموغرافية المورسكيين:

- ‌6/ 2 - حياة المورسكيين الدينية:

- ‌6/ 3 - حياة المورسكيين الاجتماعية:

- ‌6/ 4 - حياة المورسكيين الاقتصادية:

- ‌6/ 5 - الثقافة المورسكية:

- ‌مراجعالفصل السادس

- ‌الفصل السابعاستمرار الوجود الإسلامي في الأندلس في القرنين السابع عشر والثامن عشر

- ‌7/ 1 - إسبانيا في القرنين السابع عشر والثامن عشر:

- ‌7/ 2 - معاملة الدولة للمورسكيين:

- ‌7/ 3 - معاملة محاكم التفتيش:

- ‌7/ 4 - مؤامرات وثورات:

- ‌7/ 5 - شواهد الرحالة:

- ‌مراجعالفصل السابع

- ‌الفصل الثامنتكوين القومية الأندلسية (في القرنين التاسع عشر والعشرين)

- ‌8/ 1 - إسبانيا في القرنين التاسع عشر والعشرين:

- ‌8/ 2 - الجذور الإسلامية للقومية الأندلسية:

- ‌8/ 3 - انبعاث الهوية الأندلسية (1808 - 1873 م):

- ‌8/ 4 - بروز الحركة الأندلسية ودور بلاس إنفانتي:

- ‌8/ 5 - تطور الحركة الأندلسية: إسلام بلاس إنفانتي واستشهاده:

- ‌مراجعالفصل الثامن

- ‌الفصل التاسعانبعاث القومية الأندلسية 1975 - 1990 م

- ‌9/ 1 - دكتاتورية فرانكو (1939 - 1975 م):

- ‌9/ 2 - رجوع الديموقراطية وانبعاث القومية الأندلسية:

- ‌9/ 3 - إنشاء منطقة الأندلس ذات الحكم الذاتي:

- ‌9/ 4 - رموز منطقة الأندلس ذات الحكم الذاتي:

- ‌9/ 5 - إحصائيات الأندلس المعاصرة:

- ‌مراجعالفصل التاسع

- ‌الفصل العاشرالانبعاث الإسلامي على مفترق الطرق (منذ سنة 1970 م)

- ‌10/ 1 - الجمعيات الإسلامية للوافدين:

- ‌10/ 2 - الطريقة الدرقاوية في غرناطة:

- ‌10/ 3 - جمعية قرطبة الإسلامية:

- ‌10/ 4 - محاولات تنظيمية أخرى في الأندلس:

- ‌10/ 5 - محاولات تنظيمية خارج منطقة الأندلس:

- ‌مراجعالفصل العاشر

- ‌الفصل الحادي عشرالجماعة الإسلامية في الأندلس

- ‌11/ 1 - الأيام الأولى في إشبيلية:

- ‌11/ 2 - الإنطلاقة من إشبيلية:

- ‌11/ 3 - النكسة والانطلاقة الجديدة:

- ‌11/ 4 - العودة إلى قرطبة:

- ‌11/ 5 - العلاقة مع الشتات الأندلسي:

- ‌مراجعالفصل الحادي عشر

- ‌الفصل الثاني عشرالشتات الأندلسي اليوم

- ‌12/ 1 - الأندلسيون في المغرب:

- ‌12/ 2 - الأندلسيون في تونس:

- ‌12/ 3 - الأندلسيون في باقي القارة الإفريقية:

- ‌12/ 5 - الأندلسيون في باقي أوروبا وأمريكا:

- ‌مراجعالفصل الثاني عشر

- ‌خاتمة

- ‌ملحق معاهدة تسليم غرناطة المعقودة بين أبي عبد الله الصغير والملكين الكاثوليكيين

- ‌المادة الأولى:

- ‌المادة الثانية:

- ‌المادة الثالثة:

- ‌المادة الرابعة:

- ‌المادة الخامسة:

- ‌المادة السادسة:

- ‌المادة السابعة:

- ‌المادة الثامنة:

- ‌المادة التاسعة:

- ‌المادة العاشرة:

- ‌المادة الحادية عشر:

- ‌المادة الثانية عشر:

- ‌المادة الثالثة عشر:

- ‌المادة الرابعة عشر:

- ‌المادة الخامسة عشر:

- ‌المادة السادسة عشر:

- ‌المادة السابعة عشر:

- ‌المادة الثامنة عشر:

- ‌المادة التاسعة عشر:

- ‌المادة العشرون:

- ‌المادة الحادية والعشرون:

- ‌المادة الثانية والعشرون:

- ‌المادة الثالثة والعشرون:

- ‌المادة الرابعة والعشرون:

- ‌المادة الخامسة والعشرون:

- ‌المادة السادسة والعشرون:

- ‌المادة السابعة والعشرون:

- ‌المادة الثامنة والعشرون:

- ‌المادة التاسعة والعشرون:

- ‌المادة الثلاثون:

- ‌المادة الحادية والثلاثون:

- ‌المادة الثانية والثلاثون:

- ‌المادة الثالثة والثلاثون:

- ‌المادة الرابعة والثلاثون:

- ‌المادة الخامسة والثلاثون:

- ‌المادة السادسة والثلاثون:

- ‌المادة السابعة والثلاثون:

- ‌المادة الثامنة والثلاثون:

- ‌المادة التاسعة والثلاثون:

- ‌المادة الأربعون:

- ‌المادة الحادية والأربعون:

- ‌المادة الثانية والأربعون:

- ‌المادة الثالثة والأربعون:

- ‌المادة الرابعة والأربعون:

- ‌المادة الخامسة والأربعون:

- ‌المادة السادسة والأربعون:

- ‌المادة السابعة والأربعون:

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌4/ 4 - علاقات مسلمي إسبانيا الخارجية من 1570 م إلى 1608 م:

ولم يكن يدافع عن المورسكيين من وقت لآخر ضد تجاوزات الكنيسة والحكومة سوى النبلاء الذين كانوا يعملون في أراضيهم. لأنهم كانوا يعيشون عالة عليهم، وكان اضطهاد المورسكيين يؤدي إلى نقص في إنتاجيتهم، وبالتالي في دخل السادة. فمثلاً، في سنة 1570 م، أدانت محكمة التفتيش في مملكة بلنسية دون سانشو دي كاردونا، أمير بحر أراغون، بتهمة التعاطف مع المسلمين. وقد اكتشفت المحكمة أنه ساعد المسلمين الذين يعملون عنده على الصلاة سرًّا، وجدد بناء مسجد مهدم في قرية ادزانيتة. كما استعمل بعض النبلاء رغبة عمالهم في الحفاظ على الإسلام لأخذ ضرائب باهظة منهم مقابل عدم الوشاية بهم، كما حدث سنة 1580 م عندما اكتشفت محاكم التفتيش أن دوق سقوربة كان يسمح لخدامه بالأذان مقابل دفع غرامة له.

هكذا أصبح المورسكي في مملكة أراغون ضحية كل من أراد استغلاله من كبير أو صغير، فالكنيسة تتابعه، والدولة تغرمه، والنبلاء يستغلون عمله، وصغار النصارى يسرقون ماله ويبيعون أطفاله عبيدًا. فلا غرابة أن يحاول التحالف مع أي قوة تنقذه من هذا الوضع المخزي.

‌4/ 4 - علاقات مسلمي إسبانيا الخارجية من 1570 م إلى 1608 م:

كانت للمورسكيين في هذه الحقبة علاقات مع ثلاث جهات: الدولة العثمانية، كأكبر قوة إسلامية في البحر الأبيض المتوسط حينذاك؛ والمملكة المغربية، التي كونت الدعم الطبيعي لمسلمي الأندلس عبر التاريخ؛ وهوكونو فرنسا، الذين كانوا يشتركون مع المورسكيين في العداوة للكاثوليكيين، ويشاطرونهم نفس الاضطهاد من نفس العدو.

كانت العلاقة بين المورسكيين والدولة العثمانية متواصلة، وكان لهم في الدولة العثمانية أكبر الأمل في تخليصهم من الاستعباد الذي أسقطتهم فيه الكنيسة الكاثوليكية والدولة الإسبانية. وكانت الدولة العثمانية تستجيب دائمًا لنداءات الأندلسيين، لكن ليس بالمستوى الذي كانوا يأملونه. وهكذا خيب السلطان سليم الثاني (1566 م - 1574 م) آمال الأندلسيين إبان ثورة غرناطة الكبرى، وخذلهم بتفضيل فتح قبرص على إنجادهم جديًّا. ورغم ذلك فتحت الدولة العثمانية على الدوام أراضيها، خاصة في شمال إفريقيا، للمهاجرين الأندلسيين. وعمل العثمانيون على إنقاذ إخوانهم بالرسو على الشواطىء الإسبانية ونقل من يريد الهجرة من الأندلسيين إلى الجزائر. وقدر عدد

ص: 140

الحملات العثمانية على الشواطىء الإسبانية بين سنة 1528 م وسنة 1584 م بحوالي 33 حملة. وبعد انهيار ثورة غرناطة الكبرى سنة 1570 م، عملت السفن العثمانية على حمل اللاجئين، كما حدث في بالميرة في نفس السنة حيث نقلت السفن العثمانية جميع أهلها.

وبعد انهزام ثورة غرناطة الكبرى، تحول مركز المقاومة إلى بلنسية، ولم يفقد الأندلسيون الأمل في إنزال عسكري عثماني. ففي سنة 1573 م ادعت السلطات الإسبانية أنها وقفت على أنباء وبراهين حول هجوم بحري من الجزائر على ساحل بلنسية يتزامن مع ثورة الموركسيين البلنسيين، فنزعت سلاحهم.

وفي سنة 1574 م بويع السلطان مراد الثالث بن سليم الثاني سلطانًا على الدولة العثمانية، فتابع سياسة والده في مساندة أهل الأندلس. وتجددت في عهده إشاعات غزو قريب للبحرية العثمانية. ففي سنة 1575 م توصل قضاة محاكم التفتيش في سرقسطة وبلنسية بأخبار مفادها أن مسلمي المملكتين (بلنسية وأراغون القديمة) يهيؤون ثورة شاملة، بتأطير غرناطي وإنزال بحري عثماني. كما أرسل في نفس السنة مورسكيو سرقسطة سفارة إلى الباب العالي يطلبون منه المساندة المادية والسلاح. وفي سنة 1575 م أسر سرفانتس، أحد كبار الكتاب الإسبان حينذاك، في الجزائر، وبقي أسيرًا خمس سنوات.

وبين سنتي 1578 م و 1580 م تجددت أنباء قرب قيام ثورة مورسكية بمساندة

الدولة العثمانية، وتوصلت محاكم التفتيش بمعلومات مفادها أن العثمانيين أرسلوا مبعوثًا للمورسكيين اسمه خوان دوارتي، أخذ يتجول في قرى بلنسية وأراغون القديمة المورسكية، ويعقد الاجتماعات للتخطيط للثورة. وفعلاً كان المورسكيون ينتظرون قدوم الأسطول العثماني منذ سنة 1577 م. وكانوا دائمًا على اتصال مع الجزائر والقسطنطينية. ولم ييأسوا من قدوم العثمانيين إلا سنة 1583 م.

لكن البحرية العثمانية الراسية في الجزائر تابعت نقلها للمورسكيين الذين يودون اللجوء إلى أرضها. ففي سنة 1584 م استطاعت حملة بحرية عثمانية منطلقة من الجزائر مكونة من عدة سفن صغيرة من نقل 2.300 مورسكي من شواطىء بلنسية، و 2.000 مورسكي من منطقة لقنت. وفي سنة 1585 م حملت السفن العثمانية المغيرة على الشواطىء البلنسية جميع سكان بلدة كلوسة.

ص: 141

وظلت السفارات بين المورسكيين والدولة العثمانية متواصلة، وأخذ مسلمو بلنسية يجتازون البحر كل ربيع إلى شواطىء الجزائر. واجتمع كثير من المهاجرين الأندلسيين في مدينتي شرشال والجزائر. وأسسوا أساطيل كبيرة مكونة من مراكب خفيفة تعبر البحر دوريًّا إلى الشواطىء الإسبانية لإنقاذ المورسكيين أو أسر النصارى، مما أدى بالحكومة الإسبانية إلى إصدار الأوامر سنة بعد سنة بمنع المورسكيين من الاقتراب من الشواطىء، كما حدث في سنتي 1579 م و 1586 م، لكن دون جدوى.

ولم يكن عهد أحمد الأول (1595 م - 1603 م) يختلف عن عهد سابقيه. أما الطرد الجماعي للمورسكيين سنة 1609 م، فقد حدث أيام السلطان مصطفى الأول (1603 م - 1617 م).

أما علاقة الأندلسيين بالدولة السعدية، فقد رأينا موقف السلطان أبي محمد عبد الله الغالب (1557 م - 1574 م) من ثورة غرناطة الكبرى. وصلت الدولة السعدية إلى المغرب وهو يقاوم أطماع النصارى البرتغاليين والإسبان على أرضه، ويخاف على استقلاله من الدولة العثمانية على حدوده الشرقية، وكان مجزأ الأطراف متفرق الكلمة. وتم توحيد المغرب على يد السلطان محمد الشيخ عندما قتل آخر سلاطين بني وطاس يوم السبت 24 شوّال عام 961 هـ (22/ 9 / 1554 م).

كان لانتصارات محمد الشيخ ضد البرتغاليين أحسن الأثر لدى الأندلسيين، المقيمين منهم في الأندلس والمهاجرين إلى المغرب. فأيدوه تأييدًا كاملاً كرجل الجهاد الذي يستحق أن يلتف حوله المسلمون للدفاع عن الإسلام في المغرب والأندلس. وحاول محمد الشيخ التحالف مع الدولة العثمانية لإنقاذ الأندلسيين.

لكن لم يكتب لهذا التحالف النجاح لتخوفات السلطان السعدي من القوة العثمانية.

فانقلبت هذه السياسة إلى خيانة أيام الغالب بتحالفه الضمني مع الإسبان ضد المصالح العليا لكل من المغرب والأمة الأندلسية. مما جلب لنفسه عداوة الأندلسيين في إسبانيا والمغرب.

وخلف أبا عبد الله الغالب السلطان محمد المتوكل (المسلوخ)(1574 م - 1576 م)، فتبع نفس سياسة الانحياز إلى النصارى، إسبان وبرتغاليين، على حساب المصالح العليا للمغاربة والأندلسيين، مما أدى به إلى الخيانة الصريحة عندما التجأ إلى البرتغال وطلب مساندته في استرداد عرشه، وقدومه بالجيش البرتغالي غازيًا

ص: 142

المغرب، فانهزم هو وحلفاؤه في معركة وادي المخازن سنة 986 هـ (1578 م)، فأنقذ الله المغرب من مصير لا يختلف عن مصير الأندلس. وعمل بسبب ذلك أندلسيو المغرب على الإطاحة بمحمد المتوكل إلى أن نجحوا.

وساند الأندلسيون أبا مروان عبد الملك المعتصم (1576 م - 1578 م) إلى أن بويع سلطانًا على المغرب. وكان عبد الملك وأخوه أحمد (المنصور فيما بعد) قد أمضيا سنوات عديدة في الدولة العثمانية، وساهما في معاركها العسكرية وتأثرا بنظامها وترتيبها. فاتصل الأندلسيون العاملون في الجيش المغربي بعبد الملك وهو في الجزائر وشجعوه على دخول المغرب. وقد قال مؤرخ معاصر في هذا الصدد:"وكان معه (المتوكل) في الجيش ألف وثمانمائة من أهل الأندلس. وكان رؤساؤهم يكتبون لمولاي عبد الملك بالقدوم عليهم غير مرة لأنهم كانوا يكرهون مولاي عبد الله وولده مولاي محمد لخيانته لهم في الاتفاق معه على القيام على النصارى (ثورة غرناطة الكبرى) وخذله لهم بعده. فكانت عداوتهم له ومكرهم به في قلوبهم إلى أن يجدوا فرصتهم فيه أو في ولده".

وصل الوضع حينذاك بالجالية الأندلسية في المغرب إلى تمكنها من خلع سلطان والإتيان بآخر، فاجتمعت كلمتها على مساندة عبد الملك. وكان أبو الفضل الغري صلة الوصل بين عبد الملك وأندلسيي المغرب. وهو رجل هاجر من غرناطة قبيل ثورتها الكبرى إلى الجزائر، فكسب مكانة كبرى عند كبار الدولة العثمانية. فاقترب من المعتصم في الجزائر، فأرسله للاتصال سرًّا بأندلسيي المغرب وبأتباعه لمساندة دعوته.

فانتقل الغري في صورة تاجر إلى مراكش وفاس. كما هاجر إلى الجزائر بعد فشل ثورة غرناطة الكبرى، محمد زرقون، أحد قوادها، فاتصل بعبد الملك وجهز جيشًا من الأندلسيين لإدخاله إلى المغرب. ولما انتصر عبد الملك وجلس على عرش المغرب، عين زرقون رئيسًا أعلى لما يسمى بـ "فرقة النار" في الجيش المغربي.

وهاجر من غرناطة بعد فشل ثورتها الكبرى سعيد بن فرج الدغالي، إلى تطوان، ومنها إلى فاس حيث اتصل بالغالب وأصبح رئيس فرقة الأندلسيين بالجيش المغربي. فعند دخول عبد الملك إلى المغرب، انحاز سعيد بن فرج بفرقته إليه مما رجح كفة الصراع إليه. هكذا أصبح الأندلسيون ركنًا قويًّا من أركان الدولة المغربية وجيشها أيام المعتصم. وبنى الأندلسيون كذلك أسطولاً مغربيًّا، خاصة في العرائش وسلا، للجهاد في البحر ضد سفن الإسبان والبرتغاليين.

ص: 143

ولما استغاث محمد المتوكل بالبرتغاليين ليستعيد ملكه مقابل احتفاظهم بسواحل المغرب، انضم أندلسيو المغرب إلى عبد الملك المعتصم ضد البرتغاليين. وكانت لهؤلاء الأندلسيين صلات وثيقة بإخوانهم في الأندلس الذين كانوا يخبرونهم بالنوايا البرتغالية. وكانت مشاركة عدد كبير من الجنود والمتطوعة الأندلسيين في معركة وادي المخازن سنة 1578 م عاملاً أساسيًّا في انتصار المسلمين. لذا لم يكن ذلك انتصارًا للمغرب على البرتغال فقط، بل كان كذلك انتصارًا للأندلسيين على الإسبان الذين حاربوا بأعداد كبيرة ضد المغرب في الجيش البرتغالي. وفعلاً ارتعبت بعده إسبانيا من تدخل مغربي في الأندلس لصالح المسلمين. ونتج عن معركة وادي المخازن مقتل ملك البرتغال ومحمد المتوكل والسلطان عبد الملك المعتصم، وبويع المتوكل أبو العباس أحمد المنصور خلفًا لهذا الأخير. كما نتج عنها ضياع استقلال البرتغال التي اندمجت بعدها في إسبانيا لمدة طويلة.

هذه مساعدة الأندلسيين للسلطان عبد الملك المعتصم فما هي مساعدته لهم في الدفاع عن الأندلس؟ في الحقيقة، لم يهتم عبد الملك بمساعدة الأندلسيين في مقاومتهم ضد الإسبان، بل كان يرى فيهم مخزن الرجال لجيوشه ولتعمير مدن المغرب. وكباقي السلاطين السعديين، أدى الخوف من الدولة العثمانية بعبد الملك إلى التحالف مع الإسبان، ضد مصالح المغرب العليا، وعلى حساب الأندلسيين.

ووصل به الحال إلى أن عرض مرتين على الملك فليبي الثاني، أعدى عدو للإسلام والمسلمين، مشروع حلف مغربي - إسباني دفاعي - هجومي ضد الدولة العثمانية، يتضمن فتح البلدين لتجارة رعاياهما وعدم مساعدة أي طرف لمعارضي الطرف الثاني، أي يتعهد عبد الملك بعدم مساعدة المورسكيين مقابل مساندة إسبانيا في مقاومته للعثمانيين.

وبعد استشهاد عبد الملك المعتصم في معركة وادي المخازن بويع أخوه أبو العباس أحمد المنصور (1578 م - 1603 م) الذي تابع سياسة سلفه في علاقته مع الأندلسيين. إذ كان هو الآخر يرى في الدولة العثمانية عدوه الأول، وفي الهجرة الأندلسية الرجال لجيشه والسكان لمدن المغرب. ولذلك تركزت آمال الأندلسيين أكثر فأكثر على العثمانيين، مما جعلهم مشبوهين لدى المنصور. فقتل زعماءهم الذين أبلوا معه البلاء الحسن في معركة وادي المخازن وكانوا سببًا في انتصار المسلمين، وهم سعيد بن فرج الدغالي وابن أخيه محمد ومحمد زرقون وأبو الفضل الغري وغيرهم.

ص: 144

وقام بتلك المذبحة في يوم واحد من شهر رجب عام 986 هـ (شتنبر عام 1578 م)، فور الانتهاء من المعركة ومبايعته سلطانًا. ووصل الأمر بالمنصور سنة 1570 م إلى إفشاء سر تخطيط المورسكيين للثورة، فأخبر الدولة الإسبانية بذلك كبرهان لتحالفه معها ضد الأندلسيين وضد العثمانيين. واستعمل المنصور العاطفة الشعبية نحو مأساة الأندلس لتقوية سلطانه في المغرب. فبينما كان يتكلم جهرًا عن استعادة الأندلس، كان يتحالف سرًّا مع الإسبان ضد الأندلسيين، ويرمى عبر الصحراء الكبرى بجيوشه وآلاف الأندلسيين، على رأسهم الأندلسي جودر، لاحتلال مملكة إسلامية مسالمة في السودان، بينما يستغيث المورسكيون في الأندلس. وهكذا لم تكن الدولة السعدية على مستوى الدولة المرابطية والموحدية والمرينية في إنجاد الأندلس، ولا في الدفاع عن مصالح المغرب العليا.

كان المسلمون في مملكة أراغون القديمة يكونون أقرب تجمع إسلامي من فرنسا في إسبانيا، لا تفرقهم عنها وعن حركة الهوكونو البروتستانتية في ولاية بيارن بها سوى جبال البرت. وكان الملك فليبي الثاني، ملك إسبانيا، يخاف دائمًا من تحالف الهوكونو ومورسكيي أراغون القديمة. وفعلاً، منذ سنة 1570 م، أخذ هؤلاء يرسلون سفراءهم إلى بيارن للتفاوض في ربط تحالف مع البرتستانت ضد إسبانيا، وصرح موسيو دو روس، حاكم بيارن:"سنغزو قريبًا إسبانيا، وننتصر عليها، ونستعيد منها نبارة".

وفي سنة 1573 م توصلت الدولة الإسبانية بأخبار مفادها قرب وقوع هجوم على السواحل البلنسية من الجزائر مقترن بغزو لأراغون القديمة من طرف حاكم بيارن المذكور سابقًا. وفي سنة 1575 م، اقترح حاكم بيارن على مسلمي أراغون القديمة مساندته العسكرية إذا قاموا بثورة ضد إسبانيا، وطلب منهم عشرة إلى اثنى عشر ألف أسكودو مقابل مساعدته. وبعد تدارس العرض، وجد المورسكيون أن المال المطلوب فوق طاقتهم، فطلبوه من الدولة العثمانية، لكن دون جدوى. فأخبروا حاكم بيارن أن لديهم كميات كبيرة من السلاح المخبأ، وطلبوا منه قبولها عوضًا عن المال.

وقد ساند هوكونو بيارن مسلمي أراغون القديمة في حربهم الأهلية ضد النصارى الجبليين في الفترة بين سنة 1585 م و 1588 م. وفي سنتي 1592 م و 1593 م، انتشر الرعب في إسبانيا مرة أخرى عندما لجأ أنطونيو بيريز، أحد زعماء المورسكيين الأراغونيين، إلى فرنسا، وحصل على وعد بالمساندة من أمير بيارن (الذي أصبح فيما

ص: 145