المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌10/ 3 - جمعية قرطبة الإسلامية: - انبعاث الإسلام في الأندلس

[علي المنتصر الكتاني]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌تقديم

- ‌مقدمة الشيخ المجاهد الإسلامي إبراهيم بن أحمد الكتاني

- ‌مقدمة المؤلِّف

- ‌الفصل الأولنشأة وسقوط دولة الإسلام في الأندلس

- ‌1/ 1 - الأمة الأندلسية وتكوينها:

- ‌1/ 2 - قيام مملكة غرناطة:

- ‌1/ 3 - جهاد مملكة غرناطة المتواصل:

- ‌1/ 4 - اتحاد الممالك النصرانية:

- ‌1/ 5 - الحرب الأهلية وسقوط غرناطة:

- ‌مراجع الفصل الأول

- ‌الفصل الثانيالاضطهاد والتنصير 1492 - 1568 م

- ‌2/ 1 - بداية الغدر وتنصير مسلمي غرناطة (1492 - 1502 م):

- ‌2/ 2 - محاكم التفتيش الكاثوليكية في إسبانيا:

- ‌2/ 3 - ذروة اضطهاد المسلمين 1502 - 1567 م:

- ‌2/ 4 - وضع المسلمين في مملكتي البرتغال وقشتالة:

- ‌2/ 5 - وضع المدجنين في مملكة أراغون:

- ‌مراجعالفصل الثاني

- ‌الفصل الثالثثورة غرناطة الكبرى (1568 - 1570 م)

- ‌3/ 1 - تهيىء الثورة:

- ‌3/ 2 - إعلان الثورة وبيعة ابن أمية:

- ‌3/ 3 - انتشار الثورة واستشهاد ابن أمية:

- ‌3/ 4 - مراحل الثورة تحت قيادة ابن عبو:

- ‌3/ 5 - الانهزام والاستسلام:

- ‌مراجعالفصل الثالث

- ‌الفصل الرابعالتشتيت وزيادة القهر (1570 - 1608 م)

- ‌4/ 1 - إخراج المورسكيين من مملكة غرناطة:

- ‌4/ 2 - أوضاع المسلمين في مملكة قشتالة من سنة 1570 م إلى سنة 1608 م:

- ‌4/ 3 - أوضاع المسلمين في مملكة أراغون من سنة 1570 م إلي سنة 1608 م:

- ‌4/ 4 - علاقات مسلمي إسبانيا الخارجية من 1570 م إلى 1608 م:

- ‌4/ 5 - التفكير في الطرد:

- ‌مراجع الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامسطرد المسلمين الجماعي عن إسبانيا (1608 - 1614 م)

- ‌5/ 1 - قرار الطرد سنة 1608 م:

- ‌5/ 2 - طرد مسلمي مملكة بلنسية:

- ‌5/ 3 - طرد مسلمي أراغون القديمة وباقي مملكة أراغون:

- ‌5/ 4 - مسلمي مملكة قشتالة:

- ‌5/ 5 - المورسكيون المطرودون في مناطق هجرتهم:

- ‌مراجعالفصل الخامس

- ‌الفصل السادسديموغرافية المورسكيين وحياتهم الاجتماعية

- ‌6/ 1 - ديموغرافية المورسكيين:

- ‌6/ 2 - حياة المورسكيين الدينية:

- ‌6/ 3 - حياة المورسكيين الاجتماعية:

- ‌6/ 4 - حياة المورسكيين الاقتصادية:

- ‌6/ 5 - الثقافة المورسكية:

- ‌مراجعالفصل السادس

- ‌الفصل السابعاستمرار الوجود الإسلامي في الأندلس في القرنين السابع عشر والثامن عشر

- ‌7/ 1 - إسبانيا في القرنين السابع عشر والثامن عشر:

- ‌7/ 2 - معاملة الدولة للمورسكيين:

- ‌7/ 3 - معاملة محاكم التفتيش:

- ‌7/ 4 - مؤامرات وثورات:

- ‌7/ 5 - شواهد الرحالة:

- ‌مراجعالفصل السابع

- ‌الفصل الثامنتكوين القومية الأندلسية (في القرنين التاسع عشر والعشرين)

- ‌8/ 1 - إسبانيا في القرنين التاسع عشر والعشرين:

- ‌8/ 2 - الجذور الإسلامية للقومية الأندلسية:

- ‌8/ 3 - انبعاث الهوية الأندلسية (1808 - 1873 م):

- ‌8/ 4 - بروز الحركة الأندلسية ودور بلاس إنفانتي:

- ‌8/ 5 - تطور الحركة الأندلسية: إسلام بلاس إنفانتي واستشهاده:

- ‌مراجعالفصل الثامن

- ‌الفصل التاسعانبعاث القومية الأندلسية 1975 - 1990 م

- ‌9/ 1 - دكتاتورية فرانكو (1939 - 1975 م):

- ‌9/ 2 - رجوع الديموقراطية وانبعاث القومية الأندلسية:

- ‌9/ 3 - إنشاء منطقة الأندلس ذات الحكم الذاتي:

- ‌9/ 4 - رموز منطقة الأندلس ذات الحكم الذاتي:

- ‌9/ 5 - إحصائيات الأندلس المعاصرة:

- ‌مراجعالفصل التاسع

- ‌الفصل العاشرالانبعاث الإسلامي على مفترق الطرق (منذ سنة 1970 م)

- ‌10/ 1 - الجمعيات الإسلامية للوافدين:

- ‌10/ 2 - الطريقة الدرقاوية في غرناطة:

- ‌10/ 3 - جمعية قرطبة الإسلامية:

- ‌10/ 4 - محاولات تنظيمية أخرى في الأندلس:

- ‌10/ 5 - محاولات تنظيمية خارج منطقة الأندلس:

- ‌مراجعالفصل العاشر

- ‌الفصل الحادي عشرالجماعة الإسلامية في الأندلس

- ‌11/ 1 - الأيام الأولى في إشبيلية:

- ‌11/ 2 - الإنطلاقة من إشبيلية:

- ‌11/ 3 - النكسة والانطلاقة الجديدة:

- ‌11/ 4 - العودة إلى قرطبة:

- ‌11/ 5 - العلاقة مع الشتات الأندلسي:

- ‌مراجعالفصل الحادي عشر

- ‌الفصل الثاني عشرالشتات الأندلسي اليوم

- ‌12/ 1 - الأندلسيون في المغرب:

- ‌12/ 2 - الأندلسيون في تونس:

- ‌12/ 3 - الأندلسيون في باقي القارة الإفريقية:

- ‌12/ 5 - الأندلسيون في باقي أوروبا وأمريكا:

- ‌مراجعالفصل الثاني عشر

- ‌خاتمة

- ‌ملحق معاهدة تسليم غرناطة المعقودة بين أبي عبد الله الصغير والملكين الكاثوليكيين

- ‌المادة الأولى:

- ‌المادة الثانية:

- ‌المادة الثالثة:

- ‌المادة الرابعة:

- ‌المادة الخامسة:

- ‌المادة السادسة:

- ‌المادة السابعة:

- ‌المادة الثامنة:

- ‌المادة التاسعة:

- ‌المادة العاشرة:

- ‌المادة الحادية عشر:

- ‌المادة الثانية عشر:

- ‌المادة الثالثة عشر:

- ‌المادة الرابعة عشر:

- ‌المادة الخامسة عشر:

- ‌المادة السادسة عشر:

- ‌المادة السابعة عشر:

- ‌المادة الثامنة عشر:

- ‌المادة التاسعة عشر:

- ‌المادة العشرون:

- ‌المادة الحادية والعشرون:

- ‌المادة الثانية والعشرون:

- ‌المادة الثالثة والعشرون:

- ‌المادة الرابعة والعشرون:

- ‌المادة الخامسة والعشرون:

- ‌المادة السادسة والعشرون:

- ‌المادة السابعة والعشرون:

- ‌المادة الثامنة والعشرون:

- ‌المادة التاسعة والعشرون:

- ‌المادة الثلاثون:

- ‌المادة الحادية والثلاثون:

- ‌المادة الثانية والثلاثون:

- ‌المادة الثالثة والثلاثون:

- ‌المادة الرابعة والثلاثون:

- ‌المادة الخامسة والثلاثون:

- ‌المادة السادسة والثلاثون:

- ‌المادة السابعة والثلاثون:

- ‌المادة الثامنة والثلاثون:

- ‌المادة التاسعة والثلاثون:

- ‌المادة الأربعون:

- ‌المادة الحادية والأربعون:

- ‌المادة الثانية والأربعون:

- ‌المادة الثالثة والأربعون:

- ‌المادة الرابعة والأربعون:

- ‌المادة الخامسة والأربعون:

- ‌المادة السادسة والأربعون:

- ‌المادة السابعة والأربعون:

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌10/ 3 - جمعية قرطبة الإسلامية:

وجدير بالذكر أن موقف "الجمعية الإسلامية في إسبانيا" و"المركز الإسلامي في إسبانيا"، من هذه الحركة كان سلبيًّا منذ البداية، لأنهما لم تكونا تريان بعين الرضى قيام حركة إسلامية في الأندلس خارجة عن نفوذهما. وظل موقف الجمعيتين هذا سائدًا بالنسبة لكل الحركات الإسلامية المحلية، وهو سبب النفور القائم بين المسلمين المحليين والوافدين الشرقيين في إسبانيا.

‌10/ 3 - جمعية قرطبة الإسلامية:

نشأت فكرة تأسيس جمعية إسلامية في قرطبة عند زيارتي لمجريط في 19 - 21/ 11 / 1973 م في إطار رحلتي لتقصي شؤون الأقليات الإسلامية في أوروبا وأمريكا، حيث اطلعت على موضوع مسجد قرطبة الجامع. ففي مارس سنة 1972 م، طلب عمدة قرطبة حينذاك، كوزمن رانية، باسم المجلس البلدي القرطبي من منظمة اليونسكو أن تعتبر مسجد قرطبة الجامع أثرًا إنسانيًّا وترجعه إلى أصله كمسجد، مما أثار نقاشًا حادًّا في الصحافة الإسبانية. ففي مقال بجريدة "الآ بي سي" بتاريخ 10/ 12/ 1972 م طلب رفائيل كاستيغون دي الرسالة، مدير المجمع الملكي الإسباني للعلوم والفنون الجميلة، إعادة المسجد إلى أصله الإسلامي بنقل الكتدرائية المقامة فيه إلى مكان مناسب وإعادة المسجد لقيمته الدولية، وقدر مصاريف هذا النقل بحوالي عشرة ملايين دولار أمريكي. فاهتم الملك فيصل، ملك المملكة العربية السعودية بالموضوع، وأرسل مع الشيخ محمد أحمد النعمان رسالة شفوية للجنرال فرانكو في شهر يوليو سنة 1973 م مبديًا استعداده لتحمل مصاريف النقل.

وكان تقديري للموضوع أن ذلك غير ممكن أصلاً بسبب ملكية المسجد للكنيسة الكاثوليكية التي لن تتخلى عنه بأي حال. لكن موقف مجلس قرطبة البلدي أثار انتباهي، وجعلني أعتقد أن أهل قرطبة يعطفون على الإسلام، وأن من بينهم من هم مسلمون سرًّا.

وصدر سنة 1979 م الدستور الإسباني الجديد محتويًا على مادة تتعلق بتنظيم الأديان، وُضعت تفاصيلها بعد ذلك. وفي 5/ 7 / 1980 م، وافق الكورتس على أول قانون لحرية الأديان، ولم يعد هناك سبب للتقية بين مسلمي الأندلس. وفي يوم الأربعاء 26 شعبان عام 1400 هـ (9/ 7 / 1980 م) زرت قرطبة واجتمعت بعدد من مسلميها، منهم الإسبان ومنهم المغاربة المقيمون، فطرحت عليهم فكرة تأسيس "جمعية قرطبة الإسلامية" حسب القوانين الإسبانية الجديدة، وساعدتهم على كتابة

ص: 334

قوانين الجمعية. فتزعم العمل على إنشاء الجمعية "خايمي سيان"، الموظف في بلدية قرطبة. وهو مسلم مغربي متجنس إسبانيًّا من مواليد تطوان (15/ 11 / 1922 م)، كان يعرف بها باسم عبد الحميد بن عبد السلام البلغيثي، وانتقل سنة 1971 م إلى سكنى قرطبة، وتسمى بها باسم "خايمي سيان". وهو يتقن الإسبانية إتقان أهلها، ومندمج في المجتمع القرطبي الاندماج الكامل، يحفظ القرآن الكريم وله معرفة جيدة بالمبادىء الإسلامية. وجدير بالذكر أن بإسبانيا الآلاف من الإسبان من أصول مغربية حديثة، غيروا أسماءهم واعتنقوا المسيحية، على الأقل ظاهرًا، للحصول على حق البقاء في البلاد، فاندمج أبناؤهم في المجتمع الإسباني وأصبحوا إسبانًا لغة ونصارى دينًا.

وفعلاً، تابعت النواة التي اجتمعت بها في قرطبة عملها. ففي 30/ 9 / 1980 م، سُجلت "الجمعية الإسلامية العربية" باسم خايمي سيان التلمساني، وخوزي خوان دلكادو فرناندس دي سانتائيلا، وأنطونيو سالسيدو بخرانو، وزهرة الفاسي الرياحي (زوجة الأول)، وكلهم إسبانيو الجنسية. وفي 6/ 11 / 1980 م، غير الاسم إلى "جمعية قرطبة الإسلامية ومقاطعتها". وفي 5/ 11 / 1981 م، تسجلت الجمعية رسميًّا في وزارة العدل.

ثم ابتدأت بيني وبين خوليو أنغيتا كونزالز، عمدة قرطبة، سلسلة من الرسائل.

ففي 24/ 8 / 1980 م، كتبت له من الظهران (السعودية) أحثه على مساندة تجمع المسلمين بقرطبة فأجابني بتاريخ 18/ 9 / 1980 م، قائلاً:"منذ مدة أني أرى باهتمام مصالح الجالية الإسلامية، ونحن باتصال مع ممثل لها بمجريط ولقد أنهينا تسليم مسجد لها في قرطبة ليتمكنوا من مزاولة شعائرهم. فعلاقتنا التاريخية مع العالم الإسلامي هو السبب في رغبتنا لربط معكم صلات الأخوة والصداقة والمحبة". فأجبته بتاريخ 11/ 10/ 1980 م شاكرًا. وفي 6/ 10/ 1980 م كتب لي العمدة أنغيتا يخبرني بتأسيس "جمعية قرطبة الإسلامية" ويستدعيني لزيارته في قرطبة للتدارس معه في إمكانية تسلم مسجد القاضي أبو عثمان (كنيسة سنتا كلارا) التاريخي ليكون مركزها

الإسلامي، وأكد دعوته برسالة أخرى بتاريخ 11/ 11 / 1980 م. فأجبته بتاريخ 10/ 11 / 1980 م شاكرًا على الدعوة، وزرته لأول مرة في قرطبة يوم الاشين 24/ 11 / 1980 م. وكان اجتماعًا وديًّا رائعًا، بيّن فيه العمدة أنه معتز بارتباط مدينته بالإسلام وأنه حريص على تنظيم الجالية الإسلامية بالمدينة، وأخبرني أن مجلس قرطبة البلدي

ص: 335

وافق على إعطاء مسجد القاضي أبو عثمان لجمعية قرطبة الإسلامية على شرط أن يُرمَّم ويصبح مركز إشعاع إسلامي. واتفقنا على الاجتماع يوم 26/ 12 / 1980 م مع سيدي الوالد الشيخ محمد المنتصر الكتاني لاستلام المسجد رسميًّا وتدشينه بالصلاة فيه.

بُني مسجد القاضي أبو عثمان أيام الخليفة الأموي عبد الرحمن الناصر في الحي العتيق من مدينة قرطبة، على بعد حوالي مائة متر من المسجد الأعظم. مساحته حوالي ألف متر مربع، في شارع يسمى اليوم "ري هيريديا". وعندما احتل النصارى مدينة قرطبة حولوه إلى كنيسة سموها "سنتا كلارا". ثم باعت الكنيسة البناء العتيق إلى بلدية قرطبة، التي تمكنت بذلك من التصرف فيه. وهو مسجد كبير يحتاج إلى ترميم كبير، معالمه الإسلامية لا زالت قائمة، فيه طابقان ومئذنة، ويصلح أن يكون مركزًا إسلاميًّا متكاملاً.

وفي صباح يوم الجمعة 26/ 12 / 1980 م استلم السيد الوالد مفتاح المسجد في حفل بمجلس قرطبة البلدي، وسلمه بدوره لرئيس "جمعية قرطبة الإسلامية" ثم توجه الجميع إلى المسجد حيث صلينا صلاة الجمعة وأُذن من أعلى مئذنة المسجد. ومكثنا في ضيافة بلدية قرطبة إلى 2/ 1/ 1981 م. ورحب المجلس البلدي بالسيد الوالد بحضور كل أعضائه الـ 24. فخطب فيهم السيد الوالد حاثًّا لهم على العودة إلى الإسلام دين أجدادهم، فكان التأثير باديًا على وجوه جميعهم، وأُقيمت لنا حفلات من طرف عدد من زعماء قرطبة.

لم يعجب ما حدث السلطات الكنيسة، ففي 6/ 1 / 1981 م كتب إنفانتس فلوريدو، مطران قرطبة، رسالة مفتوحة إلى خوليو أنغيتا كونسالز، عمدة قرطبة، قائلاً: "إن تسليم المساجد والبناءات التاريخية من طرف البلدية لجماعة إسلامية عمل خطير

يجعلنا نشعر بتيار إسلامي على مدينتنا القرطبية". تضايق المطران من جواب السيد الوالد لصحافي عند سؤاله عن مدى اهتمام المسلمين بمسجد قرطبة الأعظم في الوقت الذي حصلوا فيه على المسجد الصغير قائلاً: "إن المسجدين ملك لأهل الأندلس، وعندما تصبح أعداد أهل الأندلس العائدين إلى الإسلام مئات الآلاف يصبح بإمكانهم استعادة مساجدهم كلها". واتهم المطران الإسلام بأنه يعتقد أن "الجنة تحت ظلال السيوف"، وقال بأن تشجيع الإسلام في قرطبة من طرف السلطات المحلية هو غلط تاريخي وكذلك النزول بالقرطبيين من "مستوى نصراني رفيع" إلى

ص: 336

"مستوى إسلامي متأخر". واتهم المطران عمدة قرطبة والمجلس البلدي بالاستهتار بمشاعر القرطبيين المسيحية.

فرد العمدة على المطران في اليوم التالي برسالة قوية قاسية نشرتها الصحف (18 و 19)، قال فيها إن الدستور الإسباني يحترم معتقدات جميع المواطنين ويضمن حرية العقيدة، وأن لا فرق بين الدين الكاثوليكي والديانات الأخرى أمام الدستور الإسباني، وقال بأنه كعمدة منتخب من واجبه تطبيق الدستور في مدينة قرطبة، وأنه سبقت لبلدية قرطبة أن ساعدت الكنيسة الكاثوليكية وأصبح من واجبها أن تساعد المسلمين. وقال العمدة للمطران إنه انقضى عهد تحكم الكنيسة في الأهالي والدولة بدون رجعة، وأن الكنيسة الكاثوليكية ليست في مستوى أخلاقي يسمح لها بانتقاد الإسلام في إسبانيا.

أما عن شعور أهل قرطبة فقال العمدة "هم قد انتخبوني عمدة ولم ينتخبك أحد من أهل قرطبة، يا السيد المطران مطرانًا عليها"، وقال العمدة إن موقفه وموقف المجلس البلدي هو العدل لمصلحة المدينة، وأنه شخصيًّا لا انحياز له لأي دين، إذ ليس نصرانيًّا ولا مسلمًا. وأنهى العمدة رسالته المفتوحة بقوله:"أنا عمدتك وأنت لست مطراني".

وقامت بعد ذلك حملة صحافية حول الموضوع بين معارض للعمدة ومساند له دامت شهورًا، وعمت جميع صحف إسبانيا. وكان لهذه الحملة، في أول الأمر، تأثير طيب على الجمعية الجديدة، إذ اشتهر وجودها، فتكاثرت أعدادها من بضعة أفراد إلى حوالي الخمسين شخصًا في بضعة شهور، وأصبحت الصحافة تتكلم عن الجالية الإسلامية في قرطبة كواقع بديهي بعد أن كانت منعدمة. وحاربت الجمعية الجديدة بدون هوادة عدة أوساط: أولاً اليمين الإسباني والكنيسة بالطبع؛ ثانيًا، وهذا مما يدعو للأسف، "الجمعية الإسلامية في إسبانيا" و"المركز الإسلامي في إسبانيا" وذلك بكتابة التقارير السلبية التي تشوه بالجمعية للبلاد العربية والمؤسسات الإسلامية؛ ثالثًا الإرساليات الدبلوماسية العربية في مجريط.

وعملت "جمعية الرجوع إلى الإسلام في إسبانيا" إلى ربط الصلة مع "جمعية قرطبة الإسلامية"، فوقعت عدة اجتماعات بين رؤساء الجمعيتين كانت تحرص فيه الجمعية الأولى ضم الثانية إليها. ولم يكن ذلك ممكنًا بسبب شكل تنظيم الجمعية الغرناطية الهرمي، بينما كانت الجمعية القرطبية مبنية على الشورى. وفي 1/ 5 / 1981 م، توصلت الجمعيتان إلى توقيع اتفاق تعاون بينهما في غرناطة هذا نصه،

ص: 337

بعد البسملة والتصلية: "نقسم بالله العلي العظيم وبهذا القرآن الكريم على العمل يدًا واحدة على نصرة الإسلام في أرض الأندلس (إسبانيا والبرتغال) وإعادة شريعة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فيها، وأن نكون كما أمرنا الله أخوة في الله وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وألا نخذل بعضنا البعض وألا يغتاب بعضنا البعض، والله خير شاهد لنا على هذا وهو نعم الولي ونعم النصير". ووقع عن الجمعية الأولى أميرها منصور عبد السلام وعن الثانية رئيسها خايمي سيان وشاهدان هما كاتبه والمحامي محمد بن إدريس الحلو من الدار البيضاء.

وكان على "جمعية قرطبة الإسلامية" القيام بثلاثة أعمال ضرورية، هي: 1 - التوصل إلى اتفاق خطي مع بلدية قرطبة للحصول على مسجد القاضي أبي عثمان وشروطه وجمع الأموال لترميمه؛ 2 - الحصول على مركز مؤقت للجمعية؛ 3 - استدعاء إمام لتعليم الداخلين في الإسلام أمور دينهم. ففي 17/ 7 / 1981 م، قدمت وزارة الثقافة متطلباتها لترميم مسجد القاضي أبي عثمان. وقدمت الجمعية للبلدية دراسة متكاملة لترميم المسجد كلفتها أكثر من خمسة ملايين بسيطة، ردت عيها البلدية بتاريخ 29/ 9 / 1981 م محددة رأيها في المشروع. ولم يكن هناك مشكل كبير من الناحية الفنية للوصول إلى اتفاق مع البلدية. المشكلة الكبرى كانت في شروط الحصول على المسجد. ففي 20/ 6 / 1981 م، قدمت البلدية مشروع اتفاق فيه نقاط مجحفة لا يمكن قبولها، منها: إجبار الجمعية على ترك المسجد للسياح، وفتح باب التنافس مع أية جمعية أخرى تود الحصول على المسجد، وتحديد استعمال المسجد لمدة 49 سنة يعود بعدها للبلدية، وحق البلدية في استعادة المسجد إبان الحقبة المذكورة عندما تشاء، الخ

مما جعل المفاوضات تصل إلى باب مقفول. فأخذت الجمعية تفكر في بناء مسجد يكون ملكًا لها، وترك مسجد القاضي أبي عثمان أمام هذه الشروط الناتجة عن ضغوط الأوساط المتطرفة. كما أن البلدية أرادت أن تسلم للجمعية بناء "القلعة الحرة" لاستعماله كمؤسسة دينية. ولم تتابع الجمعية الموضوع لعدم مقدرتها عليه.

وفي 14/ 8 / 1981 م، ابتدأت حملة صحفية ضد خايمي سيان اشترك فيها عرب وإسبان. فنشرت الصحافة شهادة اعتناقه المسيحية بتاريخ 6/ 12 / 1979 م وإعادة زواجه في الكنيسة وفتشت عن تفاصيل حياته الخاصة والعامة، وشتمه مناوئوه بكل الشتائم. فأجاب خايمي على الاتهامات بأنه أجبر على اعتناق الكاثوليكية ظاهرًا

ص: 338

لأنهم "سحبوا من زوجتي جنسيتها الإسبانية التي كانت تتمتع بها منذ 27 سنة عند زواجها بي، ورفضوا إعطاء الجوازات لأبنائي، ورفضوا تجديد الورقة الوطنية لواحد منهم، أجبروني على عمل ما عملته، ولكنني مسلم الآن كما كنت مسلمًا في الماضي، وسأبقى مسلمًا إلى أن ألقى الله".

وفي 1 - 2/ 1 / 1982 م، نظمت "جمعية قرطبة الإسلامية" في مركز البلدية بقصر الخليفة القديم بقرطبة "لقاء الصداقة العربي القرطبي"، أول مؤتمر لها، افتتحه العمدة أنغيتا، واشتركت فيه شخصيات عربية وإسبانية. افتتح المؤتمر بقراءة القرآن الكريم تبعته محاضرات لكاتب هذه السطور وللأساتذة عبد السلام الهراس وإسماعيل الخطيب من المغرب، وأنطونيو رباسكو وأنطونيو سالسيدو ولاورو ألموس من إسبانيا، وغيرهم. وأقام مرة أخرى المطران إنفانتس فلوريدو ضجة في الصحافة، ظلت عدة أسابيع، بسبب صلاة بعض الحاضرين تحية المسجد في المسجد الأعظم، وعدّ ذلك إهانة للكاثوليكية.

وفي 11/ 1 / 1982 م، زار الرئيس الجزائري السابق، الرئيس أحمد بن بلا، وزوجه، المحامية زهراء السلامي، قرطبة بدعوة من "جمعية قرطبة الإسلامية". وفي أواخر يناير عام 1982 م، زار المغرب وفد من الجمعية اجتمع بعدة شخصيات رسمية وغير رسمية.

وفي أوائل فبراير عام 1982 م، زار المغرب وفد قرطبي برئاسة العمدة أنغيتا وزوجه، وعضوية خايمي سيان وعدد من أعضاء المجلس البلدي القرطبي، بدعوة من بعض العائلات الأندلسية لشكر العمدة وأهل قرطبة على مواقفهم الشجاعة في مساندة الإسلام بها. وألقى أنغيتا محاضرة بالدار البيضاء عن "قرطبة ماضيها وحاضرها ومستقبلها"، كان لها أعمق الأثر، كما استقبلت عدة شخصيات مغربية الوفد في بيوتها، منهم الدكتور عبد الكريم الخطيب بالرباط، والأستاذ عبد الله كنون رحمه الله بطنجة، والحاج إدريس الحلو بالدار البيضاء وغيرهم. وانتهت زيارة الوفد في مدينة فاس حيث احتفل به أهلها.

ثم ذهب وفد "جمعية قرطبة الإسلامية" برئاسة سيان إلى المشرق حيث زار بعض دول الخليج واجتمع بالمسؤولين فيها، من بينهم الشيخ أحمد المبارك، رحمه الله، رئيس القضاء الشرعي بأبو ظبي، بدولة الإمارات العربية المتحدة.

ص: 339

وفي يونيو سنة 1982 م، افتتحت "جمعية قرطبة الإسلامية" مركزًا لها في شقة مؤجرة بشارع أنخيل سابدرا، وسط مدينة قرطبة، بعد أن كان أعضاؤها يجتمعون في بيت رئيسها، بعد أن يئست من استرجاع مسجد القاضي أبي عثمان بشروط معقولة.

ثم فكرت الجمعية في استقدام إمام من المغرب يعرف الإسبانية والتربية الإسلامية لتعليم أعضاء الجمعية أمور دينهم. وبعد الاستشارة، اختير الإمام الذي التحق بعمله في يوليوز عام 1982 م.

وفي 2/ 9 / 1982 م، اشترت الجمعية أرضًا في قرطبة لبناء مسجد عليها.

ولكن الإمام المغربي أساء السيرة والتصرف منذ وصوله، فأدخل للجمعية عناصر عربية مشبوه فيها وشجع رئيس الجمعية على الابتعاد عن طريق الحرص والحيطة. فقررت الجمعية اشتراء بيت في قرطبة لتحويله إلى مركز إسلامي، وسلم رئيسها، سيان، شيكًا بتاريخ مؤجل في حساب لا رصيد فيه. وفي 27/ 9 / 1982 م، عند انتهاء الأجل وعدم دفع الثمن، قبض على خايمي سيان وأدخل السجن. واغتنم "الإمام" الفرصة فقدم باسم الجمعية شكوى بسيان أنه أساء التصرف بأموال الجمعية. وأزيح سيان من رئاسة الجمعية وانتُخب مكانه عبد العزيز (خوليان) مرالس غارسيا. وبقي سيان في السجن 87 يومًا، ثم أطلق سراحه في 23/ 12/ 1982 م بعد تبرئته من التهم التي اتهم بها.

بعد إزاحة سيان من رئاسة "جمعية قرطبة الإسلامية"، أكملت الجمعية شراء البيت المذكور. لكن الإمام المغربي أساء السيرة وقدم شخصًا مشرقيًّا مشبوه فيه لرئاسة الجمعية. فعمل هذا الأخير على تجميدها. وفي فبراير عام 1983 م، أُرجع الإمام إلى المغرب، وفي شهر أبريل الذي تلاه، أُقفل المركز الإسلامي. وجمدت الجمعية نهائيًّا وتشتت أفرادها إلى أن انضموا إلى "الجماعة الإسلامية في الأندلس" في شهر مايو عام 1990 م التي حصلت على ممتلكاتها كذلك بعد جمع عام لجميع أفرادها.

يجدر بنا أن نستنتج بعد هذا العرض أسباب فشل "جمعية قرطبة الإسلامية" وإيجابيات هذه التجربة. كان تأسيس هذه الجمعية مفيدًا للغاية في إرجاع الإسلام إلى الأندلس. فقد أثبتت الوجود الإسلامي لأول مرة في قرطبة. واعتنق الإسلام عن طريقها عدد مهم من القرطبيين، ظلوا مسلمين بعد فشلها كتنظيم، مما سهل إعادة

ص: 340