المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌12/ 5 - الأندلسيون في باقي أوروبا وأمريكا: - انبعاث الإسلام في الأندلس

[علي المنتصر الكتاني]

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌تقديم

- ‌مقدمة الشيخ المجاهد الإسلامي إبراهيم بن أحمد الكتاني

- ‌مقدمة المؤلِّف

- ‌الفصل الأولنشأة وسقوط دولة الإسلام في الأندلس

- ‌1/ 1 - الأمة الأندلسية وتكوينها:

- ‌1/ 2 - قيام مملكة غرناطة:

- ‌1/ 3 - جهاد مملكة غرناطة المتواصل:

- ‌1/ 4 - اتحاد الممالك النصرانية:

- ‌1/ 5 - الحرب الأهلية وسقوط غرناطة:

- ‌مراجع الفصل الأول

- ‌الفصل الثانيالاضطهاد والتنصير 1492 - 1568 م

- ‌2/ 1 - بداية الغدر وتنصير مسلمي غرناطة (1492 - 1502 م):

- ‌2/ 2 - محاكم التفتيش الكاثوليكية في إسبانيا:

- ‌2/ 3 - ذروة اضطهاد المسلمين 1502 - 1567 م:

- ‌2/ 4 - وضع المسلمين في مملكتي البرتغال وقشتالة:

- ‌2/ 5 - وضع المدجنين في مملكة أراغون:

- ‌مراجعالفصل الثاني

- ‌الفصل الثالثثورة غرناطة الكبرى (1568 - 1570 م)

- ‌3/ 1 - تهيىء الثورة:

- ‌3/ 2 - إعلان الثورة وبيعة ابن أمية:

- ‌3/ 3 - انتشار الثورة واستشهاد ابن أمية:

- ‌3/ 4 - مراحل الثورة تحت قيادة ابن عبو:

- ‌3/ 5 - الانهزام والاستسلام:

- ‌مراجعالفصل الثالث

- ‌الفصل الرابعالتشتيت وزيادة القهر (1570 - 1608 م)

- ‌4/ 1 - إخراج المورسكيين من مملكة غرناطة:

- ‌4/ 2 - أوضاع المسلمين في مملكة قشتالة من سنة 1570 م إلى سنة 1608 م:

- ‌4/ 3 - أوضاع المسلمين في مملكة أراغون من سنة 1570 م إلي سنة 1608 م:

- ‌4/ 4 - علاقات مسلمي إسبانيا الخارجية من 1570 م إلى 1608 م:

- ‌4/ 5 - التفكير في الطرد:

- ‌مراجع الفصل الرابع

- ‌الفصل الخامسطرد المسلمين الجماعي عن إسبانيا (1608 - 1614 م)

- ‌5/ 1 - قرار الطرد سنة 1608 م:

- ‌5/ 2 - طرد مسلمي مملكة بلنسية:

- ‌5/ 3 - طرد مسلمي أراغون القديمة وباقي مملكة أراغون:

- ‌5/ 4 - مسلمي مملكة قشتالة:

- ‌5/ 5 - المورسكيون المطرودون في مناطق هجرتهم:

- ‌مراجعالفصل الخامس

- ‌الفصل السادسديموغرافية المورسكيين وحياتهم الاجتماعية

- ‌6/ 1 - ديموغرافية المورسكيين:

- ‌6/ 2 - حياة المورسكيين الدينية:

- ‌6/ 3 - حياة المورسكيين الاجتماعية:

- ‌6/ 4 - حياة المورسكيين الاقتصادية:

- ‌6/ 5 - الثقافة المورسكية:

- ‌مراجعالفصل السادس

- ‌الفصل السابعاستمرار الوجود الإسلامي في الأندلس في القرنين السابع عشر والثامن عشر

- ‌7/ 1 - إسبانيا في القرنين السابع عشر والثامن عشر:

- ‌7/ 2 - معاملة الدولة للمورسكيين:

- ‌7/ 3 - معاملة محاكم التفتيش:

- ‌7/ 4 - مؤامرات وثورات:

- ‌7/ 5 - شواهد الرحالة:

- ‌مراجعالفصل السابع

- ‌الفصل الثامنتكوين القومية الأندلسية (في القرنين التاسع عشر والعشرين)

- ‌8/ 1 - إسبانيا في القرنين التاسع عشر والعشرين:

- ‌8/ 2 - الجذور الإسلامية للقومية الأندلسية:

- ‌8/ 3 - انبعاث الهوية الأندلسية (1808 - 1873 م):

- ‌8/ 4 - بروز الحركة الأندلسية ودور بلاس إنفانتي:

- ‌8/ 5 - تطور الحركة الأندلسية: إسلام بلاس إنفانتي واستشهاده:

- ‌مراجعالفصل الثامن

- ‌الفصل التاسعانبعاث القومية الأندلسية 1975 - 1990 م

- ‌9/ 1 - دكتاتورية فرانكو (1939 - 1975 م):

- ‌9/ 2 - رجوع الديموقراطية وانبعاث القومية الأندلسية:

- ‌9/ 3 - إنشاء منطقة الأندلس ذات الحكم الذاتي:

- ‌9/ 4 - رموز منطقة الأندلس ذات الحكم الذاتي:

- ‌9/ 5 - إحصائيات الأندلس المعاصرة:

- ‌مراجعالفصل التاسع

- ‌الفصل العاشرالانبعاث الإسلامي على مفترق الطرق (منذ سنة 1970 م)

- ‌10/ 1 - الجمعيات الإسلامية للوافدين:

- ‌10/ 2 - الطريقة الدرقاوية في غرناطة:

- ‌10/ 3 - جمعية قرطبة الإسلامية:

- ‌10/ 4 - محاولات تنظيمية أخرى في الأندلس:

- ‌10/ 5 - محاولات تنظيمية خارج منطقة الأندلس:

- ‌مراجعالفصل العاشر

- ‌الفصل الحادي عشرالجماعة الإسلامية في الأندلس

- ‌11/ 1 - الأيام الأولى في إشبيلية:

- ‌11/ 2 - الإنطلاقة من إشبيلية:

- ‌11/ 3 - النكسة والانطلاقة الجديدة:

- ‌11/ 4 - العودة إلى قرطبة:

- ‌11/ 5 - العلاقة مع الشتات الأندلسي:

- ‌مراجعالفصل الحادي عشر

- ‌الفصل الثاني عشرالشتات الأندلسي اليوم

- ‌12/ 1 - الأندلسيون في المغرب:

- ‌12/ 2 - الأندلسيون في تونس:

- ‌12/ 3 - الأندلسيون في باقي القارة الإفريقية:

- ‌12/ 5 - الأندلسيون في باقي أوروبا وأمريكا:

- ‌مراجعالفصل الثاني عشر

- ‌خاتمة

- ‌ملحق معاهدة تسليم غرناطة المعقودة بين أبي عبد الله الصغير والملكين الكاثوليكيين

- ‌المادة الأولى:

- ‌المادة الثانية:

- ‌المادة الثالثة:

- ‌المادة الرابعة:

- ‌المادة الخامسة:

- ‌المادة السادسة:

- ‌المادة السابعة:

- ‌المادة الثامنة:

- ‌المادة التاسعة:

- ‌المادة العاشرة:

- ‌المادة الحادية عشر:

- ‌المادة الثانية عشر:

- ‌المادة الثالثة عشر:

- ‌المادة الرابعة عشر:

- ‌المادة الخامسة عشر:

- ‌المادة السادسة عشر:

- ‌المادة السابعة عشر:

- ‌المادة الثامنة عشر:

- ‌المادة التاسعة عشر:

- ‌المادة العشرون:

- ‌المادة الحادية والعشرون:

- ‌المادة الثانية والعشرون:

- ‌المادة الثالثة والعشرون:

- ‌المادة الرابعة والعشرون:

- ‌المادة الخامسة والعشرون:

- ‌المادة السادسة والعشرون:

- ‌المادة السابعة والعشرون:

- ‌المادة الثامنة والعشرون:

- ‌المادة التاسعة والعشرون:

- ‌المادة الثلاثون:

- ‌المادة الحادية والثلاثون:

- ‌المادة الثانية والثلاثون:

- ‌المادة الثالثة والثلاثون:

- ‌المادة الرابعة والثلاثون:

- ‌المادة الخامسة والثلاثون:

- ‌المادة السادسة والثلاثون:

- ‌المادة السابعة والثلاثون:

- ‌المادة الثامنة والثلاثون:

- ‌المادة التاسعة والثلاثون:

- ‌المادة الأربعون:

- ‌المادة الحادية والأربعون:

- ‌المادة الثانية والأربعون:

- ‌المادة الثالثة والأربعون:

- ‌المادة الرابعة والأربعون:

- ‌المادة الخامسة والأربعون:

- ‌المادة السادسة والأربعون:

- ‌المادة السابعة والأربعون:

- ‌فهرس المحتويات

الفصل: ‌12/ 5 - الأندلسيون في باقي أوروبا وأمريكا:

ولا شك أن عددًا من الأندلسيين انتقلوا مع الجيوش الإسبانية إلى الفلبين وانضموا إلى المسلمين الذين يفتخرون إلى اليوم بتسمية "المورو"، ويسمون نفسهم "شعب المورو"، كما انتقل الأندلسيون مع البرتغاليين إلى سيلان (حيث يسمى المسلمون القدماء مورو إلى اليوم). وماليزيا وجزر أندونيسيا. وكل هذه الهجرات تستحق الدراسة.

أما الصين فقد انتقل إليها الأندلسيون قبل سقوط غرناطة وبعدها ولم تجر بعد على هذا الموضوع دراسة تذكر.

‌12/ 5 - الأندلسيون في باقي أوروبا وأمريكا:

يعود الوجود الإسلامي الأندلسي في فرنسا، أقرب دول أوروبا لشبه الجزيرة الأندلسية، إلى الفتح الإسلامي. وكان الأندلسيون يسمون الأراضي الأوروبية وراء جبال البرت ( Pyrennees) بـ "الأرض الكبيرة". وقد أرسل المسلمون عدة حملات استكشافية إلى "الأرض الكبيرة"، الأولى سنة 714 م بقيادة طارق بن زياد، خرجت من طرطوشة فبرشلونة فأربونة ( Narbonne) إلى أبنيون ( Avignon) على نهر الرودانة ( Rhones) ، وتابعت مجرى النهر إلى حصن لذن ( Lyon) ثم رجعت إلى الأندلس.

والثانية سنة 715 م. فتحت أربونة وقرقشونة ( Carcasonne) ، وألحقت منطقتيهما بالأراضي الأندلسية. والثالثة سنة 719، بقيادة السمح بن مالك الخولاني، خرجت من برشلونة وركزت فتح أريونة وقرقشونة، واتجهت نحو طلوشة ( Toulouse) ، فاستشهد السمح على أباب المدينة سنة 721، ورجع الجيش إلى برشلونة. والرابعة سنة 725 م، بقيادة عنبسة بن سحيم الكلبي، اتجهت من أربونة إلى نيمش ( Nimes) ، ففتحتها وضمتها للأراضي الإسلامية، ثم اتجهت على ضفاف وادي الرودانة إلى حصن لذن، ثم تابعت مجرى نهر الصون إلى مدينة أوتان ( Autin) ثم إلى بلدة سانس ( Sens) على بعد مائة كيلومتر شرق باريز، ثم اتجهت الحملة إلى شالون ( Chalon) وديجون ( Dijon) ولانغرس ( Langres) قبل أن ترجع إلى الأندلس عن طريق وادي الصون والرودانة. والحملة الخامسة سنة 732 هـ، بقيادة عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي اتجهت من بنبلونة عبر مضيق روسنفو بجبال البرت إلى برديل ( Bordeaux) ثم إلى بواتيه حيث استشهد عبد الرحمن الغافقي في معركة بلاط الشهداء في شهر رمضان سنة 114 هـ (أكتوبر سنة 732 م)، عشرون كيلومترًا شمال المدينة، فرجع الجيش إلى أربونة. والحملة السادسة سنة 734 م، بقيادة يوسف بن عبد الرحمن،

ص: 413

والي أربونة، اتجهت من أربونة ففتحت مدينة آرلس ( Arles) ثم سان رمي ثم أبنيون وضمتها لأراضي الأندلس، ثم تابعت الحملة مجرى نهر الدورانس شرقًا نحو جبال الألب، ورجعت الحملة بعد أربع سنوات إلى أربونة.

ثم استرجع الإفرنج الأراضي التي فتحها المسلمون في الأرض الكبيرة ابتداء من أبنيون، ثم أربونة سنة 751 م بعد 36 سنة من الوجود الإسلامي، ثم قرقشونة سنة 759 م بعد 44 سنة من الوجود الإسلامي. وبهذا انقضى الوجود الإسلامي الأندلسي المباشر الأول في فرنسا.

وفي سنة 236 هـ (850 م) أرسل عبد الرحمن الأوسط جيشًا بقيادة عبد الواحد بن يزيد الإسكندراني في حملة تأديبية ضد الإفرنج وصلت إلى مدينة أربونة. ثم تتابعت حملات البحارة الأندلسيين على الشواطىء الفرنسية، ضد آرلس سنة 843 م و 850 م و 869 م، وضد نيس سنة 859 م و 880 م، ثم استوطنوا حول بلدة فراكسنتوم، قرب سان تروبيز بين نيس وتولون، بين سنتي 891 و 894 م، وتوسع الجيش الأندلسي إلى أن كوّن دويلة أندلسية بحرية امتدت على جبال الألب سنة 933 م، وتوسعت إلى أن ضمت أراضي فرنسية وإيطالية وسويسرية، ولم تقض عليها الحملات الصليبية المتواصلة إلا سنة 973 م بعد 82 سنة من تأسيسها.

ويعود التأثير الأندلسي في فرنسا إلى حقبة ما بعد سقوط غرناطة وطرد سنة 1609 م. وفي سنة 1019 هـ (1611 م) زار الشهاب الحجري فرنسا على رأس سفارة لسلطان المغرب، من ميناء آسفى، وتحدث عن وجود قاض للأندلسيين في المجلس الملكي الفرنسي، مركزه في سان جان دولوس (ببلاد الباسك الفرنسية)، يختاره الملك من بين النصارى ليقضي بين الأندلسيين في نزاعاتهم ولأخذ خمس أملاك أغنياءهم لصرفها على فقرائهم. وتبين الوثائق الفرنسية تفاصيل عن المورسكيين في فرنسا في القرن السابع عشر، منها رسائل حول موضوع إنجاز قرار برلمان إكس البروفانس بطرد اللاجئين المورسكيين تظهر أنه سمح لعدد كبير منهم بالإقامة حول تولون، جنوب فرنسا، وإعفائهم من الطرد بحجة أنهم نصارى مخلصين.

وتبرهن أحداث القرن السابع عشر أن معظم مروسكيي فرنسا بقوا مسلمين سرًّا. فمثلاً، كانت توجد ثلاث فئات بين الأوروبيين المسلمين ذو النفوذ في طرابلس الغرب في أواخر القرن: إيطالية، ويونانية، وفرنسية من منطقتي تولون ومرسيلية حيث استقر

ص: 414

المورسكيون، مما يوحي أن فرنسيي طرابلس هم أحفاد المورسكيين الذين رجعوا إلى الإسلام. كما انتقل عدد من فرنسيي منطقتي اللانكدوق والروسيون (منطقتي هجرة المورسكيين كذلك) إلى تونس وأعلنوا إسلامهم، منهم الرئيس شعبان دي مارتيغة ( Martigues) الذي ولد في سرينيان ( Serignan) سنة 1589 م، وانتقل إلى تونس سنة 1604 م حيث أعلن إسلامه، وقبض عليه النصارى في صقلية سنة 1619 م وحاكموه في محاكم التفتيش.

وفي غشت سنة 1668 م، قدم ثلاثة تجار من أصل أندلسي من بوردو إلى مرسيلية للإبحار إلى الجزائر، فقبضت السلطات على واحد منهم مع 18 من ذويه.

فأقر أن مورسكيي فرنسا (أكثرهم باللانكدوق غوايان والنورماندي) يخفون الإسلام ويتظاهرون بالنصرانية، وأن مئات منهم يهاجرون سنويًّا إلى شمال إفريقيا بأبنائهم ونسائهم. وقد اشتكى قناصلة فرنسا، خاصة في الجزائر وتونس وطرابلس، من هذه الهجرة الفرنسية والهروب من النصرانية. واكتشفت السلطات أن المورسكيين يتكلمون الفرنسية بطلاقة تامة ويكوّنون في فرنسا "نوعًا من الجمهورية" ويتزوجون بالفرنسيات ويدخلنهن الإسلام. فحاولت السلطات الفرنسية إرغامهم على التنصير، كما قبضت في شهر نوفمبر عام 1668 م على مورسكي آخر و 20 من ذويه، بما فيهم النساء والأطفال، حاولوا التوجه من فرنسا إلى بلاد الإسلام، فمنعتهم وشتتتهم في فرنسا.

وفي سنة 1677 م، خرج بدرو الباسكوني، وهو مورسكي من بوردو حيث ولد، من طرابلس إلى تافلالت ومراكش، واستقر في طنجة كصوفي مسلم. وفي سنة 1700 م، هرب بروتستنتيان من روان وليزيو إلى الجزائر واعتنقا الإسلام وتزوجا بمسلمتين، ومن المحتمل أنهما كذلك من أبناء الجالية المورسكية المستقرة في النورماندي. نرى إذن أن معظم الفرنسيين الذين هربوا إلى شمال إفريقيا في القرنين السابع والثامن عشر وأعلنوا إسلامهم، هم من أصول أندلسية أو من المناطق الفرنسية ذات السكن المورسكي. ويجوز التساؤل عن وجود ذكرى جماعية إسلامية في مناطق السكن المورسكي، خاصة أن كثير من معتنقي الإسلام المعاصرين في فرنسا، بما فيهم المفكر روجي كارودي، هم من تلك المناطق.

وبصفة عامة توجد في فرنسا اليوم عائلات كثيرة ذات أصول أندلسية واضحة ومعروفة منها: عائلة غراندي ( Grandet) وجعفري ( Jafari) وبسطي ( Basti) وكيلس

ص: 415

( Quiles) التي تعادلها اسكيرج في تطوان، وغيرها من الأسماء. ولا شك أن هذا الموضوع يستحق الدراسة.

ونتج التأثير الأندلسي في سويسرا عن دولة فرانكسنتوم التي ضمت منطقة الفالي ووصلت إلى شمال سويسرا بسان غال. كما استقر بعض المورسكيين في سويسرا بعد سنة 1609 م، منهم الدكتور أبو زيد صديق فولتير. ولحد الساعة يفتخر أهل الفالي بأصولهم "العربية".

واستقر بإيطاليا عدد من الأندلسيين، طوعًا أو كرهًا، كالكاتب المؤرخ محمد بن الحسن الوزان الغرناطي، الذي أسره النصارى وباعوه للبابا، وظل مدة في روما تحت اسم "ليون الإفريقي"، وكتب كتبًا أهمها "وصف إفريقيا". وقد هاجر عدد من الإيطاليين إلى بلاد الاسلام وأعلنوا إسلامهم، ولا شك أن منهم ذوو الأصول المورسكية، كالرئيس علي فراري الذي استقر بتونس، وقبض عليه النصارى وسلموه إلى محاكم التفتيش في صقلية التي حاولت إجباره على التنصير. فرفض رغم السجن والتعذيب الذين داما من سنة 1624 م إلى ما بعد سنة 1642 م. كما يتأصل من إيطاليا عدة من حكام الجزائر كالرئيس علج علي والرئيس باربا روسا. وقد بقيت بعض الأسماء الإيطالية تدل على أصول أندلسية منها، مورو (كرئيس الوزراء السابق المقتول، آلدو مورو) وسرزان ( Sarrazin) ، وغيرهما. ويستحق بقايا الوجود الأندلسي في إيطاليا الدراسة.

ومكث عدد من المورسكيين في ألمانيا حيث بقيت عدة أسماء عائلات أندلسية إلى اليوم، منها اسم موهر ( Mohr) . ووصل الوجود الأندلسي إلى بريطانيا ومناطق أوروبا الشمالية. ورغم انعدام البراهين حول أصل شكسبير "العربي" الأندلسي، فليس من المستبعد حسب الأوضاع المعروفة آنذاك أن يكون أندلسيًّا، ويستحق الموضوع الدراسة.

وأوردت الوثائق العربية هجرة غرناطية إلى أوروبا الشرقية، كهجرة أبي حامد الغرناطي وابنه حامد إلى المجر حيث تزعما الجماعة الإسلامية بها في القرن الثاني عشر الميلادي. وقد ذكر أبو حامد الكثير عن حياة المسلمين في المجر في كتابه "تحفة الألباب ونخبة الآداب".

وبعد ثورة ربض قرطبة سنة 202 هـ (818 م)، توجه عدد من الربضيين بعد طردهم إلى الإسكندرية واحتلوها. واضطروا إلى الخروج عنها سنة 212 هـ (827 م)

ص: 416

لفتح جزيرة اقريطش (كريت) من يد البيزنطيين بقيادة أبي حفص عمر البلوطي، وصحبة عدد من الفقهاء والعلماء منهم الفقيه الزاهد محمد بن عيسى بن دينار الغافقي (من قرطبة)، وكان عددهم حوالي 5.000 أندلسي. فأسسوا إمارة أندلسية إسلامية دامت 134 سنة إلى احتلال البيزنطيين سنة 961 م، واتخذوا مدينة الخندق (كندية، هرقليون اليوم) عاصمة لها. وأسلم معظم سكان الجزيرة بعد بضع سنين، كما ذكر في النصف الأول من القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) أبو إسحق الكرخي في كتابه "المسالك والممالك"، إذ قال:"واقريطش دونها (أي صقلية) في العرصة والعمارة، وسكانها جميعًا مسلمون أهل غزو، وبين ظهورهم نبذ من النصارى كما يكون ببلدان المسلمين".

ولما احتل النصارى اقريطش أخذوا ينصّرون الأهالي قهرًا حتى قضي على الإسلام في الجزيرة، كما ذكر ابن جبير (من بلنسية) في رحلته سنة 1185 م (أي 224 سنة بعد خروج اقريطش من يد الأندلسيين):"وأهل النظر في العواقب منهم (مسلمي صقلية) يخافون أن يتفق على جميعهم ما اتفق على أهل جزيرة اقريطش المسلمين، في المدة السالفة، فإنه لم تزل بهم الملكة الطاغية من النصارى والاستدراج الشيء بعد الشيء، حالاً بعد حال، حتى اضطروا إلى التنصر عن آخرهم، وفر منهم من قضى الله بنجاته".

ثم فتح العثمانيون اقريطش من يد البندقيين بين سنتي 1645 م و 1669 م (أي 684 سنة بعد خروجها من يد الأندلسيين) فعاد كثير من أهلها إلى الإسلام بفضل ذكرى الحقبة الأندلسية الجماعية، حتى زاد عدد المسلمين على نصف السكان في منتصف القرن التاسع عشر. ثم أخذ الأوروبيون يشجعون نصارى الجزيرة على إقامة المذابح ضد مواطنيهم المسلمين، دون حماية الدولة العثمانية، فنزح المسلمون بأعداد كبيرة إلى أن نزلت نسبتهم في الجزيرة إلى 26.4 في المائة سنة 1900 م، قبيل انضمامها إلى اليونان سنة 1913 م. وفي سنة 1923 م، أدخل مسلمو اقريطش في تبادل السكان مع تركيا، فنقل عنها معظم ما تبقى من مسلميها. ويوجد اليوم مسلمون كريتيون في معظم المناطق الإسلامية حول البحر الأبيض المتوسط.

وبعد سقوط غرناطة، هاجرت إلى الأراضي التي تكون اليوم اليونان، خاصة سلانك وطراقية الغربية، أعداد كبيرة من الأندلسيين، وكذلك بعد طرد سنة 1609 م،

ص: 417

واندمجوا مع الأيام في المجتمع التركي وانتقل الكثير منهم إلى تركيا بعد الحرب العالمية الأولى.

وانتقل عدد من الأندلسيين في القرن السابع عشر إلى الأراضي العثمانية التي تكوّن اليوم يوغسلافيا وألبانيا وبلغاريا. وتستحق هجرات الأندلسيين إلى أوروبا الشرقية وتأثيرهم على مجتمعاتهم الإسلامية الدراسة.

والأندلسيون هم الذين اكتشفوا القارة الأمريكية، حسب الشريف الإدريسي في قصة الشبان المغرورين الذين أبحروا من الأشبونة عبر "بحر الظلمات" إلى جزر وصفوها، أرجعهم عنها ملكها. لولا الأندلسيون لما وصل كلومب إلى القارة الجديدة. وبعد سقوط غرناطة واكتشافها، هاجر إليها الأندلسيون المسلمون مع الجيوش الغازية هروبًا من محاكم التفتيش. لكنهم وجدوا محاكم مماثلة تنتظرهم في القارة الأمريكية. وأول من وصل إلى شمال أمريكا من المورسكيين روديكو دي لوبي، زميل كلومب، الذي أعلن إسلامه بعد رجوعه إلى إسبانيا، واستبانيكو دي آزمور، الجنرال الإسباني الذي احتل أريزونا، وهو في الحقيقة مورسكي.

وظلت إلى يومنا هذا الآثار الأندلسية قائمة في كل جنوب أمريكا. فبقي التأثير الإسلامي الأندلسي في التراث الفنزويلي المكتوب يظهر من وقت لآخر، أهمه إنتاج الكاتب الفنزويلي دون رفائيل دونقالس إي مندس (ولد سنة 1878 م) الذي اعتز بجذوره الإسلامية في مؤلفاته. ولا زال كثير من الفنزويليين يفخرون بأصولهم الأندلسية الإسلامية.

ويعتز كذلك الكولومبيون بالتأثير الأندلسي الإسلامي. ونبغ في القرن التاسع عشر أخصائيون كولومبيون في الحضارة الإسلامية، منهم الدون آزكيال أوريكواشا. وعندما ضعفت قبضة الكنيسة على البلاد بعد استقلالها، وصلت الشجاعة ببعض الكتاب الكبار إلى الافتخار بالإسلام وحضارته، منهم من تعلم اللغة العربية وآدابها، أشهرهم دون روفينو خوزي كوارفو.

ودخل التراث الإسلامي الأندلسي إلى العمارة في البيرو والأكوادور، كما أثر على كتابهما، كقصة كاتب البيرو الكبير دون ريكاردو بلما التي نشرها تحت عنوان "افعل الخير ولا تبال"، حيث اتخذ حياة الأمير إبراهيم جد الأمير الأموي مروان الثاني أساسًا. والقصة مبنية على عظمة التسامح والكرم اللذين أديا إلى أن يسامح

ص: 418

الرجل ضيفه رغم اكتشافه أنه قاتل ابنه. ويوجد بالبيرو اليوم عطف على الإسلام، وكذلك الحال في بوليفيا.

وأثرت الحضارة الأندلسية الإسلامية في أدب الشيلي، كما يظهر، مثلاً، في تراث الكاتب الشيلاني دون بدرو برادو الذي طبق القافية العربية على الشعر الإسباني، ونشر سنة 1921 م ديوانًا باسم أفغاني مستعار هو "رضائي روشان"، كما أصبحت عدة قصص عربية جزءًا من التراث الشعبي الشيلاني.

ومنع البرتغاليون هجرة الأندلسيين المسلمين إلى البرازيل عندما احتلوها في القرن السادس عشر. ورغم المنع، وصل كثير من البحارة الأندلسيين إلى البرازيل لمعرفتهم بالبحار والملاحة فيها، كما هاجر إليها سرًّا أندلسيون من منطقة الغرب (جنوب البرتغال)، فأقامت الحكومة محاكمًا للتفتيش ضدهم. وفي سنة 1594 م، أخرجت محكمة بهية للتفتيش منشورًا توضح فيه علامات المُخفي للإسلام، منها: الغسل والنظافة خاصة أيام الجمعة، والقيام الباكر، والصيام، ونظافة الملابس. وحرقت تلك المحاكم كثير من الضحايا بتهمة الإسلام. وتوجد اليوم في البرازيل عائلات يعتز أفرادها بأصولهم الأندلسية، ويحتفظون في بيوتهم بمصاحف توارثوها عن أجدادهم جيلاً بعد جيل. ومنهم من اعتنق الإسلام، وقد كوّن هؤلاء جماعات إسلامية، خاصة في سان باولو.

وهاجر الأندلسيون إلى مناطق أرجنتين اليوم، وبسبب اضطهاد الكنيسة والدولة، لم يبق من إسلامهم إلا ذكرى يفتخرون بها. كما فعل كاتب أواخر القرن التاسع عشر دومنغو سارميانتو الذي كان يفتخر بأصله الإسلامي كسليل بني الرزين في شرق الأندلس. ويعتقد الكثيرون أن رعاة القاوشو في بوادي الأرجنتين هم من السلالات الأندلسية، وحافظوا على الكثير من القيم الإسلامية العريقة. وأثرت الحضارة الأندلسية على كثير من الأدباء الأرجنتينيين كأنريكي لاريتا الذي كتب عن حياة الأندلسيين أيام الملك فليبي الثاني في كتابه "انتصار الدون روميرو"، والكاتب قونسالس بالنسية في قصته "علامة الأسد"، وغيرهما.

وحصلت اليوم صحوة إسلامية أندلسية في الأرجنتين حيث أسس الأندلسيون الأرجنتينيون جماعة إسلامية، يتكون مكتبها الأول من: يوسف محمد علي قرطيش (الرئيس) ومحمد بارسيا (الأمين العام)، ومن أهم أعضائها أحد أعضاء عائلة "مولاي

ص: 419

سليلة بني الأحمر الذين احتفظوا بإسلامهم جيلاً بعد جيل في الأندلس، وهاجروا إلى أمريكا الجنوبية، ثم أعلنوا إسلامهم.

لذا فالشتات الأندلسي يستحق الدراسة والاهتمام. وهذا ما تنوي "الجماعة الإسلامية بالأندلس" القيام به. ندعو من الله لنا ولهم التوفيق. ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل، ولا غالب إلى الله.

ص: 420