الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السيىء، فقد اتهم النصارى المورسكيين بالبخل وبإخفاء غناهم تحت مظاهر الفقر، لتبرير صمودهم المتواصل. وكان معظم المورسكيين يسكنون بيوتًا غير صحية، كالأكواخ في مملكة بلنسية والكهوف في مملكة غرناطة.
واستطاع المورسكيون الصمود بسبب اقتصادهم وحسن عاداتهم الاجتماعية.
ففي سنة 1609 م، أحصت الدولة الإسبانية أموال المورسكيين المطرودين من القشتالتين ومدنهما. ككونكة وآبلة، فوجدتها تعادل حوالي 430 مليون مرابطي، وهو قدر أقل بكثير من الواقع، إذ لم تستطع الدولة إحصاء لا الأموال المنقولة ولا كل الأموال غير المنقولة.
وكان من بين المورسكيين تباين كبير بين القلة الغنية والكثرة الفقيرة. وقد اشتهر بعض أغنيائهم الذين كانوا فريسة لمحاكم التفتيش، كايسابيلا الرميمية، زوجة تاجر حرير، والأخوين ميغال وخيرومينو لوبيز، تاجرا حرير بقرطبة، وفراندو الزيت، تاجر توابل بقرطبة كذلك، وفيسنتي دي لاطوري، صاحب مزارع عنب وزيتون في منطقة إشبيلية. اضطرت هذه القلة الغنية إخفاء غناها أمام خطر تسلط محاكم التفتيش والكنيسة والملك عليهم بشتى الطرق لأخذ أموالهم.
وكان المورسكيون المستعبدون في حالة يرثى لها من التشريد في كل أنحاء إسبانيا. فقد كانت المدن تعج بأعدادهم، وكان وضعهم بصفة عامة أسوأ بكثير من وضع المورسكيين الأحرار على سوء حاله.
6/ 5 - الثقافة المورسكية:
كانت الأمة الأندلسية إبان محنتها الكبرى، في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، تناضل بكل ما لديها من إمكانات للحفاظ على خصوصيتها وشخصيتها الذاتية بالسلاح كلما تمكنت من ذلك، وبالكلمة عندما يصبح جهاد السلاح مستحيلاً. وقد ارتبط الأندلسيون في هذه الفترة ارتباطًا وثيقًا باللغة العربية، فلقنوها لأبنائهم، وتدارسوها فيما بينهم، وكتبوا بها حسب المستطاع. وفسر
أحدهم، الشهاب الحجري هذا الارتباط بما يلي: "وكل لسان مختلف عن غيره، وهذه العربية وحيدة في الدنيا. وقالوا الحق في ذلك. فهو كلام مبارك، ومن تكلم بها لا بد يذكر الله. ولذلك كان يقول بعض من الأندلس (أي أهل الأندلس): لا عربية بلا الله، ولا عجمية بلا شيطان، لأن النصارى يذكرونه في كلامهم، ولا يكره
العربية والكلام بها إلا من لا يعرف فضلها وبركتها". وقال في موضع آخر: "وأقول: اعلم أن أول ما تكلمت به ببلاد الأندلس كان العربية. وكانت النصارى
…
تتحكم فيمن يجدون يقرأ العربية. فتعلمت القراءة الأعجمية (يعني الإسبانية) للأخذ والعطاء".
والشهاب الحجري هو من المورسكيين المعروفين الذين كتبوا باللغة العربية بعد خروجهم من الأندلس قبيل طرد سنة 1609 م. واسمه العربي أحمد بن قاسم بن أحمد الفقيه قاسم بن الشيخ الحجري، ويعرف بالشهاب الحجري وبآفوقاي، ولا يعرف اسمه المورسكي. وقد استطاع الهجرة من أحواز غرناطة سنة 1007 هـ (موافق 1598 م)، وانتقل إلى المغرب، وعمل ترجمانًا لدى السلطان زيدان السعدي ولأولاده من بعده. وكتب بعد خروجه من الأندلس كتاب "ناصر الدين على القوم الكافرين" وصف فيه أوضاع المورسكيين في أواخر القرن السادس عشر الميلادي، وترجم كتاب "العز والمنافع للمجاهدين بالمدافع" من اللغة الأعجمية، وهو كتاب في فن المدفعية. كما كتب الشهاب الحجري عدة كتب أخرى منها كتاب "رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب"، وقد ضاع كما ضاعت كتب أخرى له. وتوفي الشهاب الحجري بعد سنة 1051 هـ (1641 م).
ولم يكتب باللغة العربية من المورسكيين إلا ثلة بعد هجرتها إلى البلاد الإسلامية، منهم، عدا الشهاب الحجري، محمد بن عبد الرفيع المتوفى سنة 1052 هـ (1643 م)، صاحب كتاب "الأنوار النبوية في آباء خير البرية". ومنهم من كتبوا لإخوانهم في بلاد هجرتهم، وليس لأمتهم الأسيرة التي أصبح أكثر أفرادها، في أوائل القرن السابع عشر، يجهلون اللغة العربية بسبب الحرب المتواصلة التي شنتها الكنيسة الكاثوليكية والدولة الإسبانية عليها وعلى من يتكلم باللغة العربية.
أدى ذلك القهر إلى تحول الكتاب الأندلسيين إلى لغة التخاطب بينهم، وهي اللاتينية المحلية بلهجتها الإسلامية: القشتالية في غالب الأحيان (الإسبانية القديمة)، أو الأراغونية أو القطلانية أو البرتغالية أحيانًا أخرى، حسب مناطقهم. فولدت بذلك لغة إسلامية جديدة، كتبوها بالحرف العربي، وسموها اللغة الأعجمية. تكونت هذه اللغة في القرن الرابع عشر الميلادي بين مدجني مملكتي أراغون وقشتالة، واندثرت في القرن الثامن عشر، فكان عمرها 400 سنة تقريبًا. وجعل المورسكيون هذه اللغة وسيلة تعبيرهم ومتنفسًا لجهادهم طيلة هذه الحقبة الطويلة. فكتبوا بها شعرًا ونثرًا في
فنون شتى: التفسير والحديث والفقه والسيرة النبوية والعلوم التجريبية والتاريخ والجغرافيا والآداب، الخ
…
وردوا بها هجوم النصارى على الإسلام ومبادئه ورموزه.
وانتشرت الكتب الأعجمية بين مسلمي الأندلس انتشارًا كبيرًا رغم محاربة السلطات الكنسية والحكومية لها، ومطاردتها لمن يكتبها أو يقرأها أو ينسخها أو يحتفظ بها. ويجتمع منها اليوم في المكتبات الإسبانية وغيرها آلاف المجلدات التي تكون وعاء لتراث إسلامي يتيم، يجهله المسلمون العرب لعدم معرفتهم اللغة الأعجمية، كما يهمله الإسبان لعدم معرفتهم حرفه العربي وعدم تعبيره عن الحضارة السائدة بينهم اليوم، فأصبح في خطر الضياع. وهذا التراث جدير بأن يخرج إلى الوجود ويعرف به كتراث إسلامي فريد، يدل على تجربة أمة مسلمة تفانت في الحفاظ على عقيدتها الإسلامية ولغتها العربية وكل ما يتعلق بها من عبارات وحروف عندما أصبح الاحتفاظ باللغة العربية نفسها مستحيلاً.
ومن أهم وأقدم الآثار الأعجمية في الشعر قصيدة سيدنا يوسف عليه السلام لشاعر مدجن مجهول عاش بأراغون القديمة في القرن الرابع عشر الميلادي، أي قبل سقوط غرناطة بحوالي قرن ونصف. وتتكون القصيدة من 1220 بيت مجزأة في 305 رباعية. وهي تقص قصة سيدنا يوسف عليه السلام حسب ما جاء في القرآن الكريم، لتعليم الناشئة المسلمة مبادىء الإسلام وأخلاقه بطريقة مشوقة، كما يبدو جليًّا من افتتاحيتها التالية:
حديث دا يوسف عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
لو ميانت أد الله، أللت ياش أبارددار
أنرد اقنبلد، شانر دارايترار
شانر داتد، أن شل اشانر
فرانكو ابدارشه، أرداندر شارتار
غرن باش ال، شبدار تد ألمند أبرق
نن شلا أنقبرا كشه كا أنالمند نسق
شقيارا ان لمرن يان تد لكمرق
ن يان لتيار برياته ن يان لبلنق
فغبش أشبار، أيداش، مش أمدش
لك كنتاشيه ان لش تيانبش بشدش
أجق اييوسف ايشش داش ارمنش
بر كبدشيه أنبدية أبيارن أشايار ملش
الخ
…
وترجمتها:
قصة يوسف عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العلي الحق
العزيز الكامل الملك العادل
ربّ العالمين الواحد الأحد الصمد
الكريم القوي القيوم
هو الأكبر، تعم قوته كل شيء
ولا تخفى عليه خافية في الكون
لا في البر ولا في البحر
لا في الأرض السوداء ولا البيضاء
اعلموا واسمعوا يا أحبائي
ما حدث في الأيام الغابرة
ليعقوب ويوسف وأخوته العشرة
الذين بالطمع والغيرة أصبحوا شريرين
وعبر علي بيريز، أحد كبار شعراء الأعجمية، في شعره القوي على الثورة الكامنة لدى الشعب الأندلسي المضطهد المقهور في عقيدته وجسمه وشرفه ومأكله ومشربه ووطنه، وفي كل ما يجعل الإنسان إنسانًا، فيصيح علي بيريز بأبيات قوية نأتي بترجمة بعضها:
ذئاب سارقة عديمة الخير، همها
الكبرياء والعجرفة واللواط
والفسق والكفر والانتقام
والغدر والظلم والسرقة
كل ذلك بدون عدل.
أنا لا أبكي على ما مضى
لأن لا يمكن الرجوع إلى الماضي
ولكن يبكي لما سنرى
من نتانة ومرارة
كل من يفهم؛
هاجر علي بيريز في أوائل القرن السابع عشر إلى تونس، وعبّر عن هذه الهجرة بقوله:"أخرجنا الله بعظيم قوته من يد الفراعنة الكفرة وقضاة التفتيش الملعونين". وبكى شعراء آخرون بأبيات محزنة على ما آل إليه وطنهم من تدمير، ومثال ذلك هذه الأبيات المترجمة لشاعر أعجمي مجهول يبكي فيها بلدته الحامة (القريبة من غرناطة) عند سقوطها في يد النصارى:
آه على بلدي الحامة؛
الرجال والنساء والأطفال
كلهم يبكون هذه الخسارة العظمى
كما بكت كل سيدات
غرناطة
آه على بلدي الحامة؛
لا ترى من نوافذ بيوتها في أزقتها
إلا مأتمًا كبيرًا
ويبكي الملك ما عساه يبكي
لأن ما ضاع كثير
آه على بلدي الحامة؛
ويعد خوان ألونسو الأراغوني من أكبر شعراء اللغة الأعجمية. وقد ترك ديوانًا يتكون من رباعيات يدافع فيها عن العقيدة الإسلامية وعن شخصية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ويرد فيها بلغة قوية واضحة على الكنيسة ويسفِّه عقيدتها وآراءها. ويدل شعر الأراغوني على معرفة واسعة بالإسلام والمسيحية على حد سواء. وقد هاجر الأراغوني في آخر حياته إلى تطوان بالمغرب.
ومنهم محمد رمضان، وهو من بلدة الرويضة بين سرقسطة وقلعة أيوب، في أراغون القديمة. وقد اشتهر في شعره بأمداحه النبوية بلغة شاعرية مؤثرة. وطرد محمد رمضان سنة 1610 م من بلده، فاستقر في تونس.
ومنهم أيضًا "بوي دي مونسون" الذي حج إلى بيت الله الحرام، وسجل رحلته في قصائد شعرية تعبّر على شوقه لمكة المكرمة والمدينة المنورة وأرض الإسلام الحرة، وأمله في الرجوع إليها.
ويوجد في الأدب الأعجمي كثير من الشعراء المجيدين الآخرين الذين لا يتسع المجال إلا لذكر بعضهم: كإبراهيم التايبيلي، وإبراهيم دي بلغاد، ومحمد الخرطوش البياني، دون الكثيرين الذين نجهل أسماءهم ونقدر إنتاجهم، كناقد مسرحيات لوبي دي بيغا وغيره.
ولم يعبّر الشعر الأعجمي على جهاد الشعب الأندلسي فقط ونضاله من أجل البقاء والحفاظ على عقيدته الإسلامية، بل عبر كذلك على المشاعر الإنسانية من تهجد وحب وحنان ووصف للطبيعة. وارتباط بأرض الأندلس.
وكتب الأندلسيون بالنثر الأعجمي في كل المجالات المذكورة أعلاه. ومن أشهر كتابهم فيه "المنسيبو دي أبيرالو"(أو فتى ابيرالو)، وهو فقيه من أعلم فقهائهم، كتب في التفسير والسنة النبوية، ووصف أوضاع الأندلسيين تحت الاضطهاد الكاثوليكي عبر إسبانيا كلها. ومنهم فقيهة أبدة وفقيهة آبلة، ولا يعرف اسماهما بالضبط. وظل كثير من الكتاب الآخرين مجهولي الاسم، بسبب الخطر الذي تتعرض إليه حياتهم أمام محاكم التفتيش.
وطور كتاب الأعجمية أدب القصة كوسيلة بيداغوجية لتدريب الناشئة المسلمة سرًّا على المبادىء والأخلاق الإسلامية، زرع روح الثقة بالنفس فيهم، وتدريبهم على الثبات أمام المصاعب. ومن أهم هذه القصص التي نجت من الضياع:"قصة العصر الذهبي" و"قصة علي والأربعين جارية" و"قصة الإسكندر ذي القرنين".
ومن أمثلة الكتب التي كتبت بالأعجمية في العلوم التقنية كتاب إبراهيم المرباش المسمى "العز والمنافع للمجاهدين بالمدافع"، وهو في التقنية العسكرية. وقد ترجمه الشهاب الحجري من الأعجمية إلى العربية. وكتب الأندلسيون باللغة الأعجمية أوراقهم الخاصة من رسائل وتقاييد وعقود وغير ذلك.
ولنأت الآن بمقتطفات من النثر الأعجمي: أولها من كتاب "الأدعية النبوية" للفقيه علي بن محمد شكار الذي انتهى من كتابته بتاريخ 30 جمادى الثانية عام 998 هـ (موافق 23/ 3 / 1589 م)، وهو يفتتح بما يلي: "بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد الكريم وعلى آله وسلم تسليمًا، لش ماشاش ذا لش ألكنت ذا عربيى كاشا كوانتن بر لنش شن اشتش: ألبرمار شالم ألمحرام، ألبارمار ذا شتا ماش أشذيا ذامي غرنذا ذين ياش دلبر ذا لش شياتاذيش كا شن بر ألنبى محمد صلى الله عليه وسلم، الخ
…
". وترجمتها باللغة العربية: "بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد الكريم وعلى آله وسلم تسليمًا، إن الدعوات التي يدعى بها في الشهور العربية هي التالية: الشهر الأول يسمى محرم، وأول يوم منه هو يوم مهم جدًّا، وهو من الأيام السبعة عشرة من أيام النبي محمد صلى الله عليه وسلم
…
".
والمثال الثاني من كتاب في التاريخ، هذا مطلعه: "بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد الكريم وآله وسلم تسليمًا، ار أن ذي دا لش يشياتا دا لن بانتشنكان ذا ذو ألقياد، فوارون أجنتدش أن شرغش أو كنبن دا أنردش مشلماش يأنتار ألش سياتا عليماش دكتش افصالدش ادابواش دا الظهر كمانسرون أترتر دا نواشترش ذو الش اكد أن ذيش
…
" وترجمتها باللغة العربية:
"بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد الكريم وسلم تسليمًا، في أحد أيام الشهر السابع من السنة خمسة وعشرين اجتمع في سرقسطة جماعة من المسلمين المحترمين، ومن بينهم سبعة علماء فقهاء مقتدرين. وبعد الظهر ابتدؤوا بمعالجة مشكلتنا، وكل واحد منهم
…
".
والمثال الثالث من تقييد خاص لتاجر مورسكي من مدينة سالم بمقاطعة سرقسطة، قيد فيه ما لديه من ديون عند زبائنه. والتقييد في 54 صفحة يقول في إحدى صفحاته: "يال، بسم الله الرحمن الرحيم، دابا مرتن لباز كم سنك ماديش دا تارغه، كن لماديه رايل، يواشته ان مكشه، إن شاء الله. ادابا مش سنك مربادش كالا بارشتا
…
".
وترجمتها: "يال (اسم بلدة)، بسم الله الرحمن الرحيم، استدان مني مارتين لوبيز خمسة أمداد من القمح، بالمد الملكي، ووضعتها في بيتي، إن شاء الله.
واستدان مني كذلك خمسة مرابطية أدنتها له
…
".