الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمسلمين الوافدين من جهة أخرى، يعمل العاقلون من الطرفين على الحد منه.
وبصفة عامة، لا يُتوقع أن يكون للجماعات الإسلامية الوافدة تأثير كبير على مسار الانبعاث الإسلامي الأندلسي، وسيقتصر تأثيرها على جماعات الوافدين فقط. ولا تختلف هذه الجمعيات الإسلامية عن مثيلاتها بين التجمعات الإسلامية الوافدة في غرب أوروبا.
وجاء الانبعاث الإسلامي في الأندلس عن غير طريق الوافدين. وسنرى في الفصول التالية الخطوات الأولى للانبعاث الإسلامي في الأندلس وفي باقي المناطق الإسبانية، ونتابع نشأتها. كما سندرس التيارات العاملة في هذا الانبعاث الإسلامي، وتحديد التيارات ذات الجذور العريقة في الأندلس.
10/ 2 - الطريقة الدرقاوية في غرناطة:
احتفظ عدد كبير من أهل الأندلس بدينهم الإسلامي سرًّا وبعد سنة 1960 م، تجرأ بعضهم على إعلان إسلامه عند هجرته إلى المغرب، أو حتى في الأرض الإسبانية نفسها، كالمحامي خليل بن أمية الذي كان يعيش في مجريط، وغيره كثير ممن ليست له شهرته. ومنهم من هاجر إلى خارج الأندلس كالمسلم الغرناطي الذي التقيت به في كوبنهاكن (الدانمارك) في 5/ 11 / 1973 م. وقد ولد ونشأ في برشلونة وأسلم سنة 1969 م في باكستان، وتزوج بمسلمة سويدية، ثم هاجر إلى الدانمارك حيث ساهم في تأسيس جمعية إسلامية، ثم إلى لوس أنجليس (كالفورنيا) بالولايات المتحدة الأمريكية حيث يقيم اليوم (1990 م). ولما سألته حينذاك عن سبب إسلامه، أجاب:"كنت طفلاً صغيرًا عند احتضار جدتي فجذبتني إليها وهمست في أذني قائلة: "إن الدين النصراني ليس ديننا وليس هو الدين الحق، عندما تكبر حاول أن تعرف دينك". فلما كبرت درست تاريخ إسبانيا وفهمت قصد جدتي، فتعلمت الدين الإسلامي واقتنعت به، وأعلنت إسلامي في باكستان حيث أمضيت سنتين لأتقن تعليمي". وهكذا أسلم عدد كبير من الأندلسيين، منهم من مكث بإسبانيا ومنهم من هاجر منها، كل واحد منهم أسلم لنفسه دون أن يفكر في تنظيم جماعة إسلامية في الأندلس.
وكانت مدينة مكناس بالمغرب منبع التنظيم الأندلسي الأول بطريقة غير مباشرة.
فقد فتح هناك قبل ربع قرن الشيخ ابن الحبيب، شيخ الطريقة الدرقاوية بمكناس، زاويته لعدد من الأوروبيين الذين انجذبوا للإسلام، منهم رجل اسكوتلاندي اسمه "يان
دالاس"، كان يعمل مع فرقة "البتلز" (الخنافس) الإنكليزية. فترك مجرى حياته السابق، واعتنق الإسلام، وأقام بالزاوية الدرقاوية بمكناس حيث أصبح مريدًا للشيخ ابن الحبيب الذي سماه عبد القادر، فأصبح يعرف بعبد القادر الصوفي. ثم أمره شيخه بالتوجه إلى بلده ونشر الإسلام به فرجع عبد القادر الصوفي إلى بريطانيا وأسس في نورويش (بالقرب من لندن) جالية إسلامية بريطانية.
وفي سنة 1975 م، نفس السنة التي مات فيها فرانكو، توجه إلى بريطانيا ثلاثة من الشباب الأندلسي من بلدة بورتيانو (مقاطعة قلعة رباح) بمنطقة قشتالة - مانشة، من بينهم محمد دل بوثو الأندلسي، واعتنقوا الإسلام على يد الشيخ عبد القادر الصوفي، وأصبحوا من أتباعه في الطريقة الدرقاوية ومريديه. ثم التحق بجماعة نورويش عدد من الإسبان الذين أسلموا، من بينهم عبد السلام منصور أسكوديرو من غرناطة وعمر كوكا دومينيكز من إشبيلية وأبو الحسن كستنييرا باردو وغيرهم. فأمرهم الشيخ عبد القادر الصوفي بالاتجاه إلى قرطبة بالأندلس وتأسيس جالية إسلامية بها.
وفي سنة 1977 م، توجه أعضاء الجماعة إلى قرطبة، واستأجروا بيتًا قديمًا سكنوا فيه جميعًا مع أزواجهم وأبنائهم، وأخذوا يقومون بأعمال متواضعة كباعة متجولين لإعالة أنفسهم. وحرصوا، رجالاً ونساء، في تلك الحقبة على ارتداء الزي الإسلامي. وانضم إلى هذه الجماعة في قرطبة عدد من الأندلسيين وغيرهم من الأسبان، زاد على الأربعين. وارتكزت فلسفة الجماعة على كونهم يعيشون في مجتمع كافر يجب الخروج عنه، فكان على كل من يعتنق الإسلام أن يترك أهله وعمله لينضم إلى الجماعة. ومنذ البداية، كان تنظيم الجماعة شبه عسكري، حيثما كان شيخها الأكبر، الشيخ عبد القادر الصوفي، يأمر فيُطاع، وينظم حياة كل أفراد الجماعة، ويطرد من الجماعة كل من يبدي أي تحفظ على أمر من أوامره. وكان إمام الجماعة محمد دل بوثو الأندلسي.
وكان حينذاك يدّعي مونسينيور إنفانتي فلوريدو، مطران قرطبة، التسامح الديني، ويشجع الحوار الإسلامي المسيحي، ويستدعي علماء الإسلام للصلاة في مسجد قرطبة الأعظم بعد مؤتمرات سنوية للحوار كان ينظمها. فاستأذنت الجماعة من المطران إقامة صلاة عيد الأضحى سنة 1398 هـ (1978 م) بمسجد قرطبة الأعظم، فأذن لهم. وكان ذلك أول نشاط علني عرفت به الجماعة. وانضم إلى الجماعة في صلاة العيد عدد من العمال المغاربة والباكستانيين (من بنياروجا وقزلون ولاكرولينا)
وبعض الطلبة العرب. وكان إمام العيد نزار أحمد الصباغ، رئيس "المركز الإسلامي في إسبانيا" الذي اغتيل رحمه الله سنة 1981 م في برشلونة.
وفي سنة 1979 م، قررت الجماعة الانتقال من قرطبة إلى إشبيلية آملة أن يكون المجال أفضل للدعوة الإسلامية. وفي إشبيلية، أقامت الجماعة لأول مرة الصلاة في حديقة جامع المنصور، وصعد أحد أفراد الجماعة إلى أعلى مئذنة المسجد (لاخير الدا) وأذن منها. وحاولت الجماعة الحصول من بلدية إشبيلية على المسجد الذي بناه المغرب في إشبيلية في معرض دولي قبل الحرب العالمية الثانية، فرفض طلبهم، وفي 4/ 4/ 1980 م، بمناسبة "مسيرة النصارى" في "الأسبوع المقدس"، قام أفراد الجماعة بتوزيع مناشير على المتفرجين وهم يصيحون "أوقفوا محاكم التفتيش". تقول المناشير: "هذه الأثواب هي أثواب محاكم التفتيش. إنكم تحتفلون بالإعدامات الجماعية وتقدمون الاحترام للمجرمين المقنعين. إن الأندلس الإسلامية كانت أندلسًا حرة. ثم جاء القتلة أصحاب القبعات الطويلة (قضاة التفتيش). هذه المسيرة هي ذكرى لمحاكم التفتيش وحفلاتها الإجرامية التي تمثل الإرهاب والقتل الجماعي
…
". فتدخلت الشرطة وقبضت على عبد النور كوكا دومينكر (أخي عمر الأصغر)، أحد المسلمين الأندلسيين، ثم أطلقت سراحه بعد بضعة أيام.
وبعد هذه الحادثة، وقع تحول جديد في الجماعة إذ قررت الانتقال إلى مقاطعة ولبة حيث حصلت على مزرعة بين ولبة والرصينة حاولت تأسيس مجتمع إسلامي عليها بدون نجاح.
ثم انتقلت الجماعة إلى غرناطة بعد أن أعلنت اسمها الجديد "جمعية عودة الإسلام إلى إسبانيا"، كما أسمت نفسها في بعض مناشيرها "جماعة المسلمين الإسبان". وفي 22/ 9 / 1980 م، سجلت الجمعية نفسها بوزارة العدل الإسبانية بمقتضى قانون سنة 1967 م الذي يضمن حرية العقيدة، تحت اسم "الجمعية الدينية لنشر الإسلام في إسبانيا" قام بتسجيل الجمعية خوزي ميكيل (عمر) كوكا دومينغز وخيسوس (محمد) دل بوثو لوبز وآنا مارية لانشاس ريس ودولورس كونتريراس كانو وماريا خيسوس أوريبي آلاسترا. استأجرت الجماعة عمارة في شارع سرابيا بغرناطة.
وأقامت فيها مسجدها ومكاتبها ومشاريعها الاقتصادية. وقرر زعماؤها أن يرتدي رجالها الزي الأوروبي عوضًا عن الزي الإسلامي لتسهيل قبولهم من طرف المجتمع الغرناطي.
وقامت الجماعة بأول نشاط لها علني في غرناطة عندما أذن لها فراسسكو سانتشس رولدان، القيم على قصر الحمراء، بإقامة صلاة عيد فطر سنة 1400 هـ (13/ 8 / 1980 م) في حدائقه. فحضر الصلاة حوالي مائتي شخص، رجالاً ونساء وأطفالاً، من بينهم بعض الطلبة العرب والعمال الباكستانيين. وكان إمام الصلاة محمد دل بوثو. وبعد صلاة العشاء جماعة، قدم العشاء للجميع في جو ديني واجتماعي جميل كان له أحسن الأثر على المجتمع الغرناطي، وساعد على التعريف بالجماعة وانضمام أعداد جديدة من العائدين إلى الإسلام إليها.
وفي عيد الأضحى الذي تلاه طلبت الجماعة من إنفانتي فلوريدو، مطران قرطبة، الإذن لها بإقامة صلاة العيد في المسجد الأعظم. فرفض المطران هذه المرة الطلب خطيًّا، مدعيًا أن ذلك يؤدي "إلى تخوفات وانشقاقات وحتى إلى الفضيحة"، وصحبت ذلك الرفض حملة ضد المسلمين الإسبان في الصحافة الإسبانية. ورد محمد علي، أحد ممثلي الجماعة، على هذه الحملة قائلاً: "ليس الإسلام ملكًا للعرب، فاعتناق الإسلام لا يعني أن الإنسان أصبح عربيًّا. نحن مثلاً مسلمون إسبان كما أن هناك مسلمون روسيون وفليبينيون، الخ
…
ومن أجل ذلك ليست لنا علاقة مع البلاد الغنية بالبترول إلا علاقة المسلم مع أخيه المسلم، ليس أكثر". وكان مطران قرطبة قد أذن سنة 1979 م للمشاركين الأجانب في مؤتمر حول الحضارة الإسلامية بالصلاة في المسجد.
وبعد رفض مطران قرطبة، توجهت الجماعة بطلب المساعدة من مجلس قرطبة البلدي. فسلم خوليو أنغيتا، عمدة قرطبة (رئيس الحزب اليسار المتحد حاليًّا)، للجماعة المسبح البلدي لإقامة صلاة العيد.
وهكذا أقيمت حفلة إسلامية كبيرة في المسبح البلدي حضرها أعضاء مجلس قرطبة البلدي بما فيهم أنطونيو ثوريتا، نيلاب العمدة، نكاية في المطران والكنيسة الكاثوليكية المتعصبة، وتعاطفًا مع المسلمين. وكان خطيب العيد الطبيب النفسي الدكتور منصور عبد السلام اسوديرو، أمير الجماعة حينذاك، فألقى خطبة عصماء قال في آخرها: "أصبح مجتمع الكفر في حالة إفلاس: ثقافة منحلة، وفشل ذريع في الميدان السياسي، وأزمة اقتصادية متواصلة
…
أقول لجميع الذين يبحثون بصدق عن سبيل يفضي بهم إلى معرفة ذواتهم ويتيح لهم التعاون مع الآخرين بثقة
…
الإسلام هو الأمل المضيء، أدعوكم لاكتشافه، أدعوكم لإثبات الحقيقة الإلهية الواحدة
…
أبشركم: بإذن الله ستعود الأندلس إلى الإسلام". ووقعت العبارة الأخيرة موقع الصاعقة على أوساط اليمين المتعصبة، بما فيهم كثير من المستشرقين الإسبان. فقاموا بحملة صحافية ضد الجماعة دامت شهورًا.
وفي غرناطة، صلت الجماعة صلاة العيد، بإذن من مسجل غرناطة البلدي، في مسجد المدرسة الشرعية القديمة، المسجد الوحيد المتبقى في المدينة، وقد حول إلى متحف بلدي.
وفور هذه الأحداث، أخذت أعداد أفراد الجماعة تتضاعف، فابتدأت الجمعية ترسل الوفود إلى البلاد العربية. منها إلى دول الخليج في غشت عام 1980 م، والمغرب في ديسمبر عام 1980 م، وشرعت الجمعية في إقامة المشاريع الإسلامية: من أهمها مسجد في حي البيازين، حصلت الجمعية على مساندة المجلس البلدي لبنائه، إذ كتب لها أنطونيو خارا أندرو، عمدة غرناطة، رسالة بتاريخ 7/ 11 / 1980 م قال فيها: "أيها الأصدقاء. في هذا التاريخ استقبلت في المجلس البلدي السيد عمر عبد الحق كوكا دومينكز والسيد عبد الكريم كراسكو اللذين فسرا لي باختصار فكرة
جاليتهما في بناء مسجد في حي البيازين من هذه العاصمة، وأريد أن أوضح في هذه الرسالة مساندة المجلس البلدي، الذي أتشرف برئاسته، لهذا المشروع، ومساندتي الشخصية بالطبع، آملين أن نفرح بإنجاز هذا المشروع".
وسرعان ما اشترت الجمعية أرضًا بحي البيازين مساحتها 2.140 متر مربع لبناء المسجد. لكن المشروع لم ينجز. كما اشترت الجمعية بيتًا كبيرًا في حي البيازين بشارع سان غريغوريو، وحولته إلى زاوية ومدرسة ومركز إسلامي. وحصلت الجمعية على أرض حولتها إلى مقبرة للمسلمين في غرناطة.
وابتدأت الجمعية بإنجاز مشاريعها الاقتصادية، معظمها في المركز المؤجر في شارع سرابيا بغرناطة، منها مشروع "نور الأندلس" لنشر الكتب وتوزيعها ولطبع الأفلام والأشرطة عن الإسلام مع التركيز على القرآن الكريم، ومشروع تأسيس مدرسة إسلامية للكبار والصغار، ومستوصف للطب الطبيعي والصحة العقلية، و"دكان الحكيم" لتهيىء الأغذية الطبيعية والأعشاب، كما فتحت الجمعية مخبزة إسلامية وملحمة. وباختصار، حاولت الجمعية إنشاء المؤسسات الثقافية والاقتصادية التي يحتاجها مجتمع متكامل مستقل بنفسه.
وتكاثر أعضاء الجمعية حتى أصبحوا عدة مئات، وأخذ الطابع الإسلامي يظهر بوضوح في غرناطة، خاصة في حي البيازين التاريخي منها. ونظمت الجمعية مؤتمرين مهمين في الفقه المالكي، حضرهما نخبة من علماء المسلمين. عقد المؤتمر الأول سنة 1982 م في زاوية الجماعة بالبيازين، والثاني في 7 - 11/ 11/ 1983 م في قاعة "مانويل دي فالا"، التي سهلتها بلدية غرناطة لمنظمي المؤتمر. وقد مولت هذا المؤتمر الإمارات العربية المتحدة. وفي يونيو سنة 1984 م، أرسلت رئاسة محاكم أبو ظبي الشرعية على حسابها معلمين موريتانيين لتعليم الجماعة المبادىء الإسلامية.
ونشطت الجماعة في مجال النشر، فنشرت كتبًا باللغة الإسبانية، منها كتب الشيخ عبد القادر الصوفي:"كتاب الإسلام والإيمان والإحسان" و"اتجاه العلامات" و"محمد رسول الله" و"كتاب الكفر"، كما أصدرت الجماعة مجلة شهرية اسمها "البلاد الإسلامية".
يعود سبب انتشار هذه الجماعة، في أول أمرها، إلى تضامن أعضائها حول مذهب واحد واضح عبر الطريقة الدرقاوية، وكذلك لاستعمالها الشعارات الأندلسية مما جعل أعدادًا كبيرة من أهل الأندلس ينضمون إليها. لكن ما كادت تشتهر هذه الجماعة حتى أخذت تتقهقر لأسباب متعددة. منها طريقة تنظيمها المبنية أساسًا على المركزية المطلقة حول الشيخ الأكبر (الشيخ عبد القادر الصوفي) وأمير الجماعة (الدكتور منصور عبد السلام اسكوديرو ثم محمد دل بوثو الأندلسي). ومنها الطريقة الخشنة والعنيفة في تعامل الجماعة مع الغير.
ومنها مطالبة الجماعة المنضمين إليها بالانسحاب من المجتمع الأندلسي الذي تعده كافرًا. ومنها اتهام الجماعة لكل من سواهم من المسلمين بالضلال وحتى الكفر.
ومنها شدة الشيخ عبد القادر المتناهية في تعامله مع أتباعه، إذ كان لا يتورع في طرد كل من يتردد في طاعة أوامره مما جعله يطرد بانتظام أعضاء الجمعية، بما فيهم كثير من مؤسسيها كالدكتور منصور عبد السلام نفسه، وكان يأمر الباقين من أتباعه بعدم التعامل مع المطرودين أو التحدث إليهم، فأضعفت هذه العقوبة القاسية الجماعة.
ثم أدت العلاقات مع دول الخليج إلى تغير كبير في الجمعية. أولاً، عد
الاهتمام بالأندلس قومية يجب الابتعاد عنها، فغيرت الجمعية اسمها من "جمعية عودة الإسلام إلى إسبانيا" سنة 1981 م إلى "الطريقة الدرقاوية" ثم إلى "الجماعة الإسلامية في إسبانيا" سنة 1982 م. ثانيًا، عُد التصوف خروجًا عن الإسلام، فأعلن الشيخ
عبد القادر تركه للتصوف وخروجه عن الطريقة الدرقاوية، واعتناقه للفكر السلفي، وأخضع أتباعه لذلك، مما أدى إلى بلبلة كبيرة في صفوفهم، وطرد عدد جديد منهم، وغير اسمه من عبد القادر الصوفي إلى عبد القادر المرابط. فخرج عن الجماعة معظم أعضائها، منهم من تركوا إسبانيا ومنهم من كونوا جمعيات إسلامية أخرى، ومنهم من بقي مسلمًا لنفسه، ومنهم عدد صغير ارتد عن الإسلام.
وفي سنة 1987 م، حرض المدرسان الموريتانيان أتباع الشيخ عبد القادر على طرده من مركز الجماعة في البيازين. فتبع ذلك نزاعات في المحاكم مكلفة أدت إلى انتصار الشيخ عبد القادر ومن بقي مخلصًا له، وطرد المنشقين الذين كونوا جمعية أخرى مع الموريتانيين متمركزة في بناء مؤجر تحت اسم "مسجد التقوى" في أحد أحياء غرناطة القديمة القريبة من نهر هدره.
ودخلت الجمعية في طور جديد بعد أن لم يبق فيها في غرناطة سوى حوالي خمسين عضوًا، يتسم بالنفور المطلق من الدول العربية والجمعيات الإسلامية الأخرى. وغيرت الجمعية مرة أخرى اسمها وأصبحت تسمى "المرابطون"، كما غيرت اسم مجلتها من "البلاد الإسلامية" إلى "المرابطون". وارتبطت الجماعة بشكل أوثق بالمراكز التابعة للشيخ عبد القادر المرابط في بريطانيا والدانمارك والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من البلاد. أما في إسبانيا فأصبحت زاوية البيازين بغرناطة مركزًا للجماعات التابعة للمرابطين في أنحاء إسبانيا: إشبيلية (الأندلس)، وبالمة ميورقة (الجزر الشرقية)، وبلباو (أوسكادي). كما أخذت الجماعة تعود إلى تنظيمها الصوفي بإحياء حفلات الذكر عامة كما فعلت في إشبيلية في شهر يوليوز سنة 1990 م.
وأنشأت الجماعة مؤسسات اقتصادية مثل شركة "السابقة" بغرناطة.
وهكذا فشلت هذه المحاولة الجريئة في نشر الإسلام في الأندلس رغم البداية المشجعة. ويعود هذا الفشل إلى أسباب عدة، منها: أخطاء أساسية في تنظيم الجماعة المعتمد على المركزية والتأطير والطاعة المطلقة عوضًا عن الشورى؛ وضعف في التواضع الإسلامي بين زعمائها؛ وانفصام الحركة عن المجال الأندلسي الموجودة فيه بعدم تبنيها للتاريخ الأندلسي واستجابتها لشعور الأمة الأندلسية المعاصرة؛ والتذبذب بين المشارب الإسلامية نتيجة الضغوط الخارجية؛ وعدم نشر حساباتها مما أضاع ثقة من كانوا يساندونها. لكن ستبقى هذه الجماعة، بدون شك، عنصرًا مهمًّا في التركيبة الإسلامية الأندلسية، غير أن مركز ثقلها سينتقل إلى خارج منطقة الأندلس.